أوركسترا
عدنان حسين احمد: أنا كوبا.. شاعرية الواقع وبوادر الثورة المُرتقبة
(أنا كوبا) هو أحد أفلام المخرج السوفياتي من أصل جورجي ميخائيل كالاتوزوف المعروف باسم كالاتوزيشفيلي الذي يتميز بأسلوبه الإخراجي المبتكر ولغته البصرية المرهفة التي يمكن تلمّسها في فيلم (حين تمرّ اللقالق) 1957 الحائز على السعفة الذهبية و (أنا كوبا) 1964 الذي (يمزج بين الدراما السياسية والدعاية) ويحتفي بالثورة الكوبية. لقد أعيد اكتشاف هذا الفيلم وترميمه في التسعينات على يد المُخرجَين الكبيرين مارتن سكورسيزي وفورد كوبولا. وهو من ألأفلام الستة التي تحتفي بالسينما الكوبية التي أدرجها القائمون على الدورة الثانية عشر لمهرجان الجزائر الدولي للفيلم في برنامجهم الذي يمتد للمدة من 4-10 ديسمبر 2025 تحت عنوان (السينما الكوبية.. شاعرية الواقع وذاكرة الثورة).
يتألف فيلم (أنا كوبا) الذي تبلغ مدته 120 دقيقة من أربع قصص متصلة بصوت رمزي يعكس معاناة الشعب الكوبي وأمله الكبير عشية الثورة.
على الرغم من أهمية النَفَس السردي في هذا الفيلم إلّا أنَّ لغته البَصَرية أكثر متعةً وإدهاشًا حيث يكمن الجمال أو اللغة الاستيطيقية في كل لقطة أو في كل مشهد على انفراد. ومع ذلك فلا يمكن الاستغتاء عن الجانب السردي الذي يروي لنا أربع قصص متتالية يكمل بعضها بعضًا. ولعل شخصية (ماري) المزدوجة هي التي تلفت انتباهنا أكثر من الشخصيتين الأخريين، فهي تُحب بائع الفاكهة (رينيه) وتطمح بالزواج منه لكنه سوف يكتشف مؤخرًا أنها تحمل اسم (بيتي)؛ بائهة الهوى التي تعمل في أحد كازينوهات القمار الأمريكية بهافانا
تتمحور القصة الأولى حول شخصية (ماري) الفتاة الكوبية الفقيرة التي لا تختلف عن بقية النساء الكوبيات المعوزات حيث تعيش في حي فقير عند أطراف العاصمة هافانا وتطمح بالزواج من حبيبها رينيه؛ بائع الفاكهة الذي يمحضها حُبًا من نوع خاص ولكنه لا يعرف بحياتها المزدوجة كـبائعة هوى تتستر وراء اسم (بيتي) وتعمل في أحد كازينوهات القمار الأمريكية بهافانا التي تستقطب الأمريكيين الأثرياء وتوفر لهم متع الحياة اليومية العابرة. وحينما يُدرك (رينيه) هذا الالتباس تتقوض أحلامه العاطفية دفعة واحدة بينما كان الأمريكي يشق طريقه بصعوبة بالغة في الأراضي الريفية الموحلة بعد أن اشترى منها أغلى ما تملك وهي قلادة الصليب مقابل ثمن بخس.
تدور القصة الثانية حول المزارع بيدرو المنهمك في حصاد قصب السكر الذي زرعه قبل مدة من الزمن لكن صاحب المزرعة يحضر ليخبره بأنه قد باع الأرض لشركة (يوناتيد فروت) وأنّ عليه مغادرة الأرض فورًا ثم يقفل المالك راجعًا مع حرّاسه على ظهور الجياد. لم يلفت بيدرو انتباه عائلته السعيدة بالحصاد الوافر بل أعطاهم كل ما يملك من نقود وطلب منهم قضاء يوم ممتع بالمدينة لينفّذ ما يدور في مخيلته المتقدة من أفكار حيث أشعل النار في أركان المزرعة الأربعة وفي البيت الذي يسكنه ليموت في خاتمة المطاف متأثرًا بالدخان الكثيف الذي استنشقه جرّاء الحرائق التي لم تُبقِ ولم تَذر.
يسعى أنريكي في القصة الثالثة إلى القيام بتغيير جذري بعد أن شعر بالإحباط من جهود الطلاب المتمردين الذين لم يحققوا شيئًا يُذكر. ففي لقطة طويلة جدًا بدأ يخطط لاغتيال قائد الشرطة. وحينما رصد ضحيته المُرتَقبة وجده يتناول طعام الإفطار مع زوجته وطفلية الصغيرين فتردد في إطلاق النار عليه حتى عكف عن الأمر نهائيًا لأسباب إنسانية تركت تأثيرها على المتلقين. ثم تتفاقم الأحداث حينما يطلق ضابط الشرطة النار على أنريكي ويرديه قتيلًا فيحمل المتظاهرون جثمانه في الشوارع بعد أن نال الشهادة في سبيل الشعب والوطن المحكوم بالحديد والنار.
أمّا القصة الرابعة والأخيرة فتدور حول المزارع النموذجي ماريانو الذي يرفض طلبات جندي ثوري بالانضمام إلى ساحة الحرب الدائرة لأنه لا يريد أكثر من العيش بسلام ويصرّ على رحيل الجندي لكن طائرات الحكومة تبدأ بقصف المنطقية عشوائيًا فتدمر منزل ماريانو وتقتل ابنه الأمر الذي يضطره للانضمام إلى المتمردين في جبال سييرا مايسترا والمشاركة بمسيرة النصر إلى هافانا لإعلان الثورة.
لم يقيض لهذا الفيلم مثل هذا النجاح الكبير والشهرة الواسعة ما لم تتآرز عدة عناصر ومعطيات مهمة تبدأ بكتابة النص الذي أبدعه يفغيني يفتشينكو مع أنريك بييندا بارنيت والتصوير الرائع الذي تألق فيه سيرجي أوروسيفسكي والموسيقى المذهلة لكارلوس فاريناس والمونتاج الرائع لنينا غلاغوليفا مع الأداء المتقن للشخصيات الرئيسية التي جسّدت القصص الأربع التي نالت استحسان الجمهور مع أنّ الفيلم طويل حيث تجاوزت مدته الساعتين وعشرين دقيقة بنسخته المرممة.
***
الجزائر / عدنان حسين أحمد






