نصوص أدبية
جمال العتابي: فرصة العمر
من قصص المعركة (2)
كانت المعركة بحاجة الى وقود، والأيام مثقلة بحزن وبكاء الامهات، حين يتصاعد ضجيج سرف آليات الحرب، الموت والجحيم يفغران - ياهولهما - شدقين من نار وغبار، يأتي فحيح الرصاص ينثال على جماجم الشباب، من ايما سماء تنهال الشظايا؟
كان الوطن ثكنة عسكرية، فتحت أبوابها (للمتطوعين) في قواطع الجيش الشعبي، حقيقة الأمر لا تطوع عندما تتصاعد النيران في جبهات الحرب تتشكل القواطع عبر تبليغات في بداية الامر، ثم تتحول الى مداهمات للبيوت، ومرحلة تالية اقامة مفارز في الشوارع للخطف ، وسعيد من يفلت لغاية اكتمال القاطع،
كانت الجثث تتناسل في مملحة الفاو عام 86، أين المفر.؟ (جاك الموت يا تارك الصلاة)، مسؤول المنطقة الحزبي مسرعاً يحمل بيده عشرات التبليغات للالتحاق فوراً في القاطع، طرق باب منزل (س) ورمى واحدة بوجه الطفل الذي فتح له الباب، لم يكن أمام (س) إلا الهروب من البيت وحي السكن، يقضي ليلة هنا، ويبيت ليلة هناك.
كان يعمل بأجور مقطوعة مصمماً لنشرة شهرية تصدر عن اتحاد نساء العرب، يشرف عليها طيب الذكر الدكتور سنان سعيد فنياً وصحفياً، كان في غاية الأدب والخلق، الدكتورة ناجية عبد الله المسؤول العام عن النشرة، انسانة وديعة ومحترمة، شكى اليها(س) الحال، فتعاطفت معه وأوعزت للدكتور سنان اصطحاب (س) معه الى مقر الاتحاد في الوزيرية عززته بكتاب مضمونه : الحاجة القصوى لخدمات ( س)، وتعذر الاستغناء عنه.
اسرعا دكتور سنان و(س) اللقاء بمسؤولة الثقافة والاعلام الدكتورة (هاء. تاء) في مكتبها الفخم في الاتحاد.
انتقلت بجلستها قبالة الاستاذ سنان احتراماً له وتقديراً لشخصه، لم تمض الا ثوان قصيرة بعد اطلاعها على مضمون الكتاب حتى بادر ها بالكلام :
- دكتورة، الأخ (س) نحتاجه في العمل، غيابه يعني توقف.......!
لم يكمل الدكتور سنان العبارة بعد، فقاطعته فجأة، بصوت بدأ يعلو بشيئ من الاستخفاف والتعجب :
- الله يخليك دكتور!! كيف تقبل تحرم (الولد) من فرصة العمر؟!
هنا سكت دكتور سنان عن الكلام بشكل نهائي.
تلك اللحظة كان (س) يُصلب في صمت،
- ما أمنية المصلوب يا (س)، ما مطلبك الأخير؟
- أرمي لكلاب مسعورة كل الامجاد الزائفة.
***
جمال العتابي