أقلام ثقافية

رزق فرج رزق: الحظ يتجاهل إبراهيم الكوني

ونوبل التي تنتظر صاحب نزيف الحجر

بينما تعلن الأكاديمية السويدية عن فوز الكاتب المجري (لاسلو كراسناهوركاي) بجائزة نوبل للآداب لعام 2025، تطفو على السطح مشاعر متعددة في العالم العربي، لا سيما في ليبيا، حيث ينتظر الكثيرون اعترافاً عالمياً بأحد عمالقة الأدب العربي، إبراهيم الكوني.

الكوني: نبي الصحراء وأسطورتها

لا يختلف اثنان على مكانة إبراهيم الكوني الأدبية الفريدة، هذا الكاتب الليبي، الذي ينتمي إلى قبيلة الطوارق، استطاع عبر عشرات الروايات والمؤلفات أن يخلق عالماً سردياً مكتملاً، متجذراً في صحراء ليبيا الكبرى، لم تكن الصحراء في أعماله مجرد مكان، بل كانت كوناً متكاملاً، وشخصية رئيسية، ومصدراً للأسطورة والفلسفة والروحانيات.

ينتمي الكوني إلى نفس التقاليد السردية الملحمية التي ينتمي إليها كراسناهوركاي، لكن من بوابة الصحراء الأفريقية، إذا كان كراسناهوركاي يستكشف كابوسية الوجود في قلب أوروبا، فإن الكوني يستلهم من الصحراء رؤية وجودية مختلفة، تزاوج بين الواقعي والأسطوري، وتغوص في العلاقة المصيرية بين الإنسان والطبيعة، بين البداوة والحضارة، بين الفناء والخلود.2020 lazlo

لماذا لم يفز الكوني بعد؟

سؤال يطرحه الكثيرون، وليس هناك إجابة واحدة قاطعة، فالجوائز الكبرى، وعلى رأسها نوبل، تخضع لاعتبارات أدبية بحتة أحياناً، ولعوامل أخرى متشابكة في أحيان كثيرة، منها:

الترجمة: رغم ترجمة العديد من أعمال الكوني إلى لغات أوروبية، يبقى حضورها في المشهد النقدي الغربي أقل مقارنة بأدباء آخرين، فجائزة نوبل، في النهاية، تمنحها مؤسسة أوروبية وتقرأ الأعمال بلغاتها الأصلية أو بلغات وسيطة قوية مثل الإنجليزية والفرنسية.

السياق الثقافي: قد يكون العالم الأسطوري والروحاني الذي يبنيه الكوني، رغم عالميته، بحاجة إلى جهد أكبر من القارئ غير الملم بثقافة الصحراء وأساطيرها لفك شفراته والغوص في أعماقه، مقارنةً بالنصوص التي تنتمي إلى الموروث الثقافي الأوروبي المألوف للأكاديمية السويدية.

المنافسة: المنافسة على الجائزة شرسة دائماً، ويوجد العشرات من الكتاب العظام من مختلف القارات الذين يستحقون التتويج.

نظرة إلى المستقبل: الأمل باقٍ

فوز كراسناهوركاي، وهو كاتب ذو رؤية فلسفية عميقة ومعقدة، يثبت أن الأكاديمية السويدية لا تزال تبحث عن الأصوات الأدبية الفريدة والمؤثرة، التي تقدم رؤية مغايرة للعالم، وإبراهيم الكوني هو بالتأكيد أحد هذه الأصوات.

غياب الجائزة عنه حتى الآن لا ينقص من قيمته الأدبية الهائلة، فهو بالفعل فائز في مكتبات القراء، وفائز في تاريخ الأدب العالمي، تراثه الأدبي الغني هو انتصار للثقافة الليبية والعربية والإنسانية جمعاء.

ربما يكون تأخر فوزه بمثابة دفع للمؤسسات الثقافية العربية لتعمل بشكل أكبر على تقديم هذا العملاق إلى العالم، عبر ترجمة أوسع ونشر أعمق وإبراز لقيمة مشروعه الأدبي الفريد. فالأدب الحقيقي، في النهاية، أقوى من أي جائزة، لكن الجائزة يمكن أن تكون جسراً يعبر عليه هذا الأدب إلى مزيد من القراء في كل مكان.

ختاماً، بينما نحيي الفائز بنوبل 2026، نظل نرى في إبراهيم الكوني نجماً ساطعاً في سماء الأدب، يستحق كل تقدير، وتبقى الجائزة، بأموالها وبريقها، مجرد لحظة في مسيرة الإبداع، بينما الإبداع نفسه هو الباقي.

***

رزق فرج رزق - ليبيا

في المثقف اليوم