قضايا

غريب دوحي: دور العمل في تحويل القرد إلى إنسان

تعقيبا على مقال الأستاذ عبدالجبار نوري: تأملات فكرية في صحيفة المثقف ليوم الخميس 12/9 والمتضمن دور العمل في الفكر الإنساني باعتباره (جوهرة الوجود الإنساني) اعددت هذا المقال الذي كتبه (انجلز) عام 1876 حول دور العمل في التطور البيلوجي.

فردريك انجلز (1820 - 1895) علم من أعلام الفكر الإنساني، صديق كارل ماركس ومموله وشريكه في كتابة البيان الشيوعي عام ١٨٤٨ وهو ثالث ثلاثة (ماركس - انجلز - لينين) كتب عام ١٨٧٦ بحثا علميا بعنوان (دور العمل في تحول القرد إلى إنسان (وقامت (دار التقدم في موسكو بترجمته إلى اللغة العربية وهذا البحث عبارة عن كتيب صغير من الحجم المتوسط يتكون

من (۲۲) صفحة وفيما يلي اقتباس موجز وبتصرف أحيانا - من هذا البحث الرائع. يستهل انجلز بحثه بوصف العمل كما يصفه علماء الاقتصاد السياسي بأنه مصدر ل ثروة، والمعروف إن العمل هو احد عناصر الإنتاج التي هي الأرض ورأس المال والتنظيم ومنها العمل، لقد استند انجلز في بحثه هذا على نظرية التطور والارتقاء التي جاء بها دارون)، فيذكر انه قبل عدة آلاف من السنين عاشت أنواع من القردة أشبه ما تكون بالإنسان وهي حسب وصف دارون كان الشعر يكسو جلدها ولها لحى وآذانها مقرنه، وكانت تعيش قطعانا" على الأشجار وبتأثير من نمط حياتها الذي يتطلب أن تقوم الأيدي عند التسلق بوظائف غير وظائف الأرجل لذلك أخذت هذه القرود تفقد عادة الاعتماد على أيديها للمشي على الأرض واتخذت أكثر فأكثر مشية عمودية، وهكذا تمت الخطوة الحاسمة للانتقال من القرد إلى الإنسان. ويرى انجلز إن الأهم بكثير من هذا تطور اليد عند هذا القرد عن باقي الجهاز العضوي بسبب من ذلك هو العمل وقد ساعد تطور اليد على السيطرة على الطبيعة حيث تستعمل اليد عند التسلق على غير ما تستعمل الرجل وهي تستعمل للقطف ومسك الغذاء وبعض القرود تستعمل اليد لبناء الأوكار في الأشجار كما تستعمل لمسك القضبان للدفاع عن النفس، وهكذا فإن اليد ليست أداة عمل وحسب إنما هي أيضا" كانت نتاج العمل أما المسألة الأخرى التي بحثها انجلز فهو النطق ويرى فيه أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالعمل الذي وسع أفق الإنسان لدى كل خطوة إلى الأمام وقد أسهم العمل في تمتين الصلات بين أعضاء المجتمع البدائي من خلال النشاطات المشتركة فظهرت الحاجة إلى أن يقول لأحدهم شيئا" ما، فخلقت الحاجة لنفسها عضوا وبفضل التلحين تحولت حنجرة القرد ببطء وتعلمت أعضاء الفم شيئا فشيئا أن تلفظ أصواتا واضحة واحدا بعد آخر، تعلمت أن تنطق. وهكذا كان العمل أولا" والنطق ثانيا هما الحافزان الأساسيان اللذان تحول بتأثيرهما دماغ القرد شيئا فشيئا" إلى دماغ إنساني، مع العلم أن دماغ الإنسان رغم كل الشبه، يتجاوز دماغ القرد

كثيرا من حيث الحجم والكمال.

ويستطرد انجلز موضحا كيف تحولت هذه المجتمعات البدائية البسيطة إلى مجتمع إنساني له خصائصه الاجتماعية قائلا: لقد انقضت مئات آلالاف من السنين قبل أن يخرج الإنسان من عصبة القرود إلى مجتمع إنساني ويركز هنا على نوعية الغذاء الذي يتناوله الحيوان مما يسميه التصرف الافتراسي (والذي يضطلع بدور هام في تحول الأجناس التدريجي لأن دم الحيوان يكتسب تركيبا" كيماويا" آخر وبذلك أسهم هذا التصرف الافتراسي بقسط كبير في تحول أجدادنا إلى بشر خاصة لدى أجناس من القرود يتفوق على جميع الأجناس الأخرى من حيث الذكاء وقدرة التكيف حيث تم الانتقال من التغذية النباتية بعد ذلك إلى التغذية اللحمية وهي نقطة هامة جديدة نحو التحول إلى إنسان حيث يوفر اللحم المزيد من الطاقة ومزيدا من القوة الجسدية ولكن التغيير الأهم والجوهري إنما كان تأثير التغذية اللحمية في الدماغ إذ أخذ الدماغ يتلقى المواد الضرورية لتغذيته وتطوره بمقادير أوفر مما مضى من جيل إلى جيل، وبعبارة أخرى فإن الإنسان لم يصبح إنسانا" دون التغذية اللحمية ولقد أسهمت التغذية اللحمية عن خطوتين حاسمتين إلى الأمام: استعمال النار وتدجين الحيوانات.

ينقلنا انجلز بعد ذلك إلى نقطة حساسة أخرى وذات أهمية كبيرة ألا وهي التنسيق بين عمل اليد والدماغ وأعضاء النطق لا عند كل فرد فقط بل في المجتمع أيضا حين تعلم الإنسان الزراعة وعرف الإنسان الحياكة والتعدين وصنع الفخار والملاحة وتحولت القرى إلى مدن والقبائل إلى أمم وظهر الفن إلى جانب الصناعات الحرفية وتطور انعكاس الحياة الإنسانية الغريب المدهش في دماغ الإنسان أي الدين وبسبب تطور الدماغ ونشاطه تحت سرعة تطور الحضارة، وهكذا نشأ مع الزمن هذا المفهوم المثالي عن العالم القديم والذي لا يزال سائدا حتى وفر علماء الطبيعة نزعة مادية من مدرسة دارون. لقد أصاب انجلز كبد الحقيقة مستفيدا من نظرية التطور حين قال: إن تاريخ تطور الجنين الإنساني في رحم أمه ليس سوى تكرار موجز لتاريخ التطور الجسدي عند أجدادنا الحيوانيين طوال ملايين السنين ابتداء من الدودة، كذلك فان تطور الطفل الفكري هو تكرار أوجز وأكثف للتطور الفكري عند هؤلاء الأجداد عند الآخرين منهم على الأقل.

***

اعداد: غريب دوحي

 

في المثقف اليوم