قراءة في كتاب
محمود محمد علي: سياحة في كتاب دراسات في الأديان لعبد الحميد مدكور (3)
وثمة نقطة جديرة بالإشارة يؤكد عليها المؤلف في هذا المبحث، وهي أن للعقيدة أثر لا يمكن تجاهله في مجال الأخلاق، حيث تقدم إلى أتباعها جملة من القيم الأخلاقية، التي تطالبهم بالالتزام بها، وتحذرهم من الإهمال لها، وإذا أخذنا الإسلام مثلا فسوف نلاحظ أن ما دعا إليه من تشريعات، وما أوصى به من وصايا يرتبط بالأخلاق ارتباطا وثيقا، وينطبق هذا – كذلك- على جانب العقيدة فيه، ويمكن القول بأن درجة الالتزام تتناسب مع مكانة العقيدة في نفس المؤمن قوة وضعفا (41) .
وفي نظر المؤلف تتميز الأخلاق المنبثقة من العقيدة بمزايا عديدة من أهمها: أنها ترتكز على قاعدة راسخة من يقظة الضمير، وصحوة الشعور، بحيث تكون الرقابة على الفعل رقابة ذاتية داخلية، وعندئذ يكون الإقبال على الفعل أو الامتناع عنه متفقا مع اتجاه القلب، المحكوم بما تغرسه العقيدة فيه من مراقبة الله الذي يعلم السر والنجوى (42) .
وهكذا يأتي الدين في نظر المؤلف، ليكون كما كان دائما طوق النجاة الذي تبحث عنه البشرية، وهو رحمة الله إليها في كل حين، ولكنها قد تعرض عنه جهلا أو غرورا أو استكبارا، ولكنها ما تلبث أن تحس أنها محتاجة إليه، نتيجة لما تعانيه من حيرة وقلق واغتراب، واحساس بوحشة الوجود وكآبته، فإذا آبت إلى الدين وجدت في رحابه، من نور الوحي، وهدي النبوة، وسكينة الإيمان ما يهديها سواء السبيل، ولقد ظل هذا النور الإلهي المتمثل في الوحي والنبوة يتجدد: عصرا بعد عصر، إلى أن ختمه الله بالإسلام الذي أنزله على رسوله محمد – صلي الله عليه وسلم- وقد أكمل الله – تعالى – به الدين كله، وجعله وارثا لما في الرسالات كلها من الحق والخير والهدى . ومصححا لما ألحقه البشر بها من التغيير والتبديل، ولهذا جعله الله تعالي خاتما ومهيمنا على الكتاب كله (43).
أما المبحث الرابع وهو بعنوان " توحيد الله تعالي"، وهذا المبحث كما يرى المؤلف يعول على أنه إذا كان الإيمان بالله هو جوهر العقيدة ومحورها، فإن هذا الإيمان لا يكون صحيحا مقبولا إلا إذا صحبته عقيدة التوحيد، وهي تعني إثبات الألوهية لله وحده، ونفيها عمن سواه فهو – وحده – الإله الحق، رب كل شيء، ومالك كل شيء، ليس له ند ولا شريك (44)، وأن ما في الكون من سنن ثابتة، وقوانين مطردة، ونظام محكم يدل على وحدانية الإله الخالق لهذا الكون، لأنه لو اشترك في الخلق أكثر من إله لفسد الوجود، لأن من شأن الإله أن يكون تام العلم، نافذ الأمر، مطلق الإرادة، كامل القدرة . فإذا كان كل واحد منهم متصفا بهذه الصفات فلابد من أن تظهر آثارها في الوجود، وعندئذ يقع التنازع والاختلاف الذي يؤدي إلى الفساد، ويتفق هذا مع ما استقر فطرة البشر من أن تعدد الرئاسة للشيء الواحد يؤدي إلى تضارب الآراء واختلاف الأهواء، ومن ثم إلى الفساد والاضطراب، فإذا كان هذا من صفات البشر الذين يتصور انقياد بعضهم لبعض، فيكيف يكون الأمر بالنسبة للألوهية التي تقتضي الكبرياء والعلو والهيمنة والقيومية (45).
وهكذا يكون الإيمان بالتوحيد في نظر المؤلف مستقيما مع دواعي الفطرة التي غرسها الله تعالي في الإنسان عند خلقه له، ويعتقد هذا مع اعتقاد كثير من أصحاب الدراسات الإنسانية والاجتماعية الذين لاحظوا وجود عقيدة التوحيد لدى بعض القبائل البدائية المنعزلة عن الحضارة، وهي قبائل متفرقة في مواطن كثيرة من الأرض كأستراليا وأمريكا، وقد انتهت هذه الدراسات إلى أن الروح الإنسانية إذا كانت قادرة على أن تعرف الله فإنه يجب أن تكون قادرة على إدراك أنه لا يوجد إلا إله واحد، وهذا يؤكد أن الدين الأول الذي اعتنقه الإنسان القديم كان توحيديا وليس تعدديا (46)؛ وعلى الرغم من أن التوحيد هو الموافق للفطرة، فقد انحرفت عنه البشرية في فترات كثيرة من تاريخها، ولذلك كانت المهمة الأولى للأنبياء أن يقاوموا هذا الانحراف، وأن يعودوا بالناس إلى عقيدة التوحيد الخالصة (47).
وهكذا تكررت دعوة القرآن كما يذكر المؤلف إلى هؤلاء المشركين أن يراجعوا عقولهم، وأن يفيقوا من غفلتهم، وان يطيلوا التأمل والنظر في ملكوت السماوات والأرض، وفي أنفسهم، لأنهم سيجدون- عندئذ – أبلغ الدلالات على أنه لا يستحق وصف الربوبية إلا إله واحد هو الله الواحد القهار (48).
وإذا ما انتقلنا إلى المبحث الخامس وهو بعنوان " الإيمان بالوحي والكتب الإلهية"، فكل من أوحي إليه لا يستطيع أن يجادل نفسه هل هذا صدق أو غير صدق، ويحصل له اليقين الجازم الذي لا يقبل الشك، وهو أشد من يقينك بالمرئيات والمسموعات، وأنه يصل إلى بشاشة القلوب، والمسموعات والمرئيات يمكن أن تشكك فيها؛ لأن البصر يتفاوت والسمع يتفاوت، فلذلك كان الوحي أبلغ وسائل العلم (49).
والوحي قول الله فلذلك لابد أن يكون حقاً، وهو مأخوذ من القرآن؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ (يوسف:111)، فلا يمكن أن يختلقه أي واحد (51).
وأشار المؤلف إلى أن الإيمان بخاتمة الوحي على خاتم الأنبياء أساس الإيمان بقضية الوحي الكلية، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بدعا من الرسل، بل كل واحد في مسيرة إخوانه الأنبياء الأكرمين، قال تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ [الأحقاف:9]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا* وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء:163، 164).
والإيمان بالكتب السماوية في نظر المؤلف هو الركن الثالث من أركان الإيمان، والكتب السماوية هي الكتب والصحف التي تحتوي على كلام الله تعالى الذي أنزله على رسله عليهم السلام سواء في ذلك ما ألقاه مكتوباً بيده سبحانه وتعالى كمثل التوراة التي قال تعالى فيها «وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا»، (الأعراف: 145)، وما أنزله عن طريق المَلَك وحياً ومشافهة ثم كُتِبَ فيما بعد في الصحف أو القراطيس كمثل القرآن الكريم الذي تمت كتابته في المصاحف في عهد الخليفة أبي بكر رضي الله عنه ، وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه نسخ المصحف سبع نسخ جديدة وزعت على عواصم البلاد الإسلامية ، فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محفوظ في الصدور وفي السطور(25). وهذا الركن أصل من أصول العقيدة والدين، فمن أنكر شيئاً مما أنزل الله على رسله منها فقد بطل إيمانه، قال لآخر "، (النساء: 631) (35).
أما المبحث السادس فيدور حول الحوار المسيحي الإسلامي ؛ وتنطلق فكرة الحوار الإسلامي-المسيحي كما يرى المؤلف من أهميته في تبادل الأفكار والمفاهيم على المستويات المحلية والعربية والدولية، وفي أثره الواضح في بناء جسور الثقة بين المتحاورين، وتعميق التفهّم والتفاهم لديهم ومعهم، خاصة في هذا العصر الذي لم يعد باستطاعة أي بلد أو مجتمع في عالمنا - بفضل التقنيات الجديدة في وسائل الاتصال الجماهيري - العيش بمعزل عن التيارات الإقليمية والعالمية. والحوار إحدى الوسائل للتواصل بين هذه التيارات الفكرية والثقافية ومتابعتها. وكانت الغاية مـن هذا الحوار هي تقديم تصـور متكامل عن منظـــومة المثل والقيم والمبادئ والمعاملات في الإسلام، بحيث يتضح - من خلال هذا التصور - المشروع الثقافي الإسلامي، وبحيث تتاح الفرصة ليتفاعل ذلك المشروع مع الخطاب الحضاري العالمي ويؤثر فيه، بفضل ما له من أصالة وقدرة على النمو والتطور والعطاء، وبذلك يسهم هذا الحوار في تقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام (54).
وفي رأي المؤلف إلي أنه لطالما اتّسمت العلاقات بين المسلمين والمسيحيين بالعنف تارة وبالسّلم تارة أخرى مدًّا وجزرًا، وإنّ هذه الصّورة بشقّيها –السّلبي والإيجابي- هي التّشكيلة الأساسيّة لتلك العلاقات، وإنّها لذات مفهوم واسع وشامل ومتشعّب يتقاطع فيه مجموعة كبيرة من الجوانب والمجالات التي تعبّر عن واقع الحياة وملابساتها، وإذا كان الشّقّ السّلبي من هذه العلاقة، مثله ذلك الصّراع المرير الذي دارت رحاه بين الفريقيْن ردْحًا من الزّمن، مُخلّفًا من جرّاء حُروبه آلافًا من القتلى والمشرّدين والمُنكّل بهم، إضافة إلى الخسائر المادّيّة في المُنشآت والمَعالم، وليس ذلك فحسب، بل إنّ الانهزام النّفسي كان الشّعور الأكثر خطورة وحضورًا في نفوس المتضرّرين والمُنهزمين من كلا الجانبين، فإنّ الشّقّ الإيجابي منها مثّله ذلك التّعايش والعيش المُشترك النّاتج عن تجاور المسلمين والمسيحيين، الذي غالبًا ما يؤدّي إلى إحداث حوارٍ فيما بينهما؛ تعبيـــــــرًا عن المودّة والأُلفة والتّسامح والتّعاون؛ لذلك أصبح هذا الحوار منسوبًا إليهما أكثر من غيرهما من الشّعوب والأُمم الأُخرى، فتشكّل من جرّاء ذلك مصطلح "الحوار الإسلامي المسيحي"؛ هذا المصطلح الذي يعبّر عن تلاقي أتباع الدّيانتين سلميًّا على طاولة واحدة أو في واقع الحياة لتقاسمها بحُلوِها ومُرّها بما يُعرف بالحوار العفوي، ولتبادل الأفكار والخبرات، ومعالجة كثير من القضايا؛ جزئيّة كانت أو كلّيّة، داخليّة أو خارجيّة، إقليميّة أو عالميّة، وقد تبلور هذا المُصطلح وصُنع صناعة تدريجيّة على مدار أزيد من أربعة عشر قرنًا، إلى أن أصبح حركة مكتملة في الوقت الحالي، قائمة بذاتها من جميع النّواحي، ومن أجل التّعرّف على مفهوم هذه الحركة ورصد نشأتها وتطوّرها (55).
وأخيرا يؤكد المؤلف على أن الإسلام لا يرفض من حيث المبدأ فكرة الحوار، بل إن الإسلام يفسح صدره منذ البداية للجدال بالتي هي أحسن، كما لا يصح أن ينهض بعبء هذا الحوار إلا من اكتملت فيهم العدة للقيام به، بأن يكونوا من أهل العلم الشامل الدقيق بالإسلام: عقيدة وشريعة وأخلاقا وتاريخا ومقاصد وغايات، وأن يكونوا من أهل العلم بالأديان الأخرى وما جرى حولها من دراسات، على يد المسلمين، أو على يد أصحابها . وينبغي في كل الأحوال ألا يخضع الحوار للمساومة على حساب أصول العقيدة وثوابتها، وأن يكون بعيدا عن مجاملات السياسة وضغوطها . وعلى المتحاورين أن يكونوا على بينة من الأهداف المرجوة من الحوار، وان يشتركوا بعناية في تحديد نقاطه ومسائله، وأن يحسنوا الاستعداد له، كما يفعل ذلك من يقومون بمحاورتهم، وألا يتركوا الأمر للارتجال والمفاجآت . لقد صار الحوار مطلبا إنسانيا عاما، وهو يقتضي أن تتعاون البشرية كلها من أجل تلبيته، تحقيقا لسعادة الإنسان وكرامته وسموه الروحي والأخلاقي، وليس هناك من هو أولى وأجدر بالقيام بذلك ممن نالوا شرف العمل في حقل الإيمان (56) .
أما المبحث السابع والأخير وهو بعنوان " الاستشراق"، وتعد قضية الاستشراق في نظر المؤلف ظاهرة علمية وثقافية غريبة ذات تاريخ طويل، يرجع لدي بعض الدارسين إلي ألف سنة . فهو من حيث الزمان نتاج امتداد زمني قديم، ثم هو من حيث المكان الجغرافي ذو جذور ممتدة في بلاد غريبة كثيرة، بحيث يمكن القول بأن كل الدول الغربية – تقريباً – قد أسهمت فيه وإن تكن بريطانيا وفرنسا ثم أمريكا وألمانيا في العصر الحديث هي صاحبة الجهد الأكبر فيه سواء علي مستوي المحتوي الحضاري والثقافي للشرق الذي اهتم به المستشرقون أو علي مستوي تنوع الجهود العلمية النظرية والعملية التي بذلها هؤلاء لتحقيق غايات متعددة (57).
ثم تتبع المؤلف التطور التاريخي لعلاقة الإسلام بالغرب، وصولاً إلى الاستشراق الحديث. فعلى طول الخط التاريخي كان الاتصال قائماً بين العالَم الإسلامي والغرب. ولقد كان لمناطق حيوية مثل الأندلس وصقلية وبلاد الشام نصيباً أوفر من غيرها في الاتصال بالغرب، فقد كانت بمثابة جسور تواصل ومناطق عبور بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي. ولقد شكلّت مكتبات الأندلس مكاناً أثيراً لدى الكثيرين من العالم الغربي، إذ أكبّوا على تعلّم العربية وترجمة المؤلفات العربية إلى اللغة اللاتينية. أما صقلية فقد دخلها النورمان وحافظوا على ثقافتها العربية، فصارت نقطة التقاء مع المسلمين (58).
وفي مقاربة لطروحات الكاتب التي تناولت الاستشراق منظوراً إليه من ناحية تاريخية، فقد كلام الكاتب عن الاستشراق والتبشير ليُكمّل الصورة، لناحية أن الاستشراق بدأ أول ما بدأ كإرهاصٍ لبُعد ديني؛ فقد حاول الاستشراق أن يتغلغل في النسيج الإسلامي من خلال ممارسته للتأثير في حقل التربية والتعليم (58).
وبعد ذلك انطلق الكاتب ليكشف عن المستور في علاقة الشرق بالغرب. وقد عمد المؤلف إلى نقل بعض من وجهات نظر لِمَن كتبوا بشكل مسيء عن الإسلام، ولآخرين –تحديداً من البحّاثة الغربيين- ليفندوا بعض الطروحات التي أساءت للإسلام والمسلمين. وقد أتت أول هذه الهجومات على القرآن الكريم بصفته تأليفاً من قبل النبي محمد، وليس وحياً من الله (60).
وبرغم ذلك فلقد تناول المستشرقون التراث العربي والإسلامي كما يرى المؤلف بالكشف والجمع والصون، والتقويم والفهرسة، لكنهم لم يقفوا عند هذا الحد، بل تجاوزه إلي حيث دراسة هذا التراث وتحقيقه ونشره وترجمته والتنظير له والتصنيف فيه (61).
ولم تقف جهود المستشرقين عند حد الطبع والنشر، بل حاولوا كما يرى المؤلف أن يكشفوا معالم الحياة العلمية والعقلية في الإسلام، وأرخوا لها جملة وتفصيلاً، فكتبوا عن العلم والعلماء يشرحون الآراء والمذاهب أو يترجمون للأشخاص والمدارس، وقد يقصرون بحثهم علي بعض الأشخاص والنظريات والألفاظ والمصطلحات (62).
بيد أن حركة الاستشراق هذه بتياراتها المتلاحقة، قد أفرزت أحكاما تجنت فيها علي العرب والمسلمين تجنيا موغلا، وأثمرت تعصبا ليس له مدي، من حيث شاء بعض المستشرقين أن يبخسوا العرب والمسلمين حقهم في السبق والتقدم والابتكار في شتي مجالات العلم العربي، مع أنه – أي المستشرقين – كانوا أولي الناس وأحراهم بالاعتراف بهذا الفضل، وذلك بما صار لهم من صلة وثيقة بهذا التراث فهما وتمثلا واستيعابا في إطار دراساتهم العلمية التحليلية المقارنة (63).
لكن قليل القليل من رجال الاستشراق كانوا أمناء مع أنفسهم ومع الحقيقة والتاريخ، فقالوا بما أملته عليهم ضمائرهم الحية وروحهم العلمية الموضوعية، ومن ثم قرروا لعلماء ولفلاسفة العرب ما هم جديرون به ويستحقونه من فضل وعرفان (64).
5- خلاصة:
لعل كتاب عبد الحميد مدكور يجيب عن عدد من الأسئلة التي تتعلق بالعلاقة الأديان المختلفة انطلاقا من التجربة الإسلامية. وليس من باب المبالغة لو قلنا إن هذا الكتاب يسد ثغرة كبرية في الفكر العربي المعاصر المنفتح على الحضارات الأخرى؛ فقد أوضح المؤلف جملة التطورات التي عرفها الفكر الدين الإسلامي فيما يخص الحوار مع المسيحية والاستشراق، وانتهى بالقول إن التوحيد هو النواة الصلبة للعقائد.
وقد اعتمد الدكتور مدكور على ما يزيد من مئة مرجع ومصدر في غالبيتها عربية وإسلامية، إضافة إلى مجموعة لا يأس بها من المراجع الأجنبية التي دعم بها بحثه مشفوعة بشواهد من القرآن الكريم وكأحاديث نبوية وآراء الصحابة، وهذا ما أكسب الكتاب المنهج البحثي الدقيق والتتبع الموضوعي لحركات تاريخ الأديان.
بقى أن نقول إن الدكتور مدكور يتمتع بروح الباحث المنهجي بأسلوب علمي موضوعي بعيدا عن الانفصال والنظرة الجانبية، والكتاب يعد دراسة تدعو إلى البحث والتقصي وهو إسهام كبير في إظهار صورة الدين الإسلامي، وأثره في حياة الشعوب .
كذلك لا ننسى اعتماد الدكتور مدكور في كتابه هذا أسلوبا بحثيا مشوقا بلغة واضحة وأفكار محددة وجمل موجزة بعيدة عن الحشو والإطالة، ولذا جاء الكتاب خلاصة فكر وعرض توجهات وسردا لمبادئ.
وأختم سياحتي لهذا الكتاب في كلمة كلمة، فأقول إن هذه التساؤلات والإشكالات، إنما هي من جنس العمل الفلسفي للمفكر المبدع عيد الحميد مدكور الذي هو قيمة مضافة حقيقية إلى فكرنا العربي المعاصر .
***
الأستاذ الدكتور محمود محمد علي
رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب - جامعة أسيوط
.............................
الهوامش
41- د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور: دراسات في الأديان، المصدر نفسه، ص 77.
42- المصدر نفسه، ص 78.
43- المصدر نفسه، ص 82.
44- المصدر نفسه، ص 84.
45- المصدر نفسه، ص 87.
46- المصدر نفسه، ص 90.
47- المصدر نفسه، ص 92.
48- المصدر نفسه، ص 105.
49- المصدر نفسه، ص 109.
50- المصدر نفسه، ص 53.
51- المصدر نفسه، ص 112.
52- المصدر نفسه، ص 114.
53- المصدر نفسه، ص 115.
54- المصدر نفسه، ص 155.
55- المصدر نفسه، ص 155-177.
56- المصدر نفسه، ص 199-200.
57- المصدر نفسه، ص 205-206.
58- المصدر نفسه، ص 207.
59- المصدر نفسه، ص 208.
60- المصدر نفسه، ص 209.
61- المصدر نفسه، ص 210.
62- المصدر نفسه ونفس الصفحة.
63- المصدر نفسه، ص 211.
64- المصدر نفسه، ص 212.