أقلام ثقافية
سُوف عبيد: على جناحيّ حديد ونار
أو عائد من دمشق
الطائرة نحو بيروت على الساعة الثامنة صباحا ويجب أن أكون في المطار قبل ساعتين على الأقل أي السادسة لذلك قضيت الليلة في دار والدي ـ رحمه الله ـ وسط العاصمة لأكون قريبا من المطار إذ الفصل شتاء والسّحب باتت دكناء والحالة الأمنية لا تبعث على الطمأنينة ممّا يجعل التنقل من ضاحية رادس إلى المطار في ساعة مبكرة غير مضمون فسيارات الأجرة لا تجازف بالجولان في مثل هذه الظروف.
وقبل أن ترنّ ساعة الهاتف بادرتُ بالنهوض وعند الخامسة كنت أّودّع زوجتي الحريصة دائما على أدقّ التفاصيل في حلّي وترحالي وأكّدتْ مُوصيةً على تناولل قراص الدواء في مواعيدها ثم دسّت بعنايتها المعهودة اللّمجة والبسكويت وقارورة الماء في حقيبتي الصغيره التي لا تحتوي إلا على نسختين من ديواني وقميصين وربطتيْ عنق وثيابي الداخلية فأنا أحبّ السفر خفيفّ الحِمل لا يُعيق تنقلي و يسهّل إجراءات التسجيل والتفتيش في المطارات والحدود
رذاذٌ على تونس
فجرَ يوم الجمعة الثاني عشر من جانفي سنةَ ثماني عشرة وألفين خرجت من المدينة العتيقة مُسرع الخطى نحو الشارع الكبير فلم ألاحظ الحركة العادية ولا تواتر سيارات الأجرة في مثل هذه الساعة بسبب الاضطرابات السائدة في البلاد التي لم تعرف الاستقرار رغم تعاقب الحكومات ووعود الأحزاب
صباح الخير يا تونس
الخامسةُ والنصف والسيّدةُ التاكسي لم تأت
ماذا أفعل إن فعلَتْها ولم تأت
لا شكّ أن الطائرة لن تنتظرني وسترحل في موعدها
بدأ هاجس الشك ينخرني
ولمحتها صفراء تطل قادمةً تتهادى في ثوبها الأصفر بإشارتها الضوئية الحمراء وهي علامة أنها مُهيأة لي فأشرتُ إليها من بعيد إني هنا يا سيدتي وفي اِنتظارك
صباح الخير
صباح الخير
إلى المطار من فضلك
لم أكن في حاجة أن أرجو من السائق أن يسرع حيث لم أكد أغلق الباب حتى انطلق كالعاديات ضَبحا والمغيرات صُبحا لا يعبأ حتى بالأضواء الحمراء وما رأيت سيارة أمامه إلا تجاوزها حتى وقف عند باب مطار تونس قرطاج
شكرا سيدي
والشكر يجب أن يكون نقدا كي يكون ذا جدوى وإلا أكون كقول الشاعر جَحظة
لي صديق يحبّ قولي وشدوي * وله عند ذاك وجهٌ صفيقُ
إن غنّيتُ قال أحسنتَ زدني * وبأحسنتَ لا يباع الدّقيقُ
ـ 2 ـ
قبل السّادسة بخمس دقائق مكثتُ واقفا أنتظر الأصدقاء مبتهجا بعدم وصولي متأخرا بل غمرتني الفرحة أيضا إذ لم أفوّت موعد الطائرة نحو بيروت ومنها أعبر إلى دمشق.
دمشق التي لم أعُد إليها منذ سنوات عديدة وهي اليوم قد أثخنتها الحرب التي أسعر نارها أطراف خارجية لمصلحة القوى العالمية وبعض الأطراف العربية التي دعمتها بالمال والعتاد والأيادي وقد كان من المفروض أن يبقى الخلاف في سوريا بين السّوريين فحسب فهم أدرى بشؤوتهم الوطنية وكان على االأشقاء العرب قبل غيرهم أن يساعدوهم على الوفاق وليس على الشقاق وليتهم تنادوا إلى تحرير فلسطين أو الجولان وليت أولئك الشيوخ نصحوا ملوكهم وأمراءهم ونصحوا أنفسهم أوّلا
قبل الوصول إلى بيروت ودمشق لا بد من المرور عبر صراط الإجراءات فلا مناص من المراقبة.
***
سُوف عبيد - تونس