قضايا
حاتم حميد محسن: التوسع في الكون اللامتناهي أحد ألغاز الكون الكبرى؟

اذا كان الكون لامتناهيا سلفا فما هو الشيء الذي يتوسع فيه؟ عندما نريد إعداد رغيف من الخبز او كمية من الكيك، نضع العجينة في مقلاة الخبز. وعندما تُوضع العجينة في الفرن، سوف تتوسع وهي في داخل المقلاة. كل قطعة صغيرة من الشوكلاته المضافة الى عجينة الكيك تصبح بعيدة عن بعضها البعض مع تمدد العجينة .
ان توسّع الكون، يشبه ذلك بطريقة ما. لكن هذه المقارنة تنطوي على خطأ واحد وهو بينما العجينة تتمدد في مقلاة الخبز، فان الكون ليس فيه أي شيء يتمدد فيه. انه فقط يتمدد في ذاته. انه يشبه لغز محير، الكون يعني كل شيء ضمنه. في توسّع الكون، لاوجود هناك لمقلاة. هناك فقط عجينة. وحتى عندما تكون هناك مقلاة، ستكون جزءاً من الكون الذي يتوسع معها .
هذه الأفكار يصعب فهمها حتى من جانب اساتذة الفيزياء مثل البروفيسوره Nicole Granucci استاذة الفيزياء وعلم الفلك في جامعة كوينيبياك في الولايات المتحدة التي درست الكون لسنوات طويلة. نحن لم نتعامل مثل هذه الأشياء في حياتنا اليومية. هي كالسؤال عن أي اتجاه أبعد الى شمال القطب الشمالي (باعتبار ان القطب الشمالي هو أبعد نقطة في الشمال، لذلك لا وجود لموقع جغرافي شمال القطب الشمالي. جميع النقاط على الارض التي ليست على القطب الشمالي تكون الى جنوبه).
طريقة اخرى للتفكير حول توسّع الكون هي عبر التفكير بالكيفية التي تتحرك بها المجرات الاخرى بعيدا عن مجرتنا درب التبانة. العلماء يدركون ان الكون يتوسع لأنهم يستطيعون تعقّب المجرات عندما تتحرك بعيدا عنا. هم يعرّفون التوسّع مستخدمين السرعة التي تتحرك بها المجرات بعيدا. هذا التعريف يسمح لهم لتصوّر التوسّع بدون الحاجة لشيء ما يتوسع فيه.
توسّع الكون
بدأ الكون بالانفجار العظيم قبل 13.8 بليون سنة، وهذه النظرية تصف أصل الكون الذي بدأ من نقطة اصغر من جسيم دون الذرة وبحرارة وكثافة هائلتين. هذه النقطة الصغيرة جدا دخلت فجأة في توسّع سريع سمي التضخم، حيث كل مكان في الكون توسّع نحو الخارج. لكن اسم الانفجار العظيم يثير الالتباس. هو لم يكن انفجارا عملاقا كما يشير الاسم، وانما هو الزمن الذي توسع فيه الكون بسرعة.
بعد ذلك تكثّف الكون وبدأ يبرد بسرعة، مكوناً المادة والضوء. وبالنهاية، تطور لما يُعرف اليوم بالكون. الفكرة بان كوننا لم يكن ساكنا ويمكنه التوسع او الانكماش نُشرت لأول مرة من جانب الفيزيائي الكسندر فريدمن عام 1922. هو اكّد رياضيا بان الكون يتوسع.
وبينما أثبت فريدمن ان الكون يتوسع، على الأقل في نقاط معينة، فان ادوين هابل نظر عميقا في سرعة التوسع. العديد من العلماء الآخرين اكّدوا ان المجرات الاخرى تتحرك بعيدا عن مجرة درب التبانة، لكن في عام 1929، نشر هابل ورقته الشهيرة التي أكّدت ان الكون بأكمله يتوسع، وان سرعة توسعه تتزايد. هذا الإكتشاف يستمر في إثارة الحيرة لدى علماء الفيزياء الفلكية: ماهي الظاهرة التي تسمح للكون في التغلب على قوة الجاذبية التي تبقيه متماسكا بينما في نفس الوقت يتوسع ايضا عن طريق سحب الاشياء في الكون بعيدا عن بعضها البعض؟.
وفوق كل ذلك، ان سرعة توسع الكون تتزايد بمرور الزمن. العديد من العلماء يستخدمون وسيلة مرئية تسمى وعاء التوسع expansion funnel لوصف الكيفية التي تسارع فيها توسع الكون منذ الانفجار العظيم. لنتصور وعاءا عميقا ذو حافة واسعة. الجانب الايسر من الوعاء – النهاية الضيقة – تمثل بداية الكون. كلما نتحرك نحو اليمين، نحن نتحرك الى الامام في زمن. توسّع الوعاء يمثل توسع الكون.
العلماء لم يكونوا قادرين على ان يقيسوا مباشرة من أين تأتي الطاقة المسببة لهذا التوسع المتسارع. هم غير قادرين على اكتشافه او قياسه. وبما انهم لايستطيعون بشكل مباشر قياس هذا النوع من الطاقة، فهم يسمونها الطاقة المظلمة.
طبقا لنماذج الباحثين، فان الطاقة المظلمة يجب ان تكون الشكل الاكثر شيوعا للطاقة في الكون، تصل نسبتها الى 68% من اجمالي الطاقة الكلية. الطاقة من كل المادة المكونة للارض والشمس وكل ما نراه من أشياء، تقدر فقط بحوالي 5% من مجموع الطاقة.
خارج وعاء التوسع
اذاً، ما هو الشيء الموجود خارج وعاء التوسع؟
ليس لدى العلماء دليلا على وجود أي شيء وراء كوننا المعروف. لكن البعض يتنبأ ان هناك أكوانا متعددة. النموذج الذي يتضمن أكوانا متعددة يمكنه معالجة بعض المشاكل التي يواجهها العلماء في النماذج الحالية للكون. احدى المشاكل الكبرى في الفيزياء الحالية هي ان الباحثين لا يستطيعون دمج ميكانيكا الكوانتم التي تصف عمل الفيزياء في نطاق صغير جدا، مع الجاذبية التي تحكم الفيزياء على نطاق أوسع. القواعد التي تحكم تصرّف المادة على نطاق ضيق تعتمد على كمية ثابتة من الطاقة. في هذا النطاق، الأشياء يمكن ان تأتي وتخرج من الوجود. المادة يمكن ان تتصرف كموجة. العالم الكوانتمي مختلف جدا عن الكيفية التي نرى بها العالم.
وعلى النطاق الاكبر، الذي يسميه الفيزيائيون الميكانيكا الكلاسيكية، تتصرف الاشياء بالطريقة التي نتوقعها في حياتنا اليومية. الاشياء ليست منفصلة ويمكنها ان تمتلك كميات مستمرة من الطاقة، هي لا تدخل او تخرج من الوجود.
العالم الكوانتمي يتصرف كنوع يشبه مفتاح الضوء وحيث الطاقة لها فقط خيار تشغيل وايقاف. اما العالم الذي نراه ونتفاعل معه يتصرف أشبه بجهاز التحكم في الاضاءة، يسمح لكل مستويات الطاقة. لكن الباحثين يقعون في مشاكل عندما يحاولون دراسة الجاذبية على المستوى الكمومي. على النطاق الأصغر، يفترض الفيزيائيون ان الجاذبية هي quantized أي ذات قيمة محدودة ومنفصلة وغير مستمرة. لكن العديد من البحوث التي اجريت لا تؤيد تلك الفكرة. احدى الطرق لجعل تلك النظريات تعمل مجتمعة هي نظرية الأكوان المتعددة. هناك عدة نظريات تنظر في ما وراء كوننا الحالي لتوضح كيف تعمل الجاذبية والعالم الكوانتمي مجتمعان. بعض هذه النظريات الرائدة تشمل نظرية الاوتار وعلم الكونيات الغشائية ونظرية الكم الحلقية وغيرها.
وبصرف النظر عن كل ذلك، سيستمر الكون بالتوسع، والمسافة بين مجرتنا والمجرات الاخرى تتسع بمرور الزمن وتبقى حيرتنا مستمرة.
***
حاتم حميد محسن
...................
المصدر:
What is the universe expanding into if it’s already infinite? The conversation, December 9, 2024