أقلام ثقافية
نايف عبوش: النِتاج الثقافي.. بين الإبداع الذاتي والإنشاء الآلي بالذكاء الإصطناعي
الإبداع إنثيالات عفوية ذاتية، تولدها الموهبة الفطرية، بالتفاعل مع الحس المرهف، والمشاعر المتوهجة للكاتب. وهكذا يكون النتاج بهذا الوصف، معطى إنسانيا اصيلا، وحقاً ذاتيا محضا لمبدعه، وينسب اليه.
وتجدر الإشارة الى ان الإبداع الذاتي، يجسد أصالة الذات الابداعية للنتاج، ومن ثم فهو انعكاس لروح الفنان، وحس الكاتب، وتجربة فريدة له، تنبض بالحضور الشخصي في الساحة الادبية والثقافية، شعرًا كان، ام قصة، ام رواية، ام لوحة فنية، حيث يحمل العمل الإبداعي بصمة مبدعه، ويعكس رؤيته، ويجسد تجاربه، وأحاسيسه المرهفة، ومشاعره المتوهجة، مادام ينبع من داخل وجدان ذات المبدع، وهو ما يجعله نتاجا أصيلًا بحتا.
على أن الإبداع شانه شان غيره من المجالات، طالته الكثير من التداعيات، التي افرزتها حركة التطور العلمية، والتقنية، في كل مجالات الحياة المعاصرة. فلم يعد الإبداع في عصر الثورة الرقمية الراهنة، مقتصرا على القلم، او الريشة، او اللوحة فقط، بل امتد ليشمل ابداعا ٱليا ذكيا إصطناعيا، في عالم افتراضي، بفضاء مفتوح في كل الاتجاهات، ويتجاوز كل الحدود، والقيود. فقد بات الذكاء الاصطناعي مصدرا زاخرا، وشريكا مهما، في إنتاج المعارف، والاداب، وغيرها من النِتاجات الثقافية، والعلمية، والتقنية.
ولا ريب أن المشهد الثقافي المعاصر، قد شابه الكثير من التغيرت، بظهور الذكاء الاصطناعي، حيث صار بإمكان الألة، إنتاج نصوص، ولوحات فنية، تشبه ما يصنعه البشر، بعد أن اصبحت تعتمد تطبيقات تحليل بيانات ضخمة، تستلهم الأنماط المتاحة من النتاجات، لتقوم بتوليد محتوى رقمي جديد، وبشكل سريع، بغض النظر عن التداعيات التي يتركها هذا المحتوى، على هوية وأصالة وعراقة النتاجات الابداعية التقليدية.
و السؤال المطروح، هل يظل هذا النتاج في ضوء ما افرزته الثورة الرقمية المعاصرة من تداعيات، تعبيرًا صادقا عن إنثيالات الذات الابداعية للكاتب، أم انه سيكون مجرد إنشاء ٱلي، باستخدام الذكاء الإصطناعي، بعد أن غدا الذكاء الإصطناعي، تطبيقا رقميا متاحا للاستخدام، بلا حدود.
وهكذا نجد ان النِتاج الثقافي اليوم يقف في مفترق طرق، فالذكاء الاصطناعي يفتح آفاقًا بلا حدود لإنشاء النصوص، والنتاجات ٱليا، لكنه يستعصي عليه، مع ذلك، ان يحل محل الإبداع الذاتي، المفعم بالحس المرهف، والمشاعر الانسانية المتوهجة .فالذكاء الاصطناعي، قد يولّد نصوصا تبدو جميلة، ولكنه يفتقر للقدرة على تذوقها، والشعور بجمالياتها.
ومع كل الإيجابيات التي يطرحها الذكاء الإصطناعي في توسيع الأفاق، وطرح النتاجات الفنية، والادبية، لتكون في تناول جمهور المتلقين، والمستخدمين،
والسرعة في إنتاجها، وتسويقها، الا انه يحمل مخاطر النسخ والتقليد، بالإنشاء، او بالإستلال، وما يترتب على ذلك من فقدان للأصالة، وتلاشي التميز، وغياب الخصوصية الفردية.
وهكذا يظل الذكاء الاصطناعي مجرد ناقل للنتاج، بأسلوب رقمي وحسب، لا مبتكرا له حتى وان نظم قصيدة مثلاً، اذ ما قيمة الإبداع، بدون حس مرهف، ومشاعر بشرية حية، لاسيما وان الادب الإبداعي، والفنون الجميلة، ليست مجرد معالجة بيانات ٱلية، بل تجربة إنسانية حية، بكل ابعادها الحسية، والمعنوية .
***
نايف عبوش





