قضايا
فارس حامد عبد الكريم: العدالة والقوة في النظام القانوني
عرّف أفلاطون العدالة بأنها: نظام في النفس يكفل لها جمالاً وانسجاماً.. ويلاحظ أرسطو إن الناس جميعاً يتفقون على إن العدالة في التوزيع يجب أن تجري وفقاً للاستحقاق إلا أنهم يختلفون في فهم المقصود من الاستحقاق.
الدولة القوية العادلة تفرض واقعاً ايجابياً على حياة وسلوك المجتمع، وقد يبدو غريباً ان القوة قدمت على العدالة هنا، ذلك ان الدولة الضعيفة لا تتمكن من فرض القانون على الجميع من دون استثناء فيتحقق الظلم وتنهار القيم الإجتماعية وتنحدر الأخلاق العامة وتتفشى الجريمة.
والقانون بدون عقوبة تفرض بالقوة لا يعد قانوناً بالمعنى الصحيح فلا يعدو في هذه الحالة عن كونه مجرد نصيحة للمخاطبين بحكمه للإلتزام بقواعده.
أما اذا كانت الدولة قوية وعادلة فإن ذلك مدعاة للتقدم الإجتماعي ولرقي الأخلاق والآداب العامة وإنخفاض مستوى الجريمة والفساد وحقائق التاريخ تؤكد ذلك.
وقد تنهض القوة لوحدها لفرض واقع إيجابي صوري مؤقت كما يحصل عادة في الأنظمة الدكتاتورية والأنظمة البوليسية إلا ان العدالة (للأسف) لا يمكن ان تنهض لوحدها دون قوة تحميها وتشدد القبضة على المجرمين والمارقين والفاسدين.
فينبغي أن تأتي القوة بمناسبتها والعدالة في وقتها وأن تجمعهما رابطة العلة بالمعلول.
العدل والعدالة؛
يميز الفقه الحديث بين فكرة العدل وفكرة العدالة؛ فالعـدل (Justice): يفيد معنى المساواة، وهي مساواة مرتبطة بالدور الاجتماعيللقانون، فالمفروض ان يطبق القانون بمساواة جميع الاشخاص والحالات التي يتناولها في مركز قانوني معين ولغرض معين بالذات وللهدف الذي يرمي اليه، فالمثل يعاملكمثله، وغير المتساويين لا يلقون معاملة متساوية، وهكذا قرر الرومان، كما جاء فيمدونة جستنيان، القاعدة القائلة بأن (مساواة غير المتساويين ظلم).
ويذهب خطيب روما الشهير سيشرون الى القول: (ان العدالة التي تساوي بين خيار الناس وأشرارهم هي ستار للظلم).
ويتحقق ذلك من خلال قواعد قانونية عامة مجردة تطبق على الجميع بنزاهة ودون محاباة وبعدالة ويقتصر دور العدل الشكلي هنا على بيان أن الإجراءات كانت عادلة لاناحدا لم يستثنى او يستبعد بشكل غير عادل من تطبيق القانون، لا فرق بين ام تسرق لإطعام أطفالها الجياع وبين من يسرق لإرضاء ملذاته وشهواته، مثلا. لأن العدل القانوني يعتد بالوضع الغالب الظاهر لا بالوضع الداخلي الخاص بالمخاطبين بحكمه.
اما العدالـة (Equity): فتعني الشعور بالإنصاف وهو شعور كامن في النفس يوحي به الضمير النقي ويكشف عنه العقل السليم وتستلهم منها مجموعة من القواعد تعرف باسم قواعد العدالة مرجعها مثل عليا تهدف الى خير الإنسانية بما توحي به من حلول منصفة ومساواة واقعية تقوم على مراعاة دقائق ظروف الناس وحاجاتهم.
ان التمييز بين فكرتي العــدل والعدالــة هو السبب في ان كل الأنظمة القانونية شعرت بالحاجة الى إصلاح صرامة القانون من خلال الدعوة الى تفسير القانون بروح العدالة بدلا من التركيز على حرفية النصوص عندما يشعر القاضي ان الظلم بعينه يتحقق لوطبق القانون بحذافيره وهذه الحالة نجد تعبيرها في القول المأثور (الرحمة فوق القانون) الذي لا يعني إلا أن على القاضي ان يعالج الحالة الفردية الخاصة بروح العدالة. ووجدت هذه الفكرة تطبيقا في مظاهر متنوعة، ففي انكلترا انشأت منذ قرون ما يعرف بمحكمة العدالة للتحرر من جمود القانون العام الانكليزي وعلى اساس فكرة (ان العدالة تنبع من ضمير الملك) فيما اعتبرت قوانين أخرى قواعد العدالة او القانون الطبيعي مصدرا قانونيا احتياطيا يطبقه القاضي عند غياب النص، كما فعل المشرع المصري والعراقي.
ولأن قواعد العدالة فكرة نسبية فأن فقهاء القانون يميلون الى استخدام مصطلح العدالة الاجتماعية كفكرة واقعية يمكن صياغتها بوضوح في النصوص القانونية، ومن أهم مقومات العدالة الاجتماعية؛ المساواة والحرية وتكافؤ الفرص.
***
فارس حامد عبد الكريم