قضايا
محمد الربيعي: خطا الاعتماد على مؤشر اتش
في الترقيات العلمية في الجامعات العراقية
يستخدم مؤشر اتش (H-index) على نطاق واسع كأحد المقاييس لتقييم اداء الباحثين وانتاجيتهم وتاثيرهم في مجالهم، ويعتبر مؤشرا سهلا ومباشرا نسبيا. فهو يعكس العلاقة بين عدد الابحاث المنشورة وعدد الاقتباسات التي حصلت عليها. ومع ذلك، فان الاعتماد المطلق عليه كمعيار اساسي للترقيات العلمية في الجامعات العراقية، في ظل الظروف الحالية، يعتبر خطا منهجيا وله اثار سلبية عديدة. ومن هذه الآثار السلبية أنه لا يجوز مقارنة باحثين في مجالات بحثية مختلفة اعتمادا على مؤشر اتش وحده، نظرا لاختلاف طبيعة هذه المجالات من حيث معدل النشر وعدد الاقتباسات. فبعض المجالات تشهد نشرا غزيرا واقتباسات متزايدة، بينما يشهد البعض الآخر نشرا أقل واقتباسات محدودة. كما أن مؤشر اتش لا يأخذ في الاعتبار جودة الاقتباسات، حيث يحتسب الاقتباس السلبي كأي اقتباس آخر، مما قد يعطي صورة غير دقيقة عن تأثير البحث. بالاضافة الى ذلك، هناك امكانية للتلاعب بالمؤشر من خلال الاقتباس الذاتي او الاقتباس المتبادل بين مجموعة من الباحثين، مما يقلل من مصداقيته كمعيار تقييم موضوعي. لذا، عند تقييم الباحثين، يجب مراعاة طبيعة المجال البحثي وعدم إجراء مقارنات مجحفة بين مجالات مختلفة.
المشكلة الاساسية: غياب البيئة الداعمة للبحث العلمي الاصيل
يكمن جوهر المشكلة في ان استخدام مؤشر اتش كمعيار للترقية يتطلب وجود بيئة بحثية صحية وسليمة، وهو ما تفتقر اليه الجامعات العراقية بشكل عام. من ابرز جوانب هذا الخلل:
- نقص التمويل المخصص للبحث العلمي: يعتبر التمويل حجر الزاوية في اجراء البحوث العلمية الاصيلة. فبدون ميزانية كافية، يصعب على الباحثين اجراء تجارب مختبرية، وشراء مواد، وحضور مؤتمرات، ونشر ابحاثهم في مجلات مرموقة (التي تتطلب رسوم نشر). هذا النقص يدفع البعض الى البحث عن بدائل غير اخلاقية.
- انتشار "مصانع الاوراق" وشراء الابحاث: في ظل غياب التمويل وضغوط النشر للترقية، يلجا بعض التدريسيين الى شراء ابحاث جاهزة من "مصانع الاوراق" او دفع مبالغ مالية لادراج اسمائهم كمؤلفين في ابحاث مفترسة. هذه الممارسات تشوه العملية البحثية وتفرغ مؤشر اتش من معناه الحقيقي، حيث يصبح مجرد رقم لا يعكس اي جهد او اسهام علمي حقيقي.
- شراء الاقتباسات: بالاضافة الى شراء الابحاث، يلجا البعض الى شراء الاقتباسات لابحاثهم المنشورة، ما يضخم مؤشر اتش بشكل مصطنع. هذه الممارسة تعد نوعا من الاحتيال الاكاديمي وتقلل من مصداقية التقييم العلمي.
- التركيز الكمي على حساب الجودة: بسبب التركيز على مؤشر اتش، قد يركز الباحثون على نشر اكبر عدد ممكن من الابحاث بغض النظر عن جودتها او اهميتها العلمية. هذا يؤدي الى تدهور جودة البحث العلمي بشكل عام.
لماذا يعتبر هذا خطا في السياق العراقي؟
في البيئات البحثية المتطورة، يعتبر مؤشر اتش مؤشرا من بين مؤشرات اخرى تستخدم لتقييم الباحث. ولكن في السياق العراقي، حيث توجد هذه المشاكل الهيكلية، يصبح الاعتماد المطلق عليه مضللا وغير عادل. فهو يكافئ من يمتلك القدرة المالية على شراء الابحاث والاقتباسات، بدلا من مكافاة الباحثين المخلصين الذين يجرون بحوثا اصيلة في ظل ظروف صعبة.
الحلول المقترحة:
لتجاوز هذه المشكلة، لا بد من اتخاذ اجراءات شاملة، منها:
1. تطوير معايير تقييم بديلة: يجب تطوير معايير تقييم شاملة تركز على جودة البحث واصالته وتاثيره الحقيقي، بدلا من التركيز الكمي على عدد المنشورات والاقتباسات. يجب ان تشمل هذه المعايير:
- تقييم الاقران (Peer Review) من قبل باحثين متخصصين.
- اهمية البحث واثره في حل مشاكل المجتمع.
- المساهمة في تطوير المعرفة في مجال التخصص.
- المشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية.
2- تتم المقارنة بين باحثين يعملون في نفس المجال أو مجالات متقاربة، وليس بين مجالات لها مؤشر اتش عالي كالعلوم الطبية والصحية وعلوم الكيمياء والفيزياء والاحياء والهندسة وعلوم الحاسوب التطبيقية، ومجالات لها مؤشر اتش منخفض كالعلوم الاجتماعية والانسانيات والفنون واللغات وعلوم الارض وبعض فروع العلوم الزراعية وعلوم الرياضيات والحاسوب النظرية.
3. زيادة التمويل المخصص للبحث العلمي: يجب على الجامعات والحكومة زيادة الميزانية المخصصة للبحث العلمي، وتوفير منح بحثية للباحثين.
4. تشديد الرقابة على المجلات العلمية: يجب وضع معايير صارمة لاعتماد المجلات العلمية، ومكافحة المجلات المفترسة.
5. نشر ثقافة النزاهة الاكاديمية: يجب على الجامعات تعزيز ثقافة النزاهة الاكاديمية ومكافحة الممارسات غير الاخلاقية في البحث العلمي.
باختصار، مؤشر اتش اداة مفيدة في ظروف معينة، ولكن استخدامه كمعيار للترقية في الجامعات العراقية يعتبر خطا فادحا في ظل الظروف الحالية. يجب معالجة المشاكل الهيكلية في البيئة البحثية وتطوير معايير تقييم شاملة لضمان عدالة وشفافية الترقيات العلمية وتشجيع البحث العلمي الاصيل.
***
ا. د. محمد الربيعي
بروفسور متمرس ومستشار علمي، جامعة دبلن