قراءات نقدية

كريم عبد الله: قراءة تأويلية في "حينَ يَتكلَّمُ الغرامُ" للشاعرة آمال بوحرب

حينَ يَتكلَّمُ الغرامُ

الشاعرة: د. آمال بوحرب

 ***

قُلتُ له: أَتَكتُبُ في الغَزَلِ؟

قالَ: بَلى… وَكَيفَ لا،

ومُلهمتي

مَلِكةُ البيانِ؟

إذا انشَقَّ الفَجرُ من تَحتِ أَناملِها،

وأشرَقَتْ في فَجرِها الغُرَّةُ البيضاءُ

أزهَرَتْ بَينَ يديَّ قَوافيها،

تَنسُجُ مِن شَهقةِ أَنفاسِها

رَوضَ قَصائدَ،

وتَزرَعُ على خَدِّ الورقِ

رِياضَ المعاني

 *

شَفَتاها — يا وَيحَ قَلبي —

تُطعِمُ الدهرَ شَهداً،

وتُسكِرُ الحروفَ نَبيذاً،

وتَرقُصُ الأوزانُ على لحنِها

كما تَرقُصُ الأغصانُ

إذا لامَسَها النسيمُ…

 *

عُيونُها مَنَاجِمُ ياقوتٍ،

تَستَخرِجُ منها المعاني،

تُرسِلُها إليَّ كَما الطيرُ

يأتي بالبِشارةِ لِعُشٍّ قَفرٍ،

وفي رَعشَةِ رَمشِها

أقرَأُ تَوقيعَ أمرٍ سُلطانيٍّ

لا تخرج مِن وَلائي

 *

نارُ الهوى تحتَ الخِمارِ

تَتلهَّبُ…

كلَّما قُلتُ: أُطفِئُها… تَتَّسِعُ!

هيَ خَمرٌ بكَفِّ القَدَرِ سُكِبَتْ،

وما لِقلبي سِوى أن يَشرَبَ

 *

فقلتُ له:

لو تَراني… أنا الظَّمأى التي

تَرفُضُ البحرَ إلّا مِن أنفاسِكَ!

وأنا الحارسةُ المَسحورةُ…

كلّما أَوشكَ سِرّي يَفضَحُني…

أَدفِنُهُ وراءَ نَجمَةٍ… فتأتيني بالقمرِ!

 *

أسكتُ الحبَّ فتنطِقُ أَجفاني…

وأُخفِي الدّمعَ، فالريحُ تُراوِدُ ألحاني!

لغةُ الجَسَدِ تَخونُ الكَتمَ،

والغرامُ إذا تَكلَّمَ… يَصنَعُ الكونَ مِن رَمادي.

القراءة النقدية:

هذا النص هو قصيدة تُعبّر عن تجربة شعرية تتنقل بين الحب والغرام، وتستحضر صورًا غنية ومجازات بديعة تعبّر عن التفاعل بين الذات الشاعرة والحبيب. تمثل هذه القصيدة لحظة تأملية مليئة بالانفعالات والحسّية التي تتحدث عنها الشاعرة د. آمال بوحرب، متجلّية في قالب شعري مكثّف.

 العنوان: "حينَ يَتكلَّمُ الغرامُ"

يعتبر العنوان بمثابة دعوة لإسماع صوت الغرام حينما يتحدث بلغةٍ غير تقليدية. يتفاعل الحب هنا ككائن حي، يحمل نبرةً تتجاوز الشعور التقليدي ليصبح حديثًا يحمل بُعدًا عميقًا وأسطوريًا. في العنوان يتضح أن الحب ليس مجرد شعور، بل هو قوة فاعلة تُعبّر عن نفسها بلغةٍ فريدة تتجاوز الكلمات.

 1. البداية الحوارية:

القصيدة تبدأ بحوار داخلي بين الشاعرة والحبيب، حيث يسألها إن كانت تكتب في الغزل، فيرد بأنها تكتب، بل إن مصدر إلهامها هو "مَلِكَةُ البيان". هذا التصريح يشير إلى أن الشاعرة تكتب في غزلٍ غير تقليدي، غزلٌ مشبع بالفن والبلاغة، بلغةٍ تتجاوز المفردات لتغوص في معاني الجمال.

2. الصور الشعرية والزخرفة اللغوية:

تعجّ القصيدة بصور شعرية دقيقة ومبتكرة:

"إذا انشَقَّ الفَجرُ من تَحتِ أَناملِها": في هذا البيت نجد تعبيرًا مجازيًا عن النور الذي ينبثق من يدي الحبيبة، كأنها تخلق الحياة أو الفجر بكل معانيه.

"شَفَتاها تُطعِمُ الدهرَ شَهداً": الشفاه هنا تصبح مصدرًا للحياة واللذة، تفيض بالعذوبة كما يفعل العسل في الزمان.

"عُيونُها مَنَاجِمُ ياقوتٍ": العينين تُقدمان ككنوز، يتدفق منهما المعنى والجمال، كما أن الياقوت رمزٌ للثمين والنادر.

3. الحب والمشاعر المتضاربة:

القصيدة تتعامل مع الحب وكأنه قوة عاتية، لا يمكن التحكم بها أو إخمادها:

"نارُ الهوى تحتَ الخِمارِ تتلهبُ": هنا تشير الشاعرة إلى أن الحب كالنار المتأججة، التي لا يمكن إطفاؤها، بل تزداد اتقادًا كلما حاولت التراجع عنها. هو قوة يصعب على الشخص مقاومتها.

"هيَ خَمرٌ بكَفِّ القَدَرِ سُكِبَتْ": شُبه الحب هنا بالخمر المسكوب من يد القدر، مما يوحي أن الحب ليس خاضعًا لإرادة الشاعرة، بل هو أمرٌ مقدر في أيدي الأقدار.

4. الحب كسرٍّ غير مكشوف:

"أَدفِنُهُ وراءَ نَجمَةٍ… فتأتيني بالقمرِ!": تتحدث الشاعرة عن محاولات إخفاء مشاعرها، ولكنها تفشل دائمًا، إذ يظل الحب ظاهرًا أو مشرقًا كالقمر، مهما حاولت إخفاءه.

 5. اللغة الجسدية وعلاقتها بالكتمان:

"لغةُ الجَسَدِ تَخونُ الكَتمَ": في هذا البيت تكشف الشاعرة عن الصراع الداخلي الذي يحدث بين الكتمان والشعور الذي لا يمكن إخفاؤه. الجسد يصبح في هذه اللحظة المعبّر الحقيقي عن الحب والمشاعر التي تخون الصمت.

 6. الغرام كصانع للكون:

"الغرامُ إذا تَكلَّمَ… يَصنَعُ الكونَ مِن رَمادي": هذه الجملة تعبر عن قوة الحب الخلاقة، التي قادرة على تحويل الواقع إلى شيء جديد. إذا تكلّم الحب، يخلق الكون كما يشاء، من رماديته إلى عالم آخر مليء بالألوان والجمال.

 7. الختام:

القصيدة تنطلق من مرجعية ذاتية عميقة تحيط بتجربة حب لا متناهية، حيث الحب ليس مجرد مشاعر عابرة، بل هو أمرٌ حتمي، صراع بين السيطرة والاستسلام لقدر الغرام الذي يكتب الكون من رماد. النص يفيض بتعبيرات مليئة بالتصاوير الشعرية الحسية التي تعكس قوة الشعر في التعبير عن الجوانب الخفية في العلاقة العاطفية بين المحب والمحبوبة.

***

بقلم: كريم عبد الله – العراق

في المثقف اليوم