أقلام ثقافية

يوسف أبو الفوز: رسالة من الملك غوديا

قبل فترة تداولت وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، خبرا مؤسفا عن عملية همجية، تمثلت في رفع تمثال الملك السومري كوديا المقام في مدينة الدواية، شمال محافظة ذي قار، بل وسحله بعملية مهينة، والتمثال كما اشارت بعض التقارير، من عمل الفنان النحات أحمد حسن، من أهالي مدينة قضاء الشطرة، الذي قام بعمل نسختين من التمثال، وأهدى الاولى لبلدية الدواية في مدينته الناصرية والثانية لمتحف ذي قار الحضاري..

فمن هو الملك غوديا؟

يعتبر الملك غوديا، المعروف عالميا، أشهر ملوك سومر وهو الملك الثاني عشر لسلالة لكش (حكم 2124 ــ 2144 ق م) وتعاظمت الدولة في عهده وقام بتطوير نظام الري والتجارة الخارجية مع لبنان وشبه الجزيرة العربية ومصر، وهو لم يكن من مدينة لكش، الا انه نجح في صعود سلم المناصب والزواج من ابنة ملك لكش اوربابو (2144 - 2164 ق م) . وتميز عصره بالإصلاحات الاجتماعية فقد سمح للنساء بتملك الارض، واهتم بالفنون والآداب، وسعى لتطبيق القوانين. أيضا تشير الأبحاث الى أنه أول من بنى معبداً مقدساً في التاريخ، ومعنى أسمه باللغة السومرية (الرسول) أو (المُنادى - من قبل الإله-)، لذلك يصنفه بعض الباحثين على أنه (نبي).

الانباء ذكرت ان رفع تمثال الملك أو النبي غوديا تم بحجة أنه (صنم) ولا يجوز وجوده وتمت الإشارة الى محاولة استبداله بنصب ذو دلالات دينية اسلامية.

وسرعان ما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالغضب واستياء شديد من هذا السلوك الذي يهين رموز الفكر والثقافة ويهين تأريخ البلاد، ورفض واستنكر ناشطون العملية واعدوها جريمة بحق معالم اثار وتأريخ البلد، ومن جانبها استنكرت ورفضت مفتشية اثار وتراث ذي قار، عملية رفع التمثال ودعت المسؤولين في المحافظة، في بيان لها الى ( محاسبة مرتكبي تلك الجريمة، وحماية تماثيل ونصب المحافظة)، وسرعان ما تراجعت السلطات المحلية في قضاء الدواية عن قرارها برفع التمثال، وتواصلت مع النحات لإعادة ترميمه ونصبه في مكانه السابق وأدعت بأن الساحة خضعت لأعمال ترميم.

أن هذه الحادثة تقدم لنا درسا يمكن التوقف عنده مليا، فالسلطات الحكومية، التي فاتها ان وجود هذا التمثال وغيره، هو دليل اعتزاز اهل المدينة بتاريخها وحضارتها، اضطرت امام الرفض والاستنكار الشعبي للاستجابة للضغوط وإعادة نصب التمثال. ان حادثة تمثال الملك غوديا تقول لنا بأن تنسيق وتوحيد الجهود والرفض والاحتجاج يمكن ان يأتي بثماره ليس في قضية رفع تمثال فقط، بل وفي ملفات وقضايا اهم تخص حياة الناس ومستقبلهم.

ويضع أيضا امام الجهات الحكومية المعنية مسؤولية حماية اثار ومعالم الحضارة لبلادنا امام دعوات الجهل بحجج واهية لا تصب في خدمة البلاد وتاريخها ومستقبلها. ان المواطن العراقي يشعر بالخجل عند زيارته لبعض من متاحف العالم التي تحوي بعضا من اثار بلادنا، ويلمس جيدا حسن الاهتمام والطرق الحضارية للمحافظة عليها، والمستوى العالي من الرعاية التي تلاقيها على ايدي أهل البلاد “الكافرة” كما يقول بعض ابناء بلادي، فهل يعقل ان تكون على حق، تلك الأصوات التي تعتقد ان من الحسنات قيام الاوربيين بسرقة اثارنا، لأنهم يحفظوها لنا سليمة وبأحسن حال ويعرّفون بها، بينما نقوم نحن بإهمالها وأهانتها؟

***

يوسف أبو الفوز

في المثقف اليوم