أقلام ثقافية
ثامر الحاج أمين: الإرهاب في السينما.. فيلم (ليلة سعيدة..) أنموذجا
السينما رافد ثقافي مهم وأجمل ما فيها انها تواكب الأحداث والمتغيرات العالمية على مختلف الصعد وتتناولها في أفلام رائعة، فخلال مسيرتها الطويلة الزاخرة بالمتعة والأبداع لم تكن السينما بمعزل عن الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها الشعوب انما ومنذ بداياتها رصدت السينما مختلف الوقائع التاريخية والظواهر المختلفة من كوارث وحروب وصراعات سياسية وآخرها ظاهرة الارهاب الذي ضرب مساحات واسعة من العالم واشاع الرعب فيه وجعل الشعوب تعيش قلقا حقيقيا نتيجة الخسائر المادية والبشرية التي تسبب بها، وقد تصدت السينما المصرية لهذه الهجمة البربرية وقبل ان تصبح ظاهرة وذلك من خلال افلامها (الارهاب 1989) و(الارهاب والكباب 1992) و(الارهابي 1994) التي تناولت مخاطر الارهاب وتأثيره على استقرار وأمن المجتمعات ثم جاءت السينما العالمية لتنتج كما كبيرا من الافلام عن الارهاب وذلك بعد ان استفحل وبات ظاهرة تهدد مساحات واسعة من العالم ومن بينها فيلم (ليلة سعيدة ألف مرة) انتاج نرويجي 2013 الذي أدت فيه دور البطولة الممثلة الفرنسية " جوليت بينوش"، فبعد حصول هذه النجمة على جائزة الأوسكار عن دورها الثانوي في فيلم (المريض الانكليزي 1997) وترشحها مرة أخرى للأوسكار عن دورها في فيلم (شكولاته 2000) تعود نجمة السينما الفرنسية الممثلة (جولييت بينوش) لتبهرنا من جديد في فيلمها (ليلة سعيدة ألف مرة) انتاج ايرلندي ــ نرويجي 2013 والذي أدت فيه دور "ربيكا" المصورة الحربية لإحدى وكالات الأمم المتحدة حيث تغامر بحياتها وتتواجد في اخطر المناطق عنفا وتطرفا هما كابول وكينيا وذلك من أجل الفوز بلقطات حية وناطقة تقوم بتوثيقها من ميدان العمليات الارهابية.
الفيلم يبدو في الظاهر انه يتناول موضوع الارهاب لكنه في الحقيقة يعكس وجهين من الصراع، وجه ظاهر يوحي بأن الفيلم يستهدف ظاهرة الارهاب وجرائمه وذلك من خلال استهلاله بمشهد توثيق " ربيكا " ــ المصورة الحربية لعملية تفخيخ فتاة انتحارية بالأحزمة الناسفة في مدينة كابول الافغانية ومن ثم انفجار الفتاة داخل سيارة في سوق المدينة وكذلك مشهد آخر يوثّق ما حدث من انتهاكات في مخيم للاجئين في كينيا على حدود السودان على يد جماعة ارهابية اثناء تصويرها لأوضاع اللاجئين هناك، وفي كلتا الحادثتين كادت " ربيكا " تذهب ضحية تهورها ومغامرتها وهو ما تسبب في حدوث ازمة بعلاقتها مع عائلتها ــ زوجها وابنتيها ــ حيث يرفض الزوج طريقة عيشها المليئة بالمخاطر نتيجة لوظيفتها، فزوجها وبناتها يرون أنهم بحاجة إليها وطرح هذه الأزمة هو جزء من رسالة الفيلم التي جاءت لتؤكد على الارهاب وتأثيره على الحياة العامة عند الشعوب المبتلاة بالتطرف وما ينجم عنه من فوضى ورعب وتخريب للبنى التحتية وكذلك انعكاسه على الحياة الخاصة للمتصدين له والمتمثل بتدهور العلاقة بين المصورة وعائلتها. أما الوجه الاخر ــ الباطن ــ للفيلم هو الصراع الذي تعيشه ربيكا بين الطموح والحب، الطموح الذي يتمثل في رغبتها التواجد في اكثر المناطق خطورة طمعا في الشهرة المتحصلة من الفوز بصور حية من ميدان العمليات الارهابية رغم المخاطرة الكبيرة والذي أشارت اليه ابنتها " ستيف " عند الحديث عن عائلتها في اجتماع مدرسي وقالت عن امها (انها تذهب الى اماكن حيث توجد المشاكل، أماكن لا يهتم بها بقية العالم كثيرا)، وبين حب ربيكا للعائلة التي ترفض استمرارها في هذا العمل الذي سبب للعائلة القلق والفوضى وبالتالي القطيعة بين افرادها. يحتدم هذا الصراع تارة ويهدأ تارة اخرى فتدخل (ريبيكا) في صراع وحيرة، حيث أنها تحب أسرتها وكذلك تعشق عملها. ويستمر الترقب والتكهن بأي منهما ستضحي بطموحها أم بحبها؟ وتأتي النهاية الطبيعية التي تلجأ فيها ربيكا الى الخيار الأسلم لها ولعائلتها.
***
ثامر الحاج امين