آراء

آراء

مر عام على تشكيل الحكومة التي اتفقت عليها اطراف الاطار التنسيقي بالتحالف مع الكرد والسنة بعد وصول نواب الشيعة الخاسرين للبرلمان عقب الخطوة الغير مدروسة للتيار الصدري التي ادت من الناحية العملية "تشكيل حكومة المالكي الثالثة" والموالية لايران وبمباركة الامريكان وبمراجعة سريعة لما حققته هذه الوزارة على ضوء برنامجها المقر من البرلمان في تشرين الاول 2022 نجد ان الحكومة فشلت بامتياز في تحقيق معظم مواده خاصة وانها ادعت انها ستكون حكومة خدمات 

ان الفساد الذي زاد انتشارا من الموصل الى البصرة اصبح يهدد بتفكيك الدولة الهشة العاجزة عن التصدي له وقد اعطت الحكومة اسوأ مثال عند اطلاق سراح "صاحب سرقة القرن" مع مسرحية مضحكة قام بها رئيس الوزراء في التلفزيون بتكديس بضعة ملايين من الدنانير على جانبيه وهي قد لا تتجاوز 1% من المليارات التي سرقها نور زهير ولازلنا بانتظىر استرجاع تلك الاموال المنهوبة كما وعدوا ! ان غياب الشفافية والمحاسبة وعدم فضح الفاسدين والسراق في محكمات علنية وكذلك عدم تطبيق مبدأ من اين لك هذا سوف يبقي الوضع الحالي دون تغيير الى اليوم الذي بتخلص الشعب من هذا الحكم الفاشل مرة والى الابد .

يتعهد برنامج الحكومة بالعمل السريع على توفير الخدمات التي تمس حياة المواطن ولكن واقع الحال يشير الى فشل تام في توفير الكهرباء الذي يعتبر الشريان الرئيسي لكافة مجالات الحياة ويضاف الى ذلك الفشل التام في القطاع الصحي الذي تتدهور خدماته بشكل متواصل اما قطاع التعليم فحدث بلا حرج حيث تم تسليم وزارة العليم العالي لشخص يحمل شهادة مزورة من ضمن الاف الشهادات المزور التي تم شراؤها من الجامعة الاسلامية اللبنانية .

المعروف ان المرافق الحكومية تعاني من تضخم هائل بالموظفين واضافت الحكومة الى هذه البطالة المقنعة حوالي مليون درجة وظيفية اخرى بسبب الوفرة المالية من ايرادات النفط بدلا من الاهتمام بانشاء مشاريع منتجة تستوعب الملايين من العاطلين ويمكن اعتبار ذلك احدى وسائل شراء اصوات الناخبين دون تقديم حلول ناجحة بعيدة المدى كما نلاحظ تزايد الجريمة المنظمة بسبب زيادة الفقر وخاصة عصابات المخدرات والمتاجرة بالبشر والدكات العشائرية .

هناك مشكلة اخرى يعاني منها الفرد العراقي يوميا وهو الفرق في سعر الدولار والذي يؤثر مباشرة على اسعار كافة السلع والتي هي في غلاء مستمر في حين تزداد نسبة الفقر وتستمر الحكومة بالتعهد بزيادة الفرص الاستثمارية في ظروف انتشار الرشوة والمحسوبية وغياب الضوابط القانونية اذ تقوم الفئات المتنفذة والمسيطرة على الحكم باستخدام "الاستثمار" كوسيلة لنهب اموال البلد دون ان نشاهد على ارض الواقع اية مشاريع حقيقية اى ان مانراه حاليا هو مواصلة لنفس الاساليب الفاشلة لجميع الحكومات السابقة  واصبح صندوق الاعمار مجالا اخر للسرقات المتواصلة.

ان برنامج الحكومة ملئ بالوعود التي لم يتحقق معظمها حيث لم نجد اية حماية للمنتج او المستهلك وبقيت ابواب الاستيراد مشرعة دون حسيب او رقيب ولم نلاحظ اية اعادة تأهيل او تشغيل للمشاريع المتوقفة وتستمر عمليات تهريب النفط لصالح قيادات الكتل المحكمة برقاب الشعب خلال العشرين عاما الماضية اما تنفيذ مشاريع ايقاف حرق الغاز المصاحب واقامة مشاريع بتروكيمياوية او مصافي تكفي لسد حاجة العراق من المشتقات النفطية فما زالت جميعها مجرد حبر على ورق ، كما انه ليس من الواضح متى وكيف سينتهي العمل بميناء الفاو خاصة وان منح الربط السككي لايران وقد يكون للكويت لاحقا هي خطوات لواد ميناء الفاو قبل ان ينجز بناؤه بالنظر للرشاوى المستلمة من الكويت من قبل مسؤولين عديدين كالزيباري والعامري وحتى رؤوساء وزراء سابقين .

لقد تعهدت الحكومة بتعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة اشهر واجراء انتخابات مبكرة خلال عام وها قد انتهى العام منذ تشكيل الحكومة ويجرى الحديث الان حول استمرار هذه الحكومة لاربعة سنوات اما تعديل قانون الانتخابات فقد تم بالرجوع خطوات الى الوراء لاعادة قانون سانت ليغو سئ الصيت ولايبدو ان هذة القوى المتسلطة تتعلم اي درس من اخطائها ويتوهمون بانهم قضوا على انتفاضة اكتوبر 2019  في انها باقية في قلوب وافئدة الشباب العراقي الباسل وهي نار متقد تحت الرماد وستكون الهبة القادمة لها مظفرة بالنصر المؤزر لامحالة .

ان تطور الاحداث العربية منذ السابع من اكتوبر الحالي وحرب الابادة البشعة والمجازر التي ترتكبها الدولة الصهيونية في غزة وسياسة العقاب الجماعي الاجرامي التي تقوم بها سوية مع امريكا وبشكل يخالف كافة قوانين الحرب واتفاقية جنيف وترتكب جرائم حرب عبر حرمان شعب غزة من الطعام والماء والوقود والكهرباء قد وضع حكومة السوداني باعتبارها حكومة مدعومة من المليشيات المسلحة التي كانت ترفع سابقا شعار المقاومة في موقف حرج امام الجانب الامريكي الذي تحاول الحكومة العراقية استرضائه في وقت نجدها مرتبطة عضويا مع الجارة الشرقية .

ان مفوضية الانتخابات الحالية مشكلة على نفس اسس الطائفية والمحاصصة الكريهة والمتوقع ان تقوم بالاشراف على انتخابات المجالس المحلية نهاية العام الحالي تلك المجالس الغائبة منذ عشر سنوات دون ان يفتقدها احد لانها لم تكن الا وسيلة اخرى للفساد ونهب الاموال التي تخصص للمحافظات ولا ننسى ان احدى مطالب الانتفاضة كان الغاء مجالس المحافظات ولايبدو وجود اية ضمانات بان الانتخابات التي ستجري ستكون نزيهة كما ان المليشيات المسلحة لمعظم الكتل الحاكمة حاليا ستستخدم في ترويع وتهديد الناخبين كما ان الجمهور العراقي ليس لديه اية ثقة بهذه الطبقة النفعية الفاسدة وان الاشتراك في الانتخابات قد يفسر بانه نوع من التزكية للحكم الفاسد القائم منذ عشرين عاما والذي طالبت انتفاضة اكتوبر بانهائه ورميه في مزبلة التاريخ ولاننسى بان الذين شاركوا في الانتخابات البرلمانية الاخيرة لم يتجاوزا العشرين بالمائة من الناخبين فليس متوقعا ان تكون المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات اكثر من تللك النسبة وان من المؤسف ان تقرر قسم من القوى المدنية المشاركة في هذه الانتخابات دون وجود اية ضمانات حقيقية لنزاهتها او عدم تعرضها للتزوير .

واخيرا فان مهمة فضع الحكم المحاصصاتي الحالي وكشف فساده وفشله هي مهمة القوى المدنية والديمقراطية وفي مقدمتها شباب الانتفاضة الذين قدموا الدماء والتضحيات دون ان يتم لحد الان محاسبة القتلة الذين اوغلوا في سفك دمائهم وعادوا مجددا للحكم في تشكيلة السوداني الحالية .

***

د. محمد الموسوي

30-10-2023

- ماذا يفيد اسرائيل بقاؤها في فلسطين سوى الحرب والاقتتال ؟

- ماذا يفيد أمريكا دعم وجود اليهود في فلسطين وسط الدول العربية سوى استنزاف قدراتها وتغذية مشاعر الكره نحوها؟

مرت عشرات السنين وما زال الصراع العربي ـ الإسرائيلي يستهلك مقدرات الشعوب وإمكانيات الدول العربية وغير العربية، الإسلامية وغير الإسلامية فيما لا يضمن لها الأمن والسلام،ولا يوفر لها أجواء التنمية في ظروف الاستقرار، ولا يحقق لها أهدافها منه، عشرات السنين كلها عداء ومقت وكراهية، حروب متتالية وخراب واسع ودماء البشر من الجانبين تسيل ومعها تذرف عيون الأمهات الدموع أنهار.

عندما تقابل السماحة بالمزيد من العجرفة والغرور عندها لابد من إعادة السؤال الحائر، لماذا يبقى اليهود متمسكين بأرض فلسطين وسط الدول العربية طالما أنهم كارهون لهم؟ هي اسئلة قديمة متجددة يعاد طرحها بصوت عالي ليسمع القاصي والداني مرات ومرات أن الوجود الإسرائيلي مرفوض شكلا وموضوعا لأنه غير شرعي ولا قانوني وليس إنسانيا، فبقاء الوجود الإسرائيلي في فلسطين ظلم تاريخي كبير واقع في أرض كرمها الله تعالى بالأنبياء، ولا يمكن الادعاء بأنها كانت أو يمكن أن تكون لأحد دون أهلها الفلسطينيون.

الولايات المتحدة الأمريكية تدعم أطماع اليهود في احتلال الأراضي الفلسطينية وتعزز وجودهم فيها عسكريا وماليا اقتصاديا بشكل مستمر بأموال ممن جرى تضليلهم من الأمريكيين،إنهم يستنزفون أموال دافعي الضرائب في صراع بعيد عنهم ولا يهدد مصالحهم ولا يجنون منه شيئا، امريكا تخسر من كانوا ينظرون إليهم يوما بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها كقوة دولية راعية سلام والديمقراطية في العالم، أمريكا تدرك جيدا أن سطوتها مستمدة من قوتها العسكرية ونفوذها المالي وليست نابعة من قيمها ومبادئها التي تسمو بها الأمم، فليس لأبناء رعاة البقر إلا العودة لرعي الأغنام والجاموس، ليس لهم ولا لليهود أن يقودوا الحضارة الإنسانية بالقهر والعدوان والبلطجة في أوطان العرب، يقتلون أبناء أرض الإسلام والديانات السماوية .

إن شاءت قساوة الأقدار أن يجري منح شتات قوم بائسين وطن لهم فليكن المانح أهلا لذلك وجديرا بأن يضرب به المثل الأعلى في الجود والكرم، وليكن من يضمن هذه المنحة طرفا موثوقا به فيأوي هؤلاء التعساء في أرض تقع تحت سيادته لا في أرض لا يملكها، والمنطق يقول أنه كان على انجلترا أن تأوي اليهود عندها في إحدى جزر بريطانياالعظمى، وفي الوقت الحاضر يمكن أن تأوي أمريكا وهي الدولة الداعمة الكبرى لإسرائيل يهود العالم في مناطق آمنة، غنية بالثروات، ذات إطلالة ساحرة على المحيط، غنية بالأسماك والثروات البحرية بدلا من السواحل الملوثة للبحر الأبيض المتوسط أفقر بحار العالم من الأسماك

قد تكون هناك مناطق عديد في الولايات المتحدة الأمريكية مناسبة جدا وكافية لاستقبال وإيواء اليهود النازحين من كل بقاع العالم لإقامة وطن قومي لهم فيها يتمتعون بخيراته وثرواته الطبيعية وقد يكتشفون فيها وجود الغاز والبترول بكميات تجارية تغريهم على التمسك باحتلال الأراضي الأمريكية، حينها يمكنهم فعلا أن يدّعوا أمام أبنائهم أنها بحق " أرض الميعاد " ولا يهم أن تتأكد كذبتهم بوجود هيكل سليمان، فهو رمز معنوي يمكن بناؤه في امريكا بتقنيات متطورة. سيعيشون بأرض الأحلام الأمريكية وسط قوم يحبونهم حياة رغد وأمان وسيكون من بينهم رواد فضاء وعلماء كثيرون .. كل المطلوب منهم التفكير مليا في هذا المقترح البديل لعله يحمل بشائر الخير لأبنائهم بعيدا عن العرب والمسلمين.

***

صبحة بغورة

بعد حرب 76 والعبور وكذلك تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي وحرب المناورات والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا والتي تستهدف مطاري دمشق الدولي، ومطار حلب. و لم تدخر القوات الإسرائيلية جهدا في شن حربها ضد السكان الامنين في غزة والضفة الغربية، مستهدفة المدن، في الخليل وجنين وغيرها من قرى الضفة ومدنها مستهدفة السيطرة على اراضي الفلسطنين، وتهديم المنازل واعتقال الشباب، واخذهم أسرى وزجهم في السجون والمعتقلات، وإستخدام الرصاص الحي وكذلك القنابل المسيلة للدموع بحق المتظاهرين السلمين، كل وسائل القمع تستخدم أمام شعب أعزل ليس لديه ما يدافع عن نفسه سوى الحجارة، واستهداف الإعلام الفلسطيني والعربي والعالمي، من أجل ان لا يفضح جرائمهم وأساليب قمعهم، وآخر جريمة ارتكبها الاحتلال هي قتل الاعلامية الفلسطنية الأصل والتي تحمل الجنسية الامريكية شيرين أبو عاقلة مراسلة الجزيرة القطرية بعملية قنص قام بها احد جنود ما يسمى بجيش الدفاع الاسرائيلي، أضافة للحصار الجائر على مدينة غزة، حيث قلة الادوية في المستشفيات وعدم وجود الأجهزة الطبية العلاجية والتشخصية للأمراض، وحتى محاربة الشعب في لقمة عيشه كما يحدث للصيادين في سواحل غزة وقضية العبور للعلاج كما يحدث في معبر رفح ومعبر كرم سالم، أضافة لاحتلال إسرائيل لمزارع شبعا اللبنانية.

كل هذه التجاوزات والأعمال الا أنسانية كما جرى للأسرى عندما يضربوا عن الطعام من أجل إطلاق سراحهم وتقديمهم للمحكمة والسماح لمحاميهم وعوائلهم بزيارتهم، والعمل من أجل تطبيق معاهدات جنيف حول الأسرى، وقد توفي عدد منهم.

كل هذا وماعلنه الأرعن رئيس الولايات المتحدة الامريكية السابق ترامب بما يسمى بصفقة القرن حول القضية الفلسطينية الاوهي اعتبار القدس العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني، ومد الجسور مع دول الخليج من أجل الاعتراف بدولة الصهاينة كما تم في أقامة علاقات دبلوماسية بين البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة.

طفح الكيل وتململت قوى المقاومة الفلسطنية في غزة وهيئة أجواء التدريب لقواها المسلحة، من أجل عملية لم يحدث لها مثيل منذ احتلال دولة الكيان الصهيوني وتنفيذ وعد بلفور البريطاني واعتراف مجلس الأمن بقرار التقسيم، عملية رسمت فيها بصمات تكتيك حرب العصابات، وحدثت الزلزال في السابع من أكتوبر في عملية (طوفان الاقصى) في كسر الحواجز التي بنتها دولة الكيان بين قطاع غزة هاشم و مستوطناتهم في الداخل، وكذلك إستخدام الطيران الشراعي لعبور الحدود، لكي لا تكشف من قبل رادارتهم المتطورة حديثا والمنتشرة في الداخل، فوجئت القوى الاستخبارتية والامنية لجيشهم وأصابهم الذهول بهذا الحدث، وهناك في اوساط المعلقين العسكرين، ممن يتحدث عن أهمية التكتيك المباغت، للجيش الكيان وقوات الأمن واستخباراته، يجب أن تدرس هذه العملية في العلوم العسكرية، كونها عملية تدخل ضمن تكتيكات حرب العصابات المباغتة للعدو، وكنتيجة هذه العملية قتل عدد من قواتهم واخذ عدد من الرهان العسكرين بلغت أكثر من 225 عسكريا وتم اطلاق عدد من الرهائن المدنيين، وفي مدن فلسطين المحتلة خرجت تظاهرات عارمة في الضفة الغربية كما في الخليل و جنين ورام الله ومدن أخرى تساند المقاومة وتطالب العرب والمسلمين وشعوب العالم في دعمها وحفزت شعوب في التظاهر لنصرة فلسطين ومقاومتها في حقها المشروع في عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه وإقامة دولتهم الفلسطنية وعاصمتها القدس، ليعشوا فيها العرب من مسلمين ومسحيين ويهود من سكان البلد الأصليين قبل وعد بلفور البريطاني المشؤوم، بإقامة دولة يهودية في فلسطين ومن ثم قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة عام 1948 في تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية فلسطين. هذه التظاهرات الكبيرة خرجت في كل من بريطانية في العاصمة لندن ومدن كبيرة أخرى مثل مانشستر وكارديف، وكذلك في الولايات الامريكية في واشنطن ونيويورك وفي مدن أوربية، كلها تطالب الغرب بوقف تسليح دولة الكيان الصهيوني في اسلحة مدمرة، وما تواجد اسطول امريكا قرب سواحل المتوسط بحاملة الطائرات، مشاركة مؤكدة بمشاركة امريكا الفعلية بعدونها على شعب فلسطين، ومن خلال زيارة وزير خارجيتها أنطوني بلينكن الذي أعلن بوقاحة عن أنه جاء كيهودي لدعمهم ومساندتهم، نسي أنه وزير خارجية امريكا هي دولة تضم المسيحيين والمسلمين والبوذين ويهود، ومن أديان أخرى..

و تستمر دولة الاستيطان في قصف غزة بصواريخ ومستخدمة قنابل فسفوري محرمة دوليا لقتا السكان وتهديم البنايات سكنية على ساكنيها من الأطفال والشيوخ والنساء وتقتل الف من الأطفال والنساء والشيوخ والالف من الجرحى و أهل غزة يعيشون في العراء لا ماء لا كهرباء لا طعام ولا دواء وتلاحقهم طائرات الفانتوم الامريكية لتجهض على ما تبقى منهم، كلها من أجل التمهيد لغزو القطاع وتشريد اهله، لاكنهم وبفضل مقاومتهم الوطنية الشجاعة صامدون لا يكرروا ماجرى في عام 1948 من عملية الخداع في النزوح إلى بلدان مجاورة. والمقاومة صامدة ومتخندقة للدفاع عن غزة اليوم وغدا، وتكبد العدو خسائر جسيمة في الارواح والمعدات المتطورة من الدبابات والدروع،و هو يتقهقر أمام ضرباتها.

النصر للمقاومة الفلسطنية والمجد لشهداء غزة وكل فلسطين والشفاء العاجل للجرحى.

و الهزيمة للاستيطان الصهيوني وليعود الصهاينة إلى بلدانهم، جائوا منها،

***

محمد جواد فارس - طبيب وكاتب

ويطوي الزمان صفحاته الواحدة تلو الأخرى، وتمر الأحداث سريعا بحلوها ومرها، ولكنها في كل الأحوال ستبقى راسخة في الذاكرة الجماعية يسجلها التاريخ للبشرية بما لها من فضائل وما عليها من أثام، لذلك تتعظم الدهشة عندما تجري أحداث على نحو يشابه أخرى مضت منذ سنين طويلة احتفظ منها الضمير الجمعي بالعبر بنفس الظروف والأسباب تكون نفس النتائج.

* لعل ما يؤثر عميقا في النفس أن يضطر البشر إلى معايشة ظروف استثنائية صعبة كتلك الأحداث التي لا تطيقها الطبيعة الإنسانية،فالإنسان مجبول على الخير وعلى حب كل ما يحقق له الخير والأمن والسلام، ولكن في المقابل شهد تاريخ البشرية وما زال سلسلة لا نهاية لها من تصفيات جسدية تقوم بها أطراف في أبناء وطنها وفي خارجه سرا وعلانية، يكنون العداء لخصومهم السياسيين، والكتاب والمفكرين، ورجال العلم لإرهاب أنصار الضحية وإسكاتهم أو توجيه رسالة إلى آخرين مفادها أن يد الانتقام و" التأديب" طويلة، إنها ببساطة عمليات الاغتيال السياسي.

"لا أحد يمكن أن يعطيك الحرية ولا أحد يمكن أن يعطيك المساواة والعدل، فإذا كنت رجلا فقم بتحقيق ذلك بنفسك، كن مسلما ومهذبا وأطع القانون واحترم الجميع، لا تجعل أي شيء يحول دونك ورؤية الحقيقة فالخطأ يبقى خطأ بغض النظر عمن صنعه أو فعله .."هذه بعض كلمات مالكوم أورليليتل إكس، أو الحاج مالك بعد إسلامه الذي اعتبر من أهم الشخصيات الأمريكية المسلمة والبارزة منتصف القرن الماضي، وكانت حياته القصيرة مثيرة للجدل في الولايات المتحدة حول الدين والعنصرية، وتم اعتباره شخص محرض على العصيان والفوضى ونتج عن ذلك اغتياله يوم 21 فبراير 1965 من طرف أحد طلابه وقت إلقائه إحدى محاضراته الجامعية بعد إصابته بست عشرة رصاصة اخترقت جسده النحيل ليتدفق الدم بغزارة وتخرج الروح من سجن الجسد.

* تمر بالأمم والشعوب شخصيات تؤثر بالسلب أو الإيجاب في تاريخ كل أمة، والتاريخ حين يسجل مسيرة كل شخصية سياسية وعملها فإنه لا يرحم، فهو يضع كل شخصية في الميزان.. ميزان دقيق محكم يعطيها ما لها من حقوق ويحاسب ما عليها من مظالم .. هناك شخصيات هزت البشرية بإنجازاتها وأعمالها السياسية، وعندما نقلب في أعماق التاريخ نكتشف عظمة بعض من صنعوا تاريخ الأمم لكونها شخصيات تاريخية، وشخصيات أخري يوصفون بالديكتاتوريين ومجانين الحكم أوصلوا شعوبهم إلى حافة الهاوية والفناء .

يعتبر أشد المتشائمين كان من أدولف هتلر زعيم النازية في ألمانيا،و بنينو موسوليني زعيم الفاشية في إيطاليا أكبر الحكام الطغاة الذين أفسدوا الأرض روح السلام والأمان في العالم، ولكن بصمات الصهيونية كانت ثابتة تشهد عليهم تآمرهم على الشعوب والأنظمة.بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى 1914 ــ 1918 رفض اثنان من مستشاري الحكم في ألمانيا التوقيع على معاهدة فرساي المذلة، فقام بتوقيعها أحد المستشارين اليهود راثنوميوانخ، قائد وزعيم الجبهة الشعبية المعارضة وبعد اغتياله عام 1923ظهرت حركات المقاومة السلبية للعمال بتحريك من أياد يهودية خفية أشعلت معها أزمة اقتصادية ألمانية حتى أخذ الشعب الألماني يدرك معها أن النظام الديمقراطي البرلماني فاشل ..

في عام 1916 كان اليهودي حاييم بن عزرا وايزمان يعمل استاذا للكيمياء العضوية في جامعة مانشستر بإنجلترا وتمكن بذكائه واجتهاده المعملي من اختراع طريقة لاستخراج سائل الأسيتون من دقيق الذرة، وهو السائل الذي يستخدم في اذابة النتروجليسرين لصناعة مادة الكوردايت المفرقعة التي لابد منها لحشو الرصاص والقنابل وطلقات المدافع وكان هذا الاختراع مواكبا للغليان العسكري بين الحلفاء ودول المحور مما رجح كفة دول الحلفاء، اعتبر وايزمان بطلا قوميا فقرروا مكافأته بأي شيء يطلبه، وجاء طلب الرجل مفاجئا فقد رفض يكون ملكا على جزيرة من الجزر التي تسيطر عليها بريطانيا آنذاك، ورفض القصور والهدايا، وان كل ما طلبه بتواضع شديد وأدب جم هو وعد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

كانت ألمانيا قد نشرت في عام 1919 كتابا يفسر الخطة اليهودية للسيطرة على العالم بعنوان " بروتوكولات حكماء صهيون " وسارع تيودور هرتزل أول مؤسس للصهيونية وأول ماسوني يبني وطنا لليهود إلى نشر مذكراته وظهر كمن يلعب على الحبلين، تارة مع انجلترا وتارة مع ألمانيا، ومع علم اليهود لكره هتلر لهم بسبب تحريكهم للفوضى فقد سهلوا له خفية الطريق لتولي قيادة البلاد في 1933ومن ثمة استغلال كرهه لهم لإظهارهم في صورة المضطهدين المجبرين على الهجرة والفرار من قبضته إلى وطنهم المزعوم (فلسطين) وقامت الصهيونية بتسريع وتيرة الهجرة اليهودية نحو فلسطين التاريخية. في فلسطين تبلورت اليهودية بين الشخص اليهودي التوجه والشخص اليهودي المعتقد، فالأول غالبا شخص عادي أوقعته مغامراته ونزواته في براثن اليهود فسيطروا عليه، والقليل منهم يخدمون اليهوديةإما عن قناعة وإما عن كراهية ونكاية في العرب والمسلمين، أما الشخص اليهودي المعتقد فهو شيء مختلف تماما من حيث اعتناق الفكر التلمودي والإيمان بأرض الميعاد والوثوق بأن اليهود هم شعب الله المختار، وعلى كل حال الأهداف اليهودية ثابتة وإن اختلفت السبل، ويشرح حزب العمل التوجه الجديد للصهيونية لتحقيق الأهداف الصهيونية بصورة أكثر رسوخا وأقل تكلفة عن طريق النفوذ الاقتصادي، وأن الطريق إلى اسرائيل الكبرى يمر عبر الحروب والمجابهات العسكرية أما طريق إلى اسرائيل العظمى فيمر عبر الدبلوماسية والتلويح بالقوة ومن هنا ظهرت فكرة شرق أوسط جديد، وعلى ذلك فكلا من اليهودي التوجه واليهودي المعتقد جاهز لحرق العرب والقضاء على المسلمين، والفارق الوحيد بينهما هو أن الأول ذاتي الاشتعال، ولما كانت الديانة اليهودية لا تقبل دخول وافدين عليها لأنها خاصة بشعب الله المختار وباقي البشر عبيد فقد كانت المخططات اليهودية منذ الأزل ترمي إلى تحويل أكبر عدد ممكن من البشر إلى يهودي التوجه.

لقد أذاق زعيم النازية أدولف هتلر اليهود أفظع أساليب التعذيب والمهانة وانتهى أمرهم على يديه بالحرق داخل الأفران وهي عملية إبادة جماعية تعرف بالمحرقة " الهولوكوست" والأساليب الصهيونية حاليا بحق الشعب الفلسطيني نفسها التي مروا بها في ألمانيا، الهروب الاضطراري، واغتصاب الأراضي، الملاحقات الأمنية، والقتل والتشريد ثم التهجير تحت وقع المحرقة الاسرائيلية الكبرى، والهدف الأعظم هو تحقيق حلم اسرائيل الكبرى الذي يظهره العلم في شريطين يمثلان نهري الفرات و النيل وما بينهما نجمة داوود دلالة على مساحة الوطن الاسرائيلي المزعوم .

***

صبحة بغورة

قرأت مقالاً بعنوان (معرض فرانكفورت للكتاب وأكاذيب الثقافة)..كاتب المقال كان مديراً تنفيذياً لمعرض القاهرة للكتاب ثم تمت إقالته!!

المقال باختصار يتحدث عن معرض فرانكفورت الدولى للكتاب منتقداً استجابة مصر للمشاركة فى المعرض بسبب مقاطعة دول عربية أخرى له؛ على إثر موقف مدير المعرض المناهض للقضية الفلسطينية والمؤيد لإسرائيل..وطبيعى أن مصر تحمل على كاهلها هموم القضية الفلسطينية كدور تاريخى لا يحتمل المزايدة من أحد!

بالطبع لا يمكن لوم وزارة الثقافة على مثل هذا التصرف الدبلوماسي الراقى بالمشاركة فى معرض دولى مهم كمعرض فرانكفورت الذى يعود تاريخ نشأته إلى عام 1949 أى أنه سابق لمعرضنا بنحو عشرين عاماً؛ لمجرد أن أحد أعضاءه له رأى معروف مسبقاً يختلف عن رأينا، حتى لو أعلن هذا الرأى وجهر به قاصداً شراً..وإلا فإننا فى انتظار انسحاب أوروبى جماعى من معرض القاهرة الدولي للكتاب فى مطلع العام القادم ..إذ أن موقف أوروبا كلها كما نعلم مؤيد لإسرائيل لأسباب يعرفها أى مثقف أو مدعى ثقافة.

ثم إن ألمانيا بالذات وإن كانت تجهر بتأييدها لإسرائيل فإن موقفها الحقيقي من اليهود معروف، وهو عكس ما تعلنه. لكن ألمانيا لا تستطيع إعلان كراهيتها لليهود وإلا جوبهت بدعاوى محرقة الهولوكوست، ولفتحت على نفسها بوابة الجحيم من أبواق الإعلام الصهيونى وضغوط النظام الدولى برعاية الولايات المتحدة الأمريكية قائدة حلف الناتو..إن موقف ألمانيا مفهوم ومعروف مسبقاً للكافة..ومن المعروف كذلك أن مدير المعرض سحب تأييده واعتذر عما قال..لكن كاتب المقال تجاهل هذا الأمر فى مقاله المغرض!

ولو أننا انتقدنا مشاركة مصر فى معرض فرانكفورت الدولى، لكان من باب أولى أن نرفض استقبال مستشار ألمانيا فى مصر منذ أيام مضت لنفس السبب..وإلا فموقفه من القضية الفلسطينية هو ذات الموقف لمثقفى ألمانيا، بل ولمثقفى أوروبا كلها! ومشاركة مصر فى المعرض ليست إلا مشاركة دبلوماسية طبيعية، فنحن لم نطرد السفير الألمانى اعتراضاً على موقف ألمانيا من إسرائيل ولن نفعل.

والحق أن صاحب المقال لم يكتبه غيرة على القضية الفلسطينية، ولا تعبيراً عن رأى عدد من المثقفين كما يزعم..وأقل ما يقال عن دوافعه لكتابة مقاله هذا إنها دوافع ليست فوق مستوى الشبهات، وأن كل ما قاله كان من باب دس السم فى العسل..وتعالوا أشرح لكم لماذا؟

الرجل بحكم عمله السابق يعلم أن إلغاء مشاركة مصر فى المعرض ستكبدها خسائر مالية يذكرها فى مقاله ويؤكد أنها لن تزيد عن نصف مليون جنيه، وأنها قيمة قليلة يمكن التغاضى عنها وبذلها عن طيب خاطر فى سبيل القضية.. فليكن.. لكن حتى لو سلمنا بأن خسارة هذا المبلغ، فى حالة صحته، تصب فى صالح دعمنا للقضية الفلسطينية وأنها ستمنع ، كما يزعم هو ، نزيف الدم الغالي فى غزة وستساهم فى وقف إطلاق النار..فليفسر لنا صاحبنا لماذا تستمر إسرائيل فى تجبرها وقصفها لغزة رغم مقاطعة دول عربية أخرى لهذا المعرض وغيره ؟ وأى مكسب نجنيه من استخدام سلاح المقاطعة إن كان يمكن أن نسميه سلاحاً؟! والسؤال الأهم هنا هو: ماذا فعل المثقفون المصريون داخل مصر لنصرة القضية الفلسطينية؟ تكلموا ، احتدوا، غضبوا، ثاروا ، قاطعوا إسرائيل وحلفائها؟

فلأحدثك عما فعله أمثال هذا الكاتب.. إنهم توجهوا لبعضهم البعض باللوم والعتاب والمخاصمة،وبدلاً من مجابهة إسرائيل وأعوانها ،وجهوا ألسنتهم وأقلامهم لمجابهة بعضهم البعض. ومثل هذا التصرف لا ينم إلا عن جبن ونذالة وخنوع.. ولا يشى أبداً بأية غيرة على قضايانا وأمتنا.

دعونا نفرض أن التصرف الذى اتخذته المؤسسات الثقافية والهيئات الرسمية المصرية كان تصرفاً دون المستوى كما زعم كاتب المقال..ألم يكن من الأفضل له ألا يتمادى فى الخصومة فيضع عنواناً مشيناً كهذا "أكاذيب الثقافة"؟! وماذا عن ترهات وشائعات وأباطيل ومزايدات يقوم بها مدعو الثقافة؟! وماذا لو أن الأمر تمت مناقشته فى أجواء عادية وبعيداً عن شماتة الشامتين فى مثقفين تفرغوا لخصام بعضهم البعض وشتم بعضهم بعضا، بدلاً من مواجهة عدونا المشترك القديم؟!

أقول إننا فى غنى الآن عن مثل هذه المقالات التى نواجه فيها بعضنا بعضاً.. ودعونا من أحاديث المرجفين وترهات محتكرى القومية العربية..إن مشاعر الوطنية والعروبة ليست حكراً على أحد. ولا يمكن التشكيك فى وطنية أحد أو مشاعر القومية والعروبة لأننا لم نؤمر بالتفتيش عن النوايا والقلوب..ولا يمكننا أن نستمع لكل غراب ناعق أو نافخ كير يريد أن يشعل النيران ويثير الشقاق لا بين الأعداء، وإنما بيننا نحن فى الداخل.. مثل هؤلاء ينبغى أن ننبذ دعاواهم المثيرة للشقاق والاختلاف.. وما أحوجنا اليوم للاتحاد والاجتماع على كلمة سواء..

وأخيراً أريد التأكيد على ضرورة الانتباه لمثل هؤلاء المرجفين..أولئك الذين لا هم لهم إلا النقد الهدام من أجل تأجيج الأوضاع وإشعال الفرقة والتأليب على الآخرين من أجل مصالح شخصية ضيقة..وأن نتمثل أمامنا الآية القرآنية الكريمة: (يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)..وأقول إن نصر فلسطين لا يأتى أبداً من باب الشقاق والتفرق، بل من باب الوحدة وجمع الصف.

***

د.عبد السلام فاروق

كما في العشوائيات السكنية التي انتشرت حول المدن الكبرى في العواصم والمدن والتي استولت على مساحات واسعة من الأراضي والممتلكات العامة في غياب سلطة القانون واضمحلال العدالة الاجتماعية وضعف الدولة، والتي ضمت أناس بسطاء من بيئات مختلفة غالبيتها ممن يصنفون تحت سقف خط الفقر او الحالمون بتملك تلك الأماكن بنظرية واقع الحال، او ممن تركوا بيئاتهم الاصلية ونزحوا أو هاجروا الى تلك العشوائيات السكنية والسلوكية أملا في تحقيق هدف مرتجى خارج سياق القانون وبفرض واقع الحال.

اردتُ بهذه المقدمة أن ادخل الى واقع آخر لا يختلف كثيرا عن تلك البيئات التي أنتجت هذه العشوائيات، حيث الأوضاع السياسية التي أنتجتها عمليات التغيير القيصرية في غالبية دول الشرق الأوسط الموبوءة أصلاً بضعف سلطة القانون وتخلخل العدالة الاجتماعية، من ارتفاع مستويات خط الفقر المدقع مع انخفاض مريع في الوعي والتعليم، يتم تدمير الناتج القومي واستهلاكه في بناء ترسانات أمنية وعسكرية وأسوار من هياكل الحماية للنظم السياسية ومفاصلها، هذه النظم التي تحولت وبالذات جمهوريات الانقلابات ودول الربيع العربي المخدرة بالديمقراطية المستوردة إلى عشوائيات سياسية واسعة، انتشرت فيها أنماط عديدة من النظريات الفكرية والسلوكية التي بلورت نمطاً من الديمقراطية الفوضوية والعشوائية الناتجة من طبيعة مجتمعاتها ذات الإرث المتكلس من العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية التي تجمعت فيها هذه الفعاليات السياسية ومن مختلف الشرائح والطبقات والتوجهات، القبلية والقومية والدينية والمذهبية ومن كل الطبقات الاجتماعية.

هذه الديمقراطية التي تم إنزالها بمظلة خارجية فوق مجتمع تركزت في مفاصله موروثات اجتماعية قبلية ودينية تتقاطع تماما مع هذا الأسلوب في الحياة الاجتماعية والسياسية، وخير دليل على ذلك التجربة الديمقراطية الأخيرة في العراق منذ عقدين من الزمان، ناهيك عن تجربتي تركيا وإسرائيل اللتين فشلتا في الخروج من قوقعة القومية المفرطة والدينية المتزمتة، التي لم تنجح في خلق مجتمع مدني حديث يقوم على مبدأ المواطنة الجامعة، بل حصل العكس، حيث الافراط في العنصرية والتشدد الديني سواء في تركيا او إسرائيل، ومن ثم في العراق حيث انتجت التجربة كائنا سياسياً مشوهاً ووضعاً اجتماعياً قلقا اختلطت فيه تلك المصطلحات المستوردة مع المتكلسات الوراثية في بنائه الاجتماعي والديني المحافظ. إن مفهوم المعارضة في التجربة الجديدة سواء في كوردستان التي استقلت ذاتيا سنة 1991م والعراق عموما منذ 2003م هو الاخر انتج ضمن البيئة الاجتماعية وموروثاتها القبلية والدينية كائناً سياسياً هجيناً لا مثيل له حيث تشترك الأحزاب المتنافسة جميعها في السلطة، وتقوم في ذات الوقت بدور المعارضة وهي شريكة أساسية في الحكم ومخرجاته وامتيازاته، خاصة في ابتداع نظام المحاصصة الوظيفية والمناصبية، وعلى مختلف مستويات السلطة، حيث يمارس الجميع الحكم والاستئثار بعطايا وامتيازات الدولة المشرعنة من السلطة التشريعية بشكل مريع جدا، ناهيك عن ان كل هذه الأحزاب والمكونات عبارة عن دويلات لديها دكاكينها الاقتصادية وأذرعها العسكرية (الميليشيات).

ولا تختلف بقية الأنظمة التي انبثقت من الانقلابات أو من التغييرات الفوقية بمساعدة الدول العظمى عن التجربة العراقية في ممارساتها ومضمون تفكيرها ٳلا بالعناوين والأسماء، وقد أضاعت فرصة ذهبية لبلورة معارضة وطنية تحت ظلال المواطنة الجامعة، حيث تتكالب كل القوى على اقتطاع جزء من الدولة لتحويلها إلى دويلة وبقرة حلوب، حتى وصلت الأمور إلى درجة بيع وشراء المناصب الوزارية والأمنية والعسكرية بما يمنع قيام أي شكل من أشكال الدولة الحديثة، بل على العكس أصبحت الدولة في هذه البيئة التي تهيمن عليها ثقافة القبيلة والطائفية والمناطقية عبارة عن غطاء أو إطار لهذا الشكل المشوه سواء في العراق أو في بقية هذه المنظومة من الدول التي تحتاج إلى تغيير جذري في بنية النظام السياسي وفي كثير من المفاهيم والنظم الاجتماعية أكثر من حاجتها إلى تداول السلطة بأدوات مشبوهة وصيغ لا تختلف في مخرجاتها عن طبيعة الأنظمة الدكتاتورية.

ما يتم ممارسته اليوم في هذه المجموعة من الدول التي اجتاحتها عواصف التغيير المدعوم خارجياً لا علاقة له بالديمقراطية التي عرفناها في الدول الغربية عموماً، رغم أنها ترتدي عباءة الديمقراطية وتستخدم بعض أدواتها في الظاهر وتبطن في داخلها نظاماً شمولياً متشدداً بأدوات دينية أو مذهبية أو عنصرية حتى أصبحت الديمقراطية في بلداننا كالعاهرة المحجبة.

***

كفاح محمود

تعامل الإعلام العراقي، في النَّشرات الإخباريّة والصّحافة، وكل ما تبثه وكالة الأنباء العِراقيّة (واع)، بميل إلى الاضطرابات، التي بدأت بإيران (1977)، ولكن بحذر، بل كانت الجريدة غير الرّسميّة "طريق الشّعب"، جريدة الحزب الشّيوعيّ العراقي، قبل إغلاقها (نيسان/ أبريل 1979) بانتهاء الجبهة الوطنيّة، بين الحزب الشيوعيّ والحزب الحاكم البعث، مندفعةً مع التّظاهرات بقوة، وكان مِن عادة السُّلطة أن تحجب وتمنع الأعداد التي فيها إساءة إلى دول تعتبرها صديقة لها، مثل المملكة العربيّة السّعوديّة والأردن والصّين، وقد حصل ذلك بالفعل.

 كذلك ليس هناك أيّ إجراء ضد آية الله روح الله الخمينيّ (عاش في النَّجف: 1965-1978)، غير تنفيذ طلب طهران بإبعاده من العراق، وقد أعطي الخيار في الوجهة التي يختارها، وكانت بغداد غير متوقعة أن النّظام الشَّاهنشاهي سيهوي بهذه السّرعة، وأنَّ الرّجل الذي كان يتحرك بما توفره له حكومة البعث مِن إمكانات (1969-1975) سيخرج مِن العراق، وخلال أربعة شهور فقط، مِنذ خروجه مِن النّجف إلى وصوله إلى طهران عبر باريس (تشرين الأول/ أكتوبر 1978- 1 شباط/فبراير 1979)، تحل عمامته محل التّاج في إيران، وكان قد وجد شتى الدّعم، ما دامت بغداد على خلاف مع طهران، وكل الظَّن أنه لن يقلب لبغداد "ظَهْر المِجَنّ"، وينسى كل ذلك الاحتضان والدَّعم مِن حكومة البعث له الذي استمر حتّى صلح الجزائر (1975)، وقع اتفاقيته عن إيران الشّاه محمّد رضا(تـ: 1980) نفسه وعن العراق نائب رئيس مجلس قيادة الثّورة صدام حسين (أُعدم: 2006).

 أما بعد نجاح الثّورة (11/2/1979) فمَن يتابع الإعلام العراقيّ يجد التَّأييد واضحاً للنظام الجديد، فحال تعيين المهندس مهدي بازركان (تـ: 1995) رئيساً للوزراء أرسلت الحكومة العراقيّة مذكرة، نشرتها الصحف في الصفحات الأولى تحت عنوان "مذكرة عراقيّة إلى الحكومة الإيرانيّة الموقتة" (صحيفة الجمهوريّة: العدد 2507 التاريخ 14/2/ 1979)، جاء فيها: "تُهدي الحكومة العراقيّة تحياتها إلى السّيد مهدي بازركان، رئيس الحكومة الإيرانيّة الموقتة، وتود أن تعلن موقفها مِن الأحداث الجارية في الجارة إيران على الوجه التّالي": الأولى: إعلان ثبات السِّياسة العراقيّة، بالحرص على إقامة صلات تعاون وثيقة أخوية، مع الشُّعوب والبلدان المجاورة للعراق، على أساس الاحترام، وعدم التّدخل في الشُّؤون الدَّاخليّة، مع الإشارة إلى إذا "كانت فيها حكومات البلدان المجاورة تلتزم بها مِن جانبها".

 النقطة الثّانية: تأكيد  العلاقات بين الشَّعبين المجاورين، الإيرانيّ والتّركي، مع العبارة: "وهما ليسا شعبين مجاورين، وإنما هما شعبان شقيقان، تربطهما بالشّعب العربيّ بصورة عامة، والشّعب العراقيّ بصورة خاصة، الرّوابط الإسلاميَّة الوثيقة، وعلاقات التّاريخ المشترك لمئات مِن السّنين"، إلى القول: "ونحن نرى أنَّ طبيعة هذه العلاقات الدّينيَّة والتّاريخيّة، يجب أن تكون عنصر تقوية للعلاقات الإيجابيّة في العصر الحديث، بين العراق وإيران وبقية الأقطار العربيّة".

 النقطة الثّالثة، وفيها إشارة إلى بغض النظام الملكيّ وبالتالي تأييد الثورة: "إن الشّعب العراقيّ الذي ناضل عشرات السّنين، ضد التّسلط الاستعماريّ، والنّظام الملكيّ الفاسد، وضد كلِّ أشكال الطُّغيان والاستغلال، والذي تكلل هذا النَّجاح في ثورته 17 تموز 1968، التي قادها حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ"(صحيفة الجمهوريّة).

 كانت الصَّحافة العراقيّة، عندما تذكر الخميني تشير إليه بالسّيد وآية الله، وتبث أخباره بعد الثورة، ونجد مانشيتَ يتصدر الجرائد في بغداد: "العراق يُرحب بقرار إيران الانسحاب مِن حلف السّنتو"، ورحبت بغداد باجتماع ياسر عرفات مع الخمينيّ، أي أن قضية فلسطين صارت تجمع بين النّظامين، وإسناد الخميني حكومة بازركان، وأخبار الإعدامات لرجال النظام الملكيّ، مِن دون اعتراض، بل وفيه نوع مِن التأييد أكثر من الحياد، وقدمت الرئاسة العراقيّة تهنئة له شخصياً بعد إعلان إيران "جمهوريّة إسلاميّة" (1/4/1979)، ونُشرت في الصَّفحة الأولى مِن جريدة "الثّورة" العراقيّة (العدد 3287 التاريخ 6 نيسان/ أبريل 1979)، وكتبت قبل النَّص: "في برقيةٍ مِن الرّئيس البكر إلى السّيد آية الله الخمينيّ: العراق يهنئ حكومة وشعب إيران بقيام الجمهوريّة الإسلاميّة"، وهذا نص البرقية:

 "السّيد آية الله روح الله الخُمينيّ، يُسعدني بمناسبة إعلان الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة أن أبعث باسم العراق، حكومةً وشعباً، وباسمي شخصياً، بأصدق التّهاني لكم وللشعب الإيرانيّ الجار الصّديق، متمنين لكم التّوفيق، آملين أن يفتح النّظام الجمهوريّ الجديد فرصاً واسعة لخدمة السّلام والعدل في العالم، وإقامة أوثق علاقات الصّداقة والجيرة مع الدُّول العربيّة عموماً، والعراق بشكل خاص، والله ولي التّوفيق. أحمد حسن البكر رئيس الجمهوريّة العراقيّة"(جريدة الثّورة). لم ترسل بغداد البرقية لأي شخصية رسمية، بل أرسلتها إلى الخميني شخصياً اعترافاً بقيادته.3876 جريدة الثورة

بعد عشرة أيام، أي في تاريخ: 16/4/1979 مِن إرسال برقية تهنئة أحمد حسن البكر، بعث الخميني ببرقية جوابيّة، نشرتها الصَّحافة الإيرانيّة، وجاءت موثقة في موسوعة الخمينيّ أو "صحيفة الإمام"، وهي كل ما قاله الخميني، من خطبة ورسالة، قبل الثورة وبعدها (21 مجلداً والمجلد الـ22 احتوى الفهارس) جاء في جواب الخمينيّ الآتي:

"بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، فخامة السَّيد أحمد حسن البكر، رئيس الجمهوريَّة العراقيَّة. تسلمتُ رسالتكم الوديَّة، حول استقرار الجمهوريَّة الإسلاميَّة، وأشكركم عليها. إنَّ النَّهضة الانفجاريَّة لإيران على أثر دكتاتوريَّة النِّظام البهلويّ، واستبداده وكبته، كانت تحذيراً لجميع المستكبرين في مقابل المستضعفين، إنني آمل أن تتعامل الحكومات مع شعوبها بطريقة مسالمة. على الحكومات أنْ تكون في خِدمة الشُّعوب، والشُّعوب تدعم حكوماتها، ليتحقق الأمن والرّاحة للجميع. إن عاقبة الكبت الانفجار، وهذا لا يخدم الشّعب ولا الحكومة. وفق الله تعالى الجميع للسلم والسَّعادة، والسَّلام عليكم. روح الله الموسويّ الخمينيّ"(19/جمادى الأول 1399هـ/ 28 فرودين 1358 مِن السّنة الإيرانيّة، رقم الإضبارة 19 ج 99 صحيفة الإمام 7 ص 33).

بحسب حديث وزير الدفاع الأسبق عدنان خير الله طلفاح (قُتل: 1989)، وتعقيب صدام حسين، في التسجيل نفسه، أن صداماً بعث بالرسالة نيابة عن البكر، الذي كان غائباً لإداء العمرة، وعقب صدام أن الجواب كان غير لائق وفيه عبارة "والسّلام على مَن اتبع الهدى" (حديث بمناسبة تكريم القوة الجوية العراقيَّة، تلفزيون العراق 1987 على الرّابط:

https://www.youtube.com/watch?v=i3XsL1jta6k&t=261s

 ما يخص عبارة "السّلام على مَن اتبع الهدى"، فعادة تُرسل إلى المشركين، وممَن لم يهتدِ بعد، وبهذا أرسل النَّبي محمّد إلى أبي ثمامة مسيلمة بن حبيب الحنفيّ (قُتل 12هـ)، جواباً على رسالته التي جعل نفسه فيها "رسول الله" أيضاً: "بسم الله الرَّحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى مسيلمة الكذاب: السلام على من اتبع الهدى..." (ابن هشام السّيرة النّبويّة).

ما نعتقده أن جواب الخميني إلى البكر كان خالياً من تلك العبارة، مثلما ورد النص في صحيفة الإمام. أما لماذا الجرائد العراقيّة لم تنشر الجواب، وأخذت تذكر تلك العبارة، بعدما تدهورت العلاقة بين البلدين، بعد رئاسة أحمد حسن البكر، وأخذت طبول الحرب تدق، وتصدير الثّورة بدأ بقوة ضد العراق، وخصوصاً بعد تفجير الجامعة المستنصريَّة (1980) وإعدام محمد باقر الصّدر (1980)، ورسالة الخميني له ينصحه البقاء في العراق لقيادة العمل الإسلاميّ، وجواب الصَّدر إلى الخميني الذي أذاعته الإذاعة العربيّة الإيرانيّة، بإعلان الولاء له (أوردنا ذلك مفصلاً في كتاب: الخلافة التُّركيّة والولاية الإيرانيَّة). أخذت هذه العبارة تتردد على أنها وردت في جواب الخمينيّ إلى البكر. حتّى لكثرة تداولها صارت حقيقة مسلماً بها، وليس هناك أي نص في الوثائق العراقيّة ولا الإيرانيّة، بل جاءت عبر الأحاديث، نفهم أنها استخدمت لتأكيد العداء الإيرانيّ في عهد الخمينيّ ضد العراق.

 لكن قد يسأل سائل: لماذا لم ينشر الإعلام العراقيّ جواب رسالة الخميني، المذكور أعلاه نصاً؟ فهذا يتعلق بطبيعة الرّسالة، فيفهم منها أنّها موجهة إلى نظام دكتاتوريّ، وخصوصاً العبارة التي اعتبرت الثّورة الإيرانيّة "تحذيراً لجميع المستكبرين في مقابل المستضعفين، أنني آمل أن تتعامل الحكومات مع شعوبها بطريقة مسالمة..."، ثم أردفها بعبارة "إن عاقبة الكبت الانفجار". كان واضحاً في الجواب نقد مباشر، لكن لم يخاطب النظام العراقيّ على أنه نظام كافر، ولم يختم بعبارة "السّلام على مَن اتبع الهدى".

ظل الإعلام العراقي، لأكثر مِن عام، ودياً، وكذلك الإعلام الإيراني، فقد ردت إيران على مذكرة الحكومة العراقيّة، بلسان نائب رئيس الوزراء الإيرانيّ الذي سُلمت له المذكرة، وكتبت جريدة "الجمهوريّة" العراقيّة في صفحتها الأولى "ارتياح إيرانيّ للمذكرة العراقيّة". 

لكن بعدها نهجت إيران الإسلاميّة طريق "تصدير الثّورة"، ويأتي العراق في المقدمة، لوجود الحركة الإسلاميّة الشِّيعيّة، وقد أخذ إسلاميو إيران الغرور بانتصار الثّورة، والتمكن في الداخل، ثم جاء تنحي أحمد حسن البكر (16/7/ 1979) عبر خطاب بثه التلفزيون العراقيّ، فبدأت الحرب الإعلاميّة، وحرب المخافر، وإلغاء معاهدة أو اتفاقية (آذار/ مارس 1975) مِن قبل العِراق، حتى توج ذلك بالحرب الشّاملة بين البلدين.

فوفق ما نشرته الصّحافة العراقيّة، وبالمقابل لم يظهر من الإعلام الإيرانيّ أي مساس بالعراق، كان يمكن درء الحرب، لولا الإصرار الإيرانيّ الإسلاميّ على تصدير الثّورة، والقلق العراقيّ مِن نقلها إلى العراق، وإلا كانت الصّحافة العراقيّة تنشر كل ما هو إيجابي في يوميات الثّورة، وتنشر ما هو ضد نظام الشّاه، منها مادة تحت عنوان: "أميركا أمرت الشّاه بمغادرة طهران"، ومانشيت يقول: "مجدداً.. إيران لن تلعب دور الشّرطيّ"، وكانت الجرائد العراقيّة تنقل أخبار الخميني، منها "الخميني يستقر في مدينة قم" مع سؤال: "هل ستكون مدينة قم عاصمةً لإيران؟"، وذلك لأهمية شخصية الخميني. وأخبار تقول: "الهدوء يسود العاصمة الإيرانيّة".

 كذلك نشرت الجرائد العراقيّة أهداف الثّورة الإيرانيّة التي أذاعها رئيس الحكومة الموقتة، ونلخص ما نُشر بالآتي: تصفية نظام الحكم الملكيّ، ونيل استقلال إيران الحقيقيّ، وتصفية السيطرة الأجنبيّة، والحيلولة دون التدخل الأجنبيّ، وإقامة النّظام الإسلاميّ. لكن كان رأي النّظام الإسلاميّ، الذي أخذه الغرور بالنَّصر الكاسح داخل إيران، بأن إقامة نظام إسلاميّ بالعراق مجرد وقت، وهذا ما كانت تهتف به التّظاهرات العارمة ضد النّظام العراقي داخل المدن الإيرانيَّة.

 ونقولها رأياً لا معلومةً، إن النّظام العراقيّ، في الشُّهور الأولى مِن الثورة الإيرانيّة، كان يعوّل على النظام الجديد، بعد العداء الطويل مع نظام إيران السّابق، وأنه سيعاد النّظر باتفاقية (1975)، المجحفة بحقّ العراق، وأنَّ آية الله روح الخميني سيتعامل مع النظام العراقي مِن منطق الموقف المشترك ضد إسرائيل والغرب، وأنه لا ينسى الدّعم الذي تلقاه مِن الحكومة العراقية، وهذا ما غطيناه في المقالة السّابقة، على صفحات "النَّهار العربيّ"، وكانت تحت عنوان "الخميني.. لولا البعث لتوارى بين عمائم النّجف".

 أخيراً، بعد التبادل الإعلاميّ الودي بين البلدين، تحول الموقف، في أوائل (1980)، إلى نصب كمائن مِن النّيات المعلنة، صار بها النّظام العراقي كافراً، ونظام رجال الدين دجالاً، وكل منهما يريد إطاحة الآخر، هذا بالقوة العسكريّة، وبعقيدة تحرير الأحواز العربيّة، وذاك بثورة إسلاميّة ذاب قادتها بالخمينيّ، وانتهت الحرب، بعد ثماني سنوات، بقوة النّظام الإسلاميّ داخلياً، فالحرب وحدت الجميع خلف الخمينيّ، وهذا لم يحسب حسابه النّظام العراقيّ، فقد تمت تصفية معارضي النّظام الإسلاميّ تحت جنح الحرب.

 أقول: خلال الحرب إنّ عبارة "السّلام على مَن اتبع الهدى"، التي لم يكتبها الخمينيّ في رسالته الجوابيّة إلى أحمد حسن البكر، غدت وديةً قياساً بما قاله النّظامان، ضد بعضهما بعضاً، قُبيل الحرب وخلالها: هذا كافر وذاك دجال!

***

د. رشيد الخيّون

رغم تطورات الأوضاع في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، قطعت روسيا شوطا طويلا على الطريق نحو تطوير أسلحتها بالتزامن مع تطور الاحداث في ساحات المعارك، وتجعلها مواكبة لهذه التطورات، وبالطبع فإن الولايات المتحدة وأقمارها الصناعية لا تقف مكتوفة الأيدي أيضًا، وتحاول مجاراة روسيا او حتى التفوق على بعض أسلحتها، التي اظهرتها روسيا في أوكرانيا، وأثبت الصناعة العسكرية الروسية من خلالها تفوقها العسكري في التسليح المتطور والذي يواكب أيضا التطورات التكنولوجية في العالم .

وواحدة من هذه الأسلحة الروسية، هي تلك الصواريخ  التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، هي أسلحة صاروخية قادرة على الطيران في الغلاف الجوي بسرعة تفوق سرعتها سرعة الصوت أكبر من أو تساوي 5 ماخ (6000 كم/ساعة أو 1.6 كم/ثانية)، والمناورة باستخدام القوى الديناميكية الهوائية، ومثل هذا الصاروخ، الذي يجمع بين مزايا الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، غير معرض للخطر عمليا، ولاعتراضها، هناك حاجة إلى سرعات أكبر، و يكفي صاروخ أو صاروخين لضرب هدف مثل حاملة الطائرات التي يحب الأمريكيون التباهي بها، وأحدها، جيرالد فورد، التي وصلت بالفعل إلى شواطئ "إسرائيل" في البحر الأبيض المتوسط، فإن سحر الزركون: صاروخان منه  لجيرالد فورد يحولانها  إلى تيتانيك .

وقبل أيام فقط، قامت طائرات MiG-31 المزودة بصاروخ" Kinzhal"  الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، بدوريات قتالية فوق البحر الأسود، وهذا ليس عرضيًا على الإطلاق، فالصاروخ ليس صاروخ كروز، ولكنه صاروخ "باليستي هوائي" - يتم الحفاظ على مساره بسبب سرعته العالية،  وإن المقاتلة MiG-31، التي تم تحديثها خصيصًا لإطلاقها، هي في الواقع بمثابة المرحلة الأولى، حيث تنطلق خارج الطبقات الكثيفة من الغلاف الجوي على ارتفاعات تتراوح من 12 إلى 15 ألف متر، ويطير الصاروخ أيضًا على حافة طبقة الستراتوسفير لتجنب مقاومة الهواء الكبيرة، وتبلغ السرعة حوالي 10 ماخ، لذا، إذا تفاقم الوضع في الشرق الأوسط وكان هناك تهديد مباشر لروسيا، فإن مسيرة جيرالد فورد في البحر الأبيض المتوسط قد تكون قاتلة.

وفي 20 أكتوبر 2023، تولى منتج جديد آخر الخدمة القتالية في التشكيل الصاروخي بالقرب من أورينبورغ – وحدة Avangard التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وهي تشكل خطورة على العدو لأنه لا يمكن اعتراضها من قبل أنظمة الدفاع الصاروخي والدفاع الجوي بسبب سرعتها العالية، ويمكنها مهاجمة أي جسم من اتجاهات مختلفة من العالم، وأساس المجمع هو رأس حربي موجه تفوق سرعته سرعة الصوت يتم إطلاقه على هدف باستخدام صاروخ باليستي عابر للقارات ICBM UR-100N UTTH/RS-28، ويطور سرعة تصل إلى M=28 (حوالي 9.5 كيلومتر في الثانية) .

ولا يدرك الجميع عدد المشاكل التكنولوجية المستعصية التي تواجه صنع أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، ولفهم ذلك، دعونا نتخيل ما يحدث لصاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت أثناء الطيران، فبعد كل شيء، فإنه يطير حرفيا في سحابة من البلازما، التي تسخن الغلاف المعدني إلى 2000 درجة، وبالكلمات، يبدو أن كل شيء بسيط، ولكن لإنشاء مثل هذه التكنولوجيا المعجزة، استغرق الأمر عددًا من الاكتشافات في الفيزياء، وعلوم المواد، والكيمياء، والديناميكا الهوائية، والاتصالات، ومعادن جديدة يمكنها تحمل درجات الحرارة دون أن تفقد خصائصها المطلوبة، ومركبات كيميائية جديدة لإنتاج الوقود الذي يمكنه تسريع الصاروخ إلى هذه السرعات، وأخيرًا، أنظمة اتصالات لاسلكية جديدة، نظرًا لأن البلازما تتداخل مع مرور موجات الراديو، وأصبح الصاروخ غير قابل للتحكم أثناء الطيران.

ويبدو أن هذه هي خبرة المطور، والتي لم يتم الكشف عنها، ولكن تظل الحقيقة، هي ان روسيا  كانت  في وقت ما  أول من بدأ العمل في هذا الاتجاه - في عصر الاتحاد السوفييتي، على الرغم من أنهم توقفوا لبعض الوقت بعد انهياره، والصاروخ الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، والذي تم إنشاؤه آنذاك، والذي أطلق عليه اسم "Shovel" (للشكل غير العادي للأنف)، حتى ذلك الحين طور سرعة تصل إلى 5-6 ماخ، وكان هذا هو الذي خلق أساسًا جيدًا للمستقبل.

يذكر انه في منتصف عام 2022، تم الانتهاء من اختبارات صاروخ كروز المضاد للسفن 3M22 Zircon، والذي تفوق سرعته سرعة الصوت (NPO Mashinostroyenia)،  وفي 4 يناير 2023، تم وضعه في الخدمة، في  سفينة حديثة متعددة الأغراض مزودة بأسلحة صاروخية موجهة، هي الفرقاطة "أدميرال أسطول الاتحاد السوفيتي جورشكوف" المسلحة الآن بـ "الزركون"، وهي قادرة على توجيه ضربات قوية موجهة ضد أي أهداف معادية في البحر وعلى الأرض، وخصوصية هذه الصواريخ هي القدرة على ضمان التغلب على أي أنظمة دفاع جوي ودفاع صاروخي حديثة وواعدة.

ومما يغير بشكل جذري عنصر الدفاع في نسبة أسلحة روسيا والعدو المحتمل، لم يتم الكشف بعد عن الخصائص التقنية الدقيقة لصاروخ "تسيركون"، لكن من المعروف أن الصاروخ قادر على الوصول إلى سرعات تصل إلى 9 ماخ (حوالي 11.025 كم/ساعة)، وضرب مسافة كبيرة بشحنة تبلغ 400 كغم أو أكثر، ويطير الصاروخ في منطقة السير على ارتفاع 30-40 كم، حيث تكون مقاومة الهواء منخفضة، ويتيح ارتفاع الرحلة هذا زيادة نطاق تدمير العدو بشكل كبير، ومن المهم أن يتم إطلاق زيركون من نفس منصات الإطلاق مثل أحدث الصواريخ الروسية المضادة للسفن P-800 Oniks وCaliber (3M54) .

وصاروخ مجمع D-30 "بولافا" هو أيضًا تفوق سرعته سرعة الصوت، ويقوم بالمناورة في قسم تسريع المسار وكل رأس حربي على حدة، ولا تتم الرحلة في الفضاء، ولكن على طول مسار مسطح، ونظام الدفاع الجوي S-500 Prometheus، والذي تفوق سرعته سرعة الصوت على وشك أن يدخل في الخدمة القتالية، وكل هذا مدرج في برنامج تسليح الدولة الجديد، الذي ينص على خيار التخطيط للفترة حتى عام 2034 ومضمون ماليا، ومن المهم أيضًا أن تسمح الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لروسيا بتحقيق الأهداف الاستراتيجية وغايات الحرب وليس بالوسائل النووية.

وكل هذا ليس سوى جزء صغير من عينات الأسلحة والمعدات العسكرية، التي هي نتيجة العمل المنسق  للعلماء الروس، واكد  المدير العام لـ KTRV بوريس أوبنوسوف، "نحن الآن نبحث بنشاط عن حلول مبتكرة، وجميع مكاتب التصميم تعمل بجد للغاية... وتعمل SVO على تغيير صورة العالم أمام أعيننا، فعندما تقاتل بشكل أساسي ضد جميع أعضاء الناتو وحلفائهم، فإنك تحتاج إلى المزيد من الأسلحة، والأكثر تقدما وفكريا، والذي يتفوق على نماذج الناتو".

وفي المقابل، ماذا عن الخصم، وكيف يتم حل مشكلة فرط الصوت في الولايات المتحدة الأمريكية؟، ففي أمريكا، زادت أيضًا كثافة العمل على الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وفي عام 2020، بدأ اختبار صاروخ كروز الفرط صوتي AGM-183A ARRW (سلاح الاستجابة السريعة الذي يطلق من الجو) برأس حربي موجه، وحاولوا إطلاق الصاروخ من قاذفة قنابل من طراز B-52H، لكن ثلاث محاولات باءت بالفشل، كما فشلت اختبارات الطيران في هاواي، ولم يتم الكشف عن تفاصيل الاختبارات، لكن من المعروف أن الاختبار فشل بسبب مشاكل غير محددة في إطلاق الصاروخ،  وقال تيم غورمان المتحدث باسم البنتاغون، " لقد حدث العطل بعد تشغيل المحرك"، ويمثل الاختبار الفاشل المحاولة الثانية لإطلاق صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت يتم تطويره في إطار برنامج الضربة السريعة التقليدية (CPS) .

وفي عام 2021، أحرزت الولايات المتحدة تقدمًا أكبر قليلاً في إدخال أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت تُطلق من الأرض، ويُزعم أن البطارية التجريبية لأنظمة الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت طويلة المدى (LRHW) Dark Eagle، وأصبحت متاحة لعلماء الصواريخ الأمريكيين في أكتوبر، وقبل نشر المجمع للقوات في الولايات المتحدة، تم وصف قدرات النظام،  على سبيل المثال، أعلن وزير الجيش الأمريكي (منصب مدني في وزارة الدفاع الأمريكية) رايان مكارثي، عن الدقة العالية لوحدة الانزلاق التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، واقترح منشور Popular Mechanics، أن صاروخ LRHW سيجعل من الممكن ضرب الأهداف في موسكو من لندن، ومن غير المرجح أن نؤمن بهذه الحكايات الخيالية، لأنه في عام واحد من المستحيل ببساطة تصحيح المشاكل التي تراكمت على مر السنين في إنشاء فرط الصوت.

ووفقًا لأحدث البيانات، تتوقع القوات الجوية الأمريكية، أن تحصل على أول أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت فقط في عام 2023، وأوضح رئيس القيادة اللوجستية للقوات الجوية الأمريكية، الجنرال أرنولد بانش، " أننا نتحدث عن صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي ينبغي إنتاجها في إطار برنامج ARRW،  أي أنه نفس الشيء الذي فشل"، وحاولت القوات الجوية الأمريكية، إنشاء نوعين من الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في وقت واحد - في إطار برامج ARRW وHCSW  ( سلاح الضربة التقليدية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت)، وتم تطوير كلاهما بواسطة شركة لوكهيد مارتن، ومع ذلك، في فبراير 2020، تخلت القوات الجوية عن برنامج HCSW، و أُجريت اختبارات الطيران الأولى للرؤوس الحربية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت باستخدام نظام الإطلاق الجوي ARRW  (المعروف أيضًا باسم AGM-183A)، والتي تحملها قاذفات القنابل B-52، في الولايات المتحدة في يونيو 2019، وهو ما يؤكد الاستنتاجات  فقط: لقد تعثرت الولايات المتحدة في هذا ذلك  أكثر من مرة.

وبالنسبة لنظام الصواريخ بعيدة المدى التي تفوق سرعتها سرعة الصوت  Dark Eagle، فلا يبدو أن الجيش الأمريكي قادر على تحقيق هدف نشره في المستقبل المنظور، ووفقًا لمساعد وزير الجيش الأمريكي لشؤون الاستحواذ واللوجستيات والتكنولوجيا، دوغلاس بوش، فإن التأخير عن الجدول الزمني المخطط له يرجع إلى إلغاء اختبار الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في أوائل سبتمبر 2023، على الرغم من أن تطوير الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت يعتبر أولوية بالنسبة للقوات الجوية الأمريكية، علاوة على ذلك، قررت قيادة الأنظمة الجوية البحرية الأمريكية (NAVAIR) مؤخرًا طرح مناقصة لتطوير صاروخ جو-أرض تفوق سرعته سرعة الصوت.

وأبرمت شركتا Raytheon وLockheed Martin، عقودًا متوازية مع NAVAIR، الأموال المستلمة، صالحة لمدة 21 شهرًا، مخصصة لتمويل تصميم نظام الدفع، ويجب على المتنافسين تقديم نتائج عملهم إلى الأسطول بحلول ديسمبر 2024، الحديث يدور  عن صاروخ مصمم للطائرات الحاملة وقادر على ضرب أهداف سطحية على مسافات طويلة، وتتوقع البحرية أن يصل النظام الجديد إلى حالة القدرة التشغيلية الأولية بحلول عام 2032.

إن السباق الذي تفوق سرعته سرعة الصوت في العالم على قدم وساق، ويشير التقرير الذي يحمل عنوان "الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت: خلفية وقضايا للكونغرس"، إلى أن أهمية الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ستزداد أهمية كحجة قوة رئيسية في السنوات المقبلة، وإن نجاحات الصين في هذا الاتجاه تؤكد هذا الاستنتاج فقط، لكن الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ليست حلا سحريا وليست معجزة، فإن الصوت الفائق وحده لا يمكنه الفوز في الحرب، ولا تقل أهمية، على سبيل المثال، عن أنظمة الصواريخ الساحلية، والأسلحة تحت الماء وأنظمة الأسلحة الأخرى التي أنشأتها روسيا، وبمعنى آخر، يجب أن يأخذ في الاعتبار المجموعة الكاملة من الأسلحة عالية الدقة، ومجموعة المنتجات الكاملة التي تنتجها شركات صناعة الدفاع الروسية، والتي تشكل، إلى جانب الأسلحة الاستراتيجية الأخرى، أساس الردع النووي.

***

الدكتور كريم المظفر

في عام ١٩٩٦م، أي قبل أكثر من ربع قرن، وفيما يشبه قراءة الغيب، كتب أحد نشطاء الهنود الحمر، وهو الأمريكي مايكل هولي إيجل، قائلا: "يا الله، ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض! إبادات كثيرة واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون كذلك"، وها قد تحقّقت نبوءة الرجل، فحجم الدمار الذي يتقصّده الصهاينة في غزّة اليوم، والذي طال الحجر والشجر والبشر دون أدنى تمييز، يدل بكل جلاء على أن هذه ليست حربا على مغنَم، ولا ردًّا لصفعة مُذِلّة باغتتْهم بها المقاومة الباسلة على قفاهم العريض؛ بل هي إبادة جماعية تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء ثمانية قرون حين أباد الأوربيون والأمريكيون السكان الأصليين للأمريكتين واستراليا، فالجلّاد المقدس هنا وهناك واحد، والضمير المدنَّس هنا وهناك واحد.

كنا نظن أنّ إنذاراتهم المتكررة بإخلاء مستشفيات غزة تمهيدا لقصفها، هو من قبيل التخويف والترهيب، ورسالة للمربوط يرتجف منها السايب، ولكنهم بكل نذالة وحقارة تليق بهم فعلوها يوم السابع عشر من أكتوبر في مستشفى المعمداني بحي الزيتون جنوب مدينة غزة، هل رأيتم فُجْرا أكثر من ذلك؟! قصفوا آلاف المصابين الممدَّدين على الطاولات وفي الطرقات، وقصفوا الشهداء الذين غصّت بهم الثلاجات، وقصفوا جموع النازحين الذين احتموا بالمستشفى بعدما هُجِّروا قسرا من بيوتهم!!

والله إن النازية والفاشية لتتضاءل أمام أفعال كهذه.. ففي أكثر الحروب دموية ووحشية يتم تحييد المستشفيات، وضمان سلامة الأطقم الطبية والإغاثية، والسماح بالحد الأدنى من ضرورات الحياة كالماء والغذاء والوقود والدواء.

اللافت للنظر هنا؛ هذا الدعم المادي والمعنوي اللامحدود من الغرب، والاصطفاف السافر لأمريكا مع الكيان الغاصب وكأنها معركتهم لا معركة البضعة ملايين من صهاينة فلسطين!

وفي الوقت ذاته، يلفت نظرك ويحزّ في أعماقك، هذا التخاذل المريب من أصحاب القرار العربي، إذ يعالجون الأمور بدم بارد وكأنها خناقة عابرة على ناصية شارع بعيد، حتى باتت بيانات الشجب والاستنكار التي كنا نسخر منها بعيدة المنال!

وهذا يدعونا إلى مراجعة فهمنا لقضيتنا الفلسطينية في ضوء معطيات جديدة على البعض قديمة على البعض الآخر، ثمّ الترحُّم على رجال كزايد ومرسي وفيصل، كانت فلسطين تسكن قلوبهم وتجري كالدماء في عروقهم، ولو شهدوا هذا اليوم لكانت لهم كلمة حق مدوية في وجه هذا الصلف الصهيوصليبي اللامسبوق، فحقًّا..في الليلة الظلماء يُفتقد البدر.

الدرس الأهم الذي كتبته المقاومة بذراعها الطويلة ورايتها الخفّاقة في السابع من أكتوبر الجاري، والذي لا يريد الخانعون الكُثر فهمه واستيعابه: أنّ كل شيء ممكن، وممكن جدًّا، شرط أن نتحرّر من الخوف، كل الخوف، وفي كل مكان..

ولعلّ السيد عباس وسلطته التي راهنت على المفاوضات ثلاثين عاما ولم تجن سوى العار والشنار تقرأ وعد الحقّ سبحانه: "إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ". الأنفال 65,66

***

بقلم: د. منير لطفي - مصر

طبيب وكاتب

في نهاية الحرب العالمية الثانية، وجد العالم نفسه بشكل عام منقسماً إلى كتلتين كبيرتين: المعسكر الرأسمالي الليبيرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي.

لقد فرضت هاتان الدولتان الكبيرتان نظاما دوليا حقيقيا تحت هيمنتهما، كما اتضح ذلك بشكل خاص من خلال أزمة قناة السويس عام 1956. فبينما حققت فرنسا والمملكة المتحدة وإسرائيل انتصارا عسكريا على مصر، كان عليها الانسحاب مقابل تنازلات اقتصادية رمزية. وتحت ضغط الولايات المتحدة والتهديد السوفييتي، لم يقدر أي منهما هذه المبادرات الاستعمارية . وكان من الصعب على القوى الأوروبية العظمى أن تتخيل هذا السيناريو في القرن الماضي. وبالتالي فإن الصراعات بين أطراف ثالثة في النصف الثاني من القرن العشرين تأثرت إلى حد كبير بدبلوماسية القوتين العظميين العالميتين، في سياق صراعهما الإيديولوجي والسياسي والعسكري المستمر خلال الحرب الباردة .

على مستوى الجبهة الاقتصادية، عملت اتفاقيات بريتون وودز على ترسيخ الدولار باعتباره العملة المرجعية، وهو ما منح البنك الأمريكي سيطرة هائلة ونفوذاً عالمياً على سياسته النقدية العالمية . إن إلغاء قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، والذي قرره ريتشارد نيكسون ، وبالتالي التوقيع على نهاية الاتفاقيات، سوف يساهم بشكل كبير، من بين عوامل أخرى، في الأزمة الاقتصادية في سبعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من إنشاء التعويم الشامل للعملات منذ ذلك الحين، إلا أن الدولار لا يزال يحتفظ حتى يومنا هذا بمكانة بارزة كقيمة مرجعية للمعاملات الدولية، وهو ما يشكل رصيدًا ثمينًا للدبلوماسية الأمريكية.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في أوائل التسعينات من القرن الماضي ظلت الولايات المتحدة الأمريكية هي القطب المهيمن الوحيد في العالم، مما أدى إلى خلق وهم دائم بأن مرحلة من النظام العالمي الجديد سيسود فيها سلام دائم بين الشعوب بعد انتصارات الديمقراطيات الليبرالية المذكورة على وجه الخصوص في نظرية "نهاية التاريخ" و"الرجل الأخير" بقلم فرانسيس فوكوياما .

ومع ذلك، فإن الأزمة المالية العالمية 2007-2008 والتي نتجت في الأصل عن أزمة الرهن العقاري الأمريكي على وجه التحديد والتي أضيفت إلى هجمات 11 سبتمبر 2001 ، قد تسببت في انخفاض دائم في الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى الحرب ضد الإرهاب التي سوف تبقى مستمرة إلى أجل غير مسمى. وسوف تصبح الإمبريالية الأميركية، التي تعرضت للانتقاد بالفعل أثناء التدخل في كوسوفو في عام 1999، موضع تساؤل قوي بعد الحرب في العراق ثم الحرب في ليبيا وسوريا في عامي 2011 و2012. ومن جهتها ظلت روسيا تشارك في هذه الصراعات أيضا التي أحدثها نظام القطب الواحد، وغالباً في المعسكر المعارض حيث غزت أوكرانيا ، وتدخلت في الحرب في دونباس التي تقع جنوب شرق أوكرانيا والتي تحظى حكومتها بدعم من الدول الغربية  .

كل هذه الصراعات قد وضعت حدا لأوهام انتشار السلام بين شعوب العالم . حيث تسببت الأضرار الناجمة عن الإرهاب والحروب الجزئية الصغرى التي لا نهاية لها في زيادة عدم الثقة بين جميع المواطنين في العالم تجاه نظرية النظام العالمي الجديد وبالتالي تجاه حكوماتهم.

وهكذا عندما نسأل "من يحكم العالم؟" إننا عادة ما نتبنى عرفا معياريا ينص على أن الجهات الفاعلة في الشؤون العامة العالمية هي الدول وحكوماتها، وفي المقام الأول القوى العظمى، ونأخذ في الاعتبار قراراتها والعلاقات فيما بينها. ولكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن هذا المستوى من التجريد يمكن أن يكون مضللاً للرأي العام.

لا يمكننا أن نتوصل إلى فهم محدد وواقعي لمن يحكم العالم بينما نتجاهل "أسياد البشرية" كما أسماهم آدم سميث وهم الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، والمؤسسات المالية الضخمة وغيرها.

في النظام العالمي الجديد، تتمتع "مؤسسات الأسياد" هاته بقوة هائلة، ليس فقط على الساحة الدولية، بل أيضاً داخل دولها الأصلية، التي يعتمدون عليها لحماية قوتهم وتقديم الدعم الاقتصادي من خلال مجموعة واسعة من الآليات والوسائل.

***

عبده حقي

بعد السابع من أكتوبر  سقط النظام الرسمي العربي كما هو متوقع في الفشل التام والعجز والشلل عن أي مساندة او دعم او القدرة على إيقاف القتل والتهجير والإبادة العنصرية الجماعية التي يمارسها الغزاة الأجانب الصهاينة ضد اهل فلسطين في قطاع غزة المحاصر،حيث يستمر الغزاة الأجانب الصهاينة ومن خلفهم الحلف الطاغوتي الربوي العالمي في القيام في المجازر  الشيطانية الإبليسية التي "لا" تعرف الرحمة و"لا" الشفقة على الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والقاطنين النائمين في منازلهم مع استمرار القصف المتواصل بلا توقف لأكثر من أسبوعين .

ان الصهاينة يحرقون في القنابل والصواريخ الأطباء والممرضين وطواقم الاسعاف ويذبحون الصحفيين ويفجرون بالمتفجرات رجال الإطفاء وموظفين الأمم المتحدة وينشرون أشلاء الاطفال المقصوفين على ارض غزة ، ولم تفلح الحالة الإعلامية العربية الساقطة في خدمة الأجانب في افضل حالاتها الا في صناعة البكائيات وباقي الاعلام العربي هو متصهين وخائن ويستمر في تثبيت الأكاذيب والسقوط الأخلاقي القذر في "الاعتراف الضمني المستمر" بأن هناك شيء اسمه "إسرائيل" وتواصلهم الخياني العفن مع قيادات وضباط ومسئولين الكيان اليهودي العنصري الصهيوني الذين ينطلقون من خلال تلك الفضائيات وووسائل الاعلام العربية المنحرفة، التي تؤدي خدمات إعادة اقوال وترويج للروايات الصهيونية وإعادة الخطاب العنصري الصهيوني على لسان عربي، وهذا الامر هو "خيانة" للأسلام وللعروبة من المحيط الى الخليج، وليست مهنية "إعلامية" بل هو "بيع الذات للشيطان الطاغوتي في شكل واضح بدون ادنى شك" ، عندما يتم استقبال أعداء العرب والعروبة لكي يتم الترويج لأكاذيبهم ورواياتهم وأيضا لكي يتم خلق ذهنية في اللا وعي العربي من ان هناك "دولة اسمها إسرائيل" وهو الاعتراف "العقدة" الذي يسعى له الغزاة الأجانب المحتلين اليهود لأرضنا العربية الفلسطينية.

ان الحلف الطاغوتي الربوي العالمي هو خبير في الكذب وتزوير الحقائق ومعه الحركة الصهيونية العنصرية؟ هم يقولون عن المقاومة الفلسطينية انها "داعش" !؟ ويستحمرون العالم؟ كل العالم ويستغبون ذكاء التاريخ الموثق في الصوت والصورة والفيديو الذي شاهدناه كلنا في دعم الكيان الصهيوني للتنظيمات التكفيرية التي وظفها حلف الناتو بمختلف تسمياتها وتشكيلاتها داخل سوريا وكلنا شاهدنا عناصر "داعش" يتم استقبالهم وعلاجهم داخل مستشفيات الكيان الصهيوني حيث ان هناك اليات نقل واستقبال وفواتير مالية كلها تغطي وترتب علاج الداعشيين التكفيريين داخل الكيان الصهيوني، والان نفس الكيان الصهيوني يتهم الفلسطينيين بأنهم "داعش" وهي محاولة استحمار واضحة لن يصدقها الا الاغبياء والحمقى.

ان الصهاينة والحلف الطاغوتي مشهورين في الكذب حول ما حدث في ليبيا وما جرى في العراق وسوريا وأوكرانيا وأفغانستان وقبلها في الفيتنام وكوريا، ويأتون اليوم يريدون ان نصدق اكاذيبهم ضد المقاومة الفلسطينية؟!  وهي أكاذيب وترهات فاقدة لأي دليل وأي توثيق.

ضمن تطورات الحرب الحالية هناك أيضا أسئلة صعبة "لا" يسألها أحد و"لا" يريد ان يجاوبها أي شخص، فاين هم أكثر من ستين ألف عنصر عسكري تابعين لما يتم تسميته إعلاميا في السلطة الوطنية الفلسطينية؟! اين هم وبنادقهم ورصاصاتهم من هكذا صراع وجودي مع الصهاينة؟ وهم أساسا قوى امنية وعسكر فلسطينيين؟ وعلى أي أساس هناك سلطة فلسطينية ورئيسها مستقيل من كل مناصبه منذ أكثر من عشرة سنوات وهو غير منتخب و"لا" يحمل صفة قانونية وأيضا يأخذ رواتبه من الكيان الصهيوني هو وباقي سلطته الوطنية الفاقدة للوطنية؟! وهم يدينون مقاومة أبناء بلدهم ضد الغزاة الأجانب؟!

لماذا هم خارج هكذا صراع وجودي وهم الذين من المفترض ان يكونوا في قلبه وضمن اجوائه؟ لأني لا اعرف ماذا أقول؟ وكيف اجاوب؟ وبماذا أرد؟ وخاصة عندما اشاهد ان أحد البلدان العربية الملاصقة لدولة فلسطين العربية المحتلة بها عدد خيالي من الأحزاب والمتكلمين في الثورية والنضال ضمن أجواء الثرثرة والخطابات المتكلسة والنظريات الهوائية والتي تنتهي ليذهب هؤلاء الثوريين المزيفين الكلاميين الى النوم ليعودوا الى نفس الأسطوانات المشروخة في اليوم التالي؟! فيا ليت يكرمون الامة العربية والإسلامية في سكوتهم!؟ ولهؤلاء أمثال كثيرة في خارج الوطن العربي حين يتكلم البوق المأجور عبد... دولار، في العاصمة البريطانية لندن عن النضال الفلسطيني وأهمية الكفاح المسلح ولا يتكلم هو نفسه عن أبنائه اين هم وماذا يعملون؟ ومن يدفع لهم معيشتهم ولماذا هذه الثورية الكاذبة الصوتية في الأجواء الإنجليزية المرطوبة الباردة بعيدا عن دخان الخنادق؟

واضح كذلك ان هناك أجواء احتقان بركان عربي يشابه ما حدث بعد هزيمة النظام الرسمي العربي في حرب 1948 حيث تم الانقلاب على الاغلب الاعم من الأنظمة العربية المهزومة آنذاك ضمن مرحلة انتقال سيطرة امبراطورية من الحالة البريطانية الى الحالة الامريكية ومعها تم استخدام الرافعة المعرفية المرتبطة في القضية الفلسطينية لهكذا انقلابات في مواقع الحكم في النظام الرسمي العربي آنذاك الذي فقد مشروعيته المعرفية الثقافية مع هزيمة 1948 ومعها تم اسقاط وتدمير مواقع السلطة الى مواقع سلطوية جديدة.

ومعروف علميا انه الدول والأنظمة تسقط وتزول  مع فقدان رافعاتها المعرفية وأسباب وجودها الثقافي وهذه حالة متواصلة على مر تاريخ البشرية، وليس ذلك فقط فعلينا ان نلاحظ انه يوجد الان هناك "تكرار قادم" لنفس الحالة الانتقالية الإمبراطورية التي حدثت في الخمسينات ولكن حاليا ستكون من عالم قطبي امريكي واحد لواقع متعدد الأقطاب روسي صيني واخرين، ضمن لحظة "انقلاب" مفصلية جائت معها "اللحظة الزمنية الأخرى" في السابع من أكتوبر حيث نجحت في بطولية وتخطيط عندما تمكنت فيها المقاومة الفلسطينية في "سحق" و"تبخير" اسطورة الجيش الذي لا يقهر وأيضا في "تفعيل" الذهنية الصحيحة التي كان يجب ان يتم يلتزمها العرب    في تعاملهم مع قضية التحرير والاستقلال من الأجانب الغزاة الصهاينة، وهذه الذهنية التي تعيش الواقع والتخطيط المنطقي والالتزام في مواقع القوة والتنسيق الدولي والاستفادة من نقاط ضعف الغزاة الصهاينة...الخ من "ذهنية جديدة" عاشها ونفذتها المقاومة الفلسطينية  في نجاح، والتي لم يستطيع الصهاينة الرد عليها "عسكريا"  الا في ممارسة القتل على الهوية واستهداف الأبرياء في القنابل والذخائر المتفجرة  مع قصف المستشفيات والمساجد والكنائس ومساكن المدنيين العزل.

 وهنا نحن نريد ان نركز على مسألة "استهداف الكنائس" حيث ان لدينا وجهة نظر تقول:

 ان استهدافها لم يكن صدفة بل هو "حقد صهيوني مبرمج" منذ أيام سيدنا المسيح بن مريم عليه السلام وأيضا مدفوع من الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.

 فلنقرأ المشهد:

في ظل الاحداث المتسارعة لما بعد السابع من أكتوبر، قامت جمهورية روسيا الاتحادية في صياغة قرار لمجلس الامن لأيقاف النار في منطقة غزة وقامت شلة بلدان الحلف الطاغوتي الربوي العالمي في اسقاط هذا القرار في الأمم المتحدة، وبعدها انطلقت أصوات صهيونية تهاجم الجمهورية الروسية وأيضا تهددها بأنها ستدفع الثمن؟! وجاء ذلك على لسان الصهيوني العنصري واليهودي المتعصب المدعو "امير ويتمان" وهو عضو فيما يسمى "كنيست" وهو أحد الأنظمة الإدارية الموجودة في القاعدة العسكرية المقامة على ارض دولة فلسطين المحتلة، والاوقح ان الصهاينة قالوا انهم سيحاسبون روسيا؟! بعد ان يفرغوا من "غزة"!؟ وأيضا قال الصهاينة من انهم سيتأكدون من "فوز" أوكرانيا عليهم؟!

من هذا كله يتضح ان هناك سوء في العلاقات بين الروس والصهاينة وتدهور في شكلها وطبيعتها، وان "الكيان الصهيوني" "لا" يعجبه ارتباط الجمهورية الروسية مع دول ك "الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض إيران" وأيضا وجود الحلف الروسي السوري.

 من الصحيح القول: ان روسيا لها علاقات تعتبر "جيدة" مع الكيان الصهيوني ولكنها ليست منجرة لهكذا علاقات ولا مندفعة بما يضرب ما هو الأهم والمهم بالنسبة للروس وهو صناعة عالم متعدد الأقطاب وأيضا وقوفها "الحيادي" بين حليفها السوري وبين علاقاتها مع الكيان الصهيوني الذي له علاقة في تواجد جالية من أصول روسية يهودية مليونية داخل الكيان الصهيوني وغير معروف إذا ما زالوا يحملون الجواز الروسي ام لا؟

علينا ان نعرف ان الروس "مدركين" ان الكيان الصهيوني يساعد الاوكرانيين، وانهم حاليا "محطة الترانزيت" للإعادة ارسال الأسلحة والذخائر من الحلف الطاغوتي الربوي العالمي الى أوكرانيا، وهذا سبب إضافي لتدهور شكل وطبيعة العلاقات الروسية مع الكيان الصهيوني.

ولكن ما السبب الرئيس لهذا التدخل الصهيوني في الصراع الروسي الاوكراني؟

"لا" يوجد سبب مقنع الا ان الحركة الصهيونية تريد ضرب الجمهورية الروسية لأنها تحمل ضمن سياسة دولتها الارتباط ب "الديانة المسيحية الأرثوذكسية" كأحد مضلعات المثلث التي يمثل القاعدة الفكرية والرافعة لبقاء الدولة الروسية الاتحادية في الوجود وهي ثلاثية "الدين الأرثوذكسي، والقومية السلافية، وحب الأرض" اذن نستطيع ان نعتبر ان روسيا دولة دينية أرثوذكسية يريد الكيان الصهيوني تدمير الحالة الدينية الأرثوذكسية الروسية واضعاف "هذا" التوجه الديني داخلها، فاليهود يخافون من المسيحيين في شكل عام وخاصة الأرثوذكس ويعتبرونهم اقرب للمسلمين، ويخافون من التقدم الروسي ك أحد الأقطاب الإمبراطورية القادمة" وأيضا الكيان الصهيوني مرعوب من التعدد القطبي القادم للعالم مع تراجع الولايات المتحدة الامريكية ك "قطب امبراطوري وحيد اوحد" وخاصة كما ذكرنا للعلاقات الحسنة للروس مع الدول العربية مع الجمهورية الإسلامية وأيضا حلفها العسكري الأمني الاستخباراتي القديم مع السوريين ، وهناك توجهات "روسية" لصناعة تحالف ما مع الاتراك؟ وأيضا منظومة دول مجلس التعاون حيث يراقب الصهاينة التقارب الروسي مع المملكة العربية السعودية، وأيضا العلاقات المتطورة بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية الروسية.

لذلك في العالم المتعدد الأقطاب القادم هو امر سيء للكيان الصهيوني ومصدر خوف واضطراب لهم، الذين يفضلون النموذج القطبي الواحد الذي تديره الولايات المتحدة الامريكية ك "سيدة على العالم" مع اليتها العسكرية الضاربة الممثلة في حلف الناتو وهي وضعية مناسبة للصهاينة ان تظل وتستمر في الوجود لأن معنى ذلك استمرار وجودهم هم أيضا على العكس تماما من عالم متعدد الأقطاب، فعند ذلك يكون "وجود الكيان الصهيوني "صعب" وفي خطر لأن "لا" يوجد تدخل صهيوني قوي في الصين وروسيا كما لديهم داخل الولايات المتحدة الامريكية، لذلك الصهاينة مرعوبين من هكذا سيناريو لتعدد الأقطاب.

‏يقول الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين:

"إن تلك القوى في العالم الإسلامي التي لا تزال تحلم بالوساطة وتطبيع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، هي خونة للإسلام وخونة للإنسانية، إن العالم الإسلامي يحتاج إلى التوحد والتضامن، وليس إلى المسكنات التي قوضت بالفعل الوحدة الإسلامية. كونوا أقوياء وشكلوا قطبًا لعالم جديد متعدد الأقطاب. دعونا ندمر الهيمنة الغربية مرة واحدة وإلى الأبد. وضع بايدن كل شيء على عاتق النظام العالمي الجديد ونحن قبلنا التحدي، دعونا نقاوم، نحن بحاجة إلى البديل، التغيير ممكن والغرب يجب أن ينتهي"

وعلينا ان نعلم انه "اليهود" تاريخيا ساهموا في اسقاط القيصرية الروسية واسقاط الحكم الامبراطوري فيها وانهم دعموا الثورة البلشفية الماركسية الشيوعية في بداياتها حيث انضموا اليها ودعموها، حيث الاغلب الاعم من قادة الثورة البلشفية هم "يهود "في تلك الفترة، وهذا يعطينا عامل تاريخي اخر يساند ما ذكرناه من ان اليهود يخافون من "روسيا متدينة أرثوذكسية" كما هو الحال مع توجهات الجمهورية الروسية الاتحادية في رافعة دولتها الثقافية والفكرية كما شرحنا.

 اذن أتصور ان على الجمهورية الروسية الاتحادية ان تتحرك في الدفاع عن أحد اضلاع وجودها المعرفي الذي تلتزمه ك "دولة" وهي الديانة المسيحية الأرثوذكسية، في ظل هكذا هجمات متواصلة تأمريه تستغل أي فرصة ومناسبة لتسديد الضربات والهجوم، وهذه هي عقلية الحلف الطاغوتي الربوي العالمي الذي "لا" يستسلم و"لا" يخرج من أي صراع لأنه يعرف بأن في التوقف هو "موت" له ك "طاغوت" وهو "لا" يعيش الكسل ولا يقول عن أي تفصيل يخصه انه ليس "قضيته" كما يقول المتصهينين العرب عن فلسطين.

حين تعرضت كنيسة القديس "بورفيريوس" التاريخية في غزة، وهي إحدى أقدم الكنائس في العالم، لأضرار بالغة جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة ويعود تاريخ تأسيس كنيسة القديس بورفيريوس إلى القرن الخامس، وتم تسميته على اسم أسقف غزة السابق، القديس بورفيريوس، ويقع فوق المكان الذي يُعتقد أنه توفي فيه عام 420 قبل الميلاد تعتبر الكنيسة الأصلية ثالث أقدم كنيسة في العالم.

وواضح ان الحلف الطاغوتي الربوي العالمي يستهدف المسيحيين الأرثوذكس في حملات متتابعة ومتواصلة وهناك "حقد" ضدها ورغبة في تدميرها، وهذا من قبل احداث السابع من أكتوبر ، فلنلاحظ تصريح سابق للمطران عطا الله حنا  : حيث يقول " "نرفض التحريض الممارس من قبل أبواق إعلامية وغيرها في الغرب والتي تستهدف غبطة بطريرك روسيا ونعتبر بأن هذا التحريض هو استهداف للكنيسة الارثوذكسية كلها، فنحن في الوقت الذي فيه نصلي ونسأل الله من اجل ان تنتهي الحرب في اوكرانيا وان تسود لغة الحوار والسلام فإننا نقول ايضا بأن بطريرك الكنيسة الروسية الارثوذكسية ليس جزءا من اي صراع سياسي وهو يقود اكبر كنيسة ارثوذكسية في العالم من الناحية العددية".

وتابع المطران حنا: "نستهجن كيف ان هنالك استهدافا لبعض الابرشيات الروسية او التابعة للكنيسة الروسية في العالم فهذا اضطهاد واستهداف غير مسبوق ويبدو ان هؤلاء الذين يمارسون هذه الضغوط على الكنيسة الروسية ورئاستها انما يستهدفون رسالتها والقيم الانسانية والروحية التي تنادي بها".

وأوضح  المطران عطا الله :"نحن في عصر العولمة واندثار القيم والابتعاد عن الايمان والكنيسة الارثوذكسية الروسية، كما وغيرها من الكنائس الشقيقة تقف سدا منيعا امام هذا المد المادي الالحادي الذي يكرس الرذيلة ويعطي طابعا قانونيا لكل ما هو ليس اخلاقيا وليس انساني":

وشدد  كذلك المطران حنا عطا الله بالقول : "نحن في فلسطين تربطنا أواصر الصداقة مع روسيا والتي وقفت دائما مع القضية الفلسطينية العادلة وتربطنا اواصر الصداقة مع الكنيسة الروسية التي لها حضور قوي في الاراضي المقدسة، فالشعب الروسي المؤمن ينظر بكل خشوع وايمان للاماكن المقدسة في القدس وفي بيت لحم وفي غيرها من الاماكن"

ان ضرب وتدمير "كنسية بورفيريوس" هي رسالة ضد الجمهورية الروسية الاتحادية وأيضا ضد الديانة المسيحية الأرثوذكسية.

ان الكنسية الأرثوذكسية المصرية ممثلة في بابا الكنسية البابا تواضروس الثاني أصدرت بيان يدين الهجمات الغزاة الصهيونيين العنصريون ضد سكان فلسطين الأصليين المتواجدين في قطاع غزة المحاصر وعلى دعمها الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في العيش الآمن داخل أراضيهم.

وهذا الموقف الأرثوذكسي هو "ثابت" لم يتغير منذ أيام المرحوم البابا شنودة والذي اعتبر الغزاة الصهاينة محتلين للأراضي المقدسة وانهم ك "كنيسة أرثوذكسية" واتباعها  لن يدخلون القدس والمقدسات المسيحية  نفس كنيسة القيامة وقبر النور وهي أماكن "حج مقدسة للمسيحيين "حيث تم رفض البابا شنودة القيام في عملية الحج المسيحي الا بعد تحرير فلسطين والأراضي المقدسة من الغزاة الصهاينة الأجانب حيث قال عبارته الشهيرة: "«لن ندخل القدس إلا وأيدينا في أيدى إخواننا المسلمين»" وان: "«الحج لكنيسة القيامة الآن خيانة للمسيح»."، لذلك كما يتضح من البيان الجديد للبابا تواضروس والتاريخ القديم للبابا شنودة ان هناك "ثبات" واستمرار على نفس الموقف.

ان الكنسية الأرثوذكسية ليست فقط مليونية الاتباع وعابرة للجغرافيا الوطنية المصرية فهي أيضا من أقدم الكنائس في تاريخ البشرية ولها ترتيبات إدارية تنظيمية لما يخص اتباعها حول العالم، وأيضا هناك اخوة عقائدية بينها وبين الكنسية الأرثوذكسية الروسية.

لذلك أتصور ان هناك حرب ضدها كانت موجودة قبل السابع من أكتوبر وهي تواصلت لما بعد هذا التاريخ، والذي نراقب احداثه وتبعات ماذا سيحدث؟ ونحن نشاهد المأساة وهذه البكائيات التي "لا" يبكي اشرار العالم عليها بل يضحكون؟! ولكن ابتسامة المجاهدين اقوى والدم أمضي من أي سيف وطوفان الأقصى ان انجر شيئا فهو ان العرب ...كل العرب عرفوا ان فلسطين في طريقها للحرية والاستقلال من الأجانب الغزاة، وهذه الدماء والجرائم ضد الإنسانية التي نشاهدها في غزة هي لأن طوفان الأقصى صنع تلك الحقيقة ك "وشم في روح كل عربي".

***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

نحن شعوب العالم العربي خضعنا في السنوات الأخيرة الى عملية تنويم مغناطيسي عن طريق قانون يُدعى (قانون إماتة الاحتمالات الحية،وإحياء الاحتمالات الميتة) . هذا القانون يُثير في ذهن الجمهور أشياء وأمور ووقائع موهومة، لا وجود لها في الواقع، أو لها وجود ضئيل ولكن تُضخم بشكل كبير جداً، حتى يصلون بالمجتمع الى حد الفزع والحيرة، ومن أمثلة ذلك هو أختلاق عدو موهوم، وقد يكون هذا العدو الموهوم مستعد لصداقتنها أكثر مما يكون عدو لنا، ومثال ذلك هو أيران، حيث أُقيمت بها ثورة أسلامية تحررية، يمكن أن تكون عون للمسلمين، فقام الأعلام المضلل بقلب الحقائق وتزيفها، وهو يمتلك أدوات هذا الأعلام، والمسيطر على أكبر أمبراطورياته، والمهيمن على معظم برامجه، والمختار لما يُنشر، والمانع لما لايرغب بنشره، وقد ذُكر ذلك في كتابهم (برتكولات حكماء صهيون)، والذي يمثل لهم خارطة طريق في سلوكهم السياسي، حيث جاء فيه فيما يخص صناعة موضوع الخبر (..ولن ننشر إلا مانختار نحن التصريح به من الأخبار)،كما أنه ينبش التاريخ السحيق وأسقاطه على الحاضر، ووصم الشعب المسلم بالمجوسي وعبدة النار، وبالكفرة، وأستطاعوا بأدارة بوصلة العداء لهم، وضرورة الأطاحة بحكومتهم الأسلامية بأعتبارهم أخطر من اليهود لأنهم رافضة، لذى يكون من الضرورة القصوى التصدي لهم وتأجيل التصدي لإسرائيل بأعتبارها أقل خطراً،بل لاتشكل أي خطر على الأطلاق، بل يمكن التعاون معها بدل حالة العداء، وما تطبيع بعض الدول العربية إلا مصداق لهذا الرأي، وإن أسرائيل لها من الأصل والفصل ما يقترب من أصلنا السامي، وهي دولة لا تكن لنا الأ السلام والمحبة، وهكذا ضُللت الشعوب بوسائل أعلام مثل قنوات العربية والحدث والجزيرة والشرقية وغيرها من قنوات الأعلام المضللة، والتي غرضها هو نقل مشاعر الغضب والكراهية من وجهة أسرائيل الصهيونية الى وجهة إيران الأسلامية، بأعتبارها رافضية، والروافض في قناعة بعض العرب أشد خطراً وأدهى من اليهود،وقد لعب وعاظ سلاطين الضلالة دور مهم وكبير في هذا التوجه الخطير، كما للأسف لعب بعض الأكاديمين المؤدلجين دوراً لايقل خطورة وبشاعة من دور الطائفيين من بعض رجال الدين وإن النتائج الكارثية التي نعاني منها اليوم، وما تقوم به أسرائيل هو نتيجة طبيعية لهذا الخداع والتضليل التي مارستها ضدنا بمساندة الخونة من حكام العرب، وهنا أحب أن أُشير الى مقطع في كتاب (بروتوكولات حكماء صهيون) حيث يوضح طرقهم في مخادعة الشعوب وتضليلها حيث جاء فيها (ولضمان الرأي العام يجب أولاً: أن نحيره كل الحيرة بتغييرات من جميع النواحي لكل أساليب الآراء المتناقضة حتى يضيع الأمميون (غير اليهود) في متاهاتهم، وعندئذ سيفهمون أن خير ما يسلكون من طريق هو أن لا يكون لهم رأي في السياسة: هذه المسائل لا يقصد منها أن يدركها الشعب، بل يجب أن تظل من مسائل القادة الموجهين) . و هكذا تُخدع الشعوب بأدوات محلية وفكر غربي يستهدف تركيع هذه الشعوب، فقد أوهمونا بحروب مع إيران والكويت، وبنزاعات في السودان واليمن، حتى وصلنا إلى درجة الإعياء، ودرجة من الضعف والهوان لا نُحسد عليها (حكومات منخورة، مدن مهدمة، بنى تحتية فاشلة وغير موجودة، شعوب منهكة وفقيرة، أمراض وجهل، وفوضى ) لقد نجحوا في خداعنا وإهامنا بأن هناك عدو مفترض هو إيران، فأنهكونا وأنهكوا أيران معاً بحرب مجنونه، كما أثاروا العداء بين العرب أنفسهم حتى لا يطيق بعضهم البعض، مما ساعد في تباعدهم وتباغضهم، وحان الوقت لإسرائيل أن تقطف ثمار خداعها للعرب، وبدأت آلة الموت الأسرائيلي تسحق العرب تحت سرف آلياتهم العسكرية ولات وقت ندامة.

***

أياد الزهيري

صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال عن أهل مصر: "هم وأزواجهم في رباط إلى يوم الدين"

الأحداث تتوالى والتاريخ يسجل أن مواقف مصر وأهلها الثابتة في نصرة القضايا العربية والإسلامية وكافة القضايا العادلة في العالم تؤهلها بحق وعن جدارة للسير بثقة فوق بساط التألق .

أن تكون مؤهلا بالقدر الكافي للوفاء بالتزاماتك أمر ليس هينا، وأن تصبح قادرا دوما على النهوض بواجباتك ليس يسيرا، وأن تصير مستعدا في كل الأوقات لأداء مسؤولياتك هذا أمر ليس سهلا، الله سبحانه وتعالى ييسر على الأمم والأفراد سبيلهم ويسهّل أمرهم بالقدرالذي يمنحهم القدرة على القيام بأداء الرسالة الإنسانية، أنه دور تاريخي ـ مصيري لصيق بالشخصية المصرية، لا يمليه على قيادتها أحد، ولا يفرضه على شعبها سوى الضمير الجمعي، إنه مجتمع لا يذوب في شخصية أخرى وتذوب سريعا في بوتقته كل الشخصيات، فتتحد معها كل الشعوب وقت المحن على كلمة سواء فتنتعش معها المواقف بعد أن تطفئ ظمأها من مياه النيل العظيم،فتسري في الأجساد روح التحدي وإرادة الحياة ورغبة التوثب للانتصار.

تشرفت مصر وأهلها بالحضور المتميز لشخص فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي في سدة الحكم وقيادة الشعب نحو نهضة مصر في أدق الظروف السياسية وأكثرها خطورة وحساسية، نهضة تشع كعادتها خيرا ونماء يمتد إلى كل من حولها، وقوة مصر العسكرية ضمانة لكل العرب وعامل سلام واستقرار لكل منطقة الشرق الأوسط، ولعل ما نشاهده اليوم من مظاهر التفاعل الإيجابي للدور المصري المؤثر في التطورات الخطيرة في فلسطين المحتلة التي أصبحت تنذر بمستعظم النار على شعوب المنطقة ما يؤكد ذلك، فالهبة المصرية قيادة وحكومة وشعبا لنصرة الشعب الفلسطيني لا تطيق الانتظار، ولا تنتظر إشارة أو تلميحا من أي طرف، إنها جينات تفعل فعلها لتؤدي الشخصية المكرمة دورها فيحمي البلاد بالدم وقت الشدائد جيش الكنانة .

يقوم الشعب المصري والعربي كعادته بدور كبير و مشرف في دعم صمود أشقائه بفلسطين أمام الاعتداءات الإسرائيلية المسلحة بتقديم ما تيسر لهم من المساعدات الأخوية للتخفيف من حدة أثار الكارثة الإنسانية التي حلت بقطاع غزة وفي أجزاء من الضفة الغربية جراء الغارات الجوية الإسرائيلية،الجسور الجوية قائمة ومتواصلة، وجهود الشحن والتفريغ يتسابق لأدائها الشباب، هناك سباق ضد الساعة لتوفير المستلزمات الطبية والمواد الغذائية وكافة أوجه الدعم اللوجيستي في أسرع وقت، فالجرح العربي في فلسطين غائر، ويتحمل الجانب المصري عبئا هائلا من المسؤولية لنقل المساعدات من كل دول العالم بكل همة إلى قطاع غزة في ظروف جد خطرة حيث ما تزال تنهال القنابل على أهداف مدنية بدون تمييز، وهذا لكي لا يواجه أحد بمقولة جئت متأخرا!

بنظرة سريعة على خريطة المنطقة قد يصاب المرء بالذهول من حجم المشاكل التي تفجرت على حدود مصر خلال فترة قصيرة، في ليبيا غربا، وفي السودان جنوبا، وفي فلسطين شرقا، ومع ذلك ظل وجود الجيش المصري هو العامل الأساسي في صمود مصر وقوتها، وشكّل مركز الثقل في توازن المنطقة، وكان ذلك في صالح الدول العربية وخاصة دول الجوار حيث أدى الجيش دورا في دعم جهود إعادة الاستقرار وفي إغاثة شعوب هذه الدول من الكوارث الطبيعية، وتبقى مصر مستمرة في مساعيها للدفع بالجهود الإقليمية والدولية نحو تبني مسار التهدئة ووقف التصعيد العسكري في قطاع غزة لتجنب التبعات الإنسانية الخطيرة من اتساع رقعة الصراع على كافة دول المنطقة، لقد تطور الموقف المصري بشكل ملحوظ منذ بداية التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وحركة حماس، بداية من إعلانها إجراء اتصالات مكثفة مع الجانبين لوقف إطلاق النار، ودعوتها للجميع بضبط النفس، وصولا إلى منع خروج الأجانب من قطاع غزة عبر معبر رفح إن لم تسمح إسرائيل بإدخال المساعدات للقطاع، مرورا بالتصريحات المتكررة، بأن سيادتها ليست مستباحة وأمنها القومي ذات أولوية، ثم كانت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي للمجتمع الدولي لعقد " قمة القاهرة للسلام " واحتضنت مصر في 20 أكتوبر2023 أعمال القمة بحضور قادة وزعماء 34 دولة ورؤساء أربع منظمات عالمية لمناقشة تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإدانة استهداف المدنيين المسالمين، والتعبير عن التنديد الصريح بمؤامرات الاحتلال الصهيوني الرامية إلى تهجير أهالي غزة من مدينتهم وترحيلهم إلى مناطق أخرى في جنوب القطاع، والتأكيد على رفض سيناريوهات دفع ملايين الفلسطينيين نحو إقامة دولتهم في صحراء سيناء المصرية، ودفع الفلسطينيين من الضفة الغربية نحو الأردن، والمطالبة بفتح معبر رفح الفلسطينية لمرور قوافل المساعدات الغذائية والدوائية الدولية لمواطني المناطق المنكوبة جراء القصف الإسرائيلي الجوي والبري. لقد تم بالفعل مرور قوافل المساعدات في أجواء حماسية فرحا بالمواقف الانتصارية، ولم يخل الأمر من تعرض أبناء مصر بالقوات المسلحة لبعض الإصابات الخطيرة من شظايا القذائف الإسرائيلية، وهذه ضريبة يدفعها أبناء مصر الكنانة بكل عزة وشرف.

***

صبحة بغورة

جاءت مشاركة العراق في ما سمي "مؤتمر القاهرة للسلام"، وخصوصا بعد رفض الجزائر وتونس المشاركة، جاءت مفاجئة بعض الشيء للعديد من الأوساط المحلية والخارجية على اعتبارات عديدة من بينها إنَّ الحكومة العراقية الحالية والتي يرأسها السيد محمد شياع السوداني متبناة ومدعومة ومقترحة من قبل الأحزاب والفصائل الإسلامية الشيعية الحليفة لإيران والتي يجمعها "الإطار التنسيقي" ضمن تحالف أوسع يدعى "إدارة الدولة".

لقد انتهى المؤتمر المذكور بفشل ذريع، فلم يصدر عنه حتى بيان ختامي، بعد أنْ تحول إلى ما يشبه منصة إعلامية مباحة للوفود الغربية - وبعض الأطراف العربية كالأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط - للتهجم على الشعب الفلسطيني ومقاومته الذي ترتكب بحقه حرب إبادة شنيعة وللدفاع عن الكيان بذريعة "حق الدفاع عن النفس".

وقد ذكرت بعض التسريبات أن الحكومة العراقية حين علمت باحتمال مشاركة ممثل عن حكومة الكيان الصهيوني وهو أمر لم يؤكده أو ينفيه الطرف المصري المنظم هددت بالانسحاب الفوري من المؤتمر إذا حضر فيه ممثل الكيان، أما الجزائر وتونس فقد اختارتا أقصر الطرق وأكثرها مبدئية ورفضتا المشاركة في المؤتمر كما ذكرت جريدة الشروق الجزائرية – عدد 20 تشرين الأول /أكتوبر 2023 تقرير لمحمد مسلم. وخلال جلسة المؤتمر الافتتاحية كانت كلمة السوداني موضع إعجاب وإطراء واسعين لأنها كانت قوية وواضحة في إدانتها للمجازر الإجرامية المرتكبة في غزة وللأطراف المساندة للكيان والساكتة على جرائمه وخصوصاً في الفقرة التي خرج فيها السوداني على نص خطابه المكتوب وردَّ بها بشكل مرتجل وغير مباشر على الخطاب العدواني والاستفزازي الذي ألقته رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة الفاشية جورجيا ميلوني والتي سبقت السوداني في الكلام حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول، وقد رد السوداني على ميلوني بحزم حين جاء دوره في الكلام بعدها قائلا "إن بعض الأصدقاء هنا يصفون الشعب الفلسطيني الصامد على أرضه في كلماتهم بأنه يقوم بأعمال إرهابية بينما يعتبرون الجرائم المدمِّرة المُمنهَجَة التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني بأنها أعمال دفاع عن النفس"! كما أن السوداني رفض في فقرة أخرى أن يتطوع أي طرف عربي فيتكلم نيابة عن الفلسطينيين ويتبرع باسمهم بأي شيء في إشارة فسَّرها البعض بأنها موجهة إلى الدول التي ترتبط بالكيان الصهيوني باتفاقيات ومعاهدات استسلام مذلة.

وعند نهاية الجلسة الافتتاحية انسحب السوداني لحظة التقاط الصورة الجماعية التذكارية لرؤساء الوفود المشاركة، وقيل عندها أنه والوفد العراقي انسحب من المؤتمر ولذلك لم تظهر صورته فيها بينهم، ولم يصدر بيان عراقي رسمي يؤكد انسحاب الوفد. غير أن أنباء تسربت بعد ساعات وقالت إن السوداني رفض المشاركة في التقاط الصورة الجماعية لأسباب بروتوكولية تتعلق بترتب مكان وقوفه حيث طلب منه الطرف المنظم المصري أن يقف خلف أمير قطر فرفض وانسحب. ومعلوم أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الانسحاب فقد سبق ان غاب السوداني عن الصورة التذكارية للقمة العربية الثانية والثلاثين في جدة، ولذات السبب، وهو رفضه الوقوف في الصف الثاني.

بعيدا عن كل هذه التفاصيل الصغيرة والتي قد لا تخلو من دلالة، يبقى الدور العراقي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني ضد حرب الإبادة التي تشن عليه وفاق عدد الشهداء فيها الأربعة آلاف موضع تساؤلات قد نجد بعض الإجابات والتفسيرات لها في الآتي؛

معلوم أنَّ العراق ومنذ الاحتلال الأميركي سنة 2003 وقيام حكم المحاصصة الطائفية سنة 2005 يعتبر بلدا منزوع السلاح وخاضع للمراقبة الأميركية والغربية وحتى الإسرائيلية غير المباشرة أو عبر القوات الأميركية العاملة في العراق، وممنوع من شراء الأسلحة من الدول الشرقية كروسيا. فقد أفشلت واشنطن محاولته عراقية لشراء منظومة صواريخ (أس 300) سنة 2020 كما ورد في تصريح لعضو لجنة الأمن والدفاع النيابية على الغانمي كما منع من شراء منظومة رادارية روسية وبقي العراق مستباح جواً حتى الآن كما تعرقلت محاولة عراقية أخرى بحر العام الجاري لشراء سرب من طائرات رافال الفرنسية المقاتلة ولم تتم حتى الآن.

كما شكت الحكومة العراقية أكثر من مرة من عدم تزويدها من قبل الجانب الأميركي بقطع الغيار والعتاد الخاص بطائرات أف 16 التي اشتراها العراق واستلمها بعد انتظار طويل وعرقلة مديدة ما أدى إلى أن يتحول بعض هذه الطائرات إلى كومة من السكراب التي لا نفع فيها لانعدام قطع غيارها.

غير أن العراق رغم ما تقدم من بؤس تسليحي يضعه خارج دائرة الصراع الفعلي ولكنه يتوفر على عدة أوراق قوية بإمكانه استعمالها في الدفاع عن نفسه واستعادة سيادته واستقلاله أولا. وفي المساهمة الفعالة في قضية العرب الأولى فلسطين والدفاع عن شعبها في وجه المجازر الدموية الصهيونية المتتالية ثانيا. ولعل من أهم هذه الأوراق هي القدرات القتالية البشرية والخبرة العسكرية المتراكمة لدى الجيل العراقي الشاب الحالي والذي ساهم عبر قوات الحشد الشعبي في حرب تدمير العصابات التكفيرية الداعشية كانت حربا قاسية دامية تكللت بالانتصار. يمكن لهذه القوى المدربة جيدا أن تلعب دورا مركزيا وباسلا بأسلحة خفيفة ومتوسطة إذا ما تطور الصراع وتدخلت واشنطن مزيدا من التدخل في العراق والمنطقة.

الورقة القوية الثانية هي تفعيل القرار الصادر عن مجلس النواب العراقي بتاريخ 5 كانون الثاني يناير 2020، والقاضي بإخراج قواتها العسكرية فورا من الأراضي العراقية، ومطالبة السفارة الأميركية بإخلاء مبانيها وهي قلعة حصينة مؤلفة من عدة مبان مسلحة بالأسلحة الثقيلة ومنظومات صاروخية حديثة تحرسها وتديرها قوات خاصة، ومطالبتها الانتقال إلى مبنى آخر لا يزيد على حجم السفارة العراقية في واشنطن عملا بمبدأ التعامل بالمثل!

إن هذه الورقة المشروعة لا تحتاج حتى في جانبها الإجرائي إلى طرح الموضوع للتصويت مجدداً في مجلس النواب فالقرار متخذ، ولا يحتاج إلا إلى تفعيله من خلال مطالبة الحكومة بتنفيذه الفوري.

ويمكن لنا أن نتخيل الهزة التي سيحدثها هذا الأمر على بايدن وإدارته، وهو الذي يحاول أن يجعل من إسناده للكيان الصهيوني في مجازره رافعة انتخابية فعالة له في معركته الرئاسية القادمة.

إن هذه الإجراءات على محدوديتها وتواضعها هي الرد المعقول على الهمجية والوحشية الصهيونية الأميركية في فلسطين وإلا سيلعن التأريخ كل من كان بمقدوره القيام بها ولكنه رفض وتردد في القيام بها حرصا على بقائه في الحكم وترك دماء أطفال غزة تسفك مدرارا!

ولكننا من جهة أخرى لا نعول كثيرا على القوى السياسية النافذة والتي تدير الحكومة وتهيمن عليها وعلى مجلس النواب بغض النظر عن هويتها الطائفية أو العرقية، نظرا لارتباطاتها المسبقة بدولة الاحتلال، وتعويلها عليها في توفير الحماية والغطاء الغربي، وبسبب فسادها الداخلي وصراعاتها الداخلية النابعة من طبيعة الحكم القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية، بل نلقي بالحجة عليها من خلال طرح هذا التحدي على هذه القوى الحاكمة كنوع من الشهادة أمام التأريخ!

لقد انتهى زمن الصواريخ السياسية العتيقة التي كانت تلقى لتسقط على مرائب ومخازن القواعد الأميركية الخالية وجاء زمن استعمال كل الأوراق الممكنة لإنقاذ الشعب الفلسطيني من حرب الإبادة المتفاقمة ضده هذه الأيام!

***

علاء اللامي- كاتب عراقي

التاريخ بحر تتلاطم أمواجه على مرفأ الحاضر.. إنها أحداث مفصلية ومنعطفات تاريخية قلبت الموازين وبدلت خريطة العالم الجيوسياسية..بدءاً من البعثة النبوية وما تلاها من سقوط إمبراطوريتي الفرس والروم.. لعنة التتار.. وتوسع رقعة الاستعمار الأوروبي فى آسيا وإفريقيا تزامناً مع سقوط الخلافة العثمانية..سايكس بيكو وتقسيم كعكة الشرق الأوسط مع صعود نجم الولايات المتحدة الأمريكية، ولعل أشد وأسوأ موجات التاريخ المدمرة ما حدث من قيام دولة إسرائيل كشوكة مغروسة فى صدر الأمة العربية..فهل ما نشهده من أحداث ينبئ باقتراب إحدى موجات التاريخ الكبري التى تتغير على إثرها صفحة الأرض؟ وهل تكون هى الموجة الأخيرة؟

البوصلة تتجه شرقاً

شمعة الغرب توشك أن تذوب..البريق الأمريكى يكاد يخبو ويذوى..والقارة الأوروبية العجوز تستند على عصا نفوذها الاستعمارى القديم وتكافح كى لا تسقط..

أمريكا تتآكل من داخلها تآكل الرميم..الشباب الأمريكى غارق حتى أذنيه فى الملذات والمخدرات حتى لا تكاد تجد من بين كل مائة منهم واحداً صالحاً للعسكرية، وقد تفشى بينهم التهرب والفرار من التجنيد.وانتشرت عدوى اقتناء السلاح بينهم لدرجة أن عدد قطع السلاح فى شوارع وبيوت أمريكا يزيد عن ربع مليار قطعة؛ ولهذا انتشرت الجريمة بأنواعها فى ربوع الولايات تقودها عصابات منظمة زاد عددها عن 500 منظمة إجرامية، وارتفعت حالات الاعتداء الجنائى على تلاميذ المدارس عن عشرة آلاف حالة سنوياً، واكتظت السجون الأمريكية بسجناء بلغ تعدادهم أكثر من مليون سجين! واختفى الوازع الدينى تماماً ، فلولا الآلاف من رجال الشرطة لتحولت أمريكا إلى غابة تسيطر عليها جرائم السرقة والقتل والنهب والاغتصاب.

أزمة الاقتصاد العالمية أصابت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بضربات مهلكة، أشدها ضربة الحرب الروسية الأوكرانية التى ما فتئت تستنزف خزائن حلف الأطلسي ومستودعات أسلحته، والدين الأمريكى تجاوز حد 33 تريليون دولار، وباتت أية هزة اقتصادية بسيطة كافية لتدمير الاقتصاد الأمريكى ومن خلفه اقتصاديات الدول والبلدان المعتمدة على الدولار.

وبينما أوروبا وأمريكا مشغولتان بحروب وصراعات لا تنتهى ينطلق التنين الصينى فى مساره الاقتصادى كالصاروخ لا يعبأ بأمريكا ومخططاتها ومؤامراتها. إنها مسألة وقت حتى يصبح الاقتصاد الصينى هو الأول عالمياً . ولا شك أننا على أعتاب مرحلة تاريخية تنعكس فيها البوصلة من الغرب إلى الشرق..

البداية من الشرق الأوسط

لطالما كانت بؤرة الأحداث الكبري عبر التاريخ تنطلق من ها هنا..  أرض الشام بالتحديد كانت أهم بؤرة تدور حولها الصراعات منذ تم فتحها على عهد عمر بن الخطاب وحتى تسليمها لليهود بعد وعد بلفور..والمقاومة الفلسطينية لم تتوقف منذ عهد ياسر عرفات و أبو جهاد وحتى كتائب عز الدين القسام التى صنعت ملحمة السابع من أكتوبر باقتحامها لمستوطنات غلاف غزة وبدء معركة حاسمة ما زال مداها يتسع، وقد تصل إلى حد الحرب الشرق أوسطية متعددة الأطراف..

الإعلام الغربي يريد إعلانها حرباً دينية تلمودية من أجل إشعال فتيل شرارة هرمجدون ..تلك الحرب التى لها فى نفوس اليمين الأمريكي المتطرف قداسة خاصة..ولعلك تندهش إذا علمت أن السياحة الدينية فى إسرائيل حققت فى عام واحد ما زاد عن 4 مليارات دولار أغلبها أنفق على زيارة أرض الميعاد "مجيدو" المذكورة فى أساطير اليهود حول معركة هرمجدون.

الوضع فى فلسطين المحتلة يشتعل أكثر فأكثر..تل أبيب يتم قصفها يومياً بصواريخ تنطلق من الجنوب الغزاوى، وقد تم إجلاء أكثر من 60 ألف إسرائيلي من مناطق القصف المتاخمة للشواطئ إلى الداخل الإسرائيلي..وحزب الله بدأ مناوشات على الحدود الشمالية مهدداً باقتحام الحدود والاشتراك فى المعركة حال بدء الاجتياح البري لغزة..وأمريكا بدأت إجلاء رعاياها عبر ميناء حيفا..فى الوقت الذى يضغط فيه الرأى العام الإسرائيلي على حكومة نتنياهو من أجل استرداد الأسرى وإنهاء الحرب.

وجهة النظر الغربية تتفق مع توجهات الحكومة الإسرائيلية فى الرد العنيف الحاسم رغبة فى القضاء على عناصر المقاومة وللثأر لكرامة الجيش الإسرائيلي التى أهدرت فى السابع من أكتوبر بعملية طوفان الأقصى، ولهذا تحرك الأسطول الأمريكى متمثلاً فى حاملتى الطائرات الرابضتين فى شرق المتوسط.

وبالرغم من نبرة التهديد وحماسة الغضب لدى إسرائيل ومن خلفها أمريكا، يبدو خوفهما واضحاً بادياً من تردد إسرائيل فى اقتحام غزة برياً خوفاً من توسع دائرة الصراع. بل إن ماكرون أعلنها من فرنسا أنهم يخشون انتقال الصراع خارج الحدود. وأن جرائم الكراهية قد تنتشر وتتفشي كما حدث فى أمريكا من جريمة قتل مريعة نفذها مسن يهودى ضد طفل فلسطينى مقيم بأمريكا!

كل جرائم القتل التى ارتكبها اليهود فى فلسطين المحتلة لن تمر دون قصاص.. ولعلنا نشهد اليوم بدايات المعركة الفاصلة التى تنهدم فيها الجدران والحواجز..

لعنة العقد الثامن

ثمة أدلة متكررة من التاريخ أن العِقد الثامن من حياة كثير من الأمم يحمل نذيراً بقرب نهايتها..

إسرائيل الآن تعيش لعنة جيل الأحفاد؛ أولئك الذين يحدث بينهم الشقاق والتشظى بما ينذر بالأسوأ.. هناك انقسام حتى فى دوائر الحكومة الإسرائيلية ذاتها ما بين حكومة نتنياهو وأنصار بن غفير، وبدا هذا فى الخطاب الذى أراد نتنياهو إلقاءه على مسامع الضباط فى غلاف غزة فواجهوه بالسباب والصراخ ولم يستطع إلقاء الخطاب! أكثر من هذا أن كثيراً من المستوطنين باتت لديهم قناعة أن الحياة فى إسرائيل باتت مستحيلة، وتزداد تلك القناعة رسوخاً كلما توسعت دائرة المعارك وطال أمدها..ولأنهم جميعاً من مزدوجى الجنسية، فقد فر الكثير منهم إلى بلدانهم الأصلية فى أوروبا والأمريكتين خاصةً الأثرياء ورجال الأعمال منهم.

على الناحية الأخرى، أمريكا تعانى اقتصادياً بسبب دعمها لإسرائيل. وهناك أصوات تنادى برفع الدعم عنها وأن أمريكا تورطت فى صراع لا تريده، خاصةً وأنها تحقق لروسيا مكاسب غير مباشرة بفتح جبهات قتال متعددة بما يضر بمصالح أمريكا ضرراً كبيراً يزداد كلما استمرت الحرب.

اتساع نطاق الحرب ليس فى مصلحة إسرائيل. وخطة الاجتياح البري لغزة التى تنوى إسرائيل تنفيذها ستكون وبالاً عليها، وسوف تنفتح عليها أبواب الجحيم من كل جانب.. ولعل لعنة العقد الثامن قد أصابت جيل الأحفاد المترف المهزوم.

أحداث عظيمة قادمة

منذ عام 2020 ومع تفشى وباء كورونا وهناك نبرة تتصاعد أننا قادمون على أحداث النهاية!

مع كل تهديد بحرب نووية بين روسيا والناتو يقال إنها مقدمات للحرب العالمية الثالثة..ومع كل زلزال أو طوفان أو إعصار مدمر تصحو الهواجس وتنتشر الدعاوى أننا نشهد علامات آخر الزمان، وأن النبوءات والآيات تأتى تترى لتؤكد أن ما يحدث ليس إلا بدايات النهاية.

المؤكد أننا نشهد إرهاصات أفول الأحادية الأمريكية، وبداية موجة عظمى من موجات التاريخ التى من شأنها أن تغير وجه العالم..ولعل ما يحدث فى الشرق الأوسط هو الشرارة التى تنطلق منها أحداث عظيمة قادمة تجعل ما يأتى بعدها لا يشبه أى شئ مما كان قبلها.. فلا نظام عالمى، ولا مجتمع دولى، ولا شرطى كونى اسمه أمريكا، ولا شوكة فى خاصرة الأقصى اسمها إسرائيل.. وإنما خريطة سياسية جديدة وقواعد عالمية تختلف عما عهدناه ..والتاريخ يعلمنا أن الصراعات والحروب بدايات لموجة تاريخية عاتية تندثر على إثرها أمم وتنهض بدلاً منها أمم غيرها.

***

عبد السلام فاروق

فجر اليوم الجمعة بتوقيت القاهرة ألقى الرئيس جو بايدن بخطاب متلفز إلى الشعب الأمريكي، عن الأحداث الجارية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا، ليعيد لنا ما كتبة كل من:(بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي في كتابة رقعة الشطرنج عام 1992/ وصامويل هنتنجتون الكاتب الأمريكي صراع الحضارات)... ركز أمس الرئيس بايدن حول الحرب الأوكرانية والصراع الدائر. حول الاستحواذ علي من يسيطر علي المنطقة. وجاء في سياق الخطاب دول البلطيق وبولندا، وإيران...!!

إن رقعة الشطرنج. التي تدور عليها اللعبة كما يقول المؤلف هي أوراسيا وهي لعبة تنتهي بسيطرة الغالب على الإدارة الاستراتيجية للمصالح الجغرافية السياسية، حيث الاعتقاد الراسخ لدى السياسيين بأن من يسيطر على أوراسيا يسيطر على العالم. وفي عصرنا الحديث، اهتمت أميركا للسيطرة على هذه البقعة الحيوية من العالم، حيث الهدف النهائي للسياسة الأميركية يتمثل في صياغة وتشكيل جماعة دولية متعاونة تكرس هذه الهيمنة...، كما جاء في خطابة فجر اليوم...

والكاتب يذهب إلى أن الوقت قد حان بالنسبة للولايات المتحدة لصياغة وتنفيذ (جيوستراتيجي متكاملة وشاملة وطويلة الأمد لعموم أوراسيا). ويرى المؤلف أن القوة التي تسيطر على أوراسيا هي القوة التي تتحكم في اثنين من مناطق العالم الثلاث الأكثر تقدما والأوفر في مجال الإنتاجية الاقتصادية، فالذي يسيطر على أوروبا يسيطر على أفريقيا. وفي أوراسيا تقع الدول الست التي تلي الولايات المتحدة في ضخامة الاقتصاد وحجم الإنفاق على التسلح، وفيها أيضا توجد جميع الدول النووية المعلنة باستثناء واحدة.

ظهرت مع نهاية الحرب الباردة ويقصد الكاتب كوريا الشمالية، ومع انهيار الكتلة الشرقية وسقوط حائط برلين،. وتفكك الاتحاد السوفيتي، مجموعة من الأطروحات التي تقر بالتحول الجذري للعلاقات الدولية، وهذه الأطروحات تنظر بشكل سلبي ومتشائم لما ستكون عليه الحضارات من صراعات عنيفة بدل من أن تقوم على المصالح الاقتصادية المتبادلة، إن الأحداث الجارية في غزة وتحريك الأساطيل في الغرب وتحركها إلى منطقة الشرق الأوسط. وازدواج المعايير. ضد شعب أعزل ومحاولة جر دول. للدخول في الصراع، إخراجها من كنف الهيمنة الأمريكية مثل إيران.، ليعيد لنا صراع الحضارات في المنطقة من حملات صليبية جديدة...!!

ويعتبر البروفيسور/ صامويل هنتنجتون من أشهر من تحدث عن نظرية صراع الحضارات. لقد جاءت فكرة صراع الحضارات في البداية على شكل مقال صغير نشر عام 1993م في إحدى المجلات الأمريكية. وقد انتشر مقال الكاتب الأمريكي/ صامويل هنتنجتون بشكل كبير وواسع، وكان المقال الأكثر قراءة منذ أن صدرت هذه المجلة الصغيرة وبعد عدة سنوات قام" هنتنجتون" بصياغة مقالته في كتاب شرح فيه نظريته بشكل موسع، كما برر كل ما ذكره في ذلك المقال، يرى صامويل هنتنجتون في كتابه (صراع الحضارات) أن الصراعات التي سوف تنشأ بعد الحرب الباردة سوف تكون صراعات حضارية ذات أسباب ثقافية، ودينية وليست صراعات قومية ذات عوامل سياسية، أو أيدولوجية، أو حتى اقتصادية، ومن أهم القضايا التي تحدث عنها هنتنجتون في كتابه، تغير السياسة الدولية لتصبح ذات أقطاب وحضارات متعددة، فالحداثة على حد قوله ليست المنتج للحضارة العالمية، يتحدث صامويل هنتنجتون عن تأثير الغرب النسبي الذي بدأ بالتناقص، فهو يرى أن الحضارات الآسيوية أصبحت ذات قوة أكبر في مختلف المجالات الاقتصادية، والسياسية، وكذلك العسكرية، وأن (العالم الإسلامي) أصبح قوة حقيقية وهي عامل تهديد للحضارات التي تجاورها على حد رأيه، وقد أثير هذا الموضوع عقب أحداث برجي التجارة العالمي عام 2001..   وقد قدم هنتنجتون مجموعة من الإحصاءات التي تظهر تناقص الأوروبيين بالنسبة للعدد الإجمالي لسكان العالم، وفي المقابل تزايد عدد الآسيويين والمسلمين.، صعود الإسلام من الأمور التي تحدث عنها صامويل هنتنجتون في كتابه (صراع الحضارات)، وقد ذكر في كتابه الامتداد الإسلامي من الناحية الجغرافية، وكذلك من الناحية السكانية، حيث وصلت مساحة البلاد الإسلامية إلى ما يقارب 21 % من المساحة المأهولة للكرة الأرضية ، ووصل عدد المسلمين إلى أكثر من مليار نسمة، كما سيطروا على نسبة كبيرة من الاحتياط العالمي للنفط والغاز، وقد كان صامويل هنتنجتون قلقا من أن العالم الإسلامي غير قادر على مواجهة تحديات التنمية الاقتصادية. وظهور نظام دولي جديد يقوم على أساس الحضارة، وهو يضم تجمعات اقتصادية لها هوية مشتركة وهذا سر نجاحها، وقد ذكر هنتنجتون أمثلة على ذلك منها مجموعة الكاراييبي التي تضم مستعمرات بريطانية قديمة يبلغ عددها 13 مستعمرة، وبحسب رأي هنتنجتون فإن العالم سوف يقسم إلى خمس حضارات وهي:- حضارة الغرب: تضم هذه الحضارة أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، وقد تشكلت من امتداد المسيحية واعتمدت على العلمانية بشكل أساسي. الحضارة الأرثوذكسية: تضم هذه الحضارة العالم الروسي، وأوروبا الشرقية، وقد ظهرت في هذه الحضارة سيطرة الكنيسة الأرثوذكسية. الحضارة الهندوسية: وتضم هذه الحضارة الهند وبعض الدول القريبة منها. الحضارة البوذية الكونفشيوسية: تضم هذه الحضارة الصين ومن يعيشون في الشتات منهم. الحضارة الإسلامية: وتضم هذه الحضارة جميع البلاد التي يدين أفرادها بدين الإسلام. هل حان الأن أن نفهم ما يدور ضدنا ..!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب مصري وباحث

هكذا ينظر خصوم  الإسلام للإسلام

إسرائيل وما تملكه من إمكانيات وثقافة معلوماتية وتحكمها في التكنولوجيا والرقمنة استطاعت أن تتحكم في مصائر العرب والمسلمين ليس بأسلحتها وصواريخها فحسب، بل بالتكنولوجيا الحديثة، وبهذا التطور الرقمي استطاعت إسرائيل أن تؤثر في الشباب واستهويهم بل تغريهم عن طريق الفضاء الأزرق (الفيسبوك)، هي معركة امتزجت فيها الثقافة والسياسة والحرب وحتى الحب، الذي يعتبر الوسيلة الأكثر استعمالا في عمليات غسل المخ، وإلهاء الشباب العربي، هي معركة قادها شاب اسمه مارك، بعبقريته أنشا فضاء أزرقا، استقطب من خلاله الملايين من الشباب والكهول وحتى الشيوخ، بالإضافة إلى النساء والشابات، يتحكم في علاقاتهم (ن) وتواصلهم، يعاقبهم إن أساءوا التصرف مع إسرائيل بتقييد حسابهم، ثم يصفح عنهم ويغفر خطيئتهم

في المخيال الإسرائيلي، الفضل يعود إلى العقل الإسرائيلي في تقريب العالم العربي من العالم الغربي والتطلع على حضارات وثقافات الآخر، في ظل العولمة التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة، مما مكنها من أن تحتل المرتبة الثانية بعد الصين في الصناعة التكنولوجية، استطاعت إسرائيل،- وفي منظورها هي- أن تحقق التواصل الإجتماعي وتربط بين الشعوب في العالمين الغربي والعربي وخلق بينهم علاقة وروابط عربية/ عربية وعربية/غربية، ومكنت العرب من رسم وجودهم في الخريطة، لكن ما هو المقابل؟، المقابل طبعا هو عدم "معاداة السامية"، وعدم المساس بإسرائيل، كما ترى إسرائيل نفسها مطورة العرب والفضل يعود إليها في رقيّهم، بيدها إحياؤهم وبيدها إبادتهم ومحوهم من الوجود، وهو ما تفعله مع سكان غزة وفلسطين، وبذلك تجبرهم على أن يُطَبِّعُوا ويكونوا تُبَّعًا لها، فتعاملهم بلغة الغالب والمغلوب، "و لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم".

إن إنشاء هذه الفضاءات الرقمية للتواصل الإجتماعي الغاية منه فرض عملية التجسس على العرب والمسلمين وتتبع عوراتهم ومواقعهم وماهي مخططاتهم، وقد عملت إسرائيل كل ما وسعها لتحقيق أهدافها، ولم تتوقف عند هذا الحد فقط بل اندست في صفوفهم باسم البعثات العلمية، قام بها مستشرقون،  تعايشت معهم  لغاية في نفسها واكتشفت عاداتهم وتقاليدهم، كما تعلمت لغتهم نطقا وكتابة، وقد كان للمستشرقين دور في هذا، والمسلمون غافلون، هي عبارة عن "بروبغندا صهيونية"، لطمس الهوية الإسلامية بل القضاء على الإسلام ومحوه من الوجود، فالفكر الإسرائيلي يحاول وبشتى الطرق ان ينشر أفكاره منذ تواجده للقضاء على الأديان، حيث اطلقوا على أنفسهم اسم " البناؤون الأحرار"، وهذان اللفظان لهما دلالة قوية في التأثير في الشباب (البناء والحرية) "ابني نفسك وعش حريتك"، أرادت الماسونية أن تروج لفكرة أن البشرية مقيدة بشيء اسمه "الدين" ولابد من تحريرها من هذه القيود، والدفاع عن القيم الإنسانية، وقد وضعت في بروتوكولاتها (بروتوكولات حكماء صهيون) قواعد وبنود واستراتيجيات في استغلال الكراهية، وأصدرت قوانين لتحريم معاداة السامية  anti sémitism، هذا القانون الذي أضفى القداسة على إسرائيل والصهيونية.

ما زاد في ضعف العرب والمسلمين وتشتتهم في المخيال الإسرائيلي هو الصراعات الطائفية والحروب الأهلية التي تقع بين الشعوب وأنظمتها المستبدة وتقاتلهم فيما بينهم (أي عربي يقتل عربيا ومسلم يقتل مسلما)، وأرجعوا هذه الفتن إلى بداية ظهور البشرية والصراع بين قابيل وأخيه هابيل والذي انتهى بموت أحدهم، وكما يقال " كفر المنجمون ولو صدقوا"، فإسرائيل عزفت على هذا الوتر لتشويه صورة الإسلام أمام الرأي العام الدولي، لا ضير إذن أن يقتل يهوديٌّ مسلمًا، طالما المسلم يقتل أخاه المسلم باسم الدين وبأبشع الطرق، فالحديث عن الفكر الإسرائيلي يعني الحديث عن الفكر الماسوني الذي تحركه الصهيونية التي ازدادت شوكتها بفعل "التطبيع"، يقول داوود بن غريون: "نحن لا نخشى غير الإسلام"، ويقول شمعون بيريز: "لن نطمئن حتى يُغْمَدَ الإسلام سيفه"، ويقول إسحاق رابين: "الدين الإسلامي عدونا الوحيد"، هكذا ينظر خصوم الإسلام للإسلام، والمسؤولية لا تتحملها إسرائيل، طالما الأنظمة العربية (وبدون تعميم) باعت دينها وارتمت في أحضان إسرائيل، من أجل المصلحة الذاتية الضيقة، فكل شيئ عندها للبيع، الأرض والعرض ومن عليها، المهم ان تنتفخ الجيوب والبطون، رضيت بالذلّ والهوان والعبودية وسلمت رأسها للكيان الصهيوني، فكانت لها القابلية للاستعمار والاستعباد.

***

علجية عيش

يا أيّها الأحياء تحت الأرض عودوا... إنّ النّاس فوق الأرض قد ماتوا

الشاعر الفلسطيني محمود درويش

***

بعد محرقة غزّة التي لا تزال متواصلة منذ حوالي أسبوعين. تلك المحرقة التي تدمي الحجر قبل البشر، جاء موقف جامعة الدول العربية صنيعة بريطانيا لا يختلف جوهريّا عن الموقف الأمريكي الذي عبّر عنه رئيس "ديمقراطي !!!

وإن كان عذر الأمريكيين هو أنّهم لا يختلفون جوهريّا عن الصهاينة، فكلاهما هجّر السكّان الأصليين للارض، إن في أمريكا الشماليّة، أو في أرض فلسطين. وإن كان عذر أوروبا انّها لا تعدو أن تكون إلّا ذيلا من ذيول العم صام، فضلا عن عقدتها المزمنة من المحرقة النازية لليهود في الحرب العالمية الثانية، فإنّ جامعة الدول العربيّة بجميع أعضائها ال22 لا عذر لها ولهم، ولا بواكي لها ولهم، في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به الامّة العربيّة، من هوان وضعف وإذلال و تدمير لكلّ مقدّراتها. وهو ما تجلّيه صور الدمارالشامل الذي اصاب ويصيب قطاع غزّة أمام انظار العالم "الحرّ" الذي يتفرّج باندهاش ولا يحرّك ساكنا.

لذلك، فقد سقطت ورقة التوت الاخيرة التي تستر عورتهم جميعا، إن في الشرق أو في الغرب، وسقطت معها كل المساحيق وأقنعة الزيف و النفاق التي لطالما ارتدتها الدول الغربية كما العربيّة لسنوات طويلة، وراوغت بها شعوب المنطقة العربيّة، لتغطّي بها عورتها كريهة الرّائحة، يشاركها في ذلك "بيت العرب" الموسوم، من باب التجوّز، بجامعة الدول العربيّة " فيما كان من الأفضل أن تسمّى بجائحة الدول العربيّة. وذلك، إنسجاما مع الكوارث التي سبّبتها للعرب. ولعل قرار المشاركة في حرب الخليج الثانية/ الثلاثينيّة ضد العراق فيما سمّي بعاصفة الصحراء" أفضل دليل على أنّ تغييبها أفضل من وجودها. لذلك، فأي كلمة تسمع للحكّام العرب لدى شعوبهم بعد اليوم؟، و اي موقف بعد اليوم له وزن؟ ل"جائحة الدول العربية" التي تصيب الشعوب العربية، بعد كلّ اجتماع تعقده، بأخطر الأمراض القاتلة، لغباوة وحمق وتفاهة قراراتها التي لا مكان لها حتّى في مزبلة التاريخ، ضرورة أنّها بالفاظ فضفاضة خاوية تدلّ على الشيء وضدّه، بما يعني، بين ألأسطر- بعد تفكيك الشفرات- أنّها لا تدعم ضمنيّا سوي العدو الجلّاد، ولا تناصر، بل تدين الضحيّة بتوظيف التورية، رغم أنّه شقيق من أبناء "جلدتها". يحدث هذا، وهي المسمّاة زيفا وتعمية بجامعة الدول العربية، فيما هي حقيقة وواقعا، تكاد تكون جامعة الدول "العبريّة" بحكم الوزن النسبي لأعضائها المطبّعين في المنطقة. هذا، علاوة على أنّ الجامعة/ الجامحة العربيّة / العبريّة،.هي الآن في طور الموت السريري. وهي في أفضل حالاتها مشلولة الحركة، واهنة وغير قادرة على جمع وتوحيد، الأنظمة العربيّة المتشظية وعديمة الوزن في ميزان القوى الدولية. ذلك أنّ هذه الدول متباينة المواقف، بين أقليّة قليلة، مؤيّدة، داعمة ومناصرة بقوة للقضية الفلسطينية، وأغلبيّة، إمّا مطبّعة مع الكيان الصهيوني المسخ، وبالتالي تقف في صفّه، سرّا وعلانيّة، أو متخاذلة، منافقة، لا بل متواطئة تتظاهر بالدعم في العلانية وتتواطأ سرّا مع العدو. ليس هذا فحسب، بل إنّ الجائحة العربية عاجزة، أيضا، حتى على جمع وتوحيد الشعوب العربية الغاضبة، الهادرة، التي هي حكما وحقيقة وواقعا على قلب رجل واحد، مع حق الشعب االفلسطيني الأبي، المناضل الميداني الحقّ و الوحيد في غزّة الشهيدة، نيابة عن كلّ الدول العربية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية -الخانعة، المنبطحة لبني صهيون- في الضفة الغربية. لا بل ونيابة عن كل الحكومات العربية الكرتونية / الربوتية التي تتحرّك وتنقاد.عن بعد بالرموكنترول الأمريكي، كما الغربي ولو بدرجة أقلّ. وإلّا فماذا يعني أن بكون الموقف المصري من المجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولا تزال، ردّا على عمليّية طوفان الاقصى المجيدة وفائقة الدقّة، أقلّ من الحدّ الأدنى المطلوب من غير دول الطوق، مثل الجزائر وتونس التي كانتا كلتيهما إمّا متحفطة أومعترضة على بيان الجائحة الجامعة للدول العربية في الغرض. وهو أضعف الإيمان. لقد كان بيانا هزيلا يسوّي بين الضحيّة والجلّاد دون تمييز بين صاحب الأرض ومغتصبها، ودون اعتبار عدم التكافؤ في موازين القوى، ولا لتاريخ الصراع ولا لظلم الجغرافيا لأهالي غزّة المحاصرة من كلّ.جانب.بحيث تكاد تكون سجنا مترامي الأطراف مابين البحر و دولة الاحتلال. لقد تعمدّت عدم ذكر المواقف كما تفوّه بها أصحابها، لأنّي أقدّر أنّها لا تستحقّ الذكر من فرط خفوتها وضعفها الذي بلغ منتهاه. فضلا عن انحيازها الواضح للعدو الصهيوني الغاشم، المغتصب للأرض والعرض. هذا الموقف العربي الهزيل في مجمله، شجّع العدو في التمادي في سفك الدماء البريئة لأهالي غزّة بأكثرجرأة و ذراوة وعنف ووحشية، بما جعلهم يعيشون الجحيم تحت حمم القذائف الناريّة الأمركيّة الصنع. وهو ما لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، لا مع المغول وما فعله هولاكو في بغداد من تدمير وإبادة جماعيّة للسكان رغم فداحته ووحشيته، ولا مع الطاغية نيرون الذي أحرق روما، ولا مع غيرهم من الطغاة المعاصرين، من هتلر النازي، وموسوليني الفاشي، وستالين الرجل الحديدي قاتل الملايين إلى الصهيوني شارون وفضاعاته إلى ميلوزفيتش سفّاح كوسوفو إلى بوش الأبن "المبعوث الالهي" المجنون الذي غزا العراق... بعد المذابح اليوميّة المروّعة لبني صهيون، التي تقترف في حقّ المدنيين في غزّة الشهيدة، على مدار الساعة، المنقولة صورة وصوتا على المباشر، فانّ أقلّ ما يقال في الموقف العربي ذي العلاقة، أنّه كان موقف الجبناء المرتعيشين، الذين لا حول ولا قوّة لهم.

 "لقد هزلت حتى بدا من هزالها

كلاها وحتى سامها كل مفلس".

فلولا هزال الموقف العربي لما أقدم الرئيس الأمريكي"الديمقراطي" جو بايدن، على حضور مداولات المجلس الحربي لدولة الإحتلال. في سابقة هي الاخرى، لم يجرؤ على القيام بها أي رئيس أمريكي سواه، مهما كانت درجة تأييده للكيان المسخ للعدو. ثمّ يعطي، بصلف وعنجهية و تحدّ واضح واهانة ما بعدها اهانة للأمّة العربية الإسلامية، يعطي الضوء الاخضر لكيان بني صهيون لينهش اللحم الفلسطيني، لا في غزةّ فقط، بل وكذلك في الضفّة الغربيّة. وذلك لأجل غير مسمّى- متى شاء وحيث ما شاء- الى أن يشفي غليله من وقع الصدمة التي لحقته من خسارته المدويّة يوم 7 أكتوبر 2023. وكذا من إهانة جنوده أمام العالم. تلك الإهانة التي لن تنمحي من ذاكرته جيلا بعد جيل. ليس هذا فقط، فالرئيس الامريكي شجّعه الخنوع والإذعان العربي الرسمي على تخطّي الحواجز النفسبة للذهنيّة العربيّة في علاقة بقادتها، بما جعله لا يحترم الرئيس المصري في سياق أحد تصريحاته، حيث قال متحدثا عن السيسي رئيس أكبر دولة عربية "صاحبة أكبر انتصار على العدو سنة 1973 قبل أن تدخل القوى العضمى على الخطّ وتحوّله إلى ما يشبه الهزيمة. قال عنه "إنّه يستحقّ بعض الاحترام". فان كان ذلك كذلك فهل يبقى داع لاحترام "فخامة" الرؤساء و"جلالة" الملوك و فداة الأمراء؟!! لا بل وهل يبقى داع مهما تضاءل لاحترام أضعف هؤلاء. وهو محمود عبّاس، الرئيس المنزوع الصلاحيّات، رئيس السلطة الفلسطينية، الذي قال- قبل ان يتراجع بعد فوات الأوان- "المقاومة لا تمثّلنا". فعلا لقد هزلت. ولا أزيد عن ذلك فالضرب في الميب حرام. وقديما قال المتنبّي:

ذَلَّ مَن يَغبِطُ الذَليلَ بِعَيشٍ

رُبَّ عَيشٍ أَخَفُّ مِنهُ الحِمامُ

*

كُلُّ حِلمٍ أَتى بِغَيرِ اِقتِدارٍ

حُجَّةٌ لاجِئٌ إِلَيها اللِئامُ

*

مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ

ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ

***

المهندس فتحي الحبّوبي

قد لا أضيف جديدا إذا أكدت على أنه عادة ما تصاحب كل ثورة تقع في أي بلد اختلالات كثيرة تصيب الأداء الإداري الروتيني في عمل أجهزة الدولة وسير مؤسساتها الدستورية بمظاهر التقصير والتسيب،  كما تصيب مراكز اتخاذ القرار في الأوساط الاقتصادية والمؤسسات المنتجة للثروة بالتناقض والتضارب وغالبا ما يمتد أثر هذا إلى اهتزاز التماسك الاجتماعي الداخلي وإلى ضحالة الانتاج الثقافي وتسطيح النشاط الفكري، ويعجز الوعي المجتمعي عن متابعة وفهم ما يحدث ليقف متسائلا ما الذي يحدث بالضبط،ويمكن أن يستغرق هذا الوضع وقتا قصيرا، أو قد يدوم زمنا طويلا على حسب مستوى الثقافة السياسية السائدة وطبيعة المفاهيم الاجتماعية القائمة وحجم الوعي الوطني ومدى انتشاره،ومثل هذه الاختلالات ستكون إلى حد ما نتيجة طبيعية لحدث غير طبيعي، وتعد الصدمة الناشئة عن عامل المفاجأة بمثابة عنصر محدد لحجم الفوضى المؤقتة الناتجة،فالمفاجأة والسرعة في بسط الهيمنة لا تتيحان للنظام القائم هامشا كافيا لبلورة رد الفعل المضاد بينما العكس يمكن أن يسمح بذلك وبالقدر الذي يضمن الاحتواء الناجح ثم العودة بالوضع المضطرب بثقة متزايدة إلى سابق عهدها.

تشير سيناريوهات الأحداث إلى أن الثورات التي عرفتها بعض الدول العربية قد أسفرت عن نتيجتين :

ــ  الأولى، اشتداد قبضة القوة بين النظام الحاكم وأطراف المعارضة المطالبة بتغيير النظام السياسي والذي يتحول بشكل تدريجي وغير مفاجئ إلى صراع مسلح شامل ومدمر لكل مظاهر الحياة، لا خاسر فيه ولا منتصر، وبطول أمده تتعرض سيادة الدولة لخطر التدخل الخارجي سياسيا وعسكريا على خط الأزمة، ومنها تنبت بذور الفتنة العرقية والطائفية والعقائدية.. التي مهدت الطريق لاحقا لبروز دعوات التقسيم الترابي للوطن الواحد في إطار رسم معالم وضع إقليمي جديد،إنه سيناريو متوقع وتكرر في أكثر من بلد مما يؤكد على حقيقة طابعه المؤامراتي.

ــ الثانية، تأجج ثورة شعبية عارمة يضع اتساعها الفعاليات المؤثرة في العمل الوطني والحياة السياسية أمام انسداد حقيقي،ثم يعطل طابعها الشمولي العمل بالهيئات الدستورية، وتعجز قوات الأمن والجيش عن قمعها وعن احتواء انتشارها السلمي والمتسارع، لذلك تتعامل مصالح الأمن أولا بحكمة ورشادة مع اضطرابات الشارع مكتفية بحماية المرافق الأساسية ومنع محاولات التخريب، ثم تتجه إلى الحياد وصولا إلى حسم الأمر والانتصار لإرادة الشعب المعبر عنها من خلال ثورته التي تنجح في تحقيق مطالبها بتغيير النظام.

يبدو القاسم المشترك بين الحالتين في تقارب المطالب المتعلقة أساسا بتغيير النظام السياسي، وفي تلقائية الحدث  وعدم وجود زعامة حقيقية أو قيادة معلنة تتحكم في سير وتوجيه الأحداث، أما الفارق بينهما فيكمن في اختلاف الوعي بما يحيط الاضطرابات الشعبية من تحديات خطيرة تهدد واقع حياة الأمة ومستقبلها وفي تباين شعور الجانبين بالمسؤولية السياسية في الحفاظ على وحدة البلاد وسلامة أراضيها .

يتأكد تمام نجاح الثورة من خلال عدة مظاهر تتعلق أساسا بالطابع السيادي للدولة، وهي متى توفرت كان ذلك مؤشرا على انفراج الأوضاع والاتجاه نحو تطبيع الحياة العامة وعودة الاستقرار والشعور النسبي بالأمن والسلام، ومن أهم هذه المظاهر :

ــ النجاح العسكري،يمثل طبيعة الجانب الأمني في الموضوع، ويبدو من خلال:

* توسيع عمليات استعادة الأمن لتشمل جهود التغطية الأمنية معظم مناطق البلاد، وتنفيذ خطط الانتشار المدروس الذي يضمن سرعة التحرك بالفعالية المطلوبة للوصول إلى منطقة التوتر، وإظهار ما يؤكد  هيبة الدولة وتحكمها في الوضع .

* مواصلة استكمال البناء الهيكلي لإدارات ومصالح الجيش وضبط المسؤوليات،وهو مظهر تماسك المؤسسة العسكرية ومؤشر على درجة الوعي بحجم الواجبات الدستورية ودليل على استعداد الجيش وجاهزيته لبعث الثقة في نفوس المواطنين، ولتعزيز مشاعر الفخر والاعتزاز .

* إنشاء القيادات الجديدة للعمليات العسكرية،وهو مظهر من مظاهر التمكين للقوات المسلحة على الأرض، والمقصود إنشاء المزيد من الوحدات القتالية التي يخضع تسليحها لتقديرات جهود التحديث والتجديد واعتبارات المستوى التكنولوجي المأمول في التطبيقات العسكرية .

ــ النجاح الدبلوماسي، يعكس أهمية البعد الدولي للمسألة، ويبدو من خلال:

* عرض القضية في المحافل الدولية،هو جهد قد تتكفل به الدبلوماسية الرسمية أو الدبلوماسية البرلمانية لإظهار طبيعة الأحداث إن كانت مجرد شغب محدود لأغراض التنديد بقرارات محلية مرفوضة شعبيا أو انتفاضة احتجاجية على سياسات وزارية جائرة ترهن واقع ومستقبل قطاعات معينة  أو تمردا وعصيانا مدنيا ضد السلطة الحاكمة، أو إن كانت فعلا ثورة تغيير حقيقية .

* تكثيف النشاط الإعلامي للتعريف بالثورة،ذلك على فرض أن ما يجري هو ثورة كاملة الأركان تقتضي الضرورة تمتعها بالسند الدولي للاعتراف بها ودعم مطالبها وإكسابها الشرعية من خلال عمل إعلامي ناضج ومسؤول موجه بمختلف اللغات عبر كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ومواقع التواصل الاجتماعي لتشكيل رأي عام مؤيد وتكوين جبهة دولية ضاغطة من أجل فرض احترام إرادة الشعب

* فضح السياسات التخريبية وإثارة الرأي العام ضدها، وهي نقلة نوعيه في المواجهة مع الخصوم تفترض أنهم معلومون بدقة بناء على جهد سياسي واستخباراتي كبير، وأن طبيعة سياساتهم التخريبية هي إجرامية بالأساس تستند إلى نوايا شديدة العداء تستهدف إضعاف الشعوب وقهر الأمم وتحطيم حضارات، وتتطلب هذه النقلة تعميق المواجهة بكشف طبيعة وأطراف التحالفات التي تستغل من أجل تحقيق أهدافها مجموعات الشر المسلحة.

إذا كان النجاح العسكري يعطي ضمانة حقيقية لتأمين ثورة التغيير من أي ارتدادات عكسية غير حميدة فإن ما يكسبه التقدير هو ما يبديه من حياد في الموقف وما يظهره من تشدد لا يلين بالحفاظ على المؤسسات والمرافق الحيوية للدولة وإعلان عزمه بمواصلة الالتزام بمهامه الدستورية بدوام حمايته للشعب، أما النجاح الدبلوماسي  فيتجسد في مهمة تأكيد استمرار الدولة على مكانتها الدولية كدولة محترمة ملتزمة بالعهود والمواثيق الدولية وبالاتفاقيات الموقعة،وكل ذلك من شأنه أن يكسب الدولة في ظل ثورتها الجديدة نفسا جديدا وروح متجددة للبقاء كدولة فاعلة تسهم في بناء الحضارة الإنسانية .

يبقى أثناء الأزمات السياسية أن حجم الجهد العسكري  ــ برغم بعض التحفظات ــ هو المحدد بشكل كبير لدرجة الاستقرار الداخلي في الكثير من الدول خاصة تلك التي لا تتمتع نخبها الثقافية بمستوى كبير من الثقافة السياسية ولا تتمتع برصيد تاريخي كبير من الممارسة الديمقراطية أو عديمة الخبرات والتجارب من العمل الحكومي في مواجهة التعددية الحزبية والنقابية والإعلامية حيث تثور الخلافات العميقة لأبسط الاختلافات، ومعها تتعاظم سيناريوهات المؤامرات الهدامة سريعا، ولكن بالحضور الأمني المتعدد الكفاءات والاختصاصات في يوميات ومفردات العمل الوطني سيتقلص كثيرا هامش التهديدات مهما كان نوعها ومصدرها، ولكنها إذا وقعت سيكون ورائها أطراف داخلية متخصصة في "صناعة الخوف " وسيكون أثرها أكثر ازعاجا وأشد تأثيرا حيث تتخفى وراء نشر الخوف وتسريب إشاعات،وخلق أجواء الشك  ووضع الشأن العام تحت الضغط  بدعوى وجود خطر على البلاد ومصلحة الوطن، إنها ثقافة الخوف التي تبثها ذات الأطراف ثم تزعم  أنها تنبري للتصدى له، ولكنها في الحقيقة أعطت بذلك للأمن حق التدخل عمدا في السياسة طالما أن الأمر قد امتد إلى تهديد الأمن الوطني فتكون بصدد تشكيل الظروف المتشنجة التي تهيئ بسهولة المبررات التي ستبدو حينها موضوعية لوقوع المواجهات العنيفة  التي تهدف في الحقيقة منذ البداية إلى تسويق القضية دوليا بعد تصوير الوضع الداخلي على أنه يتعلق بأزمة سياسية بين نظام الحكم وبين أقلية في حالة خطر،لذلك يمكن إذا استمرت الأزمة أن تحمل تطوراتها مؤشرات البداية على رحيل النظام القائم، وغالبا ما ستكون الظروف السياسية مهيأة في حقيقتها لاستحضار قيم احتضنتها المعارضة السياسية زمنا وستكون المناسبة إذا استمرت فرصة لنفض الغبار عن ما يكتنفه واقعهم من حقيقة تاريخية تعرضت زمنا للتهميش القصري والتشويه العمدي بغرض الإساءة وبهدف الإقصاء التاريخي .

في واقع حياة الأمم " قنابل موقوتة " هي جملة من القضايا الخلافية ذات بعد إيديولوجي تم صرف النظر عنها وتغييبها عن شريحة واسعة من الرأي العام أملا في نسيانها ولكنها تجد في عمق امتداداتها الشعبية عونا لبقاء جذوتها ملتهبة تنتظر الوقت المناسب للانفجار، إنه الظلم السياسي القاسي الذي يقود إلى المتاعب،والأقسى منه الظلم التاريخي الذي يقود إلى السقوط الحر في الدرس المر.

***

بقلم: صبحة بغورة

نتيناهو يميني متطرف تتحكم في سلوكه عقدتان: كرهه للعرب كشعب وكرهه للاسلام كعقيدة قائم على تعصب عدواني صهيوني وليس يهودي.

والعقدة الأخطر في نتيناهو أنه مصاب بـ (حول عقلي) يرى في اليهود أنهم افضل من العرب، ويرى في الدين اليهودي أنه افضل من الدين الأسلامي..يضخم ايجابيات اليهود ويغمض عينه عن سلبياتهم، ويضخم سلبيات العرب ويغمض عينه عن ايجابياتهم، ويرى ان مشاكل الشرق الأوسط سببها الدول العربية مع ان اسرائيل كدولة شريك فيها.

ونتيناهو مصاب بالنرجسية، يرى انه السياسي العبقري الوحيد في اسرائيل .وهو براغماتي..بمعنى انه لا يلتزم بمباديء او عقيدة او ايديولوجية او اخلاق، بل يعمل بما يخدم مصالحه الشخصية وبقاءه في السلطة.

ونتيناهو يمثل انموذج (الميكافيللي) في العصر الحديث..الذي يعرف كيف يوظف المكر والخداع بمهارة(وفهلوة) في السياسة، ويجسد (بشيطنة حداثوية!) ما اوصى به ميكافيلي بان يكون الحاكم :

غدّارا اذا وجد أن محافظته على العهد لا تعود عليه بالفائدة، وأن يكون دعيّا ومرائيا، وأن يجمع بين خداع الثعلب ومكر الذئب وضراوة الأسد، وأن لا يخجل في اختيار أي أسلوب مهما تدّنى لتحقيق أهدافه وطموحاته، وأن لا يتقيد بالمحاذير الأخلاقية التقليدية لتحقيق مبتغاه، وأن يتقن الكذب والمراوغة ليحقق مآربه بأية وسيلة ملتوية، وان يوظّف الدين لخدمة بقائه في السلطة لا لخدمة الفضيلة والاخلاق.

المفارقة.. ان معظم حكام العرب المعاصرين يشبهون نتيناهو في تجسيده لوصية ميكافيللي!

***

أ.د. قاسم حسين صالح

آن الآوان للعرب والمسلمين ان يعلموا ان اسلامهم اليوم بتشريعاته الفقهية المتعددة وبمذاهبه المختلفة هو ليس اسلام محمد الصحيح، بل اسلام الفقهاء وما اضافوا عليه من تشريعات سلطوية، لذا على المسلمين ان يطالبوا بألغاء الحديث المنقول الذي جاء منتحلاً من فقهاء العباسيين على عهدي البويهيين والسلجوقيين، والتفسير الفقهي القديم الذي لم يواكب تطور اللغة العربية ومعاني الكلمات، واستبداله بتفسير علمي جديد، لكي يتوافق مع القاعدة العلمية التي تقول "الحجة بالدليل" والا ستبقى الامة خارج التاريخ.

ثلاثة مراكز دينية حطمت مستقبل الوطن العربي الحضاري وأرجعته الف سنة الى الوراء، لا بل حددت مستقبل تقدمه الأنساني، نتيجة تخلفها الفكري والحفاظ على مصالحها الذاتية، وأصرارها على عدم تفسير النص الديني تفسيرا يتماشى مع صيرورة التاريخ، واصرارها على القديم الذي أكل عليه الزمن وشرب، والمراكز: هي مؤسسة الازهر في مصر، والمرجعية الدينية في العراق، ومركز الزيتونة في تونس، لأصرارها على أعتماد مناهج التفسيرالقديم للنص المقدس دون تغيير في التطبيق،

في العراق تحكمهم مرجعية دينية صنمية ميتة من زمن لا تهش ولا تنش ونتحداهم ان عرضوها لنا في مقابلة تلفزيونية لتتكلم مع المجتمع ولو بكلمة واحدة ولاغير"لأنها ماتت من زمن بعيد" والتي تدعي ان الدولة ملكا لها ومواردها سائبة لا صاحب لها الا، هم، لذا سكتت عن اصدارمجلس النواب لقوانين باطلة نهبت اموال الدولة (قوانين رفحا المنتحلة، والمحاصصة الباطلة، واحتكار السلطة نموذجاً) وغيرها كثير، وفي الازهر أعتمدوا البخاري ومسلم وبقية المحدثين الوهم، الذين جاؤا بأحاديث سلطوية ما انزل الله بها من سلطان في تأييد مرجعيات الفقه المخترع منهم، كما في أحاديث بحار الأنوارالملفقة، وفي الزيتونة طبقوا اقوال السلف الوهمية وكتاباتهم ولاغير، لذا طالب السيد الحبيب بورقيبة بتغيير مناهج التدريس وحقوق المرأة، فنجح في الثاني وتوقف في الاول، ولا زال المنهج كما هو دون تغيير،

نعم، عند العرب والمسلمين هذا هو ما كان ولا زال فينا يعرقل حركة تطورالتاريخ والتغيير، منذ أكثر من 1400 سنة جاء الاسلام لينقذ الامة من تخلف القبيلة في الحقوق ويعيدها الى الوحدة "هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون"، لكنه فشل فشلا ذريعا في تطبيق الوحدة والحقوق، فلم ينتج أسلامنا لا حضارة ولا وحدة ولا حقوق سوى السيف والنطع لنستعبد الشعوب بالغزوات التي سميناها فتوح، ابتداءً بمقاومة من اراد الشورى فسميناهم مرتدين فحاربناهم بالسيف، واعتدينا حتى على نسائهم باعتبارها غنائم وهم من المسلمين "مالك بن نويرة التميمي وزوجته ليلى العامرية ".ومن هنا بدأت القصة المآساوية التي حولها المؤرخون الى شريعة فتوح،

وما هي بشريعة ولا فتوح، فقد اكمل الله الدين، واتم النعمة، بأختتام النبوة وان الانسانية قد بلغت سن الرشد بمرحلة تحمل الاعباء فليس لاحد كائن من كان تنصيب نفسه حاكما عليها الا بموافقة شورى المسلمين، وهذا لم يحصل ابداً.

وحين فشلنا اخترعنا لأنفسنا حضارة واهية سميناها الحضارة الاسلامية ونسينا نشر الدين بقوة السيف وفتوحات الغاصبين للمال والجنس الذي لايتفق والنص المقدس المكين "لكم دينكم ولي دين"، وأدخلناه في مناهج التدريس لنضفي على الطالب تخريفات مرجعيات الدين الباطلة من احتقار لحقوق المرأة والعادات والتقاليد في العبادات دون تأصيل والنص يقول "اناخلقناكم من نفسٍ واحدةٍ " اي لكم نفس الحقوق والواجبات دون تفريق.لكنهم جاؤونا بامنيات الجنة للمتقين الفاسدين والخوف من النار للقائلين بضرورة التطبيق، والولوغ في الجنس وما ملكت ايمانهم في الزنى دون، شروط التحصين، فكان شعارهم (المؤمن والكافر، المؤمن له كل الحقوق والكافر عبدُ بلا حقوق"، ولاندري من هم؟.

وكأن الحياة في نظرهم هي فقط انتظار لما بعدد الموت وحسابات المقصرين،لكنها لم تصمد امام الحقيقة و التاريخ،، فخلال الزمن الطويل، علينا ان نعي حركة نهضة الزمان، اين عقل الدين اذن؟. فكر الانسان هو الذي أنشأ العقل والعاطفة معا وحضارة سومروقوانين حمورابي والفراعنة وبردياتهم والصينيين وما تركوا من قوانين، ونحن لا زلنا الى اليوم نشهد الصراع المرير بين العاطفة والعقل بأستمرار دون تأصيل.مع كل هذا التطور ظل العقل العربي عاطفي النزعة لاهيا بالجنس والحلال والحرام، والشريعة والتشريع منهم وكل تخاريف رجال الدين الذين يرون انفسهم فوق الاخرين، حتى عدوا ان موارد الدولة ملك سائب لهم دون القوانين، والسلطة والحقوق لهم دون الاخرين.

الشعوب التي ركزت على العقل هي التي فازت وتقدمت، والشعوب التي تبنت العاطفة هي التي فشلت وتدهورت،لكنها نجحت في التغلب على العقل كما عند رجال الدين الذين حولوا الحقيقة الدينية الى أقاويل عاطفية لكسب السلطة والمال دون تفكير"دولة الدين الفاسدة في عراق العراقيين اليوم مثالاً"، فظلت التقاليد الدينية هي الامل في الصلاح مبنية على الظن والوهم ورصاصة المتعصبين، وحين ظلت العاطفة تنتصر على العقل عند المسلمين وتذللهاُ لصالحها،لم تنتج لنا سوى جمود المنطق والأقاويل، وهذا ما وصلنا اليه اليوم في اعتماد نظريات الدعاء وليلة الجمعة وتخاريف الشيخ المفيد وابن تيمية وغيرهم كثير، وتقديس الاضاريح والموتى وزيارات الاربعين وما يسمونهم بالصالحين. أما أحرار.

النهضة الفكرية لن يسمحوا لها ان تنشط وتحرر الاذهان من عقالها فبقي النص يفسر دون تأويل، ودون النظر في صيرورة التاريخ والنظر في شئون الكون على اساس من الفكر غير المقيد، والعقل المتطلع المتعطش الى المعرفة الكلية، وعلى اساس من البحث العلمي والتجربة التي هي اصل كل كشف صحيح، وحتى لو ان من يمارسون البحث العلمي قليلين، لكن الذين وصلوا اليه ابهروا عقول اهل هذا الزمان ونبهوا الى ما لم يكن في الحسبان، فالوصول الى الهدف يتحقق بخطوة، لا بتهريج المؤذنين ولا زالوا الى اليوم مصرين على تطبيق الخطأ بقوة السيف لا المنطق الفلسفي في التصحيح.

لفظة العلم تحتاج منا الى تحديد، لا، ان نسمي فقهاء التخريف الديني بالعلماء (فنادوها بمجمعات العلماء زيفا على التاريخ) كما نجد في كتاباتنا وكتبنا كلاما لا ينتهي عن العلم والعلماء حتى قالوا لنا: "العلماء هم ورثة الانبياء" علما ان علومهم التي ينادون بها علوما لا تقتصر الا على علوم الدين من قرآن وتفسير وحديث وفقه طبعوها في مجلدات مزركشة ووضعوها خلفهم للتباهي بها لا تقرأ، ظناً منهم ان الانصراف الى دراسة ما سوى ذلك انما هو مضيعة للوقت وصرف الانسان عن عبادة الله، وهم مخطئون.

لقد اثبتت الدراسات البحثية اليوم ان العلم الطبيعي هو قاعدة العلوم في دراسة مظاهر الكون وما فيه من ابتكارات تتماشى مع تطور التاريخ على الارض، وهو الذي يفتح لنا كل مظاهر الكون الجديد لكونه يقوم على حقائق ملموسة لا تخمين وتخريف يمكن ادراكها بالحواس والتجربة العلمية الفعلية.فكل معرفة لا تقوم على تجربة علمية فهي ليست علماً، فارتقاء العلوم تقوم على تحليل المواهب الذهنية والفوائد التي يجنيها الانسان من علمه على الارض، لان التجربة هي اصل كل علم مبتكر حديث.ومالم يتقدم التعليم ضمن علم الفلسفة ام المعرفة والعلوم، ويتخلص من خرافات مؤسسة الدين ويكون على راسه العلماء لا المخرفين الذين ينكرون حتى علم الفلسفة في التحديث، لن يكون هناك تقدم او تحرير للعقول الى افاق الابتكار والتجديد، وهنا نحن علينا ان ننقض افكار افلاطون التي تدعي الوصول الى حقائق الاشياعن طريق المنطق وحده، وننقض الفكر الديني الذي يدعي الايحاء الظني دون دليل.

لم تتغير الحالة العلمية المعتمدة على المنطق الارسطاليسي وأباء الكنيسة في اوربا الا بعد فصل الدين عن السياسة واستخدام منطق العلم لفرنسيس بيكون المعتمد على العلم الطبيعي، الذي اعتبره قاعدة العلوم التي صنف فيها العلوم تصنيفا قائما على تحليل المواهب الذهنية القائمة على التجربة، فتقدم التعليم ومهد الطريق "لديكارت وباسكال في القرن السابع عشر الميلادي " الذين انهوا اسطورة الفكر العلمي القديم القائم على تفسيرات الكنيسة في التطبيق.وبذلك خطوا الخطوة الاولى الى الامام في دراسة العلوم كالرياضيات والفيزياء وغيرهما فقامت عليهما معظم نظريات التقدم والتحديث، الذي سخروه لخدمة المال والسلطة والانسان عن طريق الربط بين العقل والتفكيرالذي خدم تقدم المجتمع، وبذلك نقل مركز الثقل في العلم من الخيال الكنسي الى الواقع التجريبي اي من النظري الى العملي، ونحن الى اليوم لازلنا الى الوراء در.

هنا ظهرت المطالبات بأن يكون الجزاء على المنجزالعلمي على قدر المواهب والجهد المبذول، لا قتل العلماء والباحثين (هشام الهاشمي مثالاً) كما حصل في فكر الاسلاميين ظنا منهم بانهم سوف يبتعدون عن النص الديني القديم فتخسر الفئة المتخلفة مراكزها في التثبيت، وكذلك اهتموا بالعلم والخبرة في العمل وادوات التطوير، وان تكون للانسان حرية التصرف وان يكون آمناعلى نفسه وماله وثمرة عمله فتحول التفكير الى الفكر الاقتصادي النافع للجميع، وليس على حتىميات التفكير القديم المبني على الحسب والنسب والحق الموروث الذي بقينا نحن العرب والمسلمين نعايشه الى اليوم.

حتى تحول المجتمع عندهم الى قوة اوقفت الظلم وردت السلطة عن هواها.وبذلك اصبح الفرد المجتمعي عندهم محترما ومترفعا عن الكذب والفساد والدنية فنمى الوعي الخلقي بعد ان حولوه الى مناهج التدريس فنشأ القانون الجديد القائم على عقيدة التقدم، من هنا الغي فكر العصر القديم وتحدد موقف الكنيسة من الاعتراض فتحول المجتمع الى التقدم الحقيقي في التطبيق.

والذي زاد في تقدمهم هو ظهورالنخبة القائدة الملتزمة في المعايير والمقتدرة في القيادة لحفظ حقوق الجماهير، وهذا ما افتقدناه نحن امة الاسلام في الوفاء للقانون والمعايير وللمخلصين لها عبر الزمن الطويل، فلم نصل الى مرحلة الطموح والاخلاص للوطن، بعد ان جعلنا الحياة تتمثل في يوم القيامة وطموحات السلطة ونهب اموالها ليترفعوا عن بقية المسلمين، ولا اعتراض عليهم من مرجعيات الدين، لا بل هي ساهمت في التخريب، فبقينا خارج التاريخ،فلكل طموح حدود، ولكل توسع مدى.فأين نحن منهما اليوم،

هكذا، ظلت امة العرب والاسلام لاهية بترهات افكار مرجعيات الدين، والخلافات بين رجال حكم الصدفة والقتال المستمر بينهم وكل منهم يريد اسقاط الاخر، وفي التطبيق يتراجع عن وعود القسم واليمين حينما يملك السلطة والمال كما نرى اليوم في كيفية التمسك بالسلطة والاستبدادفي الحكم بالعنف والقهرفي مجتمعنا العراقي الخائب في التطبيق، ومحنة الفلسطينيين اليوم جعلتهم حيارى لا يدرون ما يفعلون من واجبات الدين فأنظر الحاكمين اليوم لو بقوا الف سنة ماذا سيحدث لهم، و لن يسمحوا بالتغيير.

لقد حان الوقت للتخلي عن التعصب الديني والمذهبي والقومي الباطل، لذا يجب الاعتراف بان الحقيقة الدينية تتغير وتتطور وليست هي مطلقة ومنقوشة فوق حجر، وان التطور هو ثورة لها اساليبها التي ترتبط بتوفر القيادات المخلصة المستقلة والاهداف الواضحة والبناء الوطني السليم، ساعتها تتحقق معجزة التقدم في الوطن، فمن حكم العدل وصل، ومن خانه سقط،

ايها الحاكمون انقدوا انفسكم من هذا التصرف الخاطىء، فالنقد اساس التقدم، ونقد الدين وتوجهاتكم التي عفا عليها الزمن اساس كل نقد، ان أهم اسباب الفشل عندكم هو، عدم الاعتراف بالخطأ، او الاعتراف به دون تطبيق، الدنيا تغيرت فمن لا يتبصر يتخلف وينتهي الى ابد الابدين، كما انتهت امة العرب والاسلام اليوم وأصبحت خلف مذلة المتقدمين.

علينا اليوم ان ندق ناقوس الخطر، ونبتعد عن الملهيات والمغريات لنصحح ما يحتاج الى تصحيح، وتصفية ما يحتاج الى تصفية، فالزمن يجري دون تحديد.وجهة نظر نعرضها للحاكمين الذي الهتهم تجارتهم بالخطأ دون عقل مكين. أعترفوا بالحقيقة فالاعتراف بها هو ضمان النجاح للوطن والحاكمين؟.

مستعدون للحوار.

***

د.عبد الجبار العبيدي

استهداف المدنيين محظورا بموجب القانون الدولي، واستهداف المستشفيات المدنية محظورا أيضا وفق المادة 18 من قانون جنيف الرابعة لعام 1949، بل يتوجب على أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات، لكن هل تحترم إسرائيل القانون الدولي وحرمة المستشفيات والمنشآت المدنية؟.

للأسف ففي الساعة السابعة وتسع وخمسون دقيقة بتوقيت غزة .. السابع عشر من أكتوبر – تشرين الأول عام 2023 .. المكان مستشفيي المعمداني أو المستشفى الأهلي العربي أو سمه كما شئت.. لحظة حبس العالم أنفاسه لدقيقة ليستوعب ما جرى .. الساعة الثامنة بتوقيت غزة الكل فتح أعينه على مئات الضحايا، والسبب غارة إسرائيلية لم تترك جريحا أو مسعفا أو حتى طبيبا كانوا يريدون قمة في عمان علها تعيد للعالم بعض الصواب بعد كل هذا الجنون، فقررت إسرائيل إعادة الجميع للقاع .

بدوره، أكد رئيس مكتب الاعلام الحكومي في غزة سلامة معروف أن مجزرة المستشفى المعمداني التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي تعدّ مجزرة القرن الواحد والعشرين، وهي امتداد لجرائمه منذ نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948م، موضحا أنه حتى هذه اللحظة هناك انتشال لأشلاء من موقع مجزرة المستشفى المعمداني التي تعمّد الاحتلال استهدافها بشكل مباشر والمدنيين النازحين إليها منتهكاً كل الأعراف والقوانين الدولية وما يسمى أخلاق الحرب.

ووصف معروف أن ما جرى هي محرقة إسرائيلية في تعمد إسرائيل واضح لقتل المدنيين من الأطفال والنساء والأطقم الطبية والصحفية، لافتا إلى أن هذه الجريمة تثبت للعالم أن الاحتلال لن يتوقف عن القتل والدمار، ولا زالت شهيته مفتوحة لمزيد من المجازر، دون خشية من عقاب أو محاسبة أو لوم، بعدما لم يستطع العالم حتى فرض ممرا إنسانيا لإدخال الحاجيات الأساسية من دواء وغذاء ووقود إلى غزة لمواجهة النكبة الإنسانية والعدوان المتواصل.

طائرة جو بايدن التي كان خط سيرها واشنطن – عمان، جرى بمسارها بعض التغيير، وطائرة محمود عباس التي أقلعت إلى عمان استدارت وعادت إلى رام الله، وطائرة السيسي التي كان من المقرر لها أن تغادر القاهرة إلى عمان لم تقلع أصلا .

فما بين لحظة الإعلان عما كان يروج له إعلاميا أنها قمة رباعية ولحظة لإلغائها من الأربعة كافة جرت جريمة يندي لها جبين الإنسانية، فبعد أن مضت على حرب إسرائيل على قطاع غزة عشرة أيام، قرر الجيش الذي يطلق على نفسه اسم جيش الدفاع أن يوجه أكثر الضربات إيلاما، ليس لمن يقول أنه يقاتلهم أي المقاومة المسلحة، وإنما لمن يقتلهم طوال الحرب أي أهل غزة، واختار لجريمته هذه مكانا يصلح رسالة إسرائيل .

مستشفى وإن اختلفوا على تسميته كما ذكرنا، إلا أن هذا المستشفى لم يعد موجودا، لا هو ولا من فيه من جرحى ومصابين ومرضى وممرضين وأطباء، فالجميع توفي إلى رحمة الله، والجميع تحول إلى ذكرى، وكل هذا جرى في أقل من دقيقة، وهي المسافة التي يقاس بها عمر الغارة الإسرائيلية على هدفها، وسريعا بدأت تخرج الأرقام، أدناها 600، ووصلت إلى في مزاد المفقودين إلى أكثر من 1000، وجميعهم كما ذكرنا لا توجد لهم علاقة بمسلحين وليسوا قادرين أصلا على حمل السلاح، وما جرى بعد ذلك لم يكن كما كان قبله،فجاءت إلى الردود من الشارع العربي في الضفة .

المظاهرات عمت مدن العرب، ففي عمان حاصر الغاضبون سفارة تل أبيب الفارغة، وفي مدينة أخرى شمال الأردن خرج المتظاهرون مطالبين بفتح الحدود . أما في الضفة خرجت مظاهرات في القدس والخليل، وفي الكويت جرت وقفة هناك، وفي تونس خرج شلال من الغاضبين نحو الشوارع، والمغرب كذلك، وحتى موريتانيا وليبيا واليمن والعراق ولبنان، وكذلك الحال في مصر، والغضب لم يقتصر على العرب، ففي إسطنبول التركية وقف المتظاهرون لساعات، وفي ماليزيا وباكستان وإيران، وكذلك كندا إضافة إلى مدن أوروبية متفرقة، وهذا عن المواقف الشعبية .

أما المواقف الدولية فبغير الشجب والتنديد الذي لا يستحق الذكر أصلا، كان الحدث الأبرز عقد في جدة لوزراء الخارجية لمنظمة التعاون الإسلامي للتعبير عن استنكارهم الشديد ربما وربما لذر الرماد بالعيون . هذا بالإضافة إلى إلغاء قمة رباعية كانت ستجري في الأردن، وتضم كلا من العاهل الأردني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والفلسطيني، بالإضافة للرئيس الأمريكي جو بايدن، وفي أسباب إلغائها قيل الكثير، فالأمريكيون قالوا أن القمة ألغيت لمخاوف أمنية وبالتنسيق مع عمان . أما الرئيس الفلسطيني فقال أنه عاد ليشارك شعبه الحزن على المصاب، والسيسي خرج في اليوم التالي ليتلوا ما عُد تصريحاته تستحق التوقف عندها وإن بدت لا علاقة لها لما جرى في المستشفى المعمداني، لكنها ترتكز عليه، وهي قضية التهجير التي الآن أكثر وضوحا مما سبق، والسيسي بتصريحات هذه أستبق مؤتمر بايدن ونتنياهو بدقائق، وهذا مؤشر على أنه أراد إيصال رسائل لهما ردا على رسائل إسرائيل في قصف المستشفى .

ودعونا نشرح الأمر بطريقة أكثر وضوحا، فمنذ شنت تل أبيب حربها الأخيرة  هذه على غزة، وهي تضع نصب عينها هدفا واحدا لا ثاني له، وبالتأكيد ليس القضاء على المقاومة، وإنما هو تهجير الفلسطينيين من القطاع، وحددت لهم وجهتهم إلى مصر، ولكن الفلسطينيون قالوا لن نعيد النكبة من جديد، فأمعنت إسرائيل فيهم القتل والترهيب لإجبارهم على النزوح، وسقط أكثر من 2000 في صفوف الغزاويين واستمروا، فجاءت ضربة المستشفى لكي تضاعف لهم الأرقام بسرعة، ولتريهم أن إسرائيل ما زالت تمتلك من الوحشية المزيد، ففهم الجميع أن تل أبيب لا تراجع ولا استسلام عن خطة التهجير حتى لو ارتكبت من الفظائع ما ليس فقط يندي جبين الإنسانية برمتها في ضميرها وكرامتها .

لذا خرج السيسي للقول أن صحراء سيناء غير متاحة لاستقبال أحد، وإذا كانت إسرائيل تريد تهجير أحد، فصحراء النقب أكثر ملائمة، وقال ليست مصر التي تقبل تصفية القضية الفلسطينية، وهو موقف استبقته الأردن باجتماع ملكها قبل يوم من تصريحات السيسي مع قادة جيشه جين قال أن التهجير خط أحمر، فمعلوم خط نتنياهو التي وقف قبل أشهر بالأمم المتحدة يتحدث عنها وعن دولة يهودية على كامل حدود فلسطين، والعرب الآن لا يريدون تكرار نكبة ونكسة أفقدت الفلسطينيين أكثر من ثلثي مساحة دولته، وهذا الموقف ذاته كان عباس قاله في خطاب ليلي بعد حادثة المستشفى بأن الفلسطينيين لن يهجروا من جديد إذا هي مسألة تهجير، وعلى ما يبدو  أمريكا قد أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذها حتى لو كان ذلك على حساب ألاف الضحايا من الفلسطينيين، وعلى ذكر أمريكا رئيسها الذي انحرف مسار طائرته من عمان ليحط في تل أبيب في أول تعليق له على تدمير المستشفى الذي يعتبر تابعا لمؤسسة كنسية، قال إن الطرف الآخر قاصدا الفصائل الفلسطينية هم من ارتكبوا هذه الجريمة، متحديا بذلك الواقع والمنطق، ومشاركا الرواية الإسرائيلية التي سعت لتصديرها للعالم، فليس مهما لدى عجوز البيت الأبيض من مات وقتل، والمهم ألا تُسأل إسرائيل عن ذلك، وهذا هو الدور الأمريكي الآن بكامل غطرسته وبطشه ووجهه الحقيقي الذي كشفه دون أن يبالي بحقوق ووجهات نظر واحد، والعالم لا يملك ألا أن يسير خلف واشنطن أو يغمض عينيه لتصبح الكرة في ملعب الفلسطينيين والعرب، فإما أن يقبل بتصفية القضية أو يقبلوا بأفعال إسرائيل أو يكون لهم موقف، ولا يحك جلدك إلا ظفرك كما يقال، فحتى إيران التي بنت مشروعيتها في العالم العربي على عداء إسرائيل ودعم فلسطين لم تحرك ساكنا حتى الآن ومعها محورها بأكمله، ولم تصدر منها سوى الوعود والتهديدان، فما عسى العرب أن يفعلوا.. وللحديث بقية .

***

د. محمود محمد علي

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة أسيوط

..............................

المراجع

1- قناة ستيب: مستشفى المعمداني.. كل شيء بعد ذلك تغيّر..يوتيوب.

2- أجمد جمعة: مجزرة مستشفى المعمداني أبشعها.. مذابح بشعة ارتكبها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين.. اليوم السابع.

"موت إنسان واحد هو مأساة كبرى، وموت الملايين مجرد إحصائيات"  ستالين

(ماذا تريدُ؟

سيادةً فوق الرَمَادِ؟

وأنت سَيَّدُ رُوحِنَا يا سَيِّد الكينونّةٍ المتحوِّلّهْ

فاذهب..

فليسَ لك المكانُ ولا العروش / المزبَلَهْ )  محمود درويش

من يكنس من؟ المقاومة أم الاحتلال؟  .. هذا السؤال المشاغب المأزوم يقلب الرأي العربي، ويقسمه إلى نصفين ، وقد ملأت أقاصيه الآفاق والتوقعات منذ غزوة القسام الفلسطينية الأخيرة، كما لو أنها مراهنة وجودية ستحسم انتهاء جولات السجن الكبير الذي تقبع فيه قرابة المليوني غزاوي فلسطيني، منذ سبعين عاما ونيف ؟.

لا حديث على الساحة الإعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي اليوم، سوى عن حرب التحرير الفلسطينية، ومواجهة القرن بين حماس المقاومة مفردة، وإسرائيل، ومن ورائها الغرب كله، متوشحا بالعمة الأمريكية الكبرى ؟.

المحللون يقدمون نظريات الحروب، واستراتيجيات المواجهة، ومفاعيل التسليح والتخطيط والقابليات النفسية والتدريبية وسرعة الأداء ودقة الأهداف .. إلخ، ومعهم، من يلف لفهم من خبراء الميدان العسكري وتكنولوجيا التسلح ومنظرو علوم الفضاء والفيزياء والذكاء الاصطناعي ..

لا وجود للعقل البرهاني ومنطق التدافع والحسم المعرفي. هناك فقط، عوازل لقيطة من التفريغ الهوائي، الذي يثير النقع بين رؤوس الأشهاد وحلفاء الفتنة. يتنابزون بالتأويلات والإحالات وتغليب العواطف، مع كثير من نسف حقائق التاريخ وترويع النفس البشرية وضميرها المغيب ؟.

ولا يتمنع المتهارشون هاهنا، من استعمال كل أدوات التشنيع والانتقام وتزييف الأخبار، من أجل الوصول إلى مرادهم. وقد عاشت الشعوب الحرة في العديد من مواقع الاحتجاج والشجب المقام على مقصلة الهيمنة الصهيونية الغاشمة، حالات من الانفصام والخضوع الأعمى لماكينة التضليل تلك، نذكر منها:

 ما قامت به هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) من تضليل للجمهور بشأن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في المملكة المتحدة، وذلك بعد أن وصف أحد مذيعيها المشاركين في المسيرات الداعمة لفلسطين بأنهم يدعمون حركة حماس.

 الممثلة الأميركية جيمي لي كيرتز، تكتب على حسابها الخاص عبر إنستغرام، بعد أن شاركت صورة لأطفال مروعين يترقبون سقوط صواريخ عليهم من السماء، أرفقتها بتعليق: "إرهاب من السماء" إلى جوار علم إسرائيل، تتراجع عن تعليقها بإزالة الصورة، بعدما نبّهها المتابعون إلى أن الجاني في الصورة هو دولة الاحتلال وأن الأطفال الذين يظهرون فيها هم أطفال غزة.

 هناك لجان إلكترونية تروج لمنشورات المشاهير في كندا والولايات المتحدة، الداعمة لإسرائيل بقوة، أغلبها مزيف بالكامل مثل الحديث عن قتل "حماس" 40 رضيعًا أو يعتمد على صورٍ تدين إسرائيل أصلًا، وهو ما تأكد فعلا حيث يوجد أكثر من 156,963 منشورًا يروّج للمعلومات المضللة المرتبطة بما يحصل في غزة، مع 3.9 مليار وصول محتمل لهذه المنشورات مع 98,946 حسابًا مشاركًا في حملة التضليل.

 هذا بالإضافة إلى حرب الإعلام الوسائطي، باستعمال جيش من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من مختلف العواصم الغربية، والتي تشيع بمختلف أساليب الحقارة والعهارة التكنولوجية الجديدة، عن طريق الذكاء الاصطناعي، تأسيس براديغمات تصور المجازر الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة ردًا على عملية طوفان الأقصى، ما هي إلا "مشاهد تمثيلية من محض الخيال"، وذلك في إطار الدعاية الإسرائيلية المستمرة.

هذا غيض من فيض فحسب. والأقسى في كل هذه الحسابات التي فضحتها الألاعيب الصفيقة وتطور أنساق تدمير غشها وإسفافها المبطن، هو الخروج الداعر المكشوف للفيف من المنتفعين والخراصين، من بنات العلمانية والفرانكوفونية، ومن يقبع في دهاليزهم وأسمالهم، ليعلنوا للعالم، دون حياء أو تردد، أنهم: "كلنا إسرائيليون"، وأن "المقاومة إرهاب"، و" أن القضية الفلسطينية قد اغتيلت بعد 7 أكتوبر"؟.

يرى المفّكر الأميركي ستيفن بيدل أن كلّ شيء في الحرب هو في"الكيف" أي كيف تستعمل ما لديك من وسائل، وبأيّة طريقة مُبتكرة لتحقيق الأهداف وخلق واقع استراتيجيّ جديد. وإذا كان القرن ال21 هو قرن نزع الغمامة أو السحابة  عن حقل المعركة لمعرفة أسرارها، وذلك بسبب التقدّم التكنولوجيّ، خاصة في المراقبة المستمرّة للعدو ولمسرح الحرب، فإن هذا التقدّم سيضرب حتماً عنصر المفاجأة.

هو الشيء نفسه، الذي يلزم المتصارعين في هذه الزمنية المرعبة، من الانتحال الأعمى للمعركة التي يكون فيها التطاحن مجالا "للتكييف"، ولابتكار الأفكار الصادمة، حتى لو كانت دماء المظلومين في الطرف المبادر هي الأجزى إيلاما وانسحاقا، .. والأقرب إلى استرداد المبادرة وحصد التفوق.

بيد أن الأسرار الكظيمة في هذه المعادلة الصعبة، لا تكاد ترى بالعين المجردة، ولا يلتقطها من يعتوره حجاب المناعة وقراءة تجارب الحضارات والحروب الثاوية.

وأغلب من يمشي في تينك السحابة، يعتقد أن القوة في ميدان الوغى، تصنعها حشود الكثرة وفلول الارتزاق، معززة بنظم تكنولوجية وصناعية عسكرية متطورة. غير أن ما تحتاجه كل هذه القوة والجبروت، أن تكون "القضية" عنوانا لحمل البندقية، وأصلا أصيلا في خريطة حربها وسيرورتها.

***

د. مصطَفَى غَلْمَان

الحديث السياسي مؤخرا عن الأمن في دول منطقة الشرق الأوسط تحديدا أصبح يتجاوز مجرد مسألة الأمن الوطني الذي يتعلق حسب المفهوم العسكري بقضايا الدفاع عن حدود الدولة أو الإستنفار لمقاومة تهديدات خارجية حاملة أهداف استعمارية أوتخفي وراءها نوايا توسعية بدعوى تعديل الحدود من خلال المطالبة بحقوق ترابية تاريخية، أو أن يتعلق الأمر بالانتصار لقضايا خاصة بكيانات تتمسك بحقها التاريخي في العيش داخل مناطق جغرافية محددة، كل ذلك أو بعضه تحول إلى قضية دفاع عن الوجود السياسي للدولة وعن أصالة شعبها الدالة على هويته وحضارته وثقافته المميزة مصدر إبداعه ورقيه الحضاري بكل ما تحمله هذه الأبعاد من دلالات وخصوصيات هي في حد ذاتها مقومات أساسية لكل أمة . إننا أمام مدخل آخر من مداخل فرض السيطرة الذي بات لا يهدد الأمن الوطني لدولة بعينها فحسب بقدر ما اتسع وأصبح يهدد بشكل جدي وخطير الأمن الإقليمي لمناطق تشمل دولا بكاملها خاصة إذا كانت تجمعها جملة من الخصائص المشتركة تميزها عن غيرها من الأمم مثل دول منطقة الشرق الأوسط، نحن أمام الحديث عن محاولات جديدة لفرض مظاهر مستحدثة من "الهيمنة الناعمة " التي بالرغم من تعدد مجالاتها وتنوع أساليبها إلا أنها تتقاسم هدفا واحدا وهو سلب إرادة الآخر سلبا تدريجيا وبكل طواعية منه للتمكن من احتوائه داخليا، الأمر أقرب إلى غزو غير معلن بمحاولات التقرب المغلفة بالمؤامرات المحبكة لإلغاء الشخصية من خلال المناورات المتعددة المجالات لتسويف مقومات هذه الشخصية تمهيدا لإضعاف قوى الأمة الداخلية الحية ومحاولة سلب سيادتها على مقدراتها لضمان ارتباطها المطلق عقائديا وثقافيا ومن ثمة تبعيتها تجاريا واقتصاديا، ثم ولائها سياسيا، ومن هنا تبرز أهمية التعرض لمفهوم الأمن الإقليمي من منطلق ارتباطه باعتبارات جوهرية في حياة الأمم وهي تحديد المصير والحق في الوجود.

يعتبر الغزو الثقافي من أبرز مظاهر الغزو غير المعلن وأخطرها الذي يسهل تمريره وإخفاء طبيعته المؤامراتية لأنه يستهدف من خلال أعمال أدبية تبدو خالصة ودراسات تاريخية في ظاهرها حيادية وتحليلات سياسية تدعي النزاهة المساس بالثالوثين المحيطين بحياة أي أمة، الثالوث الأول، مركزي وهو الذاكرة الجماعية، الرمز التاريخي،والوطن، بمعنى محاولة تسويف ماضي الأمة وطمس تراثها وأمجادها وتغييبه عن وعي النشء كمفتاح سحري لتقبل محاولات التشكيك لاحقا في صدق وإخلاص الشخصيات الوطنية وتشويه مواقفها التاريخية فتفقد هذه الشخصيات مفعول رمزيتها ويخفت تألقها الشعبي فلا تذكر حتى تنسى، ولا يبقى للوطن من ينتصر له بعدما يكون قد فقد المقومات الكفيلة بجعله البوتقة الجامعة لأبنائه تحت مظلة الهوية والأصالة، أما الثالوث الثاني فهو لامادي، وهمي، يتعلق غالبا بما جرى اعتبارها من المحرمات أو المحظورات وهي الدين،السياسة، والجنس، حيث الحديث عن هذه المسائل يجري من وراء الأقنعة وفي زوايا ضيقة ومعتمة، فبعدما تم احتكار الدين بين أيدي قلة متطرفة متأثرة بالتفكير المطلق وتدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، وبعدما أصبحت استراتيجيتها الإيديولوجية الإعلامية تعج بالتضليل وتزييف الحقائق وبالعنف الرمزي وترفض من يخالفها وتقصي من يعارضها وتقوم بالتصفية الجسدية لكل من يقف ضد نشر أفكارها، فقد بقيت الممارسة السياسية الفعلية بيد قلة نافذة تتمسك بالعلمانية وتسيطر على مراكز اتخاذ القرار، تؤمن بالتفكير النسبي كسبيل لتحقيق التوازنات الضرورية لضمان بقائها في السلطة، ثم أبانت تطورات الأوضاع السياسية أن بقاء أحدهما أصبح رهين زوال الآخر، فنشب الصراع المسلح وعانت الشعوب من ويلات النزاع الدامي الذي وضعت تطوراته المتسارعة أمن واستقرار البلاد على المحك، وعرض انتشاره الخطير سيادة الدول للزوال، وبقدر ديمومة المواجهة بين الفريقين بقدر ما ارتسمت ملامح نموذج الدولة الفاشلة ذات الهشاشة السياسية والتدهور الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي. والتردي الأخلاقي حيث تهتز القيم و المبادئ حتى يصبح الشك هو المسيطر في كل مجالات الحياة فتتعاظم فرص إضعاف الدولة وتزيد احتمالات تفككها وتتعدد سيناريوهات تقسيمها، إنها حالات واقعية نعيش مفرداتها في العديد من دولنا العربية ونتألم لها .

ونحاول من خلال الأفكار التالية أن نجتهد في تلمس معالم الطريق الذي يقودنا نحو تحقيق الأمن الإقليمي في دولنا النامية :

* لا سبيل للخروج من دوامة إضعاف سلطة قيادة الدول على شعوبها وحرمانها من استغلال مقدراتها سوى بجهد سياسي ــ أمني مشترك يترجم رؤية استراتيجية شاملة تضع مصلحة الشعوب هدفا أساسيا لها، ولا تثير المنافسة السلبية الساخنة بينها تلك المنافسة التي وإن لم تكن واضحة في ظاهر الأمر إلا أنها كانت لفترة غير قصيرة مجالا واسعا لترصد الأخطاء والعثرات والتشهير بها،ولطالما مثلت ثغرة في جدار دفاعاتنا لإشاعة الكره والبغضاء من أجل تحقيق هدف التفرقة.

* مسؤولية القيادات السياسية ثابتة ومؤكدة عن مستوى أداء أجهزة الدولة السياسية والدستورية والعسكرية وعن نتائج الجهود المبذولة من أجل إقامة دعائم العمل الوطني، وكل ضعف أو تراجع و تقصير سواء عن قصد أو بغير قصد هو في نهاية الأمر مسؤولية هذه القيادة وهي المسؤولة عن ما يترتب على فشلها من تبعات وهي التي يجب أن تتحمل نتائجه، ومجرد غض النظر عن هذا الاعتبار الهام يمكن أن يكون مدعاة غير مقبولة أن المسؤول عن الفشل يحسن صنعا.

* يؤدي الربط الوثيق بين تحقيق التنمية الاقتصادية بمفهوم التطوير الإداري والثقافي والاجتماعي، وبمفهوم الجودة الشاملة إلى تحقيق هدفي الانسجام العام لأنشطة الدولة، وانعكاس اثر جهودها بشكل مباشر وملموس على الحياة اليومية، ذلك أن من أثر هذا الربط الإجادة الكلية في توفير المتطلبات من خلال المشاركة والتمكين التي قد تضمن بدرجة كبيرة تحسين المواصفات الفنية للمنتجات وتخفيض التكلفة وزيادة الانتاجية، وهذا في حد ذاته من بواعث الفخر الوطني والاعتزاز الشعبي، وتعزيز روح الانتماء والولاء .

* قد تكون من أبرز الرواسب التي شكلتها المآسي الوطنية التي عرفتها المنطقة العربية خاصة ومازالت تحدث فعلها في بعض بلداننا العربية صعوبة عودة الوئام الوطني بين الفرقاء المتنازعين الذين ينتمون للبلد الواحد بعدما عانوا ويلات المواجهات المسلحة، أي وجود صعوبة في إعادة اللحمة الشعبية إلى سابق عهدها،إنها مسألة تتعلق بفتنة هددت بتفكك الوحدة الوطنية، وأصبحت عملية رأب صدعها العميق تتطلب توفر القدرة على تحمل عبء ومسؤولية بعث مشاعر الثقة وروح التسامح والاستعداد النفسي لفكرة المصالحة، ونبذ التحفظ المقيت المحبط لآمال أمة عندما تتطلع بكل الشغف للأمن والاستقرار، قد لا تكون الكلمات وحدها كافية لمثل هذا المسعى النبيل وإنما بالمزيد من العمل التضامني الوطني والتصور التشاركي الجاد .

من المعروف أنه لا حديث عن السياسة بعيدا عن الجغرافيا، وأن المنطقة العربية على وجه التحديد بخصائصها الثابتة و المتميزة من حيث التاريخ والموقع وعديد القواسم المشتركة يمكنها أن تتمتع بجاذبية سياسية عندما تمثل مجموعة متماسكة من دول مسالمة ذات قوة ردع تحمل رسالة أنها تعمل على موازنة القوى إقليميا ودوليا، ويمكنها أيضا أن تؤكد على لسان قياداتها السياسية والعسكرية أنها تتجاوز بنبل مقاصدها وسائل صناعة الخوف من تسريب الإشاعات، وتعمد خلق أجواء الشك والتوتر ووضع الشأن العام تحت الضغط، ونسج مؤامرات إثارة الفزاعة الأمنية، واختلاق الأزمات الاقتصادية، ونشر الفتنة الطائفية والنعرات العنصرية، وإحاطة المواطنين بالمشاكل الاجتماعية والتعقيدات الحياتية والبيروقراطية المعقدة، وأنها بهذا أرادت أن تقفز بإرادتها الحرة على مراحل الغيبوبة السياسية ومظاهر السبات الإعلامي.

إن أهمية الإدراك العميق بأن الثقافة السياسية والقوة العسكرية هما جناحا الأمة التي تحمي النفوس من التلوث ومن الرهاب الاجتماعي والترهيب السياسي إنما هما في حقيقة الأمر أيضا من أهم مقومات النجاح في تحقيق الأمن الوطني وهما من عوامل التميز الحضاري التي تتيح إمكانية حدوث الوقفة الحاسمة أمام التاريخ لتجديد العزم،حينها يمكن أن نلمس حكمة التطور السلمي عبر المراحل وفضائل الحوار والمشاورة.

هناك حاجة ملحة إلى اتباع نهج الواقعية السياسية في التعامل مع متغيرات الواقع الأمني وتقلبات ميزان القوة العسكرية سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، ولعل من أهم ما يمكن أن تشمله هذه الدعوة دراسة وبحث الجدوى السياسية من السياسات العسكرية المطبقة إن كانت مثلا محدودة التأثير أو منعدمة الوجود، أو موجهة للمواقف، والوقوف على مقدار الأثر الذي تحدثه في كل حالة وعلى مدى مناسبته للظروف المحيطة المعاشة من حيث حجم مساهمتها في تحقيق المصالح أو حجم الأضرار التي تحدثها أو ستحدثها في حالة الاستمرار في تطبيقها .

***

صبحة بغورة

حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بداية المنتدى الثالث لمبادرة الحزام والطريق الصينية (OBOR)، الذي عُقِدَ في الفترة من 17 إلى 18 أكتوبر 2023 في بكين، بدعوة من الزعيم الصيني شي جين بينغ خلال زيارته لموسكو في مارس 2023، وحضره أيضا  رئيسي كازاخستان وأوزبكستان قاسم جومارت توكاييف والزعيم الصربي شوكت ميرزيوييف، ومشاركة ألكسندر مشاركة فوتشيتش، ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، ورئيسي تشيلي وإندونيسيا غابرييل بوريتش وجوكو ويدودو، ورئيسي وزراء كمبوديا ولاوس هون مانيه، وسونيكساي سيفاندون، ورئيس وزراء باكستان أنور الحق كاكار، واعتبر المراقبون مشاركة الرئيس بوتين في المنتدى، الذي تعقده الصين كل عامين، فرصة جيدة للغاية لتبادل وجهات النظر حول جميع القضايا ذات الاهتمام.

وعشية اجتماعات بكين بين زعيمي روسيا والصين، لم تكن وسائل الإعلام الغربية خالية من الحذر بشأن المفاوضات الشخصية بين الرئيس بوتين والرئيس شي، وسلطت  شبكة "سي إن إن"، الضوء على سياق المحادثات الروسية الصينية رفيعة المستوى، والتي تجري على خلفية تصاعد خطوط الصدع الجيوسياسية في جميع أنحاء العالم - ليس فقط الصراع الأوكراني، ولكن أيضًا التصعيد في الشرق الأوسط بين " إسرائيل " وحركة حماس الفلسطينية، الأمر الذي يهدد بالتطور إلى حرب حقيقية، حيث انتقدت كل من بكين وموسكو تصرفات " إسرائيل "، ودعوا إلى وقف إطلاق النار، وهو أحدث مظهر للجهود التي تبذلها القوتان لتعزيز قيادتهما البديلة لقيادتها الولايات المتحدة في الدفاع عن حق "إسرائيل" في الانتقام.

وبالنسبة لروسيا، يأتي التعاون الثنائي مع الصين في المقام الأول من حيث الأهمية، وهو ما  أشار اليه  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مباحثات مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين، إلى أن حجم التجارة بين روسيا والصين سيتجاوز 200 مليار دولار حتى نهاية العام، لافتا في الوقت نفسه  إلى النجاحات الاقتصادية التي حققتها الصين، وقال إنه لا يوجد زعيم عالمي واحد يعرف بنسبة 100% كيف سيتم تحقيق ما يخطط له، لكن جمهورية الصين الشعبية تحقق ذلك بشكل جيد، في حين أكد شي أن حجم التجارة الثنائية سيصل إلى أرقام قياسية تاريخية هذا العام، مشيدا بالعلاقات السياسية بين روسيا والصين، وقال موجه حديثه لنظيره الروسي، انه  "يتم الحفاظ على التفاعل الاستراتيجي المكثف والفعال، فعلى مدى السنوات العشر الماضي عقدنا 42 اجتماعا وأقمنا علاقات عمل جيدة وصداقة شخصية قوية".

زيارة الرئيس بوتين الى بكين، جاءت لتأكيد الموقف الروسي الراسخ  وسعيها  مع الصين للتطور المستدام والرخاء الاجتماعي، وتمسّكهما بالتعاون المتكافئ وحق الدول في نهجها للتنمية، والتأكيد أيضا  ان مبادرة "حزام واحد، طريق واحد"، ستساعد في حل المشكلات الإقليمية والدولية المهمة والملحة، وأكد أن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية تتوافق مع الأفكار الروسية لخلق فضاء أوراسيا الكبير عبر تحقيق عمليات التكامل المختلفة.

وأشار الرئيس الروسي الى  استمرار مشروع ممر "شمال جنوب" للسكك الحديدية وطرق السيارات في الشطر الأوروبي من روسيا بين بحر البلطيق وجنوب البلاد وصولا إلى إيران، وانه ستظهر في روسيا العديد من خطوط السكك الحديدية الواعدة، إلى جانب المشاريع الأوراسية التي ستنشئ إطارا لوجستيا موحدا للنقل، حيث يتم بناء سكة حديدية تربط جمهورية ياقوتيا والشرق الأقصى الروسي وجسور عبر نهري لينا وآمور وتحديث الطرق السريعة، ودعا الرئيس الروسي في كلمته في المنتدى  الدول المهتمة للمشاركة في تطوير طريق الشمال البحري الذي سيربط العالم، وقال أن فتح طرق التجارة واللوجستية الدولية والإقليمية يعكس بشكل موضوعي التغيرات العميقة التي تحدث في الاقتصاد العالمي، والدور الجديد الذي تلعبه دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وكشف الرئيس الروسي  أن ملاحة السفن عبر الممر الشمالي ستكون ممكنة على مدار السنة منذ مطلع العام المقبل، ودعا بوتين الدول المهتمة للمشاركة في تطوير ممر الملاحة الشمالي، الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وقال: "فيما يتعلق بممر الملاحة الشمالي، فإن روسيا لا تقترح فقط الاستخدام الفعال لإمكانيات العبور هناك، بل ندعو الدول المهتمة للمشاركة المباشرة في تطوير هذا الممر"، في الوقت نفسه تعمل روسيا بخطى حثيثة على تطويره، حيث تواصل تصنيع عدد إضافي من كاسحات الجليد لمرافقة السفن التجارية، ورفد إلى أسطولها الأكبر عالميا من الكاسحات، وتخطط موسكو لاستخدام الممر لتصدير النفط والغاز، ومن المتوقع أن يصبح طريقا تجاريا رئيسيا بين أوروبا وآسيا، في حين أشار رئيس شركة "غازبروم" الروسية أليكسي ميللر، إلى  أن إمدادات الغاز عبر الأنابيب من روسيا إلى الصين ستصل قريبا إلى مستوى الإمدادات التي كانت موجهة إلى دول أوروبا الغربية .

كما أن المشاريع التي بدأتها بكين والتي تنطوي على مشاركة دول ثالثة تلعب أيضًا دورًا كبيرًا، في الوقت نفسه، لا تشارك روسيا حاليًا في مبادرة الحزام والطريق بشكل مباشر، وإذ يتم تنفيذ العمل في هذا المجال على أساس بيان مشترك للاتحاد الروسي والصين بشأن التعاون، لربط بناء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الحزام الاقتصادي لطريق الحرير بتاريخ 8 مايو 2015، وهذا اتجاه مهم لموسكو، حيث أن الرئيس بوتين، منذ توقيع البيان، أعلن مراراً وتكراراً عن نيته تشكيل شراكة أوروآسيوية كبيرة، بما في ذلك شبكة من اتفاقيات التجارة والاستثمار الدولية، ومساحة نقل مشتركة، وشبكة موحدة من النقل والمواصلات والممرات الاقتصادية ومناطق التنمية.

وكما هو معروف، فان الرئيس الأمريكي جو بايدن،كان  قد التقى مع الآسيويين في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بصيغة C5+1 من أجل توسيع التعاون في مجالات الأمن والاقتصاد والطاقة،    وبشكل عام، طالب بايدن الجميع بمغادرة روسيا، وأعرب الآسيويون عن استعدادهم لتسريع خلق "مناخ أعمال أكثر ملاءمة" للتجارة مع ممثلي القطاع الخاص الأمريكي وزيادة الاستثمار، وتحقيقا لهذه الغاية، فإنهم على استعداد “للعمل على إقامة علاقات تجارية طبيعية بشكل مستمر”، علاوة على ذلك، "توسيع طرق التجارة البديلة" وإقامة روابط جديدة بين رجال الأعمال في الولايات المتحدة وآسيا الوسطى.

ولأن الصين تعرف كيف تحسب المال، وهي مستعدة  لإنفاقها بشكل كبير على الشركاء فقط في حالة واحدة - عندما يكون ذلك مربحًا لها، وما إذا كان من المفيد له تعزيز روسيا بشكل كبير في المواجهة مع الولايات المتحدة،فقد ذهب بوتين إلى قمة مبادرة الحزام والطريق لإبلاغ شركائه الصينيين بأنه أصدر تعليماته للحكومة الروسية بتقديم مقترحات لتشكيل ممر نقل وسط أوراسيا عبر منغوليا وغرب الصين بحلول 15 فبراير 2024.

ان زيارة  الرئيس فلاديمير بوتين الحالية للصين هي أول زيارة خارجية يقوم بها زعيم روسي لحليفه  الأكثر أهمية وتأثيرا، وهو الرئيس الصيني شي جين بينغ، منذ بدء غزو أوكرانيا في فبراير 2022، ومدى أهمية زيادة صادرات الغاز الروسية إلى الصين بالنسبة لروسيا تؤكده حقيقة أن رئيسي شركتين روسيتين عملاقتين في مجال الطاقة كانا في قوام الوفد الروسي إلى الصين مع بوتين، وهما  أليكسي ميلر من شركة الغاز الروسية غازبروم وإيغور سيتشين، الذي يمثل روسنفت، ويهدف خط أنابيب الغاز "قوة سيبيريا - 2" الذي تم الإعلان عنه كثيرًا إلى التعويض في قدرته عن "نورد ستريم - 2" الذي لا يعمل أبدًا، وستصل الطاقة المخططة إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويا،  وقد ناقش القادة الروس بالفعل مسار خط أنابيب الغاز هذا مع ممثلي الصين ومنغوليا منذ عدة أشهر.

ولم يعد سرا    إن الأولوية بالنسبة لموسكو في رحلة بوتين الحالية إلى بكين،  هي الاتفاق على بناء خط أنابيب غاز جديد "قوة سيبيريا - 2"، فعلى الرغم من الاختناقات المحتملة، فإن المشروع سيحصل على الضوء الأخضر، لأنه مفيد لكل من روسيا والصين، ومن المفترض أن يربط خط أنابيب الغاز "باور أوف سيبيريا 2" حقول الغاز الغنية في شبه جزيرة يامال في غرب سيبيريا مع آسيا، ولأن شي جين بينغ،  كما قال الرئيس الروسي في حديثه لوسائل الاعلام الصينية، لا يزال يضع المصالح الجيوسياسية في المقام الأول، وليس المصالح الاقتصادية البحتة، وفي الواقع،  وبهذه الطريقة سيعوض الكرملين خسارة المبيعات في السوق الأوروبية.

كما ان تشكيلة الوفد الروسي كان  فيها انحياز واضح لقطاعي المال والطاقة في الاقتصاد، وأن جدول الأعمال كان  مرتبطا بالتعاون الثنائي في البنى التحتية المالية، وآليات التسوية وتوسيع العلاقات في قطاع الطاقة، من وجهة نظر كل من التسليم المباشر والتداول، وانه تم التوصل إلى بعض الاتفاقيات، لكن لم يتم الإعلان عنها علناً، لأنه في الوقت الحالي سيكون من قصر النظر تقديم للعالم بشكل علني أي اتفاقيات تجارية جدية في مثل هذه المجالات الحساسة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

دفاع الجيش العربي السوري عن بقاء الدولة السورية خلال أكثر من إثني عشر عاما في الحرب الكونية ضد سورية، وتجارب الشعوب الأخرى في نضالها للحفاظ على السيادة وحماية الوطن تثبت و في التاريخ ما يؤكد أن الأعداء سيذهبون إلى النفاق السياسي والإعلامي والكذب والدعاية التي لا أصل لها على أرض الواقع. إنّ للنفاق السياسي جذورا تاريخية  وصفحات مليئة بالأمثلة. ففي التاريخ القديم، حيث عرف العداء الدائم بين دولة روما ودولة قرطاج الفينيقية وقد جرت حروب وصدامات بين الدولتين وأشهرها حملة هاني بال على روما من خلال جبال جنوب أوروبا عام 218 قبل الميلاد، حيث انتصر هاني بال في معركته، وحاصر روما ذلك الحصار الشهير.أتهمت روما أعداءها في قرطاج بأنهم يقومون بوأد البنات بعد الولادة، وهذا ليس له أي علاقة بواقع العادات والتقاليد، بينما ذهبت أوروبا والغرب إلى  أتهام الجيش العربي السوري خلال دفاعه عن سيادة الوطن ووحدة ترابه /ووقوفه جدارا منيعا أمام تنظيمات داعش والنصرة وغيرها/ أتهموا هذا  الجيش باستعمال المواد الكيميائية وأعلنوا إتهاما مبنيا على أفلام قامت بفبركتها منظمة الخوذ البيضاء، التي تأسست برعاية وخبرة الإستخبارات البريطانية، ورعتها كلا الدولتين إسرائيل وتركيا.....

ألمانيا النازية في عدوانها على أراضي الإتحاد السوفييتي 1941 -1945   كانت تعلن ومن خلال مكاتبها الإعلامية بزاعة غوبلز أن ألمانيا صديقة لشعوب الإتحاد السوفييتي، وأنّ عدوها هو النظام الشيوعي الحاكم فقط، بينما كانت معسكرات النهاية والأسر مليئة بأبناء وبنات الإتحاد السوفييتي من روس وجورجيين وداغستانيين وتتر وأوزبيك وغيرهم إلى جانب أبناء فرنسا وغيرها من الشعوب الأوروبية. مقولة الغاية تبرر الواسطة مقولة جاءتنا من العالم الغربي. لا ننسى حملات الصليبيين على المشرق العربي 1095-1270 م التي كانت أسبابها المباشرة هي الترزق وإيجاد مصادر للعيش والثروة على حساب موارد الأخرين ودمائهم وأملاكهم.لذا بدأ رجال الكنيسة وكبار رجال الفلسفة والعلم بنشر أفكار حول إضطهاد مسيحيي المشرق العربي،  ونهب أرزاقهم والإعتداء على محاصيلهم ومواشيهم من قبل المسلمين في المشرق، إلى أن جُهزت الفرق والجيوش وتوجهت إلى أقاليم المشرق العربي وفي الطريق نحو الشرق تعرضت التجمعات اليهودية إلى الضرب والنهب والسلب قبل الوصول إلى المشرق. حدث ذلك كون العدو هو الإنسان إبن معتقد آخر وديانة أخرى.أقول ذلك كون المشرق العربي حينذاك كان أكثر تقدما، وأحسن حالا في قوته الإقتصادية والتقنية والعلمية.إن ما يتم التركيز عليه في النفاق المعاصر هو دع الكذبة تمشي، دعها تفعل فعلها، أما الإعتذار فلا يسمعه أو يعرفه أحد.  هكذا صرحت القوات الأمريكية – البريطانية  التي غزت العراق : أن الشعب العراقي هو شعب صديق للغرب، وأنّ الغرض من الغزو هو تخليص الشعب العراقي من حكم الطاغية صدام حسين!!! بينما منذ اللحظات الأولى لغياب الحكم المركزي في بغداد وعلى أعين الجنود الأمريكان نهبت المتاحف العراقية بموجوداتها التي لا مثيل لها، ونهبت مؤسسات الدولة، وعمت الفوضى مع إستثناء  وزارة النفط العراقية. القرار الأول الذي أصدره الحاكم العسكري بريمر كان حل الجيش العراقي وكل مؤسسة تابعة لهذا الجيش ترفع العلم العراقي، كل ذلك لإثبات المحبة تجاه الشعب العراقي.وفي ذات الوقت وضع الأمريكان خطة لإنهاء العلماء العراقيين جسديا.

كلنا نذكر حادثة سقوط طائرة بوينغ التابعة لشركة بان أميريكان عام 1988 المتوجهة نحو الغرب، سقوطها فوق ضيعة لوكربي،  وكيف استثمرت أمريكا وحلفاؤها في هذه الحادثة، ظهر الإتهام الموجه نحو نظام القذافي بعد عدة ساعات من سقوط الطائرة المنكوبة. بينما أسباب الحادث تكمن في خلاف داخلي بين عناصر من الإستخبارات الأمريكية يعملون  في المشرق العربي ، إذ أن جهة من هذه العناصر أرادت إنهاء عناصر جهة أخرى وتصفيتهم كي يحسم الأمر، وكان الحساب والخطة المعدة أن القنبلة المؤقتة يجب أن تنفجر بعد أن تقلع الطائرة وتصبح فوق المحيط، تأخر الطائرة على أرض المطار جعل الخطة فاشلة وانفجرت الطائرة قبل تجاوزها اليابسة، وسبب النزاع بين عناصر الإستخبارات الأمريكية هو أمر في تجارة المخدرات.

 نعود إلى سورية، تقوم أمريكا والغرب اليوم بإثارة موضوع المخدرات وبأن مصدرها سورية، في نفس الوقت تقوم أمريكا ويقوم الغرب جهارا نهارا بدعم الفرق والتنظيمات الخارجة عن القانون، التي ليست تحت سيطرة الدولة: من بقايا داعش، وبقايا النصرة... وغيرها من التنظيمات المتواجدة في منطقة التنف، ومناطق محاذية لسيطرة قسد، ومنطقة إدلب، ونحن نعرف كيف أن هذه المناطق تعتبرها أمريكا مناطق صديقة لقواعدها على الأراضي السورية، مصادر التمويل لدى بقايا التنظيمات الإرهابية في هذه المناطق لا تعتمد على المساعدات الواردة  من بعض الدول بما فيها أمريكا فقط، بل أيضا من إنتاج المخدرات. لو كان الغرب مجتمعا وأمريكا حريصين على منع تجارة المخدرات لكان من واجبهم التوقف عن دعم جهات خارجة عن القانون وعن سلطة الدولة المركزية وهذا الف باء العمل الأمني.

 في السابع من أكتوبر، بعد فشل إتفاقيات أوسلو وتحولها إلى تاريخ منسي، وبعد سخرية الحكومات الإسرائلية المتعاقبة من المبادرة العربية عام 2002  الصادرة عن قمة بيروت، وبعد عقود من التنكيل بالشعب الفلسطيني، ونهب الأراضي، واعتقال من هم في سن ما قبل سن المدرسة من الأطفال، مع إعتقال النساء والشيوخ وزجهم في السجون الإسرائيلية دون قرار من أي جهة لها صلة بالعدل، بعد كل أنواع القهر الممارس من قوى العدوان الصهيوني الدائم على الشعب الفلسطيني، وبعد النسيان  المقصود لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة  في قضية شعب فلسطين من قبل أمريكا والغرب .. بعد كل هذا قامت قوى حماس والجهاد الإسلامي يوم السابع من أكتوبر بالهجوم على فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي وحققت  هذه القوى  نجاحا باهرا في تحطيم قوة إسرائيلية مدججة بالعتاد والسلاح وأحدث الأدوات الإلكترونية ومحمية بالجدران العازلة والكاميرات وأجهزة الإنذار.

بغرض التغطية على هذه الهزيمة والفشل الكبير تقوم جهات إسرائيلية وجهة أمريكية  متحالفة مع الصهاينة تقومان بفبركة فيلم مليء بالصور البشعة عن قتل الأطفال والإعتداء على النساء والقاصرات والقصر ويصدّق العالم كله هذا الفيلم المفبرك مع العلم أنه لم يتم ذكر أي إسم، أو أي عنوان بيت، أو عنوان  شقة، أو رقم بيت، أوحارة، أو منزل، أو إسم  شارع، أو إسم أم مع طفلها. تلك هي صناعة الخبر الكاذب على مبدأ دع الكذبة تفعل فعلها، دعها تمر وتؤثر في وجدان وعقول الناس!! أما الإعتذار فلن يسمعه أحد. الحدث الأخير الذي يدمي القلوب هو قصف المشفى الأهلي الفلسطيني /بقنابل مدمرة أمريكية الصنع/، وقد ذهب ضحية هذا التفجير مئات الضحايا، إنه  فعل بربري  جديد يثبت جوهر الحركة  الصهيونية الهمجي الأسود.... الرحمة لأرواح شهداء فلسطين.    

***

بقلم الدكتور إسماعيل مكارم

أدانت الولايات المتحدة، اليوم، الهجوم الذي نفذته حركة "حماس" الفلسطينية ضد إسرائيل، والذي شمل إطلاق آلاف الصواريخ وتسلل عدد من عناصر المقاومة التابعة للحركة، تجاه المناطق الجنوبية لإسرائيل.

 ولكن في نظر الأمريكان الجيش الإسرائيلي يمتلك حوالى ٣٢٠٠ دبابه من أقوى وأحدث الدبابات في العالم، ويمتلك حوالي ١٩٦٠ طائرة من أقوى وأحدث الطائرات في العالم، ويمتلك اكثر من عشرة آلاف عربه مدرعه هي الأقوى والأحدث في العالم، ويمتلك عدد كبير من مدافع الميدان متعددة الأعيرة ذاتيه الحركة الأقوى والأحدث في العالم وكذلك عدد من منصات الصواريخ هي الأقوى والأحدث في العالم، ويضم أكثر من مليون ونصف مليون مقاتل يمكن حشدهم في خلال ثمانية وأربعين ساعه بنظام تعبئة من أقوى الأنظمة بالعالم.

 كذلك الجيش الإسرائيلي يمتلك ترسانة رهيبة من أسلحه الردع تتضمن أكثر من ٣٠٠ قنبلة نووية بجانب ترسانة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وبذلك فالجيش الإسرائيلي هو أقوى الجيوش في منطقه الشرق الأوسط بأكملها، وهى حقيقه مؤكدة.

 والسؤال في نظر الأمريكان: هل الجيش الإسرائيلي بكل هذه الامكانيات الجبارة بحاجة لأن تحشد أمريكا جيشها وترسله إلى إسرائيل ليشارك الجيش الإسرائيلي التصدي لحماس كما يزعمون؟

 إن العقل والمنطق في نظر الأمريكان أن الحشد العسكري الأمريكي لدعم اسرائيل ليس موجها لحماس، لكنه موجه لأطراف أخرى تتوقع أمريكا أن تطور الأحداث يمكن أن يجعلها تدخل الحرب ومصر من هذه الأطراف وطبعا روسيا وإيران أيضا من تلك الأطراف.

 السؤال الثاني في نظر الأمريكان: هل تصوير عناصر حماس والحرس الثوري الإيراني التي شاركت في العملية بهذه الصورة التي أظهرتهم وكأنهم جيش حقيقي يقف ندًا للجيش الإسرائيلي، بل يتفوق عليه، لدرجه أن تلك العناصر هاجمت الدبابات الإسرائيلية وأخرجت جنود الجيش الإسرائيلي منها بملابسهم العسكري وسحلتهم على الأرض، في صورة للعالم بأكمله أن تلك العناصر أقوى من الجيش الإسرائيل، وهو ما صدر صورة كاذبه للعالم أن تلك المعركة تدور بين جيشين متعادلين في القوة، بل إن جيش حماس ومقاتلي الحرس الثوري الإيراني أقوى من الجيش الإسرائيلي

  فهل تلك الصورة في مصلحة فلسطين وقضية فلسطين؟

 في نظر الأمريكان بالتأكيد لا، فتلك الصورة الكاذبة ستجعل العالم يتقبل أي رد فعل للجيش الإسرائيلي فهو رد فعل جيش على جيش أقوى منه أو مساوى له في القوة، وبذلك فقدت فلسطين عنصر تعاطف الرأي العام.

 السؤال الأخطر في نظر الأمريكان: هل سينتج عن عملية طوفان الاقصى المزعومة تغيير في الوضع الاستراتيجي القائم قبلها؟، وهل سيتم تحرير فلسطين؟، وهل سيتم إقامة دوله فلسطينية حرة ذات سيادة؟، وهل ستجبر اسرائيل على العودة للتفاوض حول أقامه دوله فلسطينية حرة مستقله ذات سيادة؟، وهل سيتم رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة؟، وهل ستقوم اسرائيل بفك المستوطنات الإسرائيلية ونقلها خارج غزة والضفة الغربية؟، وهل ستتوقف إسرائيل عن اقتحام الاقصى؟، وهل ستعيد إسرائيل السماح بتشغيل مطار وميناء غزة؟، هل ستفرج إسرائيل عن الأسرى الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية مع تعهد بعدم إلقاء القبض عليهم مرة أخرى وعدم إلقاء القبض على غيرهم؟

 إن العقل والمنطق وتطورات الاحداث في نظر الأمريكان إلى الآن أن شيئا من ذلك لن يحدث.. بالعكس أصيبت القضية الفلسطينية بأضرار كثيرة، بل بكوارث سيدفع ثمنها أبناء غزة (من المدنيين) وربما لبنان وسوريا بأرواحهم ودماءهم وستشتعل النيران وتهدد المنطقة بأكملها.

 كذلك فإن عمليه طوفان الاقصى في ضوء نظرية الأمريكية، كان الاتفاق أن يكون هناك حجم خسائر لإسرائيل أكبر من أى تمثيليه سابقة وأن يكون هناك قتلى ومصابين وأسرى، لأن إسرائيل كانت تعانى مشاكل داخليه تهدد بانهيار إسرائيل، وكانت هناك فتنه مشتعلة بين أغلبيه الشعب الإسرائيلي وحكومته.

 فكان المطلوب في نظر الأمريكان عمليه لتحقيق أربعه أهداف:

الهدف الأول: تثير خوف الاسرائيليين فينسوا خلافهم مع حكومتهم ويتوحدوا معها مرة أخرى لمنع انهيار اسرائيل.

الهدف الثاني: أن تكسب اسرائيل تعاطف العالم. فيتقبل رد فعلها العنيف باعتباره دفاع عن النفس وليس عدوان جيش قوى على شعب اعزل وهى حقيقة الموقف.

الهدف الثالث: محاوله لفرض صفقه القرن التي رفضتها مصر وتصدت لها حيث سيكون رد الفعل الإسرائيلي عنيف جدا بحيث يحول غزة إلى جحيم ويضع أبناءها في الاختيار بين الرحيل إلى مصر بحثا عن الأمن والحياه أو البقاء والانتحار في غزة.

الهدف الرابع: تصدير مشكله أبناء غزة إلى مصر بصورة قويه تصنع مشكلة كبيرة لمصر تعرقل وتربك نهضتها، بحيث تعجز عن استكمال بناء عناصر قوتها، ويمكن استغلال تلك المشكلة لصنع فتنه لاجئين داخلية بتنظيم تعاون بين لاجئين من السودان، وسوريا، وأفريقيا، وغزة، لصنع كيان غريب داخل مصر يسعى لتفجير مصر من داخلها.

 وبذلك يكون الهدف قد تم فرض صفقة القرن على مصر، وتصدير المشكلة إليها، فبمجرد دخول الملايين من أبناء غزة إلى مصر، سيتقدم الجيش الإسرائيلي إلى خط الحدود ويغلقها ويمنع عودتهم، وتوضع مصر فى الاختيار: إما قبول دخول أبناء فلسطين الهاربين من الموت والباحثين عن الحياه والأمن، أو التصدي لهم، ومحاوله منعهم، فينطلق الإعلام الصهيوني والعربي، ليهاجم مصر وقيادتها، ويتهمهم بالخيانة، ويتحرك المصريين ضد دولتهم باسم الدين والوطنية

 وهنا يمكن أن تتحرك أمريكا وتطالب مصر بواسطه أوروبا بفتح حدودها طبقا للقانون الدولي، وستكون حملة قوية جداً تضع الدولة المصرية فى مواجهة العالم العربي والقانون الدولي والعالم ونسبة من الشعب المصري.

 وطبقا لهذا المخطط سيختلف رد الفعل الإسرائيلى هذه المرة، فلن تكتفى إسرائيل بقصف غزة، بل سيتم اجتياح برى لغزة بمبرر البحث عن الأسرى الإسرائيليين وإطلاق سراحهم وتدمير البنية التحتية للمقاومة (الإنفاق، ومخازن الأسلحة، ومخازن الذخيرة، وورش تصنيع الأسلحة والذخيرة)، وهو مبرر سيتقبله العالم أمام الصورة التي روجها الإعلام الصهيوني للخسائر الإسرائيلية والتي أقنعت العالم أن إسرائيل ضحيه لدرجة أن دول كثيرة عبرت عن احترامها لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأصدرت بيانات رسميه بذلك.

 ولها فإن عمليه إسرائيلية بهذا الحجم تستلزم مشاركة أمريكية كامله لضمان ألا تتدخل الدول العربية عسكرياً ضد إسرائيل وضمان عدم لجوء مصر للخيار العسكرى لمنع هروب أبناء غزة إلى مصر، ولهذا تم التخطيط أن يكون بين الأسرى الإسرائيليين أمريكيين يحملون الجنسية الأمريكية ليكون هناك مبرر لتدخل أمريكي مباشر بزعم إنقاذ الأمريكيين وحمايتهم.

 وهكذا حصلت إسرائيل على ضوء أخضر من العالم للانتقام بقوة وعنف، وأعطوها المبرر لتدمير غزة ولبنان، وما تبقى من سوريا، وهكذا، أصبحت المنطقة ميدان تصفيه حسابات لأطراف خارجية، وهى كارثه فالعرب سيدفعون ثمن تحقيق أهداف لا علاقه لهم بها، وسيكونون ضحايا حرب لا علاقه لهم بها.

 أتصور أن إسرائيل في ضوء نظرية المؤامرة ستوجه ضربه قويه لغزة، وربما توجه ضربه إلى لبنان، في محاوله لرفع الروح المعنوية لجيشها وشعبها، وكذلك لقطع ذراع إيران الممثله فى حزب الله والذى تهدد به إيران اسرائيل.

 وأتصور أن روسيا تتمنى ذلك وكذلك إيران لتوريط اسرائيل وأمريكا فى حرب تستنزفهم... الموقف للأسف يخرج عن سيطرة الجميع، ويمكن أن يشعل المنطقة بأكملها.. وللحديث بقية..

***

د. محمود محمد علي

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة أسيوط

الرثاء نواقيس وجع والنعي انكسارات عمر، وبغديدا على جمر التبرير تتصدع أفئدة روحها بموت جماعي ساري الحصاد، كان الله في عون من تبقى منهم بفقدان أعداد كبيرة من كل عائلة، ما حدا بي وجع الفقد أن أكتب بلوعة تأسٍ وقهر عن مأتم فاجعة وليست حفلة عرس في قضاء الحمدانية، وإثر ما نقل من أخبار على مواقع الويب، فما حدث من حرق جماعي مرعب في حفل زفاف العريسين (حنين وريفان) وهم في ريعان شبابهم وأوج سعادتهم، وأول الخطى لحياتهم الزوجية، تصفعهم صدمة الموت، تثكل حتى حدادهم بمواقف لا تُنسى عند ذاكرتهم الغضة، وغيرهم من المدعوين والمشاركين في كرنفال العرس من أهل وأقارب واصدقاء، وأحبة جاءوا للتهنئة فكان أتعس يوم في حياتهم أذ كان زفاف جماعي إلى الموت احتراقا واختناقا بفرح عائلي بسيط غير متكلف، بل في قاعة بهيكلة غير نظامية ولا مزودة باية حماية طوارئ أضافة إلى تشييد البناء في وسط أعمدة الضغط العالي.. ماذا يقول المسؤول في مؤسسات الترخيص والدوائر المعنية !!، ومَن الملام ؟؟، فما تمنوا أكثر من فرحة جماعية كاي مناسبة فرح تعودنا عليها من ضيافة الأعراس ولكن ما حصل الأسوء..!!.

نعم سنفتري على أنفسنا لو نسكت وهل ممكن أن ننسى وتمر كسابقات المآتم، فمتى ما دفنت الضمائر واستبيحت المتاجرة بارواح بريئة حل الدمار والموت وها نحن فيه، أنتجمل حين نقول ما حصل من كتاب القدر؟؟، كلا وغير ممكن، فما نسمعه ممن عايش الفاجعة وتفاصيلها وما نشاهده من خلال ما نشر من الصور والفيديوهات يُثير الريبة والشكوك، ونعتقد تخطيطا مبرمجا بفعل فاعل، وكذلك سير الحدث جريمة مدبرة بإحكام مسلط، فمن الاشتعال السريع والإنهيار الأسرع للمبنى عملية هادفة بترصد طيفي، لإنعاش وتيرة التشتت والرجوع لنقطة الضعف والتفرقة الطائفية..

كذلك سرقة هارد الكاميرا والهروب به أول الدلائل، فلا بد أن يبقى من خيوط الجريمة لو ظل خيط رفيع سنمسك به كدليل قاطع لجريمة منظمة الإصرار والترصد والله ينصر الحق للمظلوم، فالضحايا ممن تلقى العلاج وتشافى أو تحت العناية المركزة لشدة الجروح والحروق والصدمات النفسية، فالعذر لمن ؟، ولمن نقدم تعازينا؟ وما فائدة الأعذار حين نفقد فلذات الروح .. صبايا بعمر الورود.. وختيارة الوقار، ومن يتقبل الأعذار، فكيف ان تعتذر الأقدار من أسراب ملائكة ابتهلت بدعاء دموع أو تراتيل اختناق تتصدى لصدمة مفتعلة، لاستيعاب الممكن والمستحيل، فبأي نشيج روح نعزي قوافل الموت، لا جدوى من صلافة السؤال والجواب على محك التزييف واضح..

يستنزفني صراخ الحقيقة أستذكر ما حل بأطلس تراب رافدينا، وجغرافية خارطة مهدنا ومثوانا، فليس بزمن بعيد لكي تلتئم الجروح وننسى، فترياق الشفاء جرعات مريرة المعاناة ونحن نسعى دوما لترميم الشروخ، ونفتخر بتنوع أطياف العراق وعروبة انتماء عريق وأن تعددت العقائد، فذلك ما يزيدنا قوة أضمومة من باقة ثقافات ممتدة بجذر واحد هو تراب عُجِنَ بماء دجلة والفرات، فلن يوهن شكيمتنا محتل غريب، ولا يفرقنا حدث مريب، والتجارب على محك تأريخ لن يستر ما فضح من نفوس بغيضة تُكيد التناحر..

 فهل كتب علينا أن لا نعيش مواسم الأفراح ولا تتذوق شفاهنا رحيق البسمات والضحكات خوفا من أن يمسنا سوء حتف..؟ كلا.. فمن المؤكد أن شعب العراق لا يهاب الموت وأن كان الموت نبوءة وجود، ولكن في أرض الرافدين الأنسان يسير بكفن روحه أينما توجهت خطواته، وبالمنطق الوجودي أذ لا أحد مخلد، ولكن اغتصاب وسلب الأرواح عنوة وبلا رحمة بمذابح غير قانونية جديرة بدراسة خلل النظام وسهولة خروقاته، أو تعمد لاستثمار طرق وأسباب الموت للبقاء في سلطة بلبلة تشغل العقول عن المطالبة باحتياجات معيشية كثيرة للشعب وغيره..

فالموت في محطات كل حياتنا موسوم على عاتق الذمم، منه السابق لأوانه أو موت لاحق لحتفه، فما عهدناه من الوطن إلا الإهمال وعدم الأمان حيث نسير وأرواحنا على كفوف اللحظات، نتوقع الموت في الشارع .. المستشفيات .. الأسواق .. البيوت .. المدارس وأي تجمع، ولكن المؤسف آخر تقنيات الإجرام في الإحتفالات الشخصية كما في مجزرة الحمدانية، فبعد موت ضمير الإنسانية نتوقع الأدهى في التلذذ بالقتل وأساليبه المتهتكة، فلا مبرر للمثل القائل (تعددت الأسباب والموت واحد) بل نقول (تعدد الموت والسبب واحد)، فليكن شعار وطن لأننا تحصيل حاصل قرابين ونذور جاري الذبح، أذ لا قيمة للإنسان فيه، هذا ما فرزته قيم مافيات الموت فمن أجل من ولماذا؟؟

 أنه جشع المضاربة باللإنسانية الحثيثة والملموسة لجمع الأموال الحرام من عدد رؤوس الموتى، وكأن كتب على الشعوب العربية عامة والعراق خاصة إقامة حد الموت على الجميع بدون استثناء إلا من اغترف من كؤوس السلطة فساد اللامسؤولية واللا انتماء للوطن فهم في منع منيع، فالموت سلاح ساري المفعول مستحدث التعديل ..سهل التطبيق، ففي وطني الحزين الذي أثكلته الجراح و ذرف الأرواح بمطر الموت، القاتل يتأبط أنياب الموت ويتجول على هواه بلا قلب كوحش كاسر، فأي عقيدة تبيح حق سلب الأرواح، إلى متى نزيف العذاب لشعب يتلوى من الحرمان.. المرض .. العوز بأشكاله ومعاناة الفقير لا تنتهي من حكم جائر لأكثر جورا، وفوضى سلطة بلا احترام لحرية الإنسان، والأكثر فداحة تنامي الجهل والإنحرافات وتقليد أعمى للغرب وتفكك الأسر، فلنعزي أنفسنا بضياع حلول السلام.

***

إنعام كمونة

..........................

*العروسان حنين رياض وريفان أيشو

لندع كلام السياسة جانباً لدقائق ولنستمع لما تقوله علوم التأريخ والآثار والإناسة عن أكذوبة إسرائيل البائدة والأكذوبة الأخرى القائمة اليوم: حين نقول إن "إسرائيل" كيان مؤقت ومفتعل وخرافي فنحن لا نكذب أو نبالغ ولا نكرر خطاباً "خشبياً عتيقا" كما يقول دعاة التطبيع، بل نجمع ونتفحص وننشر ما كتبه باحثون متخصصون بعضهم إسرائيليون وغربيون بعضهم صهاينة وبعضهم لا، هاكم هذه الخلاصات التي قد لا يصدقها ضحايا الإعلام المعادي السائد وعمليات غسيل الأدمغة:

* هذه الدولة التي يسمونها "إسرائيل" ليس لها حدود رسمية معلنة حتى اليوم.

* علم هذه الدولة الرسمي بخطيه الأزرقين يؤكد خرافة الوعد التوراتي بأن أرض إسرائيل ستمتد بين الفرات والنيل، بمعنى أنها تريد ضم نصف العراق الغربي ونصف مصر الشرقي وما بينهما الأردن وشمال الجزيرة العربية.

* ليس لهذه الدولة دستور طبيعي وحقيقي بل مجموعة مما يسمونه القوانين الأساسية اعتبرت دستورا. "نتج ذلك عن عدم قدرة المجموعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي على الاتفاق على هدف الدولة وهويتها ورؤيتها على المدى الطويل/ الموسوعة".

* لم تحدد القوانين الأساسية الإسرائيلية نوع الدولة، فهي "دولة" فقط، فلا هي جمهورية ولا هي ملكية ولا هي إمارة!

* وهي دولة قائمة على العدوان والتوسع والعنصرية بموجب قانون صدر من برلمانها "الكنيست" هو قانون الدولة القومية لليهود، يُعرِّف هذا القانون "إسرائيل" كدولة قومية للشعب اليهودي. أقرَّ من قبل الكنيست بالأغلبية في 19 يوليو 2018.

* وحين نقول إنها دولة خرافية أيديولوجية فهي فعلا خرافية لأنها قامت على أساس من مزيج قومي صهيوني وديني توراتي و"وعد إلهي" لا يُلزم أحدا غير المؤمنين بالتوراة، مثلما لا تلزم دولة داعش إلا أعضاء هذا التنظيم فقط.

* هذه الدولة التي يسمونها إسرائيل الصهيونية لا علاقة لها بمملكة إسرائيل المنقرضة إلا لجهة الترويج والبروباغندا والتدليس. كيف ذلك؟

* إسرائيل القديمة البائدة تقع أراضيها كلها اليوم في الضفة الغربية الفلسطينية. ولم تكن عاصمتها أورشليم القدس بل السامرة (السامرة هي المدينة الوحيدة التي بناها الإسرائيليون القدماء المنقرضون في فلسطين القديمة وتقع أطلالها الآن في الضفة الغربية قرب مدينة نابلس).

* و(أورشليم) ليست كلمة عبرية، ولم تكن مدينة يهودية كما يكرر البلهاء من تلامذة دونالد ترامب، بل هي مدينة بناها اليبوسيون الوثنيون وهم قبيلة كنعانية، و"أورشليم" كلمة كنعانية مؤلفة من مقطعين "أور" وتعني " مدينة" ومثلها أور السومرية في جنوب العراق، وشاليم أو سالم وبعض الباحثين يقول إنها تعني "السلام" ويرى آخرون أنه اسم الإله "سالم أو شالم (مشتق من الجذر السامي "سلم") ومن هؤلاء عالم الآثار التوراتي والفقيه اللغوي المؤيد للصهيونية ويليام ألبرايت الذي يرى أن الإله "سالم" كان إلهاً للغروب والغسق في حين كانت شقيقته سَحَر إلهةً للشروق والسَحَر".

* إن إسرائيل القديمة البائدة لم تكن دولة يهودية توحيدية بل وثنية تعددية (تؤمن بتعدد الإلهة) ولا تزيد مساحتها على ربع مساحة فلسطين، وقد لعنت التوراةُ هذه الدويلة وملوكها وخاصة من سلالة عُمري وقد سجل الباحث الآثاري الإسرائيلي فنكلشتاين في كتابه "التوراة مكشوفة على حقيقتها" وقائع الصراع والخلافات بين دويلة يهوذا التوراتية ودويلة إسرائيل الوثنية. ومما ورد بخصوص الملك عمري المؤسس الحقيقي لإسرائيل البائدة قول التوراة (ولم يعمل عمري الشيء المستقيم في عيني الرب. وعبد الأصنام التي عبدها يربعام. وعمل من الشر ما لم يعمله أي ملك آخر من قبله من ملوك إسرائيل (1 مل 16: 26؛ مي 6: 16). وقد توفي ودفن في السامرة حوالي 874 ق.م. وخلفه ابنه آخاب (1 مل 16: 28)".

* أما أورشليم القديمة قبل الميلاد فقد كانت بلدة أو قرية زراعية كنعانية صغيرة كما قلنا، ولم تصبح عاصمة إمبراطورية يهودية كما زعمت التوراة، وقد تسلل إليها العبرانيون وسيطروا عليها وأنشأوا دويلة يهوذا صغيرة إلى جانب العديد من دويلات المدن الكنعانية.

* دويلة "يهوذا - اليهودية" أصغر مساحة من إسرائيل البائدة، وهي عبارة عن حزام من القرى حول مدينة أورشليم القدس، والدويلتان المنقرضتان "إسرائيل" و" يهوذا" لا تتجاوز مساحتهما ثلث مساحة فلسطين.

* إن دولة إسرائيل الصهيونية القائمة اليوم تقع كلها على أراضي فلسطين التأريخية التي لم يسكنها بنو إسرائيل المنقرضون!

* وأخيرا ما رأيكم بأن اسم "إسرائيل" نفسه - وهو لقب النبي التوراتي يعقوب - ليس لقباً عبرياً بل هو اسم كنعاني مؤلف من مقطعين "إسرا" واختلفوا في معناها بين صرع الرب حسب سفر التكوين وأسر الرب وجندي الرب...إلخ، والثاني "إيل"، وإيل هو الإله جزيري "سامي" يقابل إله اليهود يهوه ويهوى؟ يهوه «الرب» هو الاسم الرئيسي في العهد القديم، ويتجنب اليهود عموما استخدام اسم الرب واستبدلوا به أسماء أدوناي أو إلوهيم عند قراءة الكتاب المقدس. فمن أين جاء اسم الإله الوثني إيل؟

أما كلمة إلوهيم والتي هي صيغة جمع جزيرية قديمة لكلمة (إله) فتعني أيضا رب اليهود، فهل رب اليهود متعدد؟ تفهم إلوهيم عادة على أنها تشير لإله إسرائيل الواحد، وتصرف الكلمة كجمع في أحيان أخرى لتشير لآلهة متعددة. والحقيقة هي أن كلمة إلوهيم جمع إله تعكس بقايا الوعي الديني الوثني التعددي لدى اليهود في فترة ما قبل التوحيد.

* مصادر عديدة للأسطر القليلة أعلاه: إنَّ هذه المعطيات والحقائق لم يكتبها باحثون عرب ومسلمون بل باحثون إسرائيليون ويهود توراتيون وغير إسرائيليين وسأذكر بعضهم مع عناوين كتبهم وخصوصا المترجمة إلى العربية في نسخ رقمية مجانية مترجمة إلى العربية على الانترنيت:

- إسرائيل فنكلشتاين في كتابه "التوراة مكشوفة على حقيقتها".

- شلومو ساند في كتابه "اختراع الشعب اليهودي" وكتابه "اختراع أرض إسرائيل".

- إيلان بابيه في كتابه "التطهير العرقي لفلسطين"، وكتابه "عشر خرافات عن إسرائيل".

* ومن غير اليهود سأكتفي بذكر أسماء العلماء التالية:

- توماس طومسون في كتابه التاريخ القديم للشعب الإسرائيلي" وكتابه "أسفار العهد القديم في التاريخ - اختلاق التاريخ القديم".

- مارغريت شتاينر في كتابها "القدس في العصر الحديدي".

- كارين آرمسترونغ في كتابها " القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث".

- كيث وايتلام في كتابه "اختلاق إسرائيل القديمة".

***

علاء اللامي

..........................

* توجد نسخ رقمية مجانية من هذه الكتب على الانترنيت وهي مترجمة إلى العربية.

في جولة حول العالم حدث السابع من أكتوبر 2023 كان ثغرة الدفرسوار الغزاوية. الثغرة الأولى كانت عام 1973 التي طوَّقت "إسرائيل" بها الجيوش المصرية، لكن النُسخة الفلسطينية في القرن الحادي والعشرين، تمكنت من تطويق الجيوش الدبلوماسيَّة في الغرب والمشرق العربي الحامِلَة للحِراب التطبيعية، وإعادة ملء خزان الوعي العربي بوقود القضية الفلسطينية.

أيضاً، اثبت 7 أكتوبر لجميع الأنظمة العربية والنفطية منها تحديداً، أن التطبيع مع الكيان الصهيوني، برميل من النفط الخام الدبلوماسي، لا قيمة له ما دامت مصافي التكرير الشعبي رافضة له وغير قادِرة على صناعةِ مشتقاتٍ منه تصلح للاستهلاك السياسي. قول أي شيء آخر يشبهُ تعليق الملكة الإيرانية السابقة فرح بهلوي "أنت شاعر"، عندما أردتُ إجراء حوارٍ معها يخصُّ الشرق الأوسط وكيفية تحسين العلاقات بين بلدينا بشكلٍ حقيقي.

تكرير 7 أكتوبر في المصفى التاريخي

المملكة الأردنية الهاشمية كانت وما زالت رغم كُل خزَّانات دبلوماسيتها المصنوعة في الغرب، أكثر دول المشرق العربي فهماً لحقيقة إنَّ المنطقة ليست صالحة لـ "الطبخات الدبلوماسية السريعة". الملك عبد الله الثاني كان قد عبَّر عن ذلك في كلمةٍ له في بروكسل. كلمات الثاني استطاعت التزحلق برشاقة في أُذُنِ بروكسل ونالت تصفيقاً. والد الملك الأردني، الملك حسين رحِمهُ الله، كان قد قدَّم "مينيو" مستقبلي بالأطباق السياسية التي سيأكلُها الشرق الأوسط، ما دام المطبخ الغربي مليء بالمكوِّنات الإسرائيلية "السريعة". أعلن الملك الأب بعد حادث مخيم الكرامة الفلسطيني في 21 مارس 1968"سيأتي يوم نصبح فيه كُلُّنا فدائيين".

تدمير العراق أمام تحالفٍ من ثلاثٍ وثلاثين دولة في تسعينيات القرن الماضي، أدَّى إلى حصارٍ دبلوماسي خانق للقضية الفلسطينية، واطلق أولمبياد التطبيع العلني الذي صعد قطار مباحثات مدريد في 1993، وأعطى كأس أوسلو للسُلطة الفلسطينية وأخذ فلسطين.

الحصار والأولمبياد وكأس أوسلو سبباً رُعباً للمثقف العربي. سابت مفاصِلهُ القوميَّة فذهب إلى النار الدينيَّة وهو مُغطَّى بزيت أوسلو ليضمن شِفاءً تاماً من روماتيزم القوميَّة. الفلسطيني عادل سمارة أشار إلى ثمن استخدام الزيت والنار " تكفير القوميَّة". أمّا الأنظمة العربيَّة فقد باتت مُضطَّرَة إلى استخدام مُبيَّضات اللغة والمواقف السياسية لتخليصِ جلدِها من كُلِّ لطخةٍ قوميَّة. هكذا اضطرت حركة التحرُّر الفاعِلة والوحيدة في المشرق.. المقاومة الفلسطينية أن تجمع بين الدين والقوميَّة العربيَّة. هنري لورانس قال عن ذلك "المُفارقة أصبحت المقاومة الفلسطينيّة آخر حركة شعبية كُبرى من حركات القوميّة العربيّة". الروس وكمثالٍ لطيف آخر وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، قرروا عدم التضحية بشيء من هذا الإرث. أقنعهم الرئيس بوتين باستخدام ما يشبه مذراة ثُلاثية "نحنُ شيوعيون وقياصرة وأرثوذوكس".

النسخة المصريَّة من أكتوبر 1973، دفعت "إسرائيل" إلى طلب المساعدة الأمريكية والتهديد باستخدام الأصابع النووية يوم الـ 12 عشر من أكتوبر. هذا النداء المُشبَّع بالإشعاع الذَّري دفع واشنطن بحسب لورانس إلى أن يسرِعوا "باستعداداتهم بإقامة الجسر الجوي الذي بدأ يوم 14 أكتوبر". أمّا النُسخة الفلسطينية من أكتوبر فهي وإن حصلت في اليوم السابع لا السادس، إلَّا إنَّها دفعت "بيبي" الذي يمتلِكُ "رُبع شارِبٍ" من الشَّعر المخفي في رأسِ حِسابات الغرب، إلى طلب المُساعدة الأمريكية ومنذُ اليوم الأول، لتبدأ حاملات الطائرات والمُدمِّرات الأمريكية بعبور الأطلسي صوب الأبيض المتوسط بعد يومين، التاسع والعاشر من أكتوبر تحديداً.

المُفارقة التاريخيَّة الأُخرى الموجودة في أكتوبر الفلسطينية والتي لا تحتاج إلى لُعبة كمالٍ إنشائي أو مجازي، إنَّها اعادتنا وجهاً لوجه مع بن غوريون وتدعونا للسَّير معه بالقرب من باريس يوم الـ 22 من أكتوبر كذلك عام 1956. بن غوريون عرض خطَّة للغرب حينها، تصلحُ للعُشريات القادمة من العقود كان مفادُها وباختصار " القضاء على الأردن وتقسيم أراضيه، تقسيم لبنان بين إسرائيل وفرنسا وضم سوريا إلى الأخيرة، تدويل قناة السويس ونقل مضيق تيران إلى السيطرة الإسرائيلية". هكذا نستطيع أن نفهم لماذا لبِسَ الملك عبد الله الثاني بدلةً عسكرية وهو يتحدث عن فلسطين، ولماذا قام مع ولي عهده، بعد عودة رئيس وزراء الكيان "بيبي" إلى المشهد السياسي، بالمشاركة في تدريبٍ للقوّات الخاصَّة.

تفسير ما يحاول "بيبي" فعله من دعوة الفلسطينيين في غزة إلى تركِ أرضهم، وما يفعله جيش الاحتلال في الضفة الغربية، يحملُ جذوراً باريسيَّة، وإعادة لمحاولات بن غوريون سنة 1949 بتوزيع الفلسطينيين بين الدول العربية.

بايدن حيوان سياسي وقادة الكيان حيوانات بشرية

الرئيس بايدن كان أصغر سياسي دَلَف للكونغرس في سبعينيات القرن الماضي، ليصبح بعدها سيناتور ولاية ديلاور "المُعمِّر". أشهرُ السقطات اللغوية عنه قبل حدث أكتوبر الفلسطيني، كان وصفهُ للرئيس أوباما الذي أصبح نائباً له " إنَّهُ إنسان نظيف". أوباما ذكر ذلك في مُذكَّراته المُثيرة للجدل مُعلِّقاً "كان غريباً ما قاله". كان ذلك بتقديري نوعاً من الشتيمة السياسية وشعوراً تحتانياً من أوباما، بأنَّ بايدن يحاولُ تبييض رئاسته من الجلد الأفريقي الأمريكي، ودلالة كبيرة على أن البيت البيضاوي لا يحتمِلُ ألواناً أُخرى وإلى نهاية العقد الثالث من هذا القرن على أقلِّ تقدير؛ بل إنَّي استطيع وبنسبةٍ لا بأس فيها من الجزم الذهاب إلى أن حتَّى السياسات الداعمة لـ المْثليَّة في رئاسة بايدن نوع من الحِفاظ على بياض البيت الأبيض. وعليه فإنَّ كُل السَّقَطات اللغوية للرئيس بايدن في موضوع فلسطين واستخدامه لـ البروباغاندا الإسرائيلية "قطع المقاومة الفلسطينية لرؤوس الأطفال" نوع من قُدراته الفائقة كـ "حيوان سياسي" على البقاء، وضمان عودة الناخب الأمريكي اليهودي الملتزم إلى قواعد حزبه الديموقراطي.

القادة الإسرائيليون بدورهم، المدنيون منهم والعسكريون، دائماً ما استخدموا لغة سياسيَّة صافيَّة في التعبير عن الفلسطينيين. لهذا فإن وصف القائدين العسكريين البارزين في جيش الاحتلال يوآف غالانت وهيرتسي هاليفي للفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية" و"حيوانات" ليس غريباً فالقادة الإسرائيليون عموماً ينتمون إلى فصيلة الحيوانات البشرية، بحسب قراءة هانز. جي. مورغنثاو " الإنسان الذي لا يعدو أن يكون إنساناً سياسياً ليس إلا، هو أقرب إلى الحيوان من أي شيء آخر، إذ إنه يكون مفتقراً إلى الكوابح الخلقية".

الأوروبيون بدورهم وكما كشف أكتوبر الفلسطيني، هم يتأرجحون بين بايدن وغالانت وهاليفي. الفرنسيون مثلاً وبحسب تعبير أحد عقولها السياسيَّة تييري دي مونبريال علَّل سبب الانتصار الانتخابي لـ بوريس يلتسن ضد جنادي زيوجانوف سنة 1996 " لأنه كلب سياسي حاذق". أيضاً فإنَّ قاعدة مونبريال العامَّة عن القادة الأوربيين بأنَّهم " مستقلون نوعاً ما أكثر من الأمريكيين عن اتجاهات الرأي العام في مجال السياسة الخارجية"، فشلت وكانت الحقيقة المعروضة في سوق الإعلام الأوروبي بحسب تقديري " دعم إسرائيل ضروري لتغطية فشل الاتحاد الأوروبي وإخفاء ذيلنا الأمريكي".

العرب وأكتوبر الفلسطيني

تنتمي فلسطين المحتلَّة إلى العالم الثالث وبحسب مونبريال فإنَّ هذا العالم "ليس عالماً منظماً يهدف لغزو كوكب الأرض. فهو لا يطالب بأيديولوجية ذات بعد عالمي. إنه ليس سوى عالم يئن ويقاوم كيفما يستطيع، تجاه المآسي التي تصيبه، لذلك لا يجب البحث بعيداً عن السبب الحقيقي".

هذه الجملة تجريدية رغم أبعادها الكونيَّة وقُدراتِها السوبر توضيحيَّة، لكنها تؤكِّد إنَّ حضور فلسطين حتّى بيننا نحنُ العرب يكادُ يكون تجريدياً، ويكاد بعدهُ العملي الوحيد واليتيم مُتعلِّقاً بإيجادِ شرعيَّة للأنظمة العربيَّة، غير الراغبة في استبدالِها بالسياسة الرشيدة مع شعوبها. المثقف العربي المفزوع الذي طلب النجدة الدينية بعد أن استقلت الأنظمة العربيَّة قطار أوسلو ، عاد وبالتخادم الرخيص مع السُلطة العربية، مُبشِّراً بما يستطيع السلام مع الكيان أن يفعله من مُعجِزات، ولينتهي مصيرهُ وبحسب تعبير آلفين توفلر "جامع معلومات" عن أفضل السُّبل لاختراق المشرق، بَدَلَ أن يكون محاوِراً إنسانياً. كان يأكلُ فكرة غربيَّة ويُلقي بفهمه التاريخي كخُردة. المُفارقة إنَّ الطائفية وفلسفة الأقليات كانت اللحظة الأبرز لقُربِه من الشارع العربي ولو عن طريق الهويات الفرعيَّة. العراق أبرز الأمثِلة الحديثة.

السؤال المهم هنا هو "ماهي فلسطين – القدس؟". هذا السؤال حاولت الإجابة عنه في مقالٍ سابق "نيوزيلندا/ دولار القومية البيضاء يطارد يورو اللاجئين الأوروبي". الآن ربّما استطيعُ تكثيفه بالقول "هي جسر العرب الحضاري مع العالم. الكعبة بدون القدس لن تعدو سوى رمز دينٍ لا يحتاجهُ العالم إذ إن لديه المسيحيَّة واليهوديَّة. الدين الإسلامي كان مصهر حضارات ومُصدِّر حضارة. هذا الدين فهمتهُ الروح العالميَّة في فلسطين.. مصهر الأديان. ظهرت فيها طبيعة هيكله الروحي المشترك مع الأديان الأُخرى. بدون حصَّتِنا من القُدس لن يكون الإسلام ثالث الأديان التوحيدية بل ديناً محليَّاً مثل ديانة المغول. الفلسطينيون هم حوَّاريو محمد وأبلغُ من يستطيع بيان جمالِنا الروحي والأخلاقي. بدون الفلسطينيين وبدون دولةٍ فلسطينية سوف تنقرِضُ الدول العربية".

الرئيس أردوغان.. هذا العملاقُ الأتاتوركي، كان حاذِقاً جدّاً عندما أراد أن يصنع من جامع آيا صوفياً "قُدساً" تركيَّة، في محاولاته السابقة لإعادة النفوذ الذي بات مُتعارفاً وصفهُ بـ "العثمانيَّة الجديدة". مصطفى كمال أتاتورك كان بدوره أردوغانياً ومُحمَّدياً استراتيجياً، عندما استعار وبتصرُّف حديث الرسول العربي عن معنى العربيَّة في تعريف التركيَّة "كُل من تحدَّث التركية وعاش في تركيا وقال أنا تركي فهو تركي"! أمّا المفتي أمين الحسيني ورغم حظِّه السيء مع الأنظمة العربية، قدَّم بدوره نُسخة صحية عن القوميَّة العربية مفادُها "توحيد السياسات الخارجية والدفاعية".

الحركات الدينيَّة في المشرق العربي، والمتواجدة في مناطق أُخرى من العالم، عليها أن تفهم فيما يخصُّ فلسطين والأنظمة العربيَّة، بأنها إن وصلت إلى سدَّة الحُكم فستكون نُسخة أسوأ من الحاليَّة لأنها بلا تاريخ حُكم حقيقي، وعلى الأنظمة العربيَّة أن تفهم بأنَّ هذه الحركات جهاز استشعار ممتاز لرؤية نتائج الظلم وعدم العدالة في توزيع الثروة وإهانة كرامة الإنسان العربي، لذا أجِدُ بأن التعامل مع هذه الحركات وغيرها من التيارات السياسية العَلمانية كأجنحة للأنظمة العربيَّة، والسماح لها بممارسة سُلطة حقيقية والتجربة المغربيَّة نقطة انطلاق جيَّدة، وإذا لم يعجبهم هذا المثال العربي فعليهم بالنموذج الصيني، وإذا لم يستسيغوه لملوحتِه الشيوعيَّة فعليهم اتباع أسلوب الحوارات، المُتجذِّر في سياسة مسقط مع نُخبِها وقواعِدِها الاجتماعيَّة وذلك أضعفُ الإيمان للبدء.

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي - وباحث عراقي

هستيريا الحلف الطاغوتي الربوي العالمي انفجرت بكل وقاحة واستفزاز وإهانة ضد المنظومات الرسمية العربية العاجزة والتي لم تستطيع حتى ان تصنع بيان اعلامي هزيل ناهيك عن التدخل العسكري او الدعم الأمني والاستخباراتي للفلسطينيين.

وكشفت هذه الهيستيريا الطاغوتية ان الأنظمة الرسمية العربية "عاجزة" "مشلولة" ليس في يدها أي شي وليس لهم القدرة لصناعة أي "فعل" او القيام بأي "امر".

وهذه الوقاحة الطاغوتية والاستفزاز الاستكباري أيضا امتدت ضد المنظومات الرسمية الإسلامية في تصريحات مهينة لتلك المنظومات الرسمية الحاكمة، قبل ان تكون تلك التصريحات استفزازية لشعوبنا العربية والإسلامية.

ونحن إذا نحيي ونقدر مواقف الشعوب الغربية المساندة لقضايانا العادلة ونرفع لهم قبعات التحية والاحترام علينا ان نشير الى مسألة مهمة اظهرتها هيستيريا "تصريحات" الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وهي:

ان الشعوب الغربية لم تجد لها مكان لتعبر فيه عن آرائها الا مظاهرات الشوارع الغير مرخصة حيث تم منعهم وتهديدهم بواسطة منظوماتهم الطاغوتية الحاكمة ولم تسمح لهم من ان يقولوا عكس تصريحات المسئولين ؟! وان يعبروا عن أي شي مختلف، او ان يخرجون إعلاميا في أي رأي ناقد ومعارض ؟!  وحرموهم "اقصد شعوبهم المحكومة منهم" من "حرية التعبير" ورفضوا "حرية الرأي" لهم، وهذه نقطة مهمة يجب تسجيلها للتاريخ وعلينا ان "لا" ننسى وان "لا" نتجاوز تلك المسألة التي تضرب في صميم اليات النظام الإداري والاقتصادي والاجتماعي والأمني الليبرالي "الحاكم" في الدول الغربية لأنه يوضح عن الحقيقة الديكتاتورية التي تدير المشهد هناك من خلال "واجهة ديمقراطية" ضد الديمقراطية ؟!

عندما يقول رئيس الولايات المتحدة الامريكية بايدن: ان لم تكون هناك "إسرائيل" فأننا سنخلق "دولة إسرائيل" !؟ فهذه وقاحة وعندما تأتي وزيرة خارجية المانيا وتقول: "نحن كلنا يهود !؟" وعندما يأتي شخص نفس وزير خارجية أمريكا "بلينكن" ويصرح: ب " انه جاء ك "يهودي" وليس ك "وزير خارجية!؟" وهؤلاء غير ان تصريحاتهم مستفزة وأيضا في نفس الوقت تصريحات "غبية" وتمثل ترهات وخزعبلات كلامية لأنهم بكل بساطة من المفروض انهم يمثلون "دول" وليس ان يمثلون "دين" !؟.

ان هكذا استفزاز ووقاحة وقلة ادب وغباء معرفي من هذه الدول الغربية وتصريحات مسئوليها الرسميين، رفضتها مجاميع كبيرة وواسعة من شعوبهم "المحاصرة "و الذين كما ذكرنا عبروا عن ذلك من خلال خروجهم بالألاف الى الشوارع والساحات، وعلينا ان نلاحظ كذلك حصار اخر تم ممارسته على الشعوب الغربية وأيضا العربية والإسلامية من خلال اغلاق نوافذ التعبير والرأي الموجودة في وسائل التواصل الاجتماعي بكل ما يختص ويتعلق في القضية الفلسطينية في العموم وعملية "طوفان القدس" في الخصوص، وعلينا ان نلاحظ ان نفس هذه المنظومات الغربية الحاكمة لم تمنع الى الان ومنذ سنوات أي حسابات للتواصل الاجتماعي او مواقع انترنت اخبارية او فضائيات تلفزيونية تابعة لتنظيم داعش وغيرها من تنظيمات إجرامية تكفيرية وظيفية؟ وهذا تساؤل؟ لمن يريد ان يفكر بعقله؟

لذلك نقول مجددا: ان استمرار استفزازات التصريحات الغربية امر غير مقبول ناهيك على المغالطات المعلوماتية وكذلك محاولات استغباء أي عقل بشري واي منطق.

ان من الواضح من حجم التظاهرات الشعبية المؤيدة للحالة الفلسطينية في العالم الغربي ان هناك انفصال بين المنظومات الغربية الحاكمة وبين شعوبهم وأيضا عن انفصال واضح بين وسائل الاعلام والدعاية المرتبطة مع المنظومات الحاكمة الغربية وبين "الناس" ومواطنين تلك البلدان، مما يعيد الى الاذهان مسألة "حقيقة" "قدرة" "الالية الديمقراطية الليبرالية" على تمثيل عامة الناس ونقل تناقضاتهم ورغباتهم وما يريدون الى مواقع القرار والسلطة والحكم، وأعاد الى الاذهان مسألة ان "الحاكمية" الحقيقية في الواقع الغربي هي لأصحاب رؤوس الأموال ومن يملك خطوط القرار في العائلات والمنظومات الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل شبكة تحكم وسيطرة تدفع ب "شخصيات" تمثل "واجهات" متغيرة في كل مدة زمنية وأخرى، يتم القصف الإعلامي عليها وتحميلها أي سلبيات او تفريغ عليها حالات الغضب او سوء الإدارة او الفشل، وبعدها يتم استبدال تلك الشخصيات مع شخصيات أخرى بديلة ؟! ولكن تبقي المنظومة الحاكمة من عائلات اجتماعية وشبكات مصلحية وشركات مالية وأصحاب حافظات نقدية عقارية مليارية لا تدفع الضرائب ؟! وشركات عابرة للحدود وملاك مؤسسات الدعاية هم: " المنظومة الحاكمة الثابتة المسيطرة".

اما الواجهات ك "شخصيات رؤساء الوزراء والموظفين الكبار .... الخ فهؤلاء يتم تبديلهم حسب الحاجة ضمن حالة أستحمارية استغبائية لشعوبهم، تحت مسمى "الديمقراطية"، التي فقدت مضمونها وتعريفها الحركي مقابل واقعها وحقيقتها بأنها انعكاس لما تريده "منظومات السيطرة والتحكم" في الغرب.

فحتى اليات الانتخاب والتصويت هي محسوبة ومرتبة سلفا ضمن مخرجات الدوائر الانتخابية وحجمها وتوزيعها لأعادة انتاج نفس الواجهات المتغيرة الذين يتم الدفع بهم بين فترة وأخرى ويتم شيطنتهم في فتراتهم النهائية لاستبدالهم ب "واجهات أخرى".

فهذه ديكتاتورية غير معلنة في شكل شيطاني خبيث وضمن حالة أستحمارية إذا صح التعبير، كشفتها عملية طوفان القدس.

علينا التأكيد من هذا كله: ان الفلسطينيين من أي تنظيم او جهة او حتى ك "افراد" لهم الحق...كل الحق في الاستقلال والحرية والحياة على بلدهم وارضهم وليس لأي شخص من أي جهة او دولة ان يمنعهم من ان يحاربون المحتلين لوطنهم وان يعملوا على طرد الغزاة الاجانب.

وللفلسطينيين ان يشتغلون ضمن الوسائل الحربية والأمنية والاستخباراتية والسيبرانية والاقتصادية والإعلامية...الخ على اخراج الأجانب من وطنهم وأيضا على تدمير قاعدة "الأجانب" الصهيونية العسكرية الأمنية الاستخباراتية التي تم فبركتها وتصنيعها على ارضهم المحتلة من الحركة الصهيونية العالمية المدعومة من الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وهؤلاء كلهم "أجانب" وليسوا "عرب" ولا علاقة لهم او صلة او ارتباط مع مناطقنا و"لا" أراضينا وهم "غرباء" وعليهم ان يرحلوا بعيدا الى بلدانهم الاصلية.

ان الفلسطينيين ليس لديهم أي شيء ليخسروه في هكذا صراع الا ان يتحرروا، وهذا سيتحقق ضمن حركة كفاحهم المتواصلة ضد الغزاة الأجانب القادمين من الخارج، ولهم كل الشرعية القانونية ان يدافعوا عن وجودهم الانساني وعن "استقلال" بلدهم المحتل.

ان من كان يقول ان القوة العسكرية الصهيونية غير قابلة للهزيمة والسقوط اثبتت المقاومة الفلسطينية ان كل ذلك هو "وهم" تم كسره وتحطيمه وتم تدمير شوكة الصهاينة العسكرية والأمنية والاستخباراتية وليس فقط ذلك الامر فقط هو "الوحيد" قد تم محوه من الذهنية العربية الفلسطينية.

بل تم الكشف عن "غباء" كل الضوضاء الدعائية من كل هذه الدعم الأجنبي من الحلف الطاغوتي الربوي العالمي ومن دول نفس الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا والمانيا وإيطاليا وغيرهم من الغرباء.

ان كل هذا تم اسقاطه وتدميره في عملية طوفان القدس، لذلك عندما ذكرنا ان ما بعد تلك العملية ليس كما كان قبلها، وان المرحلة المستقبلية على ارض دولة فلسطين المحتلة صهيونيا مع الدعم الأجنبي المساند لها، ليس له افق ليستمر في الوجود وليبقي متواجدا، وانهم سيرحلون كما رحل الصليبيون من قبلهم وكما ذهب المغول.

***

د. عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

بغضّ النظر عن أرقام ضحايا الهولوكست اليهودي أثناء الحرب العالمية الثانية على يد النازييّن وتشكيك آخرين بها، فأنّ الهولوكوست حقيقة ثابتة لا يمكن نكرانها كجريمة كبرى وإن كان ضحاياه بضع عشرات أو بضع مئات حتّى. ولم يقتصر الهولوكوست في ألمانيا النازية أو البلدان التي وقعت تحت الأحتلال الألماني على اليهود فقط، بل طالت كذلك الغجر الذين قتل منهم وفق بعض المؤرخين ما بين 220 – 500 الف انسان، ففي الثالث من آب/ أغسطس 1944 على سبيل المثال تمّ أقتياد ثلاثة آلاف غجري بينهم عدد كبير من الأطفال الى غرف الغاز في معتقل اوشفيتز بيركيناو وتصفيتهم. كما تم قتل ما يقارب الثلاثة ملايين بولندي غير يهودي، بأعتبارهم أي البولنديين وهم من الشعوب السلافية من الأعراق الدنيا مقارنة بالشعوب المتفوقة عرقيا كالجرمان.

الهولوكوست كلمة يونانية من مقطعين (hólos) وتعني الكل و(kaustós) وتعني محروق، وتكتب ككلمة واحدة (holókaustos)، وهي (Der Holocaust) بالألمانية، أمّا في اللغة العبرية فتعرف بأسم (شوأه) وتلفظ بالحروف العبرية (هشوآء ) وتعني الكارثة. وبالمحصلّة فهي شكل من أشكال الإبادة الجماعية. وتعريف الإبادة الجماعية مثلما جاء في معجم المعاني الجامع هو (محاولة القضاء على شعب أو طائفة) و(قتل منظَّم لجماعة عِرقيَّة لشعبٍ ما).

الإبادة الجماعية مصطلح سياسي ظهر في العام 1944 على يد محام يهودي بولندي يدعى (رافائيل ليمكين) تحت مسمى (genocide)، وهي جمع بين كلمة يونانية (geno) وتعني سلالة أو عرق أو قبيلة وأخرى لاتينية (cide) وتعني القتل. وعلى الرغم من أنّ المصطلح جاء لوصف الإبادة الجماعية لليهود في العهد النازي، الا أن التاريخ الحديث يشير الى حدوث إبادة جماعية في العصر الحديث قبل هذا التاريخ نظمّها الأتراك المسلمين بحق الأرمن المسيحيين الذين قتل منهم في السنوات (1915 – 1916) ما يقارب الـ 650.000 أنسان، وفي أحصائيات أخرى ما يقارب من 1.2 مليون أنسان، لأسباب دينية. ما دمنا نتحدث عن الإبادة الجماعية في العصر الحديث، فعلينا ذكر عمليات الإبادة بحق قبيلة التوتسي على يد قبيلة الهوتو في رواندا والتي ذهب ضحيتها 800.000 أنسان خلال 100 يوم فقط في العام 1994، وما جرى في العراق خلال عمليات الأنفال التي ذهب ضحيتها ما يقارب الـ 180.000 أنسان كوردي وتدمير خمسة آلاف قرية في كوردستان العراق، وعمليات إبادة ما يقارب الثلاثة عشر الف كوردي فيلي وتهجير مئات الآلاف منهم على يد البعثيين الفاشيين لأسباب قومية عنصرية، وإبادة الأيزيديين على يد تنظيم داعش الأرهابي لأسباب دينية.

تاريخيا تعتبر إبادة الهنود الحمر احدى أكبر عمليات الإبادة الجماعية بحق شعب في التاريخ، إذ لم يتبقى الا القليل منهم بعد أن قُتلوا بشكل ممنهج من قبل الغزاة الأوربيين والأمريكان لاحقا. فبعض المتخصصين يشيرون في بعض الدراسات الى وجود ما يقارب الخمسة عشر مليون هندي أحمر في امريكا الشمالية، الذين ما أن وضع الأوربيين أقدامهم فيها، حتى وصلت أعدادهم بعد المجازر الوحشية والمجاعات والأوبئة التي عانوا منها الى أقلّ من 250.000 أنسان في نهاية القرن التاسع عشر. الإبادة الجماعية هذه كانت مقصودة لأفراغ الأرض منهم، وبهذا الصدد يقول كلاوس كونور، الأستاذ بجامعة برينستون، من أنّ الإنجليز "هم أكثر القوى الاستعمارية الأوروبية ممارسة للأبادات الجماعية، فهدفهم في العالم الجديد كأستراليا ونيوزيلاندا وكثير من المناطق التي يجتاحونها هو إفراغ الأرض من أهلها وتملّكها ووضع اليد على ثرواتها".

الهولوكوست، الجينوسايد، الإبادة الجماعية أو أي مصطلح قد يأتي لاحقا، لا يخرج عن دائرة محاولة القضاء على شعب ما جزئيا إن لم يكن كلّيا، بدوافع عنصرية أو دينية أو طائفيّة، ولم يخلو التاريخ البشري لليوم من حروب أدّت وستؤدي الى أبادات جماعية مستقبلا. فالتمييز القومي والديني، وتقسيم البشر الى درجات طبقا للعرق وتفوّقه والدين وأحقيّته والمذهب وصحتّه والثقافة والأختلاف معها، وبشكل عام أعتبار مجموعة بشرية أقلّ شأنا من أخرى تمتلك السلطة ووسائل العنف، تؤدي الى تصادم بين هذه المجموعات ما يؤدي الى حرب والتي تمّهد الطريق الى الإبادة الجماعية.

لقد تعرّض اليهود لمضايقات وحتّى أضطهاد وقتل كأقلّية دينية في مراحل تأريخية مختلفة تمتد لقرون، فأفراغ الجزيرة العربية منهم وأستئصالهم بعد معارك دامية على سبيل المثال، شكل من أشكال الإبادة الجماعية، وعلى الرغم من محاولة ربط تلك الإبادة بعوامل سياسية وقتها كعدم ألتزام اليهود بالتحالفات التي أبرمها المسلمون مع مختلف القبائل، الا أنها تبقى سياسة تطهير ديني وإبادة جماعية. أمّا في أوربا فلم تظهر معاداة السامية وهو مصطلح حديث أطلقه صحفي الماني يدعى فيلهلم مار عام 1879 في وصفه لكراهية ومعاداة اليهود أثناء الحكم النازي لألمانيا، بل يعود لفترات سبقت النازية بقرون. فقد عاملت محاكم التفتيش في القرون الوسطى بأوربا اليهود معاملة قاسية جدا، فأجبار اليهود على وضع شارة صفراء على ملابسهم في المانيا النازية على سبيل المثال موروثة من القرون الوسطى لتمييزهم عن المسيحيين في اوربا وأحتقارهم، وليست تمييزا نازيّا لليهود أثناء الحرب العالمية الثانية.

قبل صدور وعد بلفور بأقامة وطن قومي لليهود في فلسطين العام 1917، كان عدد اليهود الأوربيين الذي وصلوا فلسطين قد وصل الى 100.000 مهاجر تقريبا، وهذا ما دفع الأوربيين الى الأعتقاد بأمكانية التعايش بين الطرفين من جهة، وأفراغ أوربا من اليهود من جهة ثانية وهذا كان الأهم من جانبهم، لكن الحقيقة كانت غير ذلك كليّا. ففي أواخر آب/ أغسطس 1929 أنتفض الفلسطينيون الرافضين للهجرة اليهودية المكثّفة، بما سميّ بـ "هبّة البراق" والذي ذهب ضحيتها المئات من الطرفين. وبعد بضع سنوات ويأس الفلسطينيين من تغيير بريطانيا سياساتها ومواقفها الداعمة لليهود بأقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وتمسّكهم بالوعد الذي قطعه وزير خارجيتها بلفور، أندلعت ثورة أستمرت سنوات 1936 – 1939، والتي تفجّرت بداية في حيفا سنة 1935 إثر أغتيال الشيخ عزّالدين القسام، وتلاها الأضراب العام في نيسان/ أبريل 1936 .

لقد بدأ الهولوكوست اليهودي بشكل منظّم ومخطط له، بعد أن حشر النازيّون مئات الآلاف من المدنيين اليهود ومن مختلف الأعمار، في مجمّعات سكانيّة "غيتوات" منتخبة بعناية وعلى مساحات جغرافيّة ضيّقة. وكان كل ما يجري في هذه المجمّعات يراقب بشكل دقيق من قبل الأجهزة المخابراتية النازيّة، وحتى الماء والطعام كان يخضع للتقنين من قبل النازيين.

على الرغم من حشر اليهود في الغيتوات، الّا أنّهم أستخدموا حقّهم في النضال والكفاح المسلّح ليتحرروا من الهيمنة النازية العنصرية التي لم تكن تعاملهم كبشر. وبعد أنتشار أخبار عن ترحيل اليهود من الحي اليهودي في بوار صوفيا الى معسكر للإبادة بتريبلينكا في نيسان/ أبريل 1943، أندلعت أنتفاضة مسلّحة في ذلك الغيتو، ودمّر النازيّون الغيتو وقتلوا أعداداً كبيرة من المنتفضين وغير المنتفضين، وعلى الرغم من القسوة البالغة للنازيين وميزان القوى الذي كان بجانبهم، الا أن الأنتفاضة وهي حق وشكل من أشكال النضال، أنتقلت الى غيتوات يهودية غيرها كـ (فيلنا) و(بيالستوك) وغيرهما، والتي ووجهت بنفس العنف والدمار. فهل كان اليهود وهم ينتفضون ضد النازيين ويُقتلون، أرهابيين..!؟

يعتبر قطّاع غزّة من أكبر الغيتوات في العالم، فعلى مساحة 365 كم مربع يعيش أكثر من مليوني أنسان تحت حصار أسرائيلي برّا وبحرا وجوّا، وهو أشبه بحصار النازيين للغيتوات اليهودية أثناء الحرب العالمية الثانية.

الشيء الوحيد الذي لم يفعله نازيّو أسرائيل ورثة عصابات الهاغاناه والإرغون هو أجبار الفلسطينيين في الغيتو على لبس شارة تميّزهم، والسبب هو عدم السماح لهم بالخروج من الغيتو الا بتصريح من الجيش الأسرائيلي وليس أمر آخر. وتشّن القوات الأسرائيلية بين الحين والآخر هجمات دمويّة على غيتو غزّة، وتدمّر المباني والمدارس والمستشفيات على رؤوس الفلسطينيين، في مشاهد من القسوة تذكّرنا بالقسوة النازيّة خلال الحرب العالمية الثانية.

بغضّ النظر عن أتفاقنا أو أختلافنا مع حماس أو غيرها من المنظمات الفلسطينية بل وحتى السلطة الفلسطينية، فأننا يجب أن نتفق على حق الفلسطينيين بالمقاومة، كما قاوم اليهود النازيين. أنّ ما جرى ويجري في غزّة ليس وليد اليوم، بل وليد تراكمات من القهر والأذلال والتهميش والأستفزاز المستمر من قبل الجيش والمستوطنين، الذي يعيشون في مستوطنات أقيمت أصلا على أراض صادرتها قوات الأحتلال الأسرائيلي. لقد رفضت أسرائيل لليوم تطبيق جميع الأتفاقات المبرمة مع الفلسطينيين، سواء تلك التي كانت برعاية الأمم المتحدة، أو برعاية الولايات المتحدة بالتعاون مع بعض الدول العربية.

لقد دانت دول العالم أجمع تقريبا الهولوكوست اليهودي، ولا زال الهولوكوست والفضائع التي حصلت أثناء الحكم النازي، هدفا لصانعي السياسة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لخلق بيئة مدافعة عن أسرائيل. وبهذا الخصوص أقيم التحالف الدولي لحفظ ذكرى الهولوكوست IHRA في العاصمة السويدية ستوكهولم والمعروف بأسم "أعلان ستوكهولم 2000"، لأجراء أبحاث ودراسات حوله من قبل أهم المعاهد العالمية المتخصصة وبدعم دولي، لغرض عدم تكرار الأمر ثانية مستقبلا. وبهذا الصدد تقول كاترين ماير السكرتيرة التنفيذية لـ IHRA، "لقد حدث ذلك مرة، وكان يجب ألا يحدث، ولكنه حدث فعلا، يجب الا يحدث مرّة أخرى ولكن هذا ممكن ومحتمل وهذا ما يجعل تدريس الهولوكوست مهمة أساسية"، وهناك كتيب من أربع وستون صفحة تحت عنوان "نصائح حول تدريس ودراسة الهولوكوست" يتناول طريقة التدريس وأساليبه والغرض منه . وتؤكّد كاترين ماير في مقدمة الكتيب قائلة "أنّ معاهد ومؤسسات شتى في جميع الدول الأعضاء في التحالف بما فيها منظماتنا الدولية الشريكة، تعمل بلا كلل لتدريس الطلاب وتدريب المدرسين والمربيين وبفضل هذه المؤسسات أصبح في الدول الأعضاء وسواها تشكيلة من المراجع التعليمية العالية الجودة، وبفضل مندوبينا يسرني أن أقدم نيابة عن التحالف هذه النصائح لتعليم ودراسة الهولوكوست تكملة لهذه المراجع. ومن دواعي سروري أيضا صدور هذا الكتيب بمشاركة اليونسكو على أمل دعم المنظمات الأخرى لما تبذله من جهد لتعميمه ونشره، علما بأن هذه النصائح تمثل مكسبا لجميع خبرائنا والذين أشكرهم فردا فردا لما يقدمونه من خبرة وتفكير"!!!

أن تقوم الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب بأكمله، بأقامة تحالف من أجل أجراء أبحاث ودراسات حول الهولوكوست الفلسطيني أمر لن يحدث مطلقا، لأزدواجية المعايير ليس في تعاملهم مع الفلسطينيين فقط، بل وفي تعاملهم مع جميع القضايا التي تهدد مصالحهم وهيمنتهم ونهبهم لدول وشعوب العالم.

على الدول العربية والأسلامية، أن تعترف بالهولوكوست اليهودي والا تشكك بحدوثه. لكنهم في نفس الوقت أمام مهمة تشكيل لجان متخصصة لدراسة الهولوكوست الفلسطيني من قبل متخصصين، ودعوة دول تتعاطف مع قضية الشعب الفلسطيني العادلة للمساهمة في المهمة. كما وعلى الدول العربية والأسلامية أستخدام نفوذها وأصدقائها للضغط على اليونسكو لدعم مثل هكذا مشروع وعلى غرار دعمها للمشروع الآنف الذكر، أي أعلان من أجل حفظ الهولوكوست الفلسطيني في ذاكرة الأجيال. وعلى الدول العربية والأسلامية أعتماد مادة تحت عنوان الهولوكوست الفلسطيني في المناهج الدراسية، معزّز بالصور والأفلام ليكون الطلبة على دراية كاملة بممارسات أسرائيل النازيّة تجاه الفلسطينيين.

سياسيا ولأستتباب الأمن والسلام والتقدم في منطقة الشرق الأوسط، فأن حل أقامة الدولتين وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، هو الحل الوحيد لأنهاء معاناة الفلسطينيين وأرساء سلام عادل وشامل بين دول المنطقة وشعوبها ومنها الشعب الأسرائيلي نفسه.

"تاريخنا مكتوب بالحبر الأبيض. إن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين. ويا الهي، ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض! هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون كذلك.. إن جلّادنا المقدّس واحد".

(مايكل هولي إيجل، من نشطاء الهنود الحمر)

***

زكي رضا - الدنمارك

لا يا بنجلون .. 7 أكتوبر ليس تاريخ اغتيال القضية الفلسطينية؟

فاجأني المقال الأخير للكاتب المغربي الطاهر بنجلون المقيم في فرنسا، والمنشور في العدد الجديد من "لوبوان" الفرنسية، تحت عنوان (7 أكتوبر تاريخ اغتيال القضية الفلسطينية).

المقال يوضح بالملموس، انجراف الحائز على جائزة الغونكور الفرنسية، مع ماكينة الإعلام الغربي الحربي الموجه، ووقوعه في كمينه الخسيس، بعد سلسلة من الترويجات المسيئة للمقاومة الفلسطينية، بدءا بقتل المدنيين الإسرائيليين، وقطع رؤوس أطفالهم ونسائهم، وترويع السياح من مختلف جنسيات العالم، وانتهاء بتشويه الدين الإسلامي، واعتباره نافذة لتفريخ الإرهاب والقتل وسفك الدماء.

وكان الرئيس الأمريكي جو بادين قد تراجع عن تصريحاته السابقة حول ادعاءات بتنفيذ حماس لعمليات بقطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين، خلال اجتماعه مع الطائفة اليهودية في البيت الأبيض. قبل أن ينقل  صحيفة واشنطن بوست عن متحدث باسم البيت الأبيض قوله إنه "لا الرئيس بايدن ولا أي مسؤول أميركي رأى أي صور أو تأكد من صحة تقارير بشأن ذلك بشكل مستقل".

وشنت صحف مقربة من الجيش الإسرائيلة، من بينها "إسرائيل اليوم"، حملة ل"دعشنة المقاومة الإسلامية حماس، زاعمة أن "السلطات الإسرائيلية تعتقد أن الإرهابيين، الذين قتلوا عددا من سكان الكيبوتس، خططوا لرفع علم داعش، ولكن قوات مكافحة الإرهاب قضت عليهم قبل أن يتمكنوا من تنفيذ خطتهم"، مستطردة أنه "اكتشف علم تنظيم داعش الإرهابي على جثث الإرهابيين في كيبوتس (صوفا) في أعقاب الهجوم عليها".

وأوردت الصحيفة نفسها عن قائد لواء "غزة 99" العقيد باراك حيرام - في وقت سابق أمس- أن هناك "فظائع شهدتها إحدى الكيبوتسات، وخلال عمليات البحث فيها وجدنا أشخاصا مقيدين أطلق النار عليهم وأطفالا جرحى، ورضعا في عربات الأطفال.. لم يكن هناك رحمة".

الكاتب الفرنكوفوني الطاهر بنجلون، حزين جدا للهجوم الذي نفذته حماس يوم السابع من أكتوبر الجاري، لدرجة أنه "شعر بالرعب" من هذه الهجمات التي أصابت الإنسانية جمعاء بالصدمة والاستنكار. بل إنه عبر عن فتنته النفسية العصيبة، مؤولا ذلك إلى ما يشبه الضياع الروحي والقيمي، قائلا: “أنا في وحدتي، في حزني وخزي كإنسان، في اشمئزازي من هذه الإنسانية التي أرفض الانتماء إليها، أقول لا، هذا قتال لا يحترم قضيتهم. لا، لهذا التصفيق في بعض العواصم العربية. لا، لهذا الانتصار الدموي للأبرياء. لا، لعمى أولئك الذين يحركون خيوط المأساة، حيث، عاجلاً أم آجلاً، سيكون السكان الفلسطينيون هم الذين سيدفعون هذه الفاتورة الباهظة"؟.

لا أنتقد إحساس الكاتب بما هو حقيق بالواقع، بل أعاتبه لما هو أعلى من ذلك وأكثر، كونه، وهو الروائي الرائي الملتقط لكل تفاصيل الحياة ودهاليزها، والمتربص بشخوص وأمكنة المجتمعات الحضارية، الشغوف برسم معالم القيم والأحوال والمتغيرات، لا يستطيع أن يفصل بين التضليل والكذب وتشويه التاريخ وشيطنة الأفعال الإنسانية، وبين التبين والحقيقة والنظام القيمي العام؟.

صاحب أجمل الروايات وأعمقها حسا ورؤية واستشرافا للجمال والحرية والمساواة والعدل، (من يقرأ “تلك العتمة الباهرة”، و “موحي الأحمق، موحي العاقل” و”صلاة الغائب” و”طفل الرمال” و”ليلة القدر"،.. وغيرها، سيجد هذه الضالة المنشودة)، لم يكتب لحسه السادس ونزعته الإشراقية الصافية أن تبحث عن حتوف وإضلال ما ينتويه قراصنة التعتيم والتشهير والإمعان في الغش. وسرعان ما سرت أحاجي الإعلام الغربي، والفرنسي على وجه الخصوص، في دم نصوصه وأفكاره وقناعاته، مرتوية من أجيج الهتك والإغارة وتقوية الزيف وتلبيس منطق المسافهة.

وما يثير العجب فعلا، أن يكون زعيم حركة العمل البجيكية راؤول هيديبو، الذي نشرت "لوبوان" رأيه في ذات العدد، أقل توترا وزيغا وعدوانية، بل إنه تحدث بمرارة عن تكريس مفهومية الاحتلال وخنق قطاع غزة، معتبرا أن ما يصدر عن حركاته الداخلية هي "ردود أفعال"، ومستنتجا أن "لا حل سوى التحرير".”

إن العودة إلى رثائية بنجلون على نفس النهج، تكسر جانبا مهما من ثقافة التزكية والمؤامرة، حتى لو كانت غير منظورة بجميع مستويات التلقي، فتغيير الرأي والانقلاب عليه، لمجرد انخراط عاطفي في البروبجندا، دون تلمس الطريق إلى تأثيث الأخلاق والضمير، كما عبر عكسا في باقي مقاله، حيث قال : “الرعب إنساني، أعني أن الحيوانات لم تكن لتفعل ما فعلته حماس. ووصف وزير في حكومة نتنياهو (وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت) سكان غزة بأنهم (حيوانات). لا، هناك رجال بلا ضمير، بلا أخلاق، بلا إنسانية ارتكبوا المجازر"، يعيد تأويل سؤال النخب المهاجرة ودورها الواعي بحضارة الغرب وصراعاته الخفية وأيديولوجياته المتحاقنة تجاه العالم العربي والإسلامي، ويتلمس صرحا غامضا من التحوير والانسلاخ والتعمية، لا يتمكن كان من كان، من إخفائه أو توريته، مهما طال الزمن.

 إن القضية الفلسطينية، لا يمكنها أن تموت، ولا يمكن استردادها عبر هذا الاحتقان والتربص، لمجرد أن مصيرها مرهون بعميلة حماس الأخيرة التي تؤرخ ليوم السابع من أكتوبر الجاري.

القضية الفلسطينية يا سيد بنجلون، لن تموت أو تغتال تحت أي ظرف أو سبب، لأنها ليست قضية حماس فقط، ولا قضية أيديولوجيتها أو قناعاتها، بل القضية الفلسطينية أس وركيزة الضمير العالمي والإنساني، وخميرة أمة عانت الويلات قرنا من الزمان، أبيدت فيها أجيال، وقطعت فيها أرحام، وأحرقت فيها مدن وقرى وآثار وأمصار وحقول وغلال ...

ومهما يكن، وإن بدا لك الأبيض أسود والماء الزلال بالمكدور، والناهق بالمفترس، فكثير مما قرأت أو عصرته نواة عينيك، هو تلبيس إبليس، ونفخ جرائمي معتم، سرعان ما تذوب مخارفه، وتصفى ذؤابته، فلا "حماس عدو لشعبها الفلسطيني، ولن تكون قاسية دون أن يطالها الحس السياسي، الذي يستحيل أن يكون طرفا في لعبة من صنعوا لك هذه المصيدة، وألقوا بك في غياهيبها؟".

***

د مصطفى غلمان

الوضع فى فلسطين المحتلة يزداد اشتعالاً يوماً بعد يوم.. الجميع يري أن الحدث العظيم الذى بدأ يوم السبت الموافق السابع من أكتوبر هو حدث متفرد ومختلف، وأن ما سيتلوه من توابع وردود أفعال لا يشبه ما كان يحدث فى الماضى..

فبعد ما حققته فصائل المقاومة الفلسطينية من مكاسب على الأرض، وما تعرض له الجيش الإسرائيلي من هزيمة نفسية ضخمة، وما تتعرض له المستوطنات من تهديدات كبري، وما تلا تلك الضربة من توسيع رقعة المعركة فى عسقلان وسديروت وحدود لبنان وسوريا، الوضع ينبئ بمزيد من التصعيد ويؤكد أن المعركة ستطول وأن كرة النار تتضخم، وقد يستمر الصراع فى تأجج مستمر عدة أسابيع أو شهور قبل التفكير فى الجلوس على مائدة المفاوضات.. هذا ما تشير إليه بوصلة الأحداث التى تزداد حدة كل يوم بل قل كل ساعة..

سعار إسرائيلي غاشم

ما خسرته إسرائيل فى الأسبوع الأول من المعركة فاق التوقعات.. وأول تلك الخسائر وأكبرها انكشاف سوءة إسرائيل وسقوط أسطورة الجيش الذى لا يُقهر، والذى تبين أن أقل هبة ريح تدمر أشرعته ودعائم بنيانه الواهى..اليوم الأول فقط سقط فيه قتلى وصل عددهم إلى أكثر من1200 شخص، منهم قادة فى الشرطة والجيش تراوحت رتبهم بين الرائد والعقيد، بخلاف الأسرى من العسكريين والمستوطنين اليهود وعددهم بالمئات، كل هذا حدث بألف مقاتل فقط! ثم جاءت ضربة عسقلان التى تم رشقها بسيل من الصواريخ تسبب فى مضاعفة خسائر الجيش الإسرائيلي..

أمريكا وأوروبا انبروا يهاجمون ما فعلته المقاومة الفلسطينية ودعوا إسرائيل إلى رد حاسم قوى، فما كان من الأخيرة إلا أنها توجهت بكل ثقلها صوب المدنيين فى غزة..وبكل الحقد الكامن فى نفوس هؤلاء الموتورين لم يتورعوا أن يستخدموا كل القوة الغاشمة لدك البيوت والمساجد على رؤوس الساجدين والعباد والضعفاء من النساء والأطفال والكهول..لدرجة أنهم قاموا بمحو مناطق بأكملها بصواريخ ثقيلة وقنابل فوسفورية محرمة دولياً..وبدلاً من أن نرى موقفاً دولياً مندداً بالهجوم الإسرائيلي الغاشم وإفراطها فى استخدام العنف ضد المدنيين العزل فى غزة، وجدنا أمريكا والغرب يحضُّون على مزيد من التدمير بل ويمدون إسرائيل بمزيد من أسلحة التدمير الشامل!

دموع التماسيح

المشهد الأمريكى أظهر فى وضوح وجلاء معيارها المزدوج وطريقتها فى قلب الحقائق والكيل بمكيالين..

بايدن سارع بتأييد الموقف الإسرائيلي رغم أنها بدأت بالعدوان منذ شهور مضت، ولم يكتفى بمجرد التأييد بل تحركت بوارجه الحربية وحاملات الطائرات صوب شرق المتوسط ومعها دعاوى بتوسيع رقعة المعركة والرد بمزيد من العنف والتدمير..فى نفس الوقت الذى خرج فيه مسئولون أمريكيون يذرفون الدموع على الهواء مباشرةً تأسياً على القتلى من الإسرائيليين، وجذباً للتعاطف العالمى ضد أصحاب الأرض..

فرنسا وبريطانيا وألمانيا ساروا فى نفس الركاب الداعم لإسرائيل، وربما لجأوا لتحريك قوات عسكرية تزاحم الأسطول الأمريكى فى شرق المتوسط وتؤجج الأوضاع أكثر..كل هذا من شأنه أن يحول دفة المعركة نحو مزيد من التصعيد وفتح جبهات جديدة للقتال..

الآن وقد تحركت القوات الأمريكية وعلى رأسها وزير الدفاع ووزير الخارجية نحو إسرائيل، فهل سنشهد انضمام أطراف جديدة للحرب الدائرة هناك؟!

سيناريوهات الصراع

سارعت إسرائيل بحصار غزة وقصفها بالصواريخ فيما زعموا أنه يجرى فى إطار بروتوكول هانيبال الذى يقضى بقتل الأسرى الإسرائيليين مع آسريهم معاً؛ من أجل إسقاط ورقة الضغط الكبري التى امتلكتها فصائل المقاومة أمام الإسرئيليين حال التفاوض..

فى نفس الوقت بدأ الضغط الإسرائيلي والأمريكى للقيام بعمليات تهجير وإجلاء جماعى لسكان غزة، بينما اعترضت مصر والسلطة الفلسطينية على مثل هذا الإجراء اللاإنسانى..وعلى الطرف الآخر شهد غلاف غزة الذى بدأت فيه الأحداث إخلاءً واسعاً من مستوطنيه..كل تلك الإجراءات وغيرها من شواهد التصعيد تؤكد أن إسرائيل اتخذت بالفعل قرار الحرب لا قرار التفاوض..

القدس تحولت لثكنة عسكرية، وغزة محاصرة بقوات الجيش الإسرائيلي استعدادا لاجتياح بري محتمل، وقوات الاحتياط تم استدعائها وإن كانت هناك حالة سخط عامة ومحاولات هروب من الخدمة العسكرية تشي بارتباك وتخبط..ولعل أشد ما قوَّى شوكة الجيش المحتل ما تلقاه من دعم أمريكى فوري تمثل فى حاملتى طائرات مدججة بالعتاد والسلاح والذخيرة على شواطئ فلسطين المحتلة..

أمريكا لا تريد تهديد الفصائل الفلسطينية بقدر ما تريد تحجيم تدخل الأطراف العربية حول فلسطين وبالأخص حزب الله اللبنانى ومن ورائه إيران..وفى هذا الإطار قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف مطارات دمشق وحلب قصفاً تحذيرياً لتحييد الحدود مع الجيران العرب.

روسيا رابضة فى الكواليس تراقب وتدعم الجانب الفلسطينى من بعيد، ثم أنها تستغل انشغال أمريكا وحلف الناتو بدعم إسرائيل عسكرياً، لتحقق مكاسب سريعة على أرض أوكرانيا..

كل هذا يشير إلى أن الباب مفتوح على مصراعيه لعدة خيارات تبدأ من فتح جبهات قتال متعددة إلى المعركة البرية المحدودة إلى حرب شاملة موسعة طويلة الأمد.. بل وقد وصلت بعض التقديرات إلى حد توقع حرب شرق أوسطية متعددة الأطراف..

حرب الإعلام

أحدث وأهم ما اتخذته إسرائيل من إجراءات هو حربها العالمية ضد الإعلام لتحويله إلى إعلام صوت واحد يخدم مصالحها دون غيرها.. لدرجة أن نرى دعاوى لتجريم أى دعم تجاه المقاومة الفلسطينية بدءاً من تجريم رفع العلم الفلسطينى وحتى حجب المواقع لمنع تداول المعلومات حول خسائر الجيش الإسرائيلي ومكاسب المقاومة الفلسطينية!!

ثمة جرائم حرب تُرتكب الآن فى حق المراسلين الصحفيين والإعلاميين المتواجدين فى ميادين الصراع، وهناك تعتيم إعلامى واسع النطاق خاصةً فيما يتعلق بأعداد القتلى والأسرى والمصابين فى الجيش الإسرائيلي خاصةً العسكريين منهم..

من المعروف أن اليهود يسيطرون على منابر الإعلام فى الغرب، وأن الآلة الإعلامية الصهيونية ذات نفوذ قوى وامتداد كبير يمكنها من تحقيق نجاح سريع فى مضمار الحرب الإعلامية..إلا أن كل تلك الجهود والمحاولات لم تستطع أن تمنع تسريب بيانات كثيرة بخصوص حقيقة ما يجرى هناك..

غزة تتعرض اليوم إلى حصار شديد خصوصاً فى وسائل الاتصال بعد قطع الإنترنت عنها فيما تم قطعه من خدمات أساسية شملت الكهرباء والوقود والمياه والغذاء والدواء، لدرجة أن أغلب مستشفيات قطاع غزة باتت خارج الخدمة، فى الوقت الذى انغلقت فيه المعابر ورفضت فيه المستشفيات الإسرائيلية استقبال الجرحى والمصابين من المدنيين الفلسطينيين..

جمعة طوفان الأقصى

دعت فصائل المقاومة الفلسطينية سائر العرب لدعم موقفها ضد إسرائيل وحلفائها فى الغرب..

إنها جمعة الأقصى أو جمعة النفير العام كما أسمتها المقاومة.. إنها فرصة كبري لجمع كل الدعم الممكن من أجل حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية التى طال أمدها دون وجود بصيص أمل حقيقي لعودة الفلسطينيين وحل الدولتين ووقف الاعتداءات الإسرائيلية ووقف بناء المستوطنات، ولمنع مخططات هدم المسجد الأقصى..

كل الشواهد تؤكد أن الحرب هذه المرة مختلفة، وأن نتائجها لابد أن تكون على مستوى أحداثها المستعرة، وبرغم الآلام والأحزان والشهداء الذين سقطوا فى طريق المقاومة والدفاع عن المقدسات فإن حصاد الحرب لن يكون أبداً فى صالح إسرائيل.. وإن كانت فلسطين تتألم وتدمى فإن إسرائيل تذوق اليوم من نفس الكأس ولسوف تجنى خسراناً وانهزاماً مؤكداً أمام أصحاب الأرض مهما طال أمد الصراع.. فلابد أن يندحر الباطل وينتصر الحق.

***

عبد السلام فاروق

مرّت ثلاثةُ عقودٍ من الزمن العربي المثقل والمرتبك عموديًّا وأفقيًّا على احتفال توقيع اتفاق "إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي" المعروف بـ"اتفاقية أوسلو"(ايلول/ سبتمبر 1993) لتشهد منظّمة التحرير الفلسطينية تحوّلًا أو انعطافة تاريخيّة في مشهد سياسي تتحكم فيه موازين قوى أكبر من طاقة أو قدرة قوى المنظمة، أو المهيمنين عليها، على مواجهتها، مما وضع المنظمة والقضية الفلسطينية أمام تحديات وإرباكات أضعفت الحلم الفلسطيني، المكاسب أو التوقعات وعقّدت النتائج والنهايات وأُبعدت الأهداف المطلوبة من أي حراك أو كفاح وطني عام أو خاص، أو وضعتها في أزمات متتالية ليست في صالحها وتطوير نضالها واستحقاق تاريخها السياسي والقانوني، كما قدمت أسئلة متوالدة ومتوالية في حاجة إلى إجابات واضحة ومراجعة مسؤولة وموضوعية عنها.

استطاع كيان الاحتلال الإسرائيلي من استغلال الاتفاقية لصالحه ومارس دوره المعروف في الخداع والتضليل وتهميش جوهر القضية الوطنية الفلسطينية، مواصلًا تحقيق مشروعه الاحتلالي الاستيطاني واضطهاد الشعب الفلسطيني وتهجيره وإخراجه من أرض وطنه وفتح المجال واسعًا أمام إقرار وجوده والخضوع لبرامجه ونهجه في العدوان، وفرض أمر واقع بالتعاون والتنسيق مع الدول الرأسمالية الداعمة له وغيرها من المتخادمة معه ومع رعاته ومشروع وخطط إقامته ووجوده.

حصلت بعض المكتسبات من الاتفاقية، بدهيًّا، أو حسب تقدير المندفعين لها، ولكنها توقفت عند صفحتها الأولى وتراجعت بعدها من خلال ما استثمره الكيان الصهيوني من تنازل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عن 77%‎ من أرض فلسطين، والوقوع في طامة كبرى، قانونيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا أيضًا، كون هذا التنازل تفريطًا بحقٍّ مشروعٍ من جهة، وتنازلًا دون توافقٍ وطني من جهةٍ أخرى، وتجاوزًا تاريخيًّا لثابتٍ وطني من جهةٍ ثالثة والقبول بالاختراق الصهيو - غربي لتفتيت القضية الفلسطينية ولقيادات صعدت إلى الواجهة السياسية في ظروفٍ لم تعد سريّة أو مخفيّة من جهةٍ رابعة والقبول في تحول البرنامج الوطني من "التحرير" إلى "تسوية وسلطة سياسية" تلغي دور المنظمة وبرنامج التحرر الوطني الذي تأسست عليه، عمليًّا، من جهة أساسية؛ الأمر الذي يعني أن توابعه وتداعياته أخطر من عدمه، أو أنّه أمر مدروس لما يليه ويحصل بعده، وهو ما تم بغفلة أو بوعي، وما جرى يفضح جوهر الاتفاقية وأهدافها.

لم تتعظ قيادة منظمة التحرير من دروس الاتفاقات العربية مع الكيان فضلًا عن دروسها وحركة التحرر الوطني ولم تؤمن وضعها أمام الاتفاقية ورعاتها ولم تتقدم إليها بوحدة وطنية شعبية وإصرارًا على استمرار النضال بكل الأساليب من أجل إكمال التحرر الوطني والالتزام ببرنامجه المتوافق عليه، وعدم التخلي عنه أو عن حقوق الشعب المشروعة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير؛ الأمرُ الذي أضعف القضية والمنظمة وقزّمهما دون آفاق واضحة لحلول ممكنة ونهايات لمصلحة الشعب الفلسطيني والوطن العربي، وكان من بين أبرز التحولات أو الانعطافة،  تحول الحركة الوطنية الفلسطينية من حركة تحرر وطني إلى البحث عن تسوية سياسية وقيام سلطة لفظية على جزء من شعبها، في جزء من أرضه، وفي الواقع سلطة اسمية على شعبها فقط، وليس على أرضه وموارده، وفعليًّا "سلطة" تحت سلطة الاحتلال، وشروطها السياسية والاقتصادية والأمنية والإدارية، وإبعاد المنظمة إطارًا سياسيًّا بمشروع وطني، وتهميشها سياسيًّا وشعبيًّا، والبحث عن مسار تسوية سياسية، واختزال الأرض والوطن واللاجئين وقرارات الأمم المتحدة ببنود الاتفاقية التي رسمتها العقلية الصهيونية المتنفذة في إنجاز الاتفاقية وما تلاها.

ولعلّ من تداعيات الاتفاق المباشرة، بعد كل ما جرى، الانقسام الواسع في الرأي والرؤية الفلسطينية ورفض قوى وفصائل سياسية للاتفاقية وإعلان معارضتها لها واستفراد الكيان بمن وقّع معه الاتفاق واعتبار الانقسام وسيلةً للكيان في تمزيق الصف الفلسطيني وتدمير المشروع الوطني الجامع والإرادة الشعبيّة له من جهة، وتعميق الانقسام والاختلاف على الثوابت الوطنية والبرنامج التحرري والإجماع الشعبي من جهةٍ أخرى، والتخلّي عمليًّا عن المرجعيات القانونية، سواءً ما صدر من الأمم المتحدة أو القرارات الدولية الملزمة للكيان الإسرائيلي، وطبيعة الالتزام بها وتطبيقها وعدم التهرب منها، كما هي طريقته في التسويف والتشويه والتهميش والتملص من كل ما هو قانوني وملزم لسلطة احتلال، واستغلت سلطة الاحتلال كل ذلك في التحكم بدور السلطة الفلسطينية وتحويلها إلى ما يخدم مصالح الاحتلال أكثر من مصالح الشعب الفلسطيني، لا سيما في إدارة الحياة اليومية والتواصل الاجتماعي الجغرافي وحماية الشعب من العسف والقمع والاعتقالات. ومارس الكيان عمليًّا ليس تقسيم الفلسطينيين سياسيًّا وحسب، بل وجغرافيًّا، عبر الانقسام الحاصل حاليًّا بين المحافظات الشماليّة (الضفة الغربيّة)، والجنوبيّة (قطاع غزة)، فضلًا عن تنصّل الاحتلال الإسرائيلي من الحقوق الفلسطينيّة كافةً وتهميشها على أرض الواقع والمسار التاريخي.

في الأساس نجحت اتفاقية أوسلو في تهميش منظمة التحرير الفلسطينية أو إخراجها من مكانتها ودورها وعزلتها رسميًّا وأبعدتها شعبيًّا عبر الضغوط السياسيّة أو الاختراقات التنفيذية، بدءًا من التوقيع على الاتفاقية دون أخذ رأي الشعب واستشارته، ما رسم فجوة بين قيادتها والشعب الفلسطيني، لا سيّما باعترافها بالكيان الإسرائيلي وحقه بالوجود بلا تبادل رسمي وعلني أو ما يقابله قانونيًّا، ما قلّل من مكانتها وفقدان الثقة في تلبية البرنامج الوطني الفلسطيني بأركانه في عودة اللاجئين والدولة المستقلة وعاصمتها القدس ومقاومة الاحتلال بكلّ أشكال الكفاح وتقرير المصير، في الوقت الذي مرر الكيان هدفه وسياسته العدوانية في عدم الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحقه في الوجود، كما اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية به، فقد اعترف الكيان بالمنظمة فقط "ممثّلًا "حتى ليس "ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا" للشعب الفلسطيني، وهذا يفسر بأن المنظمة لم تعد كما هي أو كما تأسست عليه، وقد تهمشت إلى درجة رفعها إلى رفوف السلطة واستحضارها حين اللزوم، باسم السلطة وفريق أوسلو وليس الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.

ومن خلال ذلك أو عبره وهدف الكيان ورعاته من اتفاقية أوسلو هو اعتبارها مدخلًا "لشرعنة" الكيان الإسرائيلي رسميًّا وقانونيًّا دوليًّا، وتقديمه باسم الاعتراف الفلسطيني إلى الدول والحكومات العربية والأجنبية إلى إقامة علاقاتٍ رسميّةٍ علنيةٍ معه، واستدعى هذا تشويه مواقف الفصائل الفلسطينية المعارضة للاتفاقية، والتخلي عن برنامج التحرر الوطني الفلسطيني بأهدافه وخطواته ومستقبله، وصولًا إلى إضعاف القضية الفلسطينية وعزلها عن بيئتها العربية والإسلامية وقوى التحرر الوطني العالمية، وضمن إطار الخطط الصهيونية في إنهاء الحقوق الوطنية وحرف بوصلة الصراع ضد الكيان إلى الصراعات الإقليمية والدينية الطائفية في المنطقة والمحيط بها، وتجريد قوى المقاومة الوطنية والكفاح التحرري من الحاضنة الشعبية والتضامن الدولي ومحاصرتها بقرارات دولية وإجراءات داخلية وخارجية تضعف من امتدادها الشعبي وحقوقها الوطنية وسرديتها التاريخية، وتقدم للكيان فرص التحول إلى كيان "طبيعي" في المنطقة والاعتراف بوجوده، عربيًّا وإسلاميًّا، رسميًّا وعلنًا، والتخلي عمليًّا عن شعار مركزية القضية الفلسطينية للأمة والنضال التحرري العربي، دون التفات إلى معاناة الشعب الفلسطيني على أرضه وحقوقه الوطنية الفلسطينية المشروعة.

من هنا يظهر الخطر الصهيوني في خططه ومشاريعه الواسعة، بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو خصوصًا، ليس على تهميش القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير والدعم العربي والإسلامي والدولي وحسب، إنما في خطره الأوسع على المنطقة أيضًا، انطلاقًا من ارتباطاته ورهاناته التي تأسّس عليها في المشاريع الإمبرياليّة للهيمنة على المنطقة ونهب خيراتها وتفتيت قواها الوطنية وتهديدها بالتقسيم والتجزئة وفرض التخادم والاعتراف وهدر الثروات وإنهاك الشعوب بالصراعات الداخلية والحروب والانقسامات التي لا تخدم مصالحها الوطنية وأهداف التحرر الوطني التي تناضل من أجلها.

كتب الكثير عن الاتفاقية ومن كل الأطراف، سواء تلك التي تورطت فيها أو التي عارضتها، أو التي قرأتها باستقلالية، ويكاد الجميع متفقًا على أن اتفاقية أوسلو كارثة حلّت بالقضية الفلسطينية، لم تجلب للفلسطينيين سوى الويلات، وأصبحت مؤشّرًا على فشل قيادة منظمة التحرير في أدائها السياسي والمؤسسي، والانحراف عن الأهداف التي تأسست على أساسها المنظمة، مما يتطلب الآن من الجميع مراجعة وتقييمًا نقديًّا، بعد كل هذه الفترة الزمنية، والتوقف المعلن من الالتزام بهذه الاتفاقية وما تولد منها، مع طرح خيارات واقعية للحلول المنشودة، تبدأ من إعادة الاعتبار للحقوق الفلسطينية المشروعة ومركزية القضية الفلسطينية وحضنها العربي والإسلامي وقوى التحرر العالمية، ولعل ما أعلنته قوى أيدت الاتفاقية بداية وعادت الآن معارضة استمرار آلياتها، حيث رأت، حسب تصريح قيادات لها "حالة الانحدار التدريجي لإبقاء العملية السياسية مستمرة، ويتواصل معها الاستيطان والاحتلال، وهو ما أفضى لآليات خاطئة في التنفيذ"، مشيرة إلى أنّ اتفاق أوسلو لم يعد قائمًا من الناحية الواقعية والعملية، وهو ما يفرض ضرورة التحلل منه بالعمل على إيجاد بدائل واقعية ومنطقية تُخرج الحالة الفلسطينية السياسية من المشهد القائم بعيدًا عن التنازع على السلطة.

وبالتأكيد يصبح العمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني، والعودة إلى آليات العمل الوطني ببرنامج التحرر الوطني ومهماته المعروفة في مشاركة كل القوى والفصائل الفلسطينية والتنسيق والتضامن مع الحاضنة الشعبية وقوى التحرر الوطني العربية والإسلامية والعالمية أمرًا ملزمًا وأساسيًّا؛ إذ لم يكن الصراع في إطار فلسطيني – إسرائيلي، فقط، بل هو صراع عربي- صهيوني، تمثل القضية الفلسطينية محوره الرئيسي، وتتحمل الشعوب العربية والإسلامية أيضًا مسؤولية الدفاع عن قضاياها المهددة من الأخطار الإسرائيلية والإمبريالية الموجهة ضدها، من خلال هذا الصراع وما يلتحق به من خطط ومشاريع استعمارية، فكانت اتفاقية أوسلو، في إطارها وبنودها وعملية التوقيع عليها والاحتفال بها والسجن داخل أسوارها ضربة غير منتظرة وسببًا لنكبة أخرى أو معبرًا لها، أسهمت في تأخير قضايا التحرر الوطني، فلسطينيًّا وعربيًّا في الأساس؛ إذ من المعلوم أن الكيان الإسرائيلي والحركة الصهيونية والغرب الاستعماري، هذا التحالف  العدواني، يشكّل تهديدًا دائمًا للحريّة والاستقلال الوطني لكلّ الشعوب، بما فيها العربية والإسلامية، وعقبة في طريق نضالها إلى التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي والوحدة الوطنية والقومية، ويُعدّ تحدّيًا مباشرًا لكلّ حركة تحرّر وطني، ولمنع هذا التحالف من إنجاز خططه ومشاريعه يتطلب تحشيد كل القوى الوطنية بكل فصائلها وطاقاتها والتصدي الكفاحي له، من خلال استكمال مهمات التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي الديمقراطي ووحدة الساحات والمواقف الأساسية، ليكون مقدّمةً لانتصار الشعوب وفي مقدمها الشعب الفلسطيني، وأن يكون فصيلًا رئيسيًّا من فصائل حركة التحرر الوطني والتقدم والديمقراطية في المنطقة والعالم.

***

كاظم الموسوي

احتمال امتداد الصراع العسكري من داخل فلسطين الى مناطق أخرى هو امر وارد ونقل هكذا قتال قد يتم استغلاله لكي يتم افتعال معركة مع سوريا ولبنان امتدادا للجمهورية الإسلامية الايرانية وهذا الامر خطير لأنه سيكون ك "كرة الثلج" ضمن مرحلة حساسة في العالم تشترك فيها روسيا والصين ودول البريكس ك "اقطاب دولية جديدة"

ان جمهورية روسيا الاتحادية لديها حالة فريدة في علاقتها الدولية لأنها ضمن حلف مع الجمهورية العربية السورية وفي نفس الوقت لديها "علاقات" مع الكيان الصهيوني نتيجة لتواجد أكثر من مليونين من اليهود الروس داخل فلسطين وأيضا وجود تأييد للكيان الصهيوني داخل بعض مؤسسات الدولة الروسية، والتي أيضا يتواجد فيها عدد كبير اخر من المؤيدين للقضايا العربية، ولكن في المجمل علينا ان نعرف ان الجمهورية الروسية لديها أيضا حرب عسكرية تخوضها وصراع دولي شامل تعيشه في الموقع الاوكراني.

ان المصلحة الروسية القومية هي الحاكمة في الموضوع بكل الأحوال، ولكن ضمن الحرب الاجرامية التي يقوم بها الصهاينة ضد المدنيين في فلسطين المحتلة انتقاما لأذلاهم و هزيمتهم الاستراتيجية في عملية طوفان القدس، هناك مسألة "السيناريوهات المفتوحة" و توقع الغير المتوقع، وخاصة ان هناك مشاكل صهيونية "داخلية" عميقة و صراعات  قد تؤدي الى حرب برية و تهجير للفلسطينيين خارج قطاع غزة، ليس لأهداف عسكرية  بل هي لنقل المشكل الداخلي الصهيوني بما يتعلق بتهديدات ادخال رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو السجن بعد فقدان حصانته، و هو ما يتوقعه اغلب المراقبين.

اذن ماذا سيحدث للقوى الإقليمية المجاورة لفلسطين؟ ماذا سيكون ردات فعلهم؟ ماذا ستقوم به الجمهورية الإسلامية الايرانية إذا تم استهدافها عسكريا؟ هذه كلها سيناريوهات مطروحة؟ والأخطر أيضا هو السؤال الكبير الذي يقول " هل سيستغل الكيان الصهيوني كل ما يجري لتدمير المسجد الأقصى تطبيقا لخزعبلاتهم الدينية اليهودية بشأن، بناء الهيكل وتهويد مدينة القدس؟ ماذا ستكون ردود الفعل للعرب وباقي الدول الإسلامية؟

رغم الضوضاء الدعائية في الغرب ضد الفلسطينيين و تزوير حقيقة ما يجري إعلاميا هناك ولكن أتصور ان هناك نية غربية في تهدئة الأمور عسكريا في فلسطين المحتلة لأن "الغرب" يتحرك وهو يغرق في المستنقع الاوكراني مع كل ما ترتب عليه من مشاكل عسكرية وصعوبات اقتصادية على مجمل الواقع الغربي الحكومي و الشعبي، ولكن واضح ان هناك داخل الكيان الصهيوني أكثر من خط داخلي يريد ان ينفذ اجندات شخصية او حزبية او دينية خاصة بكل خط من هذه الخطوط المتواجدة داخل مركز القرار في الكيان، تريد استغلال هذه الضوضاء الإعلامية في الغرب لتنفيذ اجندات كل خط من هذه الخطوط الصهيونية الداخلية.

للأسف الشديد ان العرب متفرقين ولا يعيشون وحدة او تضامن شامل وتنسيق عسكري أمنى استخباراتي اقتصادي يصنع منهم "قطبا" دوليا كبيرا صاحب مشروع قومي خاص في مصالحهم، لذلك لن يهتم العالم في العرب "متفرقين"، وخاصة ان الحرب في غزة تأتي في ظروف مرحلة انتقالية يزداد فيها قوة التعدد القطبي الدولي وتراجع عالم القطب الواحد.

***

د. عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

نعم.. بين الواقع والحقيقة جدلية.. بين ما يعتقدون الذين يسمون انفسهم بالقادة.. وبين الحقيقة المغايرة لاعتقادهم جدلية.. ما حصل بين حماس والدولة العبرية غيرَ وجه التاريخ.. لكنها جدلية.. فلم تعد الدولة العبرية كما كانت ابداً.. فقد أنثلمت هيبتها النفسية.. ومن ينكسر لن يعود ابدا الى سابق عهده، كما انثلمت دولة المسلمين بعد احتلال المغول لها ولن تعد.. دولة.. نعم أنها جدلية.. لأن الدولتين لم يعترفا بالحقيقة والخطأ.. فهل سيقرأون الذين يسمون انفسهم بالقادة ما حصل ليعودوا الى رشدهم بعد غفلة الزمن الطويل؟؟ اربعة مصطلحات ذكرها النص المقدس نهاية اصحابها الخذلان ان لم يلتزموا بالقيم الربانية .. الخيانة، والاعتداء، والظلم، والفساد.. كلها اذا توفرت في كيان معين نهايته نهاية كل الساقطين.. لذا بعد سقوط بغداد على يد المغول عام 656 للهجرة لم تقم دولة للمسلمين.

لم تعد الكتابة في الدين والاخلاق والقيم في مجتمعات التخلف الديني المقيت نافعة للتغيير، والتي اوصلت الناس الى لا اخلاقية الحياة في الدين. بل، لا بد من الالتفات الى الاسباب والمسببات التي غيرت المجتمعات واوصلتها الى حتمية الفوضى والانتهاء.. فكان فهم الدين ومؤسساته خطئاً بعد ان تغير رجاله الناكرين للقيم الاخلاقية الى منافقين.. وتكالبهم على المنافع الخاصة باسم الدين وتركهم الوصايا العشر، حتى تبدلت سايكولوجية المجتمعات الدينية المتزمتة الى العدم.. بعد ان غيرت سلطة الفساد المناهج الدراسية الفلسفية القويمة وحولتها الى تخريف.. هذا ما يجب الالتفات اليه لامكانية انقاذ المجتمع واجياله الصاعدة من سماسرة السلطة ورجال الدين ومرجعياته الصنمية اليوم.. والتي مثلت نفسها بسلطة الشعب باطلاً.. فلا حل الا بالمقاومة والتصميم على التغيير لصالح الشعب والوطن وبالفكر الراجح والمنهج الدراسي الصحيح.. في التنفيذ.. فكانت ثورة تشرين الخالدة في عراق العراقيين.. بداية التصحيح.. والتي لا زالت نارها تحت الرماد تنتظر التغيير.

موضوع شائك ومعقد ومهم.. فالاقدام على كشف حقائقه يحتاج الى النظر الجدي في التفسير القديم للنص المقدس الذي خلف الامة وادى بها الى الانهيار الكبير حين اصبحت معتقدات الخُرافة هي التقديس - زيارات الأضرحة والدعاء واربعينيات التخريف -.. وبعد ان اصبحت قياداتها بيد اللا أخلاقيين.. كأننا لا زالنا نعيش في القديم منذ يوم كانت اللغة العربية تعبر عن التفكير القائم على ادراك المشخص وليس قاعدة اللغة وتطورها المستمر، ولم تكن التسميات الحسية فيها قد استكملت بعد تركيزها في تجريدات فكتبوا لنا التفسير الخاطىء حتى اصبح لدينا قانون مقدس لا يُخترق، فصيرورة التاريخ تستدعي تهميش القديم ساعتها، سنقلب الطاولة على الفقهاء والمفسرين، لا بل سيقلب رأي القارىء على المفسرين وما خلفوه من اقاويل الخرافة في الدين.. وهذا هو المهم.. بعد الاستناد الى المنهج التاريخي العلمي في الدراسات اللغوية سنصل الى تفسير يتوائم مع نظريات التحديث، لكن هذا التوجه الخطير يحتاج الى البرهان بالدليل وليست آقاويل.. هنا يتوقف الرأي على فلاسفة العلم الحديث.

ترافقه شجاعة وتضحية منقطعة النظير من القائمين على التفسير الجديد.. لنشره في صحف تقبل الرأي والرأي الاخر بقوة التنظير، وتقبل الحق دون خوف من تهديد او قتل او وعيد.. في مجتمع اصبح فيه القديم المقدس مطبوع في الافكار لا يقبل التغيير.. وحكم سلطوي يحتكم الى منطق القوة دون مناقشة الفكر الحديث للحفاظ على مكتسباته الباطلة دون الأمة، كي يبقى مفهوم الدين القديم وسيلة لسيطرتهم على السلطة والمال دون الاخرين.. كما هم عندنا حكام الوطن اليوم.. لكنهم مخطئون..

ان اثبات المنهج العلمي في التفسير، سيمهد الطريق الى الكثير من تغيير تفسير المفسرين الذي استند على الرأي لا على فلسفة اللغة في التحقيق..

ان التوجه الى القراءة المعاصرة للنص، وفقا للأرضية الفلسفية والمعرفية الحديثة، ستجعلنا نتوجه الى عرض وجهات نظر مختلفة الى الوجود والمعرفة والتشريع والاخلاق كلها مستندة الى النص المقدس، وليس الى التفسير القديم المتضارب اليوم - نملك 200 تفسير للقرآن لا ندري ما الصحيح-.. باعتبار ان الصيرورة التاريخية (نظرية التطور) تكمن فيها حقيقة التوحيد على اعتباران: " القرآن صالح لكل زمانٍ ومكان". من هنا فان حرية التعبير عن الرأي، وحرية الاختيار، هما أساس الحياة الانسانية في الاسلام.. وليست ما تدعيه باطلاً مرجعيات الدين.

نعود لنقول هل يجوز لنا ان نضع في المنهج المدرسي الايات القرآنية التي تتضارب مع الدساتير المدنية في حقوق الانسان كما في المادة الثانية من الدستور العراقي التي تقول: "لا يجوز سن قانون يتعارض مع الشريعة"، ولا ندري اية شريعة يقصدون شريعة الشيعة أم شريعة السُنة ام شرائع الأخرين. - ذاك زمان مضى-، من سيسمح لنا ذلك في التغيير من اصحاب سلطة الحقوق الباطلة.. امر في غاية الخطورة علينا ان نجتاحه وان كلفنا القلم والروح.. ليس مشكلة وانما المشكلة على الاصرار في التنفيذ لنصل الى تخريج فقهي وعلمي يتوافق مع الأثنين.. معا.. نعود فنقول: ان في التأسيس القرآني للمجتمع كما نعتقد لا كما يعتقدون غايتنا في التغيير..

لا يمكن لمن يريد ان يحكم حكما اسلاميا خالصا ان يعيد انتاج ومواصفات الحقبة النبوية وما تلاها بكامل مواصفاتها كما في داعش والقاعدة ومعتقدات ولاية الفقيه، لان الزمن يلعب دورا في عملية التغيير.. كما لا يمكن التخلص من تلك الحقبة برؤية جديدة تختلف كل الاختلاف عن السابق. لكون ان التجاهل لمفهوم المتغير الاجتماعي يضع المجتمع في حركة تضادية او جدلية لامكانية انتاج فترة جديدة المواصفات، وهنا تدخل صعوبة التغيير، لذا لابد من دراسة الظواهر في انقى اشكالها لاستخراج عملية التواصل الاجتماعي المطلوب.. اي لاعودة للماضي (العودة عبر الزمن مستحيلة).. ولا لسحق الماضي بكليته.. لذا لابد من خضوعنا لمبدأ القانون الذي يحكم الظاهرة الذي يفرض نفسه في ميلاد كل مجتمع جديد.. ان الإصرار من قبل السلطة المستندة على مؤسسة الدين المتخلفة على تطبيق الحكم الاسلامي المتزمت كما هو اليوم بعيدا عن القانون او بنظرية التفويض الآلهي، اصبح محكوما علية بالموت بالضرورة.

من هنا تكمن أهمية التجديد..

فالتجديد بحاجة الى صفوة قائدة جديدة واعية ومتقدمة لتقود وتوجه وتبتكر وتبني وتنظر الى الامام وتحسب حساب الحاضر والمستقبل لتحول المجتمع الى المسيرة الحضارية من اهل العلم ومؤسساته، لان القيادة السياسية وحدها -وان كانت مخلصة – لا تعطي اصحابها ميزة مادية او معنوية على غيرهم من افراد المجتمع، لأنها في واقع الامر اشد تمسكاً بحقيقة امتياز الفئة القائدة على غيرها.. هنا تقف الصفوة بصمودها وايمانها بالوطن وحقوق الشعب سدا منيعا ضد تصرفات السلطة لتميزها ببعد نظر يجعلها ترى على الافق البعيد ما لم تراه السلطة الحاكمة، لذا لابد من تقف مكانها وتتقهقر عن مطالبها الخاصة.. لان من لا يتقدم يتأخر.. ومن لا يصحو يموت.. كحركة الكون كله القائمة على الحركة العامة الى الامام.

هنا يجب ان يشخص دور المؤسسة الدينية التي تقف بتزمتها الفكري حجر عثرة في تقدم الاوطان.. والا ما معنى المرجع الاعلى هو الذي يقرر وقرارته 100% غير صائبة لجهلهه بحركة التاريخ ومتغيراتها.. لذا لم تتقدم الدول الاوربية والامريكية الا حينما فصلت الدين عن السياسة وأحلت محله القانون. فالصفوة القائدة هي الطموح للتقدم وليست مؤسسة الدين المنغلقة على نفسها بتاويلاتها البائدة المتخلفة التي ترجع التقدم الى ما سلف. وصدق المفكر لفيلسوف ارنولد توينبي حينما قال: "لا تزال الدولة بخير مادامت صفوتها بخير".

نعم من هنا تكمن أهمية التجديد لمشروع جدي على مستوى الرؤية التاريخية.. وجدية النظر في العمل الفكري والعلمي التطبيقي معاً.. ساعتها سيكون مشروع الدولة قابلا للفعل في ظروف العصر واوضاع الدولة بشكل خاص. نعم هنا بدخول مرحلة التعقل والتفكر وابعاد الوهم المرجعي الديني عن الرؤوس يواجه المجتمع التجربة ويخوض المعركة، وحين يشتد عضده يكون قد بلغ سن الرشد للتغيير.. والعقل والتصرف الموزون به يعرف بفعاله لمواجهة تفاعلات الواقعات عبر مسيرة الزمن حتى الوصول للنهاية والاستقرار.

وبدون هذا التوجه العلمي الصحيح سيبقى المجتمع يراوح في مكانه دون تقدم.. كما نحن في بلادنا المغتصبة من مؤسسة الدين اليوم.

نحن بحاجة اليوم الى ثورة علمية تزيح كل الكتب الصفراء المنضدة خلفهم وهي اس البلاء على الناس والمجتمع ورميها في النهر لخلق افكار جديدة وفق منهج علمي جديد يدخل المدرسة ولا عودة لمؤسسة الدين الصنمية التي نهبت اموال الدولة بحجة الخمس وهي ضريبة فرضت على عهد الرسول (ص) وقد انتهت بوفاته..

 ضرائب فات زمانها ولم نلمس منها غير الفرقة وتضخم مؤسسة الدين ومؤسساتها وقصورها وبذخها في لندن وباريس وايران والتي تخرج لنا كل سنة من مدارسها العاطلة فكريا الاف من المترهلين وتبني لنا المئات من المزارات الكاذبة التي تحلب بها جيوب المواطنين وتنقلنا الى الدعاء والرادود الكريه المبهم الكلمات لخلق جيوش المتخلفين والمذلة في ترجي السابقين.. لتجعل المواطن يعتمد على الادعية البائسة دون تحريك القدرة الفكرية فيه. من هنا يمتصون ثروة الوطن بلا عمل وقتل تطلعاتهم الفكرية.. ناهيك عن فكرة نشر الجهالة والاتكالية في نفوس المواطنين لنشر الجهل بينهم.. حتى اصبحت الجوامع والمزارات اكثر من المدارس بكثير.. وهنا الطامة الكبرى التي تواجه الوطن والمواطنين..

فاين الكُتاب والمثقفين الذي ملأوا الدنيا ضجيجاً بكتاباتهم البائرة دون تحقيق.. والتي هم يبررون ما يكتبون لانهم الاقدر على التبرير، والاسرع في الخيانة الوطنية لانهم القدر على التوصيف.

كفاية نحن نحترم شجاعة من يقول الحقيقة او بعضها.. قولوا الحقيقة قبل فوات الآوان.. ايها المدلسون.. فلم يعد التدليس نظرية تعريف.

***

د. عبد الجبار العبيدي

زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الى روسيا، تكمن أهميتها الكبيرة، ليس في الوقت الذي جاءت فيه فحسب، بل في تشكيلة أعضاء الوفدين المشاركين في المباحثات، فقد أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات في موسكو مع ضيفه العراقي، الذي قام بزيارته هي الأولى من نوعها منذ تسلمه منصبه، واستمرت يومين،، وهذا يؤكد أهمية المباحثات التي اجراها الجانبان، واهمية القضايا المشتركة التي تمت مناقشتها، وقد عقد خلالها سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين الروس، و حضر خلالها أيضا منتدى الطاقة الذي افتتح في موسكو بحضور الرئيس الروسي أيضا .

فقد رافق السوداني خلال الزيارة، نواب رئيس الوزراء، وزير الخارجية فؤاد حسين، ووزير النفط حيان عبد الغني، وحيدر حنون - رئيس هيئة النزاهة الاتحادية، وعدد من المسئولين في وزارة الدفاع والكهرباء، بالإضافة الى مستشارين من عدد من الوزارات، في حين مثل الجانب الروسي، وزير الخارجية سيرغي لافروف، ووزير المالية أنطون سيلوانوف، وشولغينوف نيكولاي غريغوريفيتش - وزير الطاقة في الاتحاد الروسي، الرئيس المشارك للجزء الروسي من اللجنة الحكومية الدولية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني بين الاتحاد الروسي وجمهورية العراق، شوغايف ديمتري إيفجينيفيتش - مدير الخدمة الفيدرالية للتعاون العسكري الفني في الاتحاد الروسي، وميخيف ألكسندر ألكساندروفيتش - المدير العام لشركة JSC Rosoboronexport، وفاغيت يوسفوفيتش ألكبيروف – مساهم في شركة PJSC Lukoil، وسيتشين إيغور إيفانوفيتش - الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة PJSC NK Rosneft، واختتمت فقط بالتوقيع على مذكرة تفاهم بين هيئة النزاهة العراقية ومكتب المدعي العام الروسي في مجال منع الفساد والوقاية منه، وتبادل المعلومات عن أموال الفساد المهربة، وأماكن إقامة المتهمين والمدانين .

روسيا استقبلت وباهتمام كبير السوداني، ووصفت زيارته " بالرائعة "، فقد زار روسيا ضيوفًا أجانب من هذه الرتبة مؤخرًا بشكل غير متكرر، لكن زيارة السوداني جاءت أيضاً خلال الحرب بين "إسرائيل" وقطاع غزة، وعليه، أصبحت المفاوضات الروسية العراقية أيضاً فرصة للتعبير عن موقف البلدين من الأحداث الجارية، كما إن اللقاء الأول بين بوتين والسوداني، جرى على خلفية الوضع الصعب في العراق وما حوله، وهذا لا يمكن إلا أن يؤثر على العلاقات الاقتصادية بين البلدين .

الرئيس الروسي في كلمته الترحيبية في الكريملين، أشار الى ارتفاع حجم التداول التجاري بنسبة 43% العام الماضي، لكنه انخفض هذا العام، وبالتالي وكما قال بوتين مخاطبا ضيفه "هناك شيء للحديث عنه، وبهذا المعنى فإن زيارتك تأتي في الوقت المناسب للغاية"، وفي الوقت نفسه، أشار الجانبان إلى أهمية التعاون بين البلدين، لا سيما في سوق النفط، سواء على أساس ثنائي أو ضمن أوبك+، واعتبر بوتين الطاقة مجالا رئيسيا للتفاعل بين روسيا والعراق، وشارك الزعيمان في أسبوع الطاقة الروسي، وهو حدث يشارك فيه خبراء في مجال الطاقة العالمية، لكن، بالطبع، الجزء الأكثر صدى في تصريحات بوتين والسوداني كان تقييمهما للصراع الحالي بين إسرائيل وحماس.

اللقاء كان فرصة كبيرة للتعرف على وجهات نظر الجانبين في العديد من القضايا المهمة التي تحدث في العالم، سواء عن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، او الحرب " الظالمة " التي تشنها " إسرائيل " على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، واتهم الرئيس الروسي الولايات المتحدة ان ذلك هو نتيجة فشلها في سيستها في الشرق الأوسط، وأن " الكثيرون ممن يتفق معه في هذا الرأي "، لأن واشنطن حاولت احتكار التسوية، لكنها للأسف لم تهتم بإيجاد حلول وسط مقبولة لدى الطرفين، وشدد بوتين على “ضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة”، وإلى ذلك، دعا بوتين والسوداني طرفي الصراع إلى خفض الأضرار التي لحقت بالمدنيين إلى الصفر، وعن الازمة الأوكرانية، فقد أوضح السوداني بان العراق اليوم بحكومته ونظامه السياسي ينشد الاستقرار في كل مكان بما فيها الأزمة مع أوكرانيا، وقال "العراق عانى من الحروب والحصار، ولاقى ويلات من هذه الاحداث، لذلك نحن مع الموقف الداعم لإيجاد لغة الحوار، وإيجاد الحلول السلمية هذه النزاعات "، في المقابل اعرب الرئيس الروسي عن تفهمه للموقف العراقي بهذا الخصوص.

رئيس الوزراء العراقي بدوره، عبر عن رأيه من داخل الكريملين (الحصن المنيع) وأكد إن هذه نتيجة طبيعية لتصرفات "إسرائيل" التي استمرت في انتهاك حقوق الفلسطينيين، وتحدث ضد الحصار المفروض على قطاع غزة ودعا إلى حل سلمي لجميع الصراعات، بما في ذلك الصراع الإسرائيلي الفلسطيني،واعتبر السوداني ما يجري بانه نتيجة طبيعية بسبب امعان الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب الجرائم والانتهاكات المستمرة طيلة سنوات، ووسط صمت دولي، وعجز عن تنفيذ الالتزامات والقرارات ما يسمى بالشرعية الدولية، وقال " نحن أمام انتفاضة للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه ووقف هذه الانتهاكات " .

ويؤكد المراقبون ان المفاوضات في موسكو أظهرت مرة أخرى مع رئيس الوزراء العراقي، أن الموقف تجاه روسيا لم يعد الآن سلبيًا كما كان من قبل، وهذا ما تثبته أيضًا الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس دولة عضو في الناتو، ولم يكن من الممكن تحقيق عزل روسيا، وان العراق، و بعد وصول السوداني إلى السلطة، وكما قال الكاتب حمزة مصطفى، ظهر مصطلح جديد في سياسة العراق الخارجية، وهو «الدبلوماسية المثمرة»، وتتلخص هذه الإستراتيجية في أنه لا ينبغي للمرء أن يركز حصرياً على اتجاه واحد في السياسة الخارجية، وخاصة في مجال الأسلحة والطاقة والاستثمار حيث تستثمر فيه 19 مليار دولار، لذلك فإن السوداني، جعل من زيارته الى موسكو، رسالة واضحة تفهم القيادة الأمريكية التي ترفض حتى الان استقباله في البيت الأبيض، بأن بغداد تحاول الحفاظ على نفس مستوى الاتصالات مع موسكو كما كانت في عهد الاتحاد السوفييتي، ومثل هذا الأمر بالتأكيد لن يرضي الأمريكان .

ويرى الروس انه في الآونة الأخيرة، وفي إطار إعادة التوجه العالمي لبلدان الجنوب، بدأ "الأصدقاء" التقليديون للولايات المتحدة، مثل المملكة العربية السعودية أو العراق، بالتفكير في إيجاد شركاء آخرين "، لذلك لا يستبعدون أن تكون زيارة محمد السوداني لروسيا مدفوعة ليس فقط بأسباب اقتصادية، بل أيضا بالرغبة في إجراء إعادة التوجه السياسي، ومع الأخذ في الاعتبار العقوبات الغربية ضد روسيا، فإن زيارة رئيس الوزراء العراقي لموسكو هي في حد ذاتها بيان سياسي للغرب، وفي المقام الأول الولايات المتحدة، يجيب على ما يقولون عنه دائمًا، إن روسيا وجدت نفسها في عزلة سياسية، لذا فإن مثل هذه الزيارات غير المنسقة لها تأثير سيء على الأسطورة التي تقدمها وسائل الإعلام والسياسيون الغربيون.

وفي الواقع إن العراق مهم جدا بالنسبة لروسيا، فمن وجهة نظر جيوسياسية، فهو يقع بين سوريا وإيران، وهي أحد حلفاء روسيا الرئيسيين في الشرق الأوسط، وبالنسبة لروسيا، العراق مهم بالطبع فيما يتعلق بالتعاون في مجال تطوير جبهة طاقة موحدة أقوى في مواجهة العقوبات، وكذلك الحديث يدور عن إمكانية مشاركة الشركات الروسية في المشاريع النفطية العراقية الجديدة .

ولم يكن النفط والطاقة وحده مات مناقشته، فإن الحديث بينهما شمل وبأسهاب، معالجة قضايا تسديد المبالغ المستحقة للشركات الروسية العاملة في العراق، وإيجاد الصيغة المناسبة لحل هذه المعضلة، وقد حضر لهذا الشأن وزير المالية الروسي انطوان سيلوانوف، وان الجانب المهم في المباحثات أيضا، وإمكانية مناقشة موضوع اشراك الشركات الروسية في موضوع تشييد محطات الطاقة الكهربائية، والذي تعارضه واشنطن وبشكل كبير، خصوصا وان للشركات الروسية تجربة كبيرة في تشييد محطات الطاقة الكهربائية الموجودة في العراق، بالإضافة الى متابعة الاتفاقات التسليحية بين العراق وروسيا .

وفي منتدى الطاقة الذي افتتح في العاصمة موسكو، أكد رئيس الوزراء محمد السوداني، انفتاح بلاده على المستثمرين، واستعدادها لتقديم فرص كبيرة لهم، وأشاد بشدة بفعالية أوبك+ التي “تسيطر على المخاطر السياسية في أسواق الطاقة وتثبت التوازن”. العرض والطلب"، بالإضافة إلى ذلك، أوضح السوداني مشكلة تخلف صناعة الغاز في العراق، واشتكى من أنه “لم يستثمر العراق في قطاع الغاز منذ فترة طويلة، ونتيجة لذلك، فإنهم مضطرون إلى استيراد “الوقود الأزرق”.

وبالطبع تم التركيز على النفط والغاز على جدول أعمال زيارة رئيس الوزراء العراقي، ويمكن ملاحظته أيضًا من أعضاء الوفود للبلدين واثنين من "جنرالات النفط الروس "، هما إيغور سيتشين( رئيس روس نفط ) وفاغيت ألكبيروف (رئيس لوك أويل)، والذين كانا حاضرين في الاجتماع الرسمي"، الأمر الذي يؤكد، أن التعاون الروسي العراقي في قطاع الطاقة ذو طبيعة مبدئية واستراتيجية .

ويعد العراق أحد أهم الدول في الشرق الأوسط، وان روسيا الآن بحاجة إلى بناء علاقات في نظام عالمي جديد"، إن روسيا ودول منطقة الشرق الأوسط هي التي تحدد بالفعل وستحدد مشهد الطاقة العالمي خلال العقد المقبل، لذلك المحافظة على مستوى عالٍ والبقاء على اتصال دائم مع السلطات في المملكة العربية السعودية وقطر والامارات، والآن جاء دور العراق، يعد امر مهم .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

واثر ذلك على الحدود بين العراق والكويت

البند السادس يعطي الحرية للدول التي بينها خلافات ان تحل هذه الخلافات بالطرق السلمية، وهو خلاف البند السابع، حيث البند السابع الخلافات بين الدول تحل من خلال مجلس الامن الذي يضع شروط وقواعد ويفرض عقوبات وهذه الشروط والقواعد والعقوبات تفرض وبالقوة على الدولة المعتدية وإن رفضت تطبيقها تستخدم القوة العسكرية من قبل مجلس الامن فتصبح هذه الدولة ملزمة بتنفيذ هذه الشروط والعقوبات ومرغمة على ذلك وبالقوة، ونحن نفذنا هذه الشروط واهمها تعويض الكويت بمقدار 52 مليار دولار كنا ندفع في كل سنة 5٪ من واردات النفط لتسديد هذا المبلغ وانتهينا من تسديد كامل التعويضات في شباط 2022 وبشكل طبيعي بعد تنفيذ هذه الشروط انتقلنا الى البند السادس وهذا يعطينا الحرية للتفاوض السلمي مع الكويت من دون شرط استخدام القوة، إن قرار مجلس الامن رقم 833 يصب لمصلحة العراق في تقسيم خور عبد الله مناصفةً بين الساحل العراقي والساحل الكويتي، ولكن الكويت ارادت اكثر من النصف فراكمت كميات من الاحجار والتربة لإنشاء جزر صناعية لكي تحصل على ثلاثة ارباع خور عبد الله خلاف قرار الامم المتحدة ، واستناداً الى ذلك دفعت الكويت رشاوي عالية لترسيم الحدود البحرية لأنها تعلم انها لا تستطيع ان تفرض بالقوة ترسيم الحدود خلاف القرار 833 إلا إذا وافقت الحكومة العراقية ومجلس النواب العراقي على ذلك، الحمد لله ان التيار الصدري عندما كان في مجلس النواب لم يصادق على قرار ترسيم الحدود عام 2013 ولذلك لم يتحقق شرط الثلثين والحمد لله اصدر مجلس القضاء الاعلى قراره ببطلان قرار مجلس النواب وبذلك سقط الاتفاق العراقي الكويتي الذي باع فيه اغلب القوى والاحزاب السياسية حصة العراق من خور عبد الله للكويت، والآن اهم شيء ان لا تتولى الحكومة العراقية او مجلس النواب إجراء اي اتفاق او معاهدة مع الكويت لإمكانية تأثير الكويت على المفاوضين ولكن افضل شيء لتحقيق مصلحة العراق هو عرض الامر على محكمتين دوليتين الاولى محكمة العدل الدولية في لاهاي لرسم خط الحدود بين العراق والكويت استناداً الى قرار 833 لمجلس الامن والثانية المحكمة الدولية لقانون البحار في هامبورغ حيث تضع الخطوط بشأن الحدود الاقليمية لقاع البحر وملكية ما تحت قاع البحر من آبار نفط وغاز وموارد اخرى والحقوق البحرية للعراق والكويت لمناطق صيد الاسماك والبيئة البحرية..

***

محمد توفيق علاوي

12 أكتوبر 2023

بين هجانة التنظير، واستدراج المقادير ومكر التاريخ

 لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (المائدة: 78 - 79

 ربما يعرف التاريخ، من موقع العبر، ما يصنع، ولكن الشعوب، بيقين، لا يعرفون ما يصنعون فيكتور هيغو

 لا تضحك، لا تبكي، ولكن حاول أن تفهم سبينوزا

من المسلم به في أنثروببولوجيا التاريخ، أن الأحكام في القضايا الكبرى للأمم، ينفذها التاريخ من خلال حكامه وأجيال شعوبهم - إن خيرا أوشرا - وهدف التاريخ حينها، تقويم إعوجاج الساسة وإنحراف الشعوب، فيعمل التاريخ عندها على تربية هؤلاء وأولئك - بالتعاقب -، بالإستدراج تارة، وبالمكر تارة أخرى ليعود بالأمور إلى جادة الإعتدال !

ومن هذا المنظور، فإن الحكم على حدث تاريخي لأمة، لا يتشكل إلا من اللحظة التي تستطيع فيها - هذه الأمة - أن تحكم على نفسها، شريطة إن يكون قادتها صالحين، أما إذا كان القادة فاسدين، فلن تحصل هذه الأمة على هذا الامتياز الرفيع إلا في وقت متأخر جدًا عند ما يتلقى هؤلاء الفاسدون (حكاما وشعوبا) حكم التاريخ القهار، مع سخرية المقادير بهم جميعا.

ومن منظور هذه الحيثية أقول: لن يستقيم للأنظمة العربية المطبعة مع إسرائيل، حديث المعتقدين الجازمين في قضية التطبيع الذي تدورحوله منذ البداية ضروب الشك والريب والظنون، ما لم يفصل خبراء هذه الأنظمة في المفهوم: لغة - عقيدة - إيديولوجية. ومبدئا - قوميا انتماء طنيا. !

وحتى إن حاول منظرو التطبيع السفسطة والمضاربة في الموضوع، بالثرثرة والإختزال والترقيع. فإن الناظرإلى ما يسمى ب التطبيع (العربي - الإسرائيلي) - نظرة المتفحص المُتَّئِد: ابتناء واعتقادا، ثم اعتبارا واستشكالا، فتقويما وانتقاداَ. فلا محالة أنه واجد فيه من جهة نظرأولي، أن الغالب على شبيه الفكرهذا - الذي ليس بالفكر خليق ولا بالتنظير جدير - إنه للهجانة تابع، وللمسخ مُقلِّدْ، وللسفاهة مُوَلِّدْ ومُرَدِّدْ.

ومن جهة نظرثانية، فالمدقق الحصيف لن يجد لهذا المسخ أصولا: (إيديولوجية - فلسفية) أو (عقدية - روحية) أو (فكرية - ثقافية) واضحة المعالم، ولن يعثرفيه على تقاليد سياسية ممنهجة راسخة ـسوى الهذاءة والعدم، اللذان كُسيا لا هوتا مؤدلجا، و نظرية سياسية هجينة. بل أضحى لدى المطبعين العرب، أسلوب حياة وثقافة ومنهج تفكير، تترجمه البعثات الدراسية لدول عربية منذ أزيد من سنوات عديدة، كان يتم إرسالها كبعثات للدراسة والمدارسة والمشاورة في تل أبيب، في مجالات التربية والتعليم والقضاء والتدريبات (الجيو - عسكرية)، ودراسة التاريخ العبري، وتاريخ المنطقة - بالمنظورالتلمودي الصهيوني - بقصد دمج تدريس التاريخ المزيف اليهودي في مقررات التدريس في دول عربستان المُطبٍّعة.

كما أن مفهوم التطبيع (العربي - الإسرائيلي) لا يصمد أمام صرامة التعريفات الواردة في المعاجم المتخصصة في علوم المصطلحات السياسية، وفي دوائرالمعارف الدولية الكبرى - مثل لاروس الفرنسية.

إذ لا نجدلهذا المفهوم العربي الجديد دليلا واضحا: لغويا (سياسيا - ديبلوماسيا) -، ممايجعل هذا المفهوم، مجرد تحصيل حاصل لأشتات فكرلقيط، جُمع من كل المتفرقات المشوشة المبثوثة في التنظيرالصهيوني، وفي إستسرارات التلمودية، Esoterisme، وفي بذاءات الماسونية وفي غنوصيات التورانية المزيفة.

1 - فالتطبيع في اللغة: استعادة الوضع وفقا للقواعد المعتادة. (وفي حالة التطبيع العربي، فمن المعروف من هم الأسياد الذين يضعون القواعد المعتادة ومن هم العبيد الذين يرضخون لأوامر الأسياد. )

2 - وفي السياسة: هو العودة إلى حالة النظام السابق، واحترام القانون بعد ثورة أو تمرد أوفترة مضطربة. أو قطيعة (سياسية) .

بمعنى، أن أنظمة عربستان المطبعة، ظلت تعتبر نفسها - منذ سايكس - بيكو - في وضعية ترقب وإنتظار، وفي حالة معلقة STAND BY، تنتظر العودة إلى النظام القائم الذي قرره من خلقوا الكيان الصهيوني

3 - وفي الدبلوماسية: يعتبر تطبيع العلاقات بين بلدين بمثابة العودة إلى الوضع المعتاد - الذي كان سائدا قبل القطيعة - بعد حرب أو أزمة سياسية

4 - وفي علم الاجتماع: هو عملية اجتماعية يتم من خلالها النظرإلى أن أفكار وأفعال التطبيع مع الأخر على أنها طبيعية. ويتم اعتبارها أمرا مفروغا منه أو طبيعية في الحياة الإجتماعية.

بمعنى، أن هناك نوعين من التطبيع: تطبيع اختياري، يتم بين نظامين متكافئين ومتساويين في الندية والسيادة والكفاءة. وتطبيع قسري يفرضه المحتلون على الدول المحتلة أي بين الدول الأقوى والدول الأضعف التابعة كأذيال وأذناب.

مما يعني على أرض الواقع السياسي لدول عربستان، أنها أنظمة تابعة وفاقدة للسيادة، بل وللشرعية. بل هي منسلخة عن قيمها التاريخية: الدينية والقومية والوطنية، قبلت - عن طواعية – الإندماج في النموذج العبري المزيف، وزج شعوبها في هرطقات تلموديته ك أصل تقييسي وقيمي، يتم عبرها تنمية عملية التقييس التأديبي، لتطال كل شيء في الحياة. وهو ما خطط له ناتانياهو منذ أكثر من عشرين سنة، بمحاولة إكراه الفلسطينيين، والدفع بالأنظمة العربية المشبوهة، إلى الرضوخ للسلوكيات العنصرية المقيتة اليومية الإسرائيلية كأمر واقع statu quo، و كالنموذج الأمثل .

علاقة التقييس التأديبي الصهيوني، ب التقييس التأديبي العربي:

إن ما يسمى ب التقييس التأديبي بالتطبيع الصهيوني - بكل وجوهه - يطرح النموذج أولًا، كقاعدة راسخة توجيهية، للفصل النهائي بما هو طبيعي، وغير طبيعي وهوما يسمى ب ب التطبيع التأديبي . بحيث أن الطبيعي هو ما تراه الصهيونية والغير الطبيعي هو ما يراه المعارضون لها.

وأمام استحالة تطبيق هذ التطبيع التـأديبي - على الشعب الفلسطيني منذ الإحتلال - أي منذ 48، فقد أملاه ناتانياهو على أنظمة عربستان - رغم إستحالته – التنظيرية: (الإيديولوجية، والدينية العقدية والفلسفية) - مما يدل على الغباء المفرط للمطبعين العرب - وهذا جانب تفصيلي -

وفضلا عن هذا وذاك، ففي نهاية المطاف، فما يسمى بالتطبيع العربي، ما هوسوى إضفاء الطابع الرسمي والشرعية للخيانات العربية، منذ قبول الساسة العرب لمؤامرة سايكس - بيكو، وما تم الإعلان عنه رسميا أمام العلن عقب حرب رمضان عام 73.

وبالتالي، فكل إجراءات التطبيع (العربي - الإسرائلي) السابقة والحالية واللاحقة - هي خيانة بالإصطلاح – وخروج عن الملة والدين، ونبذ للأعراف الإنسانية النبيلة، وهي نتاج تاريخ خيانات أنظمة عربية لا تنتهي منذ بدايات القرن الماضي الذي بدأت بمراسلات (الحسين - ماكماهون) 1915 - 1916: كقاعدة بيانات للوثائق الرئيسية في القضية الفلسطينية والصراع (العربي ـ الإسرائيلي) –التي زودتنا بالنصوص الكاملة للاتفاقيات والمعاهدات والرسائل والوثائق الرئيسية المأخوذة من مصادرها الأصلية للدراسة الموضوعية الأكاديمية لمرحل التطبيع منذ نشأته - رسميا - على يد الشريف حسين بن على، ونجليه اللذان اعتليا عرشي العرق وبلاد الشام، وعلاقة هذين بتمجيد الصهينة على أنها صنو للعمومة العربية للأنظمة الأوليغارشية العربية (ذات الأصول القرشية الأعرابية المكتسية بالقشرة الإسلاموية والجوهر جاهلي) . كما أكد ذلك الملك فيصل - نجل الشريف حسين - لحاييم ويزمان : رئيس منظمة الصهيونية العالمية وأول رئيس لإسرائيل.

 التطبيع تكريس للخيانات العربية مند عام 1936

خيانة حكام الأوليغارشية العربية ليست بالجديدة، بل هي تاريخ لا ينتهي، منذ الثورة المزيفة العربية الكبرى عام 1916، كتعبير عن طموح الشريف الحسين بن علي ليصبح خليفة للعرب وللمسلمين، بعد الوعود التي قدمتها له الحكومة البريطانية، حينما اختارته وشجعته ليكون حاكما على المناطق العربية التي كانت تحت سلطة العثمانيين (ثم تم الرمي بطلبه في سلة القمامة من طرف الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون - من الحزب الديوقراطي زمنها) وكسب العاهل الهاشمي من الغنيمة بالإياب. إلى أن جاءت لحظة حقيقة خيانة الحكام العرب في عام 1948، فجوزي جميع الخونة العرب جزاء سنمار (وكذا سيجازى المطبعون الحاليون والخونة المحتملون القادمون) حيث أن الجيوش العربية وحكوماتها ظلت تتحكم فيها القوى الاستعمارية، ولم تقم بأي استعداد جدي لدخول الحرب ضد اليهود الصهاينة، مما دفع الشهيد عبد القادر الحسيني إلى الصراخ في وجه أحد المسؤولين العرب وزمنها، قائلا: أنتم خائنون، وسيكتب التاريخ أنكم أضعتم فلسطين،

لا جديد تحت الشمس في بلدان عربستان المطبعة:

تسعى دول عربستان المطبعة - صاغرة - للإسرائيلي وللأمريكي - محو اسم فلسطين من خارطة الشرق الأوسط الجديد (كمفهوم أمريكي صدر على لسان، كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة عند الهجمة الإسرائيلية على لبنان في عام 2006) بهدف الزج بفلسطينيي الداخل داخل الأسرة الكاملة والصهينة المطلقة، أو التهويد القسري، والرمي بالمتمردين والعاصين عن الدمج والتهجين بالتسكع والتيه في بقاع الأرض.

إتفاقية كامب ديفيد، أس الأسس في التطبيع العربي الحالي:

خيانة حكام عربستان لن تنتهي، منذ بعيد اتفاقيات كامب ديفيد الموقعة في 17 سبتمبر 1978 بين الدولة المصرية ودولة الكيان العبري. وفي 26 مارس 1979، تم إتمام معاهدة سلام بين هاتين الدولتين. وبعد ستة عشر عاماً، حذت المملكة الأردنية حذو مصر في26 أكتوبر 1994.

التطبيعات المتلاحقة التي لن تنتهي: خضوع دول عربستان المطبعة للتوحيد القياسي للصهينة :

هذه هي التطبيعات بكل أنواعها وأشكالها، من خلال التوحيد القياسي هي الخنوع للمعايير الإسرائيلية الصهيونية أو الخضوع الكلي للصهينة . فمنذ كامب دايفيد، تم إثراء قائمة الدول العربية الموحدة بأعضاء جدد: الإمارات العربية المتحدة، البحرين، السودان، والمغرب. والنظام السعودي في الطريق يقينا - بموجب عوامل كثيرة كجانب تفصيلي -

التطبيع العربي: إضفاء الطابع الرسمي للخيانة العربية

تجدر الإشارة إلى أنه، باستثناء مصر جمال الناصر، كانت للدول المذكورة علاقات تطبيعية غير رسمية مع الكيان الصهيوني. وبالتالي فإن المصطلح المناسب لوصف هذا التطبيع هو إضفاء الطابع الرسمي للخيانة العربية

بعض الأحداث التاريخية المسوغة لتوسيع رقعة التطبيع (العربي - الإسرائيلي):

من المهم التذكير بإيجاز بالأحداث التاريخية التي فتحت الطريق أمام الكيان الصهيوني للتوسع الصهيوني الجغرافي الرمزي من خارج حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة وأهمها:

1 -  انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة في أواسط الثمانينات.

2 -   تضخم أنا ممالك الخليج، مع تنامي دور الحركات السياسية الإسلامية، ذات المنشإ الأنجلوسكسوني، والتي لعبت دورًا أساسيًا في أفغانستان أبان الاحتلال السوفياتي، مع تعملق شنارها في الربيع العربي.

3 - حرب عراق صدام حسين ضد إيران كحرب لا يمكن تفسيرها إلا بجنون عظمة صدام بمباركة القوى الغربية وممالك الخليج.

4 - حربا الخليج الأولى والثانية والاحتلال السياسي والعسكري الأنجلو أمريكي للعراق.

5 - العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006

6 - الربيع العربي: أدي إلى تحجيم القدرات العسكرية للأنظمة العربية لأكبر دول المنطقة المهددة لأمن إسرائيل مثل مصر، وتدمير ليبيا وترويع سوريا المعاديتان للصهيونية وللغرب، على يد الدول الإستعمارية مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة تحت إشراف الأطلسي المقدس .

الربيع العربي، جعل دول عربستان أكثرهشاشة وضعفا؛ حيث أنه طمأن الأوليغارشيات العربية وضمن حماية عروش حكامها، فتحولت تلك الأنظمة إلى مجرد كيانات سمجة حليفة للكيان الصهيوني، مصابة بعقد الإنفصامية والمازوشية، تتلذ بسادية التآلف (الإسرائيلي - الأمريكي) وتصبو - مثل مومسات الشوراع الحمراء - لنيل ود البلطجي الإسرائيلي الحمش الذي سيحميها من إنتفاضات شعوبها–إن انتفضت - وضد الأعداء الخارجيين الوهميين مثل الشيعة الإيرانيين -

7 - اتفاقاية أوسلو التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 مع إسرائيل، وتم نسيانها منذ ذلك الحين، وهي أيضاً عامل مهم في تحرير الأعراف السياسية للطبقات العربية الحاكمة. باستثناء لبنان وسوريا واليمن والجزائر

8 - الهجمة (السعودية - الإماراتية - الأمريكية) على اليمن عام 2015

9 - بسبب غباء الأوليغارشيات العربية المطبعة، فإن الأجيال الفلسطينية الحالية والصاعدة تجاوزت الحل الإنتكاسي لسنوات التسعينات، المسمى ب: بحل الدولتين التي نادي بها الملك الهاشمي عبد الله لتي أطلقها من بيروت،

أما اليوم، فما يسمى ب، بحل الدولتين قد أصبح في خبر كان، فقد تجاوزته الأحداث، وترفضه كلية الأجيال الفلسطينية الصاعدة. وهو حل لصالح الكيان العبري، وإستمرار دار لقمان على حالها مثل السابق: غزة - كأكبر سجن على الأرض - تضل محاصرة ومجوعة ومعزولة عن العالم، وتضل مقاومتها تصنف إرهابية، مع إستمرارا لإنتهاكات اليومية الصهيونية بتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية والإعتداء على العزل من النساء والأطفال والعجزة، بمباركة ما يسمى زورا ب: المجتمع الدولي – المتحضر المنافق والجبان -

10 - في كل هذه الأحداث، لم تتحمل الجامعة العربية مسؤوليتها. بل على العكس من ذلك، كان غالبية أعضائها من الخونة، وفي أحسن الحالات، كان البعض منهم من المساعدين للاعتداءات الصهيونية والغربية تحت راية الأطلسي.

وأخيرا وليس آخرا، ففي خضم هذه الصراعات الهائلة في المنطقة، وبين خبط الكيان العبري، وخلط التطبيع العربي، لم يتبق للفلسطينيين سوى الصبر والمقاومة و الأمل. ولم يبق ما سيخسرون.

الشعب الفلسطيني، المنكوب، لم يرغب أبدًا في الاعتقاد بأن العدالة والحقيقة لا يمكن أن تضيع إلى الأبد. فهو يصبو إلى الأمل القريب وإلى المستقبل السعيد الأكيد.

لقد ترسخت في ذهن الشعب الفلسطيني، منذ أمد بعيد، أنه سيأتي وقت تُعاد فيه الأشياء إلى مكانها، وتُعاد الأمور إلى نصابها، ويحقق التاريخ عبرته ويعلم دروسه، وينجز الله وعده. وهذا الاعتقاد عميقًا ويقينيا في النفوس الفلسطينية الأبية.

كل مولود فلسطيني يولد على فطرة النخوة والنبالة، وكل واحد منهم يحمل في جيناته بذرة التمرد والمقاومة.

جميع الفلسطينيين من كل الأطياف والأعمار نفد صبرهم من النير الذي ظلوا يعانون منه منذ خُلق الكيان العبري، وكلهم غاضبون من القيود الجديدة التي تتوهمها الأنظمة العربية المطبعة، ومن كل أخاديع الغرب المتنور الكاذب. ومن الأصفاد الصهيونية التي ما فتئت تزداد كل يوم عُدة وعددًا ووحشية وهمجية، جعلت الفلسطينيين يرفضون كل الحلول الوهمية المروجة للسلام الوهمي، ورفض أنصاف الحلول المخادعة إقليميا عربيا. أو دوليا غربيا، وكذا رفض كل أنواع التسويات الترقيعية من طرف أي كان. لقد جعل الفلسطينيون - في أزمنة التطبيع والخيانة العربية وفي تكالب الضباع الغربية -، من طرد الإحتلال كلية هدفًا يجب تحقيقه. فلا حل تقاسم الأرض مع المحتل، أو قبول وساطات سماسرة الشرق والغرب عاد يفيد.

وذلك لأن العنف الإسرائيلي قد يضغط على الدوافع التحريرية الطبيعة للفلسطينيين، لكنه لن يستطيع كبحها أو إزالتها. والمزيد من الضغط عليها من طرف الإحتلال أومن أي طرف خارجي، لن يؤدي إلا إلى جميع القوى اللازمة للانفجار. وإن غداً لناظره قريب.

***

الطيب بيتي

في المثقف اليوم