أقلام ثقافية
صلاح الدين ياسين: عادل إمام ظاهرة فنية لن تتكرر

يُعد عادل إمام من أبرز الفنانين العرب الذين تركوا بصمة واضحة وصيتا إبداعيا واسعا، حيث امتاز بقدرة استثنائية على إمتاع وإضحاك الجمهور، فضلا عن عمق وجسارة المحتوى النقدي الكامن في القفشات والعبارات الساخرة التي يتفوه بها، إذ سدد نقدا لاذعا في أعماله لقضايا مثل القمع السياسي والفساد والتشدد الديني والتخلف الاجتماعي.
نشأته وبداياته الفنية
ازداد عادل إمام بحي السيدة عائشة بالقاهرة سنة 1940 في كنف عائلة من الطبقة الفقيرة، وقد ساعدته نشأته في حي شعبي في صقل شخصيته وموهبته، حيث خاض مجموعة من المغامرات مع أقرانه وامتزج بعوالم أبناء الطبقة الكادحة، الشيء الذي سيلهمه لتقمص شخصيات من خلفيات اجتماعية متنوعة في أعماله الفنية اللاحقة.
كما كان فتى مشاغبا وشقيا بالمدرسة مما عرضه لجملة من المتاعب حيث تعرض للفصل من إحدى المدارس، كما تميز ببراعته الفائقة في تقليد أساتذته أمام أنظار زملائه، إذ لطالما كان ينتهز فرصة مغادرة أساتذته للفصل الدراسي لممارسة هوايته المفضلة. وفي إحدى المرات ضبطه أستاذ اللغة الإنجليزية وهو بصدد تقليده والاستهزاء به، وبدل أن يقوم بتعنيفه أو توبيخه عمد إلى الإشادة بأدائه ونصحه باللجوء إلى عالم التمثيل، ومن هنا أمسى يرتاد بانتظام قاعات السينما لمتابعة الأفلام مما ألهب مخيلته الفنية والإبداعية، كما شرع في تأليف أعمال مسرحية وتجسيدها أمام أصدقائه.
وبعد انقلاب الضباط الأحرار سنة 1952 على النظام الملكي، وفي خضم الأجواء السياسية الساخنة التي عرفتها مصر وقتئذ، انضم عادل إمام إلى الحزب العمالي الشيوعي عندما كان يبلغ من العمر 15 عاما فقط قبل أن ينسحب من التنظيم بعد مدة قصيرة لينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، لكن هذه التجربة السياسية بدورها لم تدم طويلا، إذ سرعان ما ضاق صاحبنا ذرعا بالطابع السلطوي لتنظيم الإخوان وواجب الطاعة العمياء الذي كان يتعين عليه التقيد به دون إمكانية النقد والمناقشة.
عقب تجاربه السياسية القصيرة، استأنف عادل إمام دراسته الثانوية حيث التقى برفيق عمره سعيد صالح، وقد عُرفا بصيتهما السيء بسبب تورطهما المستمر في أعمال الشغب والتنمر وهو ما سيشكل أساسا واقعيا لمسرحية "مدرسة المشاغبين" التي عُرضت لأول مرة سنة 1971 واستُلهمت وقائعها من فيلم بريطاني.
وكما كان متوقعا، فشل عادل إمام في اجتياز الطور الثانوي بعد رسوبه الدراسي لسنتين متتاليتين، ليقرر والده إبعاده من المدرسة وإلحاقه للاشتغال بأحد معامل خاله، إلا أن والدة الكوميدي المصري عارضت الفكرة وألحت على إكمال دراسته بإحدى المدارس الخاصة بالإسكندرية حيث تمكن من النجاح بصعوبة، ليلتحق بكلية الزراعة لإتمام تعليمه العالي، وهناك وجد ضالته في الفرقة المسرحية التي مكنته من إبراز طاقاته الفنية والإبداعية.
وفي سنة 1963، كان جالسا بأحد المسارح الفنية فاقترحت عليه المديرة تعويض الممثل محمد عوض الذي كان من المقرر أن يؤدي دورا في مسرحية "أنا وهو وهي"، فاغتنم الفرصة وقدم أداء هائلا ليسلك بذلك الخطوة الأولى في طريق عالم النجومية.
متاعب ومضايقات
تعرض عادل إمام لمتاعب جمة بعد أدائه لشخصية محام فاسد في فيلم "أفوكاتو" الذي تم ترشيحه للعرض في مهرجان برلين، حيث رفع حوالي 150 محام دعوى قضائية ضد طاقم الفيلم بدعوى الإساءة للقضاء، فصدر في أعقاب ذلك حكم قضائي في حقهم يقضي بحبسهم سنة واحدة مع الأعمال الشاقة، لكن تم وقف تنفيذ الحكم بعد المعارضة التي أبدتها نقابة الممثلين. كما حُكم عليه سنة 2012 بالسجن بتهمة "ازدراء الأديان" لكن تم الحكم ببراءته بعد استئناف الحكم.
وقد روى الفنان المصري في أحد حواراته التلفزيونية عن قصة حقيقية وقعت له مع الرئيس أنور السادات، حيث بعث الأخير بهدية عبارة عن كلب إلى منزله، إذ لم يستطع عادل إمام التخلص منه رغم المضايقات التي سببها الحيوان لأسرته. ولا يخفى على أحد أن الرئيس السادات كان يود تبليغ رسالة تخويف إلى عادل إمام بسبب الجرأة الكبيرة التي كان يُظهرها في أعماله السينمائية والمسرحية التي أثارت حفيظة جهات نافذة في الدولة.
في فترة الثمانينيات، عانت مصر من عنف الجماعات الإسلامية المتطرفة، وقد كانت محافظة أسيوط من أبرز معاقلها. ورغبة منه في تبديد السمعة السيئة التي التصقت بتلك المنطقة، اقترح عادل إمام عرض مسرحية "واد سيد الشغال" بأسيوط وهو ما تحقق فعلا، الشيء الذي جعله في مرمى التنظيمات الإسلامية الراديكالية. وفي هذا الصدد، تعرض لمحاولة اغتيال من طرف تلك الجماعات بعد صدور فيلم "الإرهابي".
في سنة 2005، أصدر عادل إمام فيلم "السفارة في العمارة" الذي ناقش أحد التابوهات المتعلقة بالعلاقات مع إسرائيل بعد ممانعة طويلة أبدتها الأجهزة الأمنية، إذ لم يكن ليصدر هذا العمل الفني لولا الوساطة التي قام بها سكرتير الرئيس حسني مبارك.
***
صلاح الدين ياسين