قضايا

رحيم الساعدي: الامام علي من التشفير.. الى الحكمة

نهج البلاغة كتاب شامل تفوق اهميته كتاب جمهورية افلاطون في مجتمعاتنا العربية الاسلامية، لأنه يشير الى التنظير والتأسيس والبلاغة والمعرفة والحكمة، ولانه قاد الى تاسيس اجتماعي وفكري مهم في المجتمع العربي الاسلامي .

لقد قسم الرضي النهج إلى ثلاث أبواب الأول تضمن الخطب الطويلة والقصيرة والباب الثاني في الرسائل والثالث حول الحكم المفردة، وقد جمع الرضي محتويات كتاب نهج البلاغة خلال سبعة عشر عاما، من سنة 382هـإلى 400هـ، ويحتوي الكتاب على 242خطبة وكلاما و78 رسالة و498 حكمة مفردة.

ويشير اقدم مصدر للشريف الرضي وهو النجاشي(ت450 هـ) والثعالبي(ت429هـ) إلى أن النهج من مؤلفات الشريف الرضي. وهذا ما قاله ابن شهراشوب في المناقب.

لقد شككوا بكتاب نهج البلاغة وهوجم الرضي في محاولة لإسقاطه فيسقط معه النهج فكان تارة يتهم بأنه كان زيديا أو انه كان يحضر مجالس المجون كما أورد الحصري وهذا كله بدافع اختلاف العقيدة .

وكانت أول ترجمة للنهج حصلت في القرن العاشر من الفارسية ثم التركية ثم الهندية –الاوردية- ثم الإنكليزية والألمانية، وتشعبت المباحث والتصنيفات فينهج البلاغة فشرح شعرا منظوما او نظم على شكل شعر، او شرحت كلماته بالشعر، وصنف للنهج فيما يتعلق بالأمثال والحكم المستخرجة من نهج البلاغة، وأيضا كتب حول الأعلام في النهج، ومفردات نهج البلاغة .

ويجب ملاحظة ان خصائص النهج فيها كثير من خصائص القران مثل السجع والتشبيه والاستعارة وتكرار المعاني والإيجاز وطرح الأمثال وأنباء الغيب والقصص والعلوم الإلهية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية.

ويمكن القول ان أسلوبه في النهج وغيره يتسلسل بشكل منطقي وتتماسك الفكرة حتى تكون كل منها نتيجة طبيعية وعلة لما بعدها

وفي الخطب إيجاز شديد بقوة متدافعة وحدة منفعلة وهي زاخرة بالاستعارات مع الاستئنافات الكثيرة، والتلويح بالأمثال الموجزة والتي بلغت اكثر من مائتي مثل في النهج.

ويمتاز النهج بالشمولية والبلاغة والهندسة البلاغية العامة، وبأسلوب منطقي، ومثال ذلك انه توجد ثلاثة أنواع من الاثنينيات الشفعية تتواجد فيكل النهج من الخطب والأوامر والكتب والرسائل والحكم والمواعظ الأولى، وتعد هذه العملية احدى الادوات التشفيرية التي يستخدمها الامام علي بالإضافة الى العبارة البلاغية والمعلومة المعرفية والنسيج المنطقي وتتمثل هذه الخريطة الهندسية البلاغية ب :

1- ثنائية تواجهية: مثالها (نور لا نور)و(ظلام لا ظلام)

2- الثنائية العكسية: ومثالها (نور/ظلام-ولا نور لا ظلام)

3-الثنائية الترادفية: بطريقة (نور لا ظلام-لا نور لا ظلام) وبعض من هذا يمكننا ان نراه مثلا في مقولة الامام علي (انزل الكتاب نورا لا تطفا مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره) ويجب القول ان الجهد الهندسي المنطقي في النهج يجب ان يدرس بشكل مستقل وواف .

ومن مميزات النهج الأخرى وهو ما يتصل بالأسلوب التشفيري الذي جعل من نهج البلاغة مصفوفة يصعب اختراقها، على مر الزمن، وهذا يعني اسلوب الامام علي الذي يتسم بالخيال الواسع الأخاذ والعاطفة النبيلة والفكر، والأسلوب الصادق غير المراقب او الخائف من المراقبة البلاغية أو العلمية وحتى التاريخية، والأسلوب يدل على صاحبه فنرى النهج يشتد ويلين حسب الموقف ويستخدم صاحب النهج ( الأنا) بكثرة ولكنها في الموقع الصحيح وهي أنا واقعية متعقلة لا يمكن نقدها لأنها تحسن في سيرها البلاغة والتقسيم المنطقي واستخراج النتائج وتستخدم تركيبا دقيقا يعتمد الإيجاز مع الإطناب وبسجعات ضرورية فريدة لا يمكن اعتبارها حتى يومنا هذا اوغدا نشازا في اللغة العربية.

ويستخدم الإمام علي أيضا المحسنات البديعة من جناس إلى طباق وبجرس موسيقي وإيقاع جميل متنوع، وأسلوبه وألفاظه ثروة عربية، ولهذه المقدرة قال الإمام (وانا لأمراء الكلام وعلينا تهدلت غصونه وفينا تنشبت عروقه).

ويضاف لكل هذا ان نهج البلاغة مصدر لأحاديث الرسول(ص) وأيضا لأدعية الإمام علي ففيه (13) دعاء و(400) آية قرآنية و(15) بيتا من الشعر.

وهو أيضا مصدر لأخبار الامم السابقة والأنبياء وعلى هذا يعتبر الإمام أولمن أرخ، ونهج البلاغة أيضا كتاب يتحدث عن الإلهيات في العدل والتوحيد والكائنات سواء أكانت في السماء أم الأرض او ما يخص الإنسان.

***

ا.د. رحيم محمد الساعدي

في المثقف اليوم