قراءات نقدية
عدنان حسين أحمد: "أسبوع العسل".. رواية "جامعة مانعة" لا يعتورها النقص، ولا يرتقي إليها القصور
صدرت عن دار "الفينيق" بعمّان رواية "أسبوع العسل" للدكتور حميد الكفائي؛ وهي الرواية الثالثة في رصيده الإبداعي الذي يترسّخ برَويّة ودِقّة وأناة، وقد استغرقتهُ الرواية الأولى "عابر حدود" قرابة عشر سنوات، كما أخذت منه رواية "الغائب الحاضر" زمنًا مماثلًا يعكس اهتمامه الكبير في كتابة النص السردي الذي لا تنقصه البراعة والرصانة والجمال.
مَن يقرأ هذه الرواية سيكتشف من دون لأْي أنها تتمحور حول الخيانة الزوجية والخيانة المهنية لكن القارئ العضوي المتفحِّص سيرى فيها أبعد من هاتين الخيانتين العُظميين، فبطل الرواية سليم صالح هو الشخصية الرئيسة في هذا النص السردي لكنها ليست المهيمنة كليًا على الرغم من حضوره الدائم في الفصول الثمانية والعشرين، إذ يمكن اعتبار هذا النص رواية بوليفونية متعددة الأصوات تشترك فيها من النساء فيونا ولورا وبيانكا وجوليا وسِلفِيا وفاتن، ومن الشخصيات الرجالية سليم ورشيد وألبيرتو ومصعب وحمدان وكونور وكامل وبوهدان وما سواهم من الشخصيات الرجالية والنسائية التي جاوزت الخمسين شخصية بضمنهم الأطفال الذين سنأتي على ذكرهم حينما تتشعّب الأحداث وتتشظّى العوائل التي كانت متضامّة مُتشابكة ذات يوم. كما تقترب هذه الرواية في جانب منها من السيرة الروائية أو السيرة الذاتية، إن شئتم، وذلك لهيمنة الراوي الذي يروي الأحداث بضمير المتكلم الذي يضطر للبوح بكل أسراره الخاصة والحميمة التي قد يهشِّم بعضها صورته الجميلة في أعين المحبّين والناقمين عليه على حد سواء.
ليس بالضرورة أن ينتمي هذا النص السردي إلى جنس الرواية التقليدية المتعارف عليها ولعل تشظّيها إلى أجناس قريبة منها كالسيرة الروائية أو السيرة الذاتية يمنحها أبعادًا إضافية توسّع من مدى الجنس الأدبي الواحد. كما أنّ النسق الحواري الذي ظهرت فيه الرواية سمح لها باحتضان معلومات سياسية واجتماعية وتاريخية وجغرافية وثقافية وفنية ما كان لها أن تظهر بهذه الكثافة وتمدّ الرواية بمضامين ثانوية تعزز ثيمة الرواية القائمة على أزمة الهُوية التي يعاني منها بطل الرواية سليم صالح، المهاجر من العراق الذي استقر في خاتمة المطاف في ضواحي لشبونة بعد أن درس في بريطانيا، وتعيّن في دبلن ثم انتقل إلى البرتغال وعمل في شركة "الرغبة" التي وفّرت له فرصًا ذهبية للقاء العديد من الحسناوات الأوروبيات إلاّ أنَّ "سِلفِيا احتلت منه موقع القلب، بينما سكنت بيانكا في أعماق الضمير" (الرواية،9) ولكي نتتبع الأحداث بشكل دقيق لابد من العودة إلى الزمن الكرونولوجي الذي يسير بخط مستقيم وإن تعمّد الراوي الداخلي أو الراوي المشارك تأجيل البوح ببعض الأسرار المهمة التي قد تقلب حياته رأسًا على عقب. ولهذا بدا النسق السردي دائريًا أو ثمة حلقة مفقودة يمكن أن تُعيد للسياق السردي إيقاعه المنتظم أو نسقه المعتاد. يمكن اعتبار سليم صالح راويًا عليمًا لكنه ليس كلي العلم فثمة تصرفات وسلوكيات لا يمكن أن يتوقعها أو يعرفها على وجه الدقة مثل ردود أفعال النساء الأربع اللواتي ارتبط معهنّ بعلاقات حميمة وهنّ على التوالي فيونا ولورا وبيانكا وسلفيا فقد درس سليم في جامعة لندن وتخرج فيها طبيبًا متخصصًا في علم النفس، ثم تعيّن في مستشفًى بدبلن، وهو المستشفى ذاته الذي تعمل فيه زوجته فيونا كطبيبة أيضًا لكنه في لحظة ضعف أقام علاقة حميمة مع لورا، إحدى مريضاته التي حملت منه طفلاً أسمتهُ راين، فالقانون الآيرلندي لا يسمح بالإجهاض كما أنها تنتمي إلى أسرة كاثوليكية تعتبر الإجهاض حرامًا. وسوف توفر لنا لورا إطلالة على الديانة المسيحية القائمة على المحبة والنبل والتسامح حيث ردد والدها ما قاله السيد المسيح عندما أرادوا رجم مريم المجدلية "فليرمِها بحجر من لم يرتكب ذنبًا" (الرواية، 170) فتوقّف الجميع لأنه لا يوجد بينهم منْ لم يرتكب إثمًا أو خطيئة. كما سيوفر لنا مصعب إطلالة أوسع على الديانة الإسلامية والقرآن الكريم من خلال استشهادات رشيد بآيات من الذِكر الحكيم أبرزها "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"(الرواية، 20) "ولا إكراه في الدين فقد تبيّن الرُشد من الغيّ"(الرواية، 21) وما إلى ذلك من آيات كريمة تحضُّ على حرية الاعتقاد والإيمان والتفكير.
علاقات متعددة وولع مُفرط بالنساء
لابدّ من الإقرار بأنَّ سليم صالح يحب الجمال ويتوه فيه فلاغرابة أن يحب أكثر من امرأة في وقت واحد كما حصل حينما أحبَّ لورا بوجود زوجته الأولى فيونا، وسوف يحب سِلفِيا بوجود بيانكا، كما أنه كان يميل إلى فاتن بوجود الاثنتين على الرغم من أنها سطحية وتفتقر إلى الثقافة والكياسة ولا تمتلك غير الجمال الوراثي الذي يعود إلى جيناتها الفينيقية. ومثلما ارتكب الخطأ الأخلاقي والمهني الأول مع لورا فسوف يدفعه الولع بالنساء إلى تأسيس علاقة حميمة مع بيانكا التي قررت أن تعود إلى جنوا لتكتشف بعد مدة قصيرة أنها حامل وسوف تنجب هذا المولود وتتعلق به جدًا وتُطلق عليه اسم أليساندرو لينضاف إلى قائمة أولاد سليم صالح الذي قرّر أصلًا ألّا ينجب أطفالًا في هذا العالم المكتظ بالمواليد الجُدد. وبعد أن تفكّ سلفيا طلاسم العلاقة التي كانت تربطه ببيانكا وتعزف عن الإنجاب تفاجئنا بأنها حامل بتوأم غير متماثل وسوف يسمّيهما سليم أسماءً مشتركة في الثقافتين العربية والأوروبية حيث تأخذ الطفلة اسم منى بينما يأخذ الطفل اسم كميل ليُصبح عدد أولاده أربعة وهم على التوالي راين وأليساندرو ومنى وكميل ولطالما كان يحلم بجمعهم في بيت واحد لكن صغر سن راين وأليساندرو كان يمنع أمّيهما من التفريط بهما في وقت مبكر خاصة وأنّ بيانكا لم تتخلَ عن حُب سليم وإن كانت تتكتّم وتحبس أوار هذا الحُب في قلبها قبل أن تبوح به بعد الأشهر الأولى من الإنجاب.
لا نريد أن نسهب في الحديث عن حبكة الرواية وقد اكتفينا برسم معالم عمودها الفقري الذي يكشف عن ولع سليم صالح بالنساء الجميلات وهو المهاجر القادم من ثقافة مغايرة، وديانة مختلفة، ومجتمع لم يغادر كليًا قيمه البدوية، وتقاليده الاجتماعية التي دأب عليها منذ قرون طويلة الأمد. ما يهمنا في هذه الرواية أيضًا هي الأفكار والرؤى والمضامين الثانوية التي زخر بها هذا النص السردي الدسم الذي ارتأى مُبدعه حميد الكِفائي أن يقدّمه بطريقة مغايرة لما اعتدنا عليه في الرواية العراقية والعربية فلم أقع شخصيًا على روائي عراقي أو عربي يوظف السياسة والتاريخ والجغرافية والدين والسياحة والآثار والشعر والأغنية العراقية والعربية والعالمية بهذا الشكل المندغم مع نسيج النص الأصلي حتى غدت هذه المعلومات جزءًا من لُحمة النص السردي وسَداته. وحسنًا فعل الكِفائي حينما تحدث بلغة العارف ببواطن الأمور عن استبداد غالبية الحُكّام العرب الذين كانوا السبب الرئيس وراء هجرة المواطنين العرب وغير العرب إلى المنافي الأوروبية والعالمية، بل أنّ حروب صدام حسين الخارجية والداخلية هي التي شرّدت العراقيين من وطنهم الذي يمحضونه حُبًا من نوع خاص ولولا قسوة هذا الطاغية الذي فعل بشبعه ما لم يفعله أي رئيس في العالم باستثناء بول بوت وستالين لما تفرّق العراقيون أيدي سبأ وتناثروا في مشارق الأرض ومغاربها وهذا الأمر ينطبق على غالبية الدول العربية باستثناء دول الخليج العربي التي وفّرت عيشًا كريمًا لمواطنيها وللأجانب الذين وفدوا إليها.
تستطيع الرواية الناجحة أن تتقبّل كل الأجناس الأدبية وتذوّب في بنيتها الداخلية غالبية العلوم والمعارف الإنسانية شرط أن يُلبسها الكاتب لبوسًا أدبيًا ولهذا بدت الأحاديث السياسية والعسكرية والجغرافية جزءًا حيويًا من نسيج النص ومادته الداخلية التي تهدف للتلميح بما هو ممكن الحدوث إن عاجلًا أم آجلًا، فحينما تتحدث كاترين عن جزيرة القرم "كرايميا" تقول إنها أرض أوكرانية وسوف يستعيدونها في يوم من الأيام. وأنّ روسيا اعترفت عام 1954 بأنها جزء من أوكرانيا ولم تطالب بها بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي عام 1991. تعّج رواية "أسبوع العسل" بالمعلومات التاريخية والسياحية والفنية التي لم يُقحِمها الكاتب في نصه السردي وإنما جاءت لتوضيح مجموعة من الآراء والأفكار التي تتعلق بالحوار النوعي الذي دار بين شخصيتين محوريتين في الرواية وهما الدكتور سليم ورشيد هارون، الشخصية الواعية المثقفة التي يفيد منها سليم ويعتبرها قدوة ويهتدي بآرائها العلمية والحضارية المتفتحة حينما يتحدثان عن "قصر الحمراء" في غرناطة، ومدينة الزهراء، ونُصب ولّادة بنت المستكفي وابن زيدون ليؤكد لنا بأنّ الإسبان يحتفون بجميل ماضينا "بينما نحن نهجر الجميل والنافع في تأريخنا، ونجتر أسوأ ما فعلهُ الأسلاف" (الرواية، 73). لا يجد الروائي حرجًا في استعمال بعض المصطلحات العلمية مثل التستوسترون والأستروجين وما سواهما لأن القارئ سيفهم من السياق طبيعة هذه المصطلحات التي يتحدث عنها الراوية في إطار العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، بل أنّ هناك ثيمات مهمة يجترحها الكائن السردي لتنضاف إلى الثيمة الرئيسة للعمل الأدبي وتعمِّقها أكثر من ذي قبل من بينها إشباع الغريزة الجنسية وتحقيق الطمأنينة، وتعزيز الغرور في النفوس حيث يتوصل إلى ما يشبه الحقيقة التي تقول:"لا سعادة إلاّ بالتخلص من التستوسترون الفائض عبر الطرق البيولوجية"(الرواية، 87). تستمر قائمة توظيف المعلومات بأشكالها المتعددة بسلاسة كبيرة وتدفق ملحوظ من دون أن يرتبك النص السردي أو يشذّ عن سياقه المألوف كما هو الحال في الحديث عن أفضل أنواع الأنبذة التي تصعنها دول عربية وإسلامية وعلى رأسها المغرب والجزائر وتونس وتركيا حيث يقدّم السارد المتماهي مع كاتب النص ومبدعه قائمة طويلة بأسماء أفضل هذه الأنواع المُنتَجة في العالمين العربي والإسلامي.
الهجرة إلى المنافي وصعوبة التأقلم والاندماج
تتمحور هذه الرواية على موضوع الهجرة والمهاجرين من مختلف أرجاء العالم وإن كان التركيز مُنصبًا على العالم العربي والإسلامي، وخاصة أولئك الناس المُقتَلَعين من جذورهم، وقد وجد الكثير من هؤلاء صعوبة في التأقلم والاندماج، وبعضهم ظل على الهامش بحجة عدم التفريط بالهُوية العربية والإسلامية لكنّ البعض الآخر اندمج مع البلدان المُضيِّفة وقِبل بقيم منظومتها الإخلاقية والاجتماعية. فثيوفانيس، على سبيل المثال لا الحصر، يرى أنّ المسلمين في اليونان منسجمون مع المجتمع اليوناني، كما يسمع سليم من أحد الطلاب بأنّ البرتغاليين والأسبان مُطلعين على الثقافة العربية ومُحبّين لها لأنهم قريبون جغرافيًا وثقافيًا كما أنّ العرب بسطوا نفوذهم على تلك المضارب لبضع مئات من السنين.
لا بد من الإشارة إلى ولع الراوي المشارك بالموسيقى والغناء وهذا ما يفسّر لنا توظيف الكاتب لعشرين أغنية تقريبًا في هذا النص غالبيتها أجنبية وبعضها الآخر عربية أو عراقية أهمها "مُبحر أنا" لرود ستيورات، و "أبي لا تعِظني" لمادونا، و "عودك رنّان" لفيروز و "الليلة ليلة هَنانا" لعارف محسن وما إلى ذلك من أغنيات جميلة تُحاكي الغربة، والوجود، والعاطفة الإنسانية في أقصى لحظات توهجها. فهذه الرواية لا تمجِّد الحُب فقط وإنما تزرع حُب الموسيقى والغناء والشعر وتدعو إلى التماهي مع الفنون القولية وغير القولية لأن الحياة من دونهما لا يمكن أن تُطاق وتُصبح مثل "صحراء قاحلة" على حد وصف مؤلف النص السردي نفسه.
تنطوي رواية "أسبوع العسل" على لغة صافية منسابة مريحة للقارئ المحترف الذي يلتهم هذا النمط من الروايات التي تقترب كثيرًا من الأفلام الدرامية الرومانسية التي تنتظم في حبكة قوية جدًا يحرّكها مثقفون وعشّاق من جنسيات متعددة. ويكفي القارئ الحصيف أن يلْمح هذا العنوان المُغاير "أسبوع العسل" ليُدرك أنّ الروائي المبدع حميد الكِفائي قد نأى بنفسه عن العِبارة الشائعة والمُستهلكة "شهر العسل" التي لا تثير شهية القارئ العضوي ربما ولا تُوخز مخيلته الذهنية المُتقدة الأمر الذي دفعه لانتقاء هذا العنوان الجديد الذي يراهن على المفارقة والشدّ والترقب ومحاولة الإمساك بالمعنى المجازي الذي أراده خالق النص وأحالنا إليه قبل أن تتكشّف أسراره المتوارية ومعانيه الدفينة إلى حدٍ ما.
شيئان مُهمّان يميزان هذه الرواية ويعكسان حِرفية كاتبها وهما الجملة الاستهلالية والجملة الختامية فقد أوجزنا في الجملة الاستهلالية حين قالت فيونا بالحرف الواحد:"لا لن أبقى مع رجل أخلّ بأهمّ شرط في عقد القِران، وأهمّ مقوِّم من مقومات الحياة السعيدة، وأول مبدأ من مبادئ الإخلاص". فهذه الجملة على الرغم من طولها واسترسالها تضع المتلقي في قلب الحدث، وتوصل بطلته إلى لحظة الحسم واتخاذ القرار وما ينجم عنه من تداعيات مؤسية تُبعده عن البلد الذي عمل وعاش فيه لمدة خمس سنوات متتالية ثم وجد نفسه عاريًا وعليه أن يبدأ من جديد. أمّا الجملة الختامية التي أشرنا إليها سلفًا فهي التي تضع الأمور في نصابها الصحيح والصريح في آنٍ معًا، وكأنّ الكاتب الذي يرتدي في أحيان كثيرة قناع شخصية سليم أو صديقه رشيد، يريد أن يرسّخ في أذهاننا حقيقتين ثابتتين تؤكدان حيرته الدائمة وانشطاره إلى شخصيتين تُحبّان امرأتين أو أكثر في الوقت ذاته حيث يعترف بالفم الملآن:"لقد عاشت سِلفيا في قلبي، وعاشت بيانكا في ضميري".
على الرغم من أنَّ "أسبوع العسل" هي رواية أحداث، وخيانات زوجية ومهنية، إلاّ أنها رواية أفكار ومفاهيم ورؤى ثقافية واجتماعية وسياسية ودينية وفنية، ولو شئنا الدقة لقلنا إنها رواية "جامعة مانعة" لا يعتورها النقص، ولا يرتقي إليها القصور، ويستطيع المتلقي أن يجد فيها ضالته المنشودة وأحسب أنّ مؤلفها المبدع حميد الكفائي لم يترك لأقرانه الروائيين موضوعًا إلاّ وتناوله أو لامَسهُ من كثب. وعلى الرغم من حرصي الشديد في أن ألمّ بمختلف ثيمات هذه الرواية إلاّ أنها استعصت عليّ لسعتها وشموليتها الفكرية والثقافية والثقافية والفنية واتساع رقعتها الجغرافية التي تغطي أجزاءً كبيرة من القارة الأوروبية وتمتد إلى روسيا وبعض البلدان العربية المحصورة بين العراق والمغرب.
لابدّ من التنبيه إلى أنّ الروائي حميد الكفائي اقد درس الاقتصاد والترجمة والعلوم السياسية وعمل في الصحافة والإعلام لسنوات طوالا، وسافر كثيرًا فاكتسب خبرات ومعارف جغرافية تراكمت بمرور الزمن فلا غرابة أن يعرف العديد من العواصم والمدن الأوروبية على وجه التحديد، من هنا يمكن القول بأنّ هذه الرواية هي رواية مكانية أيضًا إضافة إلى كونها رواية زمانية لا تقتصر على رصد العقود الثلاثة الأخيرة وإنما تغوص إلى الماضي البعيد وتستنطق التاريخ العربي في عهوده الزاهرة ليس في أسبانيا فقط وإنما في البرتغال وفرنسا وغيرها من البلدان الأوروبية التي تأثرت وتلاقحت بالحضارة العربية. وقبل أن نطوي صفحة هذا المقال لابد من الإشارة أيضًا إلى أنّ الروائي حميد الكفائي قد نجح في إدارة هذا العدد الكبير من الشخصيات التي جاوزت الخمسين شخصية تقريبًا مثلما ينجح المخرج السينمائي البارع في إدارة عدد من الممثلين وتوجيههم إلى المسارات الصحيحة ويضمن في خاتمة المطاف إيقاعًا منتظمًا يقارب المقطوعة السمفونية التي تخلو من التلكؤ والتعثّر والنشاز.
***
عدنان حسين أحمد