أقلام ثقافية

أنور الموسوي: صراع العروش.. بين خيال الدراما وحقائق التاريخ

حينما قررت البحث عن وسيلة للترفيه واختبار الانطباعات حول الأعمال الدرامية، وجدت في مسلسل “صراع العروش” (Game of Thrones) أولى محطاتي. هذا العمل الفنتازي الملحمي من تأليف (ديفيد بينيوف ودانيال وايز)، والمقتبس عن سلسلة روايات “أغنية الجليد والنار” للكاتب جورج ر. ر. مارتن، استطاع أن يحجز لنفسه مكانًا فنيًا رفيعًا في الدراما العالمية.

تدور أحداث المسلسل في قارتين خياليتين هما ويستروس و إيسوس، حيث تتصارع سبع عائلات نبيلة للسيطرة على “العرش الحديدي”. وبالتزامن مع هذه الصراعات، يتنامى خطر قادم من الشمال يتمثل في مخلوقات خيالية، فضلًا عن سعي السلالة الحاكمة السابقة لاستعادة عرشها.

طول الزمن وتنامي الأحداث

المسلسل يقع في ثمانية مواسم تضم أكثر من ثمانين حلقة، وهذا يتطلب صبرًا ووقتًا من المشاهد. ففي المواسم الأولى يركّز العمل على التأسيس الدقيق للأحداث، وتعريف المشاهد بالرموز والشخصيات، ووضع القصة في سياقها التاريخي.

الأحداث تنمو بشكل تدريجي، وتمزج بين الحقيقة والخيال، مع إبراز وحشية القرون الوسطى وما كان يُمارس من إجرام بحق البشرية. وقد ضمّن الكاتب مشاهد جريئة جدًا، سواء من الناحية الجنسية أو بتناول المثلية والسفاح. لكن ما شدّني أكثر هو التفصيل المفرط في القتل والتعذيب وطرق الموت الوحشية، مما جعلني أتساءل: هل هذه مجرد مبالغات درامية، أم أن هناك تقاربًا مع وقائع تاريخية فعلًا؟

بين الخيال والتاريخ

استعنت بالذكاء الاصطناعي لمحاولة إيجاد مقاربة بين ما عرضه المسلسل وما جرى فعليًا في التاريخ، وكانت المفاجأة أنّ هناك تقاطعات حقيقية. فقد وُجدت أحداث مشابهة في حرب الوردتين بإنجلترا أو خلال الحرب الأهلية الإسبانية، ما يعني أنّ الكاتب لم يبتكر العنف من فراغ، بل استلهم من حقائق تاريخية، وأضاف إليها طابعًا أسطوريًا.

روعة فنية وهَنات بصرية

لا شك أنّ المسلسل، بحلقاته الكثيرة وأحداثه المتشابكة، يمثل تحفة درامية عالمية. فالحوارات عالية الدقة، والمشاهد مشحونة بالحيوية والإبداع. لكن بالمقابل، يمكن تسجيل بعض الملاحظات:

- في بعض المشاهد، بدا واضحًا استخدام الحيل البصرية والتوليد الصوري بطريقة مكشوفة.

- في الموسم الثامن، تسارعت الأحداث بشكل مفرط، وأُجبرت الشخصيات على نهايات متعجلة، ما أفقد القصة عنصر الإثارة المعتاد. كان من الممكن التمهل أكثر لمنح النهاية إقناعًا أعمق.

خلاصة

يبقى “صراع العروش” عملًا دراميًا غير عادي، جمع بين الخيال الجامح والحقائق التاريخية القاسية، وترك بصمته كأحد أبرز الإنتاجات الفنية في القرن الواحد والعشرين. أما عن مؤلفه جورج ر. ر. مارتن، فقد استطاع أن ينسج عوالم معقدة بأبطالها وصراعاتها، وأن يضع المشاهد أمام تساؤل أبدي:

هل ما نراه من وحشية مجرد فن درامي؟ أم أنه انعكاس لماضٍ بشري لم يزل يلقي بظلاله على حاضرنا؟

***

بقلم: أنور الموسوي

في المثقف اليوم