قضايا
عدي عدنان البلداوي: تقنية الهولوغرام وثقافة المستقبل

الهولوغرام: تقنية تصوير عالية الدقة تعتمد على استخدام الليزر، توفر امكانية تقديم صورة ثلاثية الأبعاد جذابة تبدو وكأنها تطفو في الهواء. اخترعها المهندس البريطاني المجري دينيس جابور عام 1947م ومنح جائزة نوبل سنة 1971م.
ظهرت اول صورة هولوغرافية عام 1962م على يد العالمين إميت ليث و جوريس اوباتنيكس من جامعة مشغان الأمريكية صنعا مجسمات هولوغرافية للعبة قطار ولعدد من الطيور.
تجمع تقنية الهولوغرام بين التصوير الفوتوغرافي وبين الرؤية الحقيقية للشيء.
في سنة 1967م ظهرت اول هولوغرام لصورة إنسان. وكان هدف اختراع الهولوغرام هو تحسين الدقة وتجنب انحرافات المجهر الالكتروني.
يأتي حديثنا اليوم عن هذه التقنية في ضوء العلاقة بين الانسان والحاسوب وتفاعلهما عبر تطبيقات الذكاء الإصطناعي في القرن الواحد والعشرين حيث التوسع الكبير في مجالات تطوير بحوث الذكاء الاصطناعي الى الحد الذي يقول عنه الامريكي كورزويل انه في عام 2099 سيكون من المتعذر تماماً التمييز بين الانسان والحاسوب. وبينما يتم انفاق ما يقارب المئة مليون دولار سنوياً على مشاريع الذكاء الاصطناعي. لا ينفق مثله على مشاريع تنمية الذات والقدرات العقلية والثقافية للفرد والمجتمع.
الهولوغرام ليست مجرد تقنية تصوير فوتوغرافي ثلاثية الأبعاد، هي بوجود الذكاء الاصطناعي قادرة على ايجاد علاقة بين جسمين حتى لو كانا متباعدين وبينهما مسافات طويلة.
برغم صفة التطور العلمي والتقني المتسارع التي يتصف بها القرن الواحد والعشرين، إلا ان كثيراً من الناس حول العالم يشعرون بالحنين الى الماضي إما لأن حاضرهم مثقل بالمشاغل والهموم بحيث لا يجدون فيه متسعاً من الوقت للراحة والتأمل والاسترخاء، واما لأنهم يفتقدون النضج النفسي وسط هذه التقنية المتطورة الهائلة مما يجعلهم يميلون الى الماضي بما يكتنزه من ذكريات واحداث طفولة وشباب وصداقة. وقد لا يكون ذلك الماضي بهذا الجمال الذي يجدون انهم ينجذبون اليه لكن قبح واقعهم في جوانب كثيرة منه يجعلهم ينظرون بعين الرضا والحنين الى الماضي.
يعد الكتاب من بين ابرز وسائل تواصل الحاضر مع الماضي والتراث. لكن هذه الوسيلة لم تعد فاعلة بما يكفي حتى بعد ان ظهرت نسخة الكترونية من الكتاب إذ لم يفلح في تحقيق التواصل بين الحاضر والماضي، بين التراث والمعاصرة بسبب مصادرة ظروف البيئة الحياتية اليوم لعامل الوقت مما دفع بكثيرين في اتجاه العمل من اجل إشباع الحاجات البيولوجية بشكل أساسي. ومن منطلق الحاجة الى النضج النفسي فقد صار من الضروري جداً البحث عن سبل لتخفيف الضغط النفسي الذي يعيشه الإنسان المواطن في عصر الآلات الذكية، والسياسات الأنانية، والإدارات التقليدية، والعلاقات الروتينية. من هذه السبل تقنية الهولوغرام التي من شأنها ان تحدث تفاعلاً يحفز الذاكرة على حفظ المشاهد بما تنطوي عليها من معلومات وتفاصيل، وبذلك يمكننا عبر هذه التقنية الذكية التواصل مع التراث واستحضار شخصيات ثقافية عبر التاريخ كان لها دورها البارز في تنمية وانعاش وتطوير الحياة الفكرية الثقافية عبر الأزمنة. حيث يسهم حضورها اليوم في تحديث برمجة النظام الثقافي الاجتماعي وتفعيل حضور الحس الواعي وتحريك بوصلة العقل الانساني باتجاه التدبر والتفكير الخلاق في فضاء انساني، كوني، واسع، وواقعي، يوظف التقنية الرقمية الافتراضية في تحقيق ذلك.
يمكن بواسطة تقنية الهولوغرام عرض محتوى ثقافي اجتماعي هادف يعيد تفعيل علاقة الفرد بالأسرة والفرد بالمجتمع على وفق الانماط السلوكية والعادات والتقاليد بعد ان يجري تطويرها من قبل باحثين ومفكرين معنيين بالشأن الثقافي، والانساني، والإجتماعي، من اجل تجاوز نقاط الضعف فيها وإعادة صياغتها بنسخة محدثة تجعل منها مقبولة ومعقولة بالقدر الكافي الذي لا يشعر معه الانسان المعاصر بوجود فجوة بينه وبين تراث الآباء.
من مزايا تقنية الهولوغرام انها واقعية، عالية الدقة تبدو فيها الصور وكأنها حقيقية يمكن مشاهدتها من مختلف الزوايا والمهم كثيراً هو إمكانية انتاج مادة ثقافية محلية بواسطتها وهو ما يجعلها اكثر فائدة لنا قياساً بفوائد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتعارف عليها. تستخدم هذه التقنية في مجالات الطب والهندسة والأمن والترفيه والدعاية والاعلان وفي الحفلات الموسيقية والمقاهي والمكاتب.. كما وتستخدم في مجال التعليم حيث تساعد على تحفيز ذهن الطالب على الابتكار من خلال التشويق والشد الذي يحققه التقاء هذه التقنية بالذكاء الاصطناعي فهي تقدم شروحاً لمفاهيم علمية معقدة بشكل مرئي جذاب.
في ظل غياب الثقة، الحاصل في عالم اليوم بسبب الفوضى والاضطراب الحاصل في العالم بشكل عام نتيجة الصراعات السياسية ومشاريع المال والاعمال ومشاكل المجتمعات والمشاكل الاسرية والفردية، فقد تأتي ثقافة الهولوغرام لتكون مشروعاً مستقبلياً جديداً جميلاً وجذاباً بحكم درجة التطور التقني الذكية التي يتم برمجتها من قبل كفاءات علمية وثقافية امينة، لعلماء ومفكرين معروفين بحضور البعد الإنساني في اعمالهم ومشاريعهم الفكرية فيتم اعادة تقييم كثير من السلوكيات والتصرفات والعادات والتقاليد المتواترة والمتوارثة في مجتمعاتنا بحيث تتناول ثقافة الهولوغرام دعوة جمهورها الى تصحيح الاخطاء في تلك المواريث الشعبية لتأتي سلوكيات الناس منسجمة مع واقعهم المعاصر. تساعد تقنية الهولوغرام في اعداد محاضرات ثقافية لها طابع مختلف تماماً عن المحاضرات التقليدية التي لها جمهور محدد وبأعداد قليلة، فمن شأن هكذا مشروع ان يوسع قاعدة حظور رواد المجلس الثقافي الذي تديره تقنية الهولوغرام ثلاثية الأبعاد وهي تقدم مادة ثقافية في أي مجال من مجالات المعرفة الانسانية.
يمكن توظيف تقنية الهولوغرام في تدريب واعداد مثقفين فاعلين في مجال تنمية الذات وصناعة الوعي بعيداً عن أي اعراض جانبية تضر بسلامة الوعي الإيجابي والمعرفة الإنسانية.
بسبب التمثل الحقيقي تقريباً للصور الثلاثية الأبعاد التي تنتجها تقنية الهولوغرام يشعر المشاهد وكأنه يعيش تفاعلاً حيوياً يمكن تقريب المسافات بين الماضي والحاضر من خلال هذا الشعور وهو ما يمكن ان يساعد على تكوين تربة جديدة معاصرة لبذر ثقافة جديدة يتحرك فيها كل من التراث والحداثة في مساحة زمانية ومكانية رقمية بأبعاد واقعية، ومن شأن هكذا بذرة ان تبشر بظهور شجرة كبيرة متماسكة وارفة الضلال كثيرة الثمار تغذي الاجيال المعاصرة تغذية حية تحفز فيهم الإبداع كونها تخاطبهم بلغة العصر التقني وبأدواته فهي بذلك تحفز التفكير المنطقي بشكل غير تقليدي.
في العراق توجد شركة تدعى Holo Iraq وفي مصر هناك شركة Hologram Egypt وتعد جامعة الملك فيصل في السعودية اول جامعة في الشرق الأوسط تدخل تقنية الهولوغرام في مجال التعليم في عام 2024م.
بعد التراجع المخجل للدراما العربية في عموم العالم العربي عن إظهار الحدث الحقيقي للواقع الحياتي للناس، اتوقع ان تسهم تقنية الهولوغرام في اعطاء المجال للعلماء والباحثين والمختصين والمفكرين في تقديم مواد تخدم نهضة المجتمع وتطوير الواقع بتحديث طريقة حياة الناس. هذه التقنية وان كانت عالية الكلفة فإن ذلك لا يمنع وجود جهات متمكنة مادياً لديها مشروع انساني في الحياة تستطيع، بل لعلها تتمنى ان تمول هكذا افكار ومشاريع هادفة ضماناً لسلامة البناء الإجتماعي وتطوير الذات.
***
د. عدي عدنان البلداوي