أقلام ثقافية
إبتهال العربي: هكذا رأيتُ الصين
شعب ودود ونظامي يساعد الآخرين
كل ما يعرفه غالبية الناس عن الصين هو (صنع في الصين) الكوكب المختلف كما يصفوها، وقد وضعتني رحلتي إلى مدن الصين أمام حقائق لم أكن أعرفها أنا وغيري ممن زارها أو لم يزرها، وتلك فرصة عظيمة لمشاهدة تلك المدن وثقافاتها وقومياتها عن قرب، ومحاولة للتعرف على تفاصيل تضاف إلى الجانب المعرفي عن دولة تعتمد النظام والدقة والالتزام، واسست لتكون دولة قوية متطورة استطاعت النهوض بواقعها الاقتصادي والخدمي والعلمي حتى أصبحت على ماهي عليه اليوم. وصلت الصين بعد مضي ساعات أحمل معي قليلاً من القلق والشعور بالغربة وسط مشاعر حماس السفر ومتعته التي لا تنتهي، وبمجرد النزول من درج الطائرة رأيت حافلة كبيرة لنقل المسافرين إلى المطار، دخلت ولم يكن هناك متسع للجلوس فأخترت الوقوف مثل كثير من المسافرات، كان المنظر أوروبياً بحتاً لأن النساء هناك يقفن في الحافلات مثل الرجال، وبعد عشر دقائق تقريباً وصلنا إلى المطار، لاحظت منذ وصولي ميزة البساطة في نوعية الملابس التي يرتديها كلا الجنسين، لا مبالغة في الالوان، الاكسسوار، الماكياج وغيرها، والأهم من ذلك الإلتزام بنظام الطابور، لإستكمال إجراءات الدخول، واجهت صعوبة بعض الشيء في اجراءات دخولي لأن ضابط الأمن سألني عدة اسئلة تتعلق بموطني وسبب زيارتي للصين، وكذلك صورة جواز سفري. جهة داعية وبعد نحو نصف ساعة سلّمني الجواز، فإتجهت نحو الحقائب ومنها إلى بوابة الخروج، وعند البوابة لم أجد أحداً من زملاء الرحلة فقد ذهبوا إلى الفندق بالحافلات المخصصة من قبل الجهة الداعية وهي صحيفة الصين الشعبية، وهنا شعرت بالقلق وسرعان ما رأيت علامة الدليل المرسلة على البريد الإلكتروني، التي أسعفتني بالوصول عند فريق يقف في نهاية المطار، وإستقبلني بإبتسامة لطيفة هدأت من أعصابي وفتحت شهيتي أكثر للصين، ثم أرشدني الفريق وعدد من المسافرين الأجانب المدعوين إلى طريق الحافلة، وهناك في تلك اللحظة شعرت بالأمان التام، وهنا من بغداد قلب العراق، أود تقديم الشكر إلى جريدة الصين الشعبية على حفاوة الإستقبال منذ وصولي إلى الفندق في مدينة تشنغدو الذي بدا لي فندقاً عصرياً راقياً يليق بالوفود القادمة من الشرق والغرب، وذلك دليل الحرص على تكريم الضيوف القادمين إلى الصين (الكوكب الاخر) والتي عُرفت بهذه التسمية لتقنياتها الحديثة كدولة طورت من إمكانياتها الفنية والاقتصادية، فالصين تعتمد على النظام الرقمي في التسوق والتعاملات المالية، وكذلك قيادة الدراجات التي يستعين بها الصينيون كبديل عن السيارات وهذا ما يجعل الشوارع خالية من الإزدحامات، فالدراجات الهوائية والنارية هناك على طول الأرصفة كما أن المدن تخلو من السيارات الرباعية والفارهة تماماً، الأمر الذي يشعرك بإختفاء الفوارق الطبقية بين شرائح المجتمع، فالكل سواسية. كما أن الفواق المجتمعية منعدمة بين الإناث والذكور حيث ان الدراجات تقودها الفتيات والنساء والشباب والمسنّون دون تمييز، ولذلك فإن نسبة التحرش معدومة، كما ان نسبة الجرائم منخفضة لما يسود البلاد من سلم وأمن عاليين، أما نسبة الأشجار فهي كبيرة جداً وتكاد تملأ كل شبر من المدن والقرى ما يجعل الهواء في المنطقة نقياً خالياً من الأتربة، كما (لاوجود للتصحر الذي تعاني منه حالياً غالبية البلدان، وتتسارع الصين بتكثيف الجهود من اجل توحيد الخطى في مواجهة التغيرات المُناخية والحد من التصحر، ومقاومة ازمة الاحتباس الحراري التي يشهدها العالم). صفة عامة الجمال صفة عامة وشاملة في دولة الصين، وجدته في ابتسامة الناس ولطف بائعي المحال ومساعدة النساء لنا عند السؤال عن اي شيء نريد، ونظافة الطرق العامة.. ورأيت أن الشعب الصيني ودود ومسالم أكثر من كونه (كوكب آخر)، وبعد نهاية رحلتي والعودة إلى موطني (أشكر فريق العمل الذي لم يتوان أو يعجز أو يتخاذل في خدمتنا وتلبية متطلبات جميع أعضاء الوفد بقدر المستطاع، وأثمّن حسن السلوك وطيب الأخلاق والعطاء المستمر، وكل المزايا الملموسة التي شجعتنا على الرغبة بالاستمرار في الرحلة وأولها ابتسامة الأنسة خالدة التي لاتبرح وجهها الطفولي الجميل، بملامحه الرقيقة وصوتها الناعم الجدير بأن يكون مسك ختام انطباعاتي عن الصين.
***
ابتهال العربي