أقلام حرة

أقلام حرة

نحن نعترف بأن خطط الجيش ومنهجيته في إدارة الحروب، أدق من أن نحيط بها، وأشد غموضا من أن نظهر عليها، فاستراتيجية قواتنا المسلحة، وطرق تعاملها مع عربان الشتات، ليس من شأننا أن نفهمها، أو نكلف أنفسنا مشقة فهمها، ففهمها وتوضيحها يحتاج منا إلى عناء  كثير، ونستطيع أن نذهب إلى أكثر من هذا فنزعم، أن الجيش الذي لم يوقد نيران هذه الحرب، أو يشعل فتيلها، يسؤه تدخلنا السافر في شؤونه، كما يسؤه حملات الشك والازدراء التي تلوكها ألسنة شعبه في شغف واهتبال، والتي تغمز قناته وترتاب في صدقه وبلائه، وفي مقدرته على هزيمة أعدائه، إن قواتنا المسلحة بجميع نعوتها وأطيافها، تقرأ كلامنا المنظم الذي نرسله من غير حساب، فكل من جلس على الأرض، وحركة شفتيه، ينتقدها ويمعن في لومها وعتابها، ويستهجن تباطؤها في حسم الأمور، لقد اعتادت كتائب جيشنا على مثل هذا الحديث الشائن، رغم أنها هي التي تخوض حربا ضروسا مع عربان الشتات، وتتصرف في فنونها ببراعة منقطعة النظير،دون أن تلتفت إلى رفاقها وأترابها من الدول العربية ليتحفوها بعطايا المنن، ورفد النوال، كما أنها لم تلفتت أيضا، للشيطان الذي يمول  تحركات هذه الجيوش الجرارة، ويغدق عليها في كرم حاتمي وسخاء لا يضاهيه سخاء، عساها تحقق له أمانيه التي دونها خرط القتات، يتحرك هذا الشيطان بقامته الطويلة، في بهو قصره المنيف، وهو يترقب الأخبار التي تصله من مكان بعيد، لتخبره بدحر هذا الجيش، وكسر شوكته، فهذا الجيش العنيد، هو من يقف عقبة كؤود دون تحقيق أماله، وبلوغ أهدافه، فأحلامه التي نخشى عليه من أهوالها وعقابيلها، لم يحصد منها إلا ضروبا من الخيبة، وألوانا من الوعود بانتصار وشيك، ورغم ضخامة الانفاق، وعظمة الحشود، تطاول العهد، ولم يحقق من مراميه غير أطياف، فهو لم ينتهي بعد كل هذا البذل، إلا حيث  هو الآن من ترقب وانتظار، فموئل الفتنة، ومؤجج الحروب، لم يحصد من بيادقه التي يحركها، وحممه التي يقذفها تجاه شعبا طيب مغلوب على أمره، إلا هذا الشجى والاخفاق، وهو على كل هذا يكره أن ينبئ أحدا بما هو فيه من لوعة وأسى، ويؤثر أن يزدرد شجاه وفشله، ويصدق تلك الوعود، فالشيطان أشد ما يكون شوقا إليه، هو أن يضع يده على خيرات السودان، فيستولى على ما في بطونه من  ذهب ومعادن، و يحوز ما على أرضه من زرع وضرع وخزائن، لقد دمر هذا الشيطان بيوتا قائمة، وشوارع منظمة، ومسرحا عتيق، وحضارة لا عهد له بها، من أجل أن يجعل السودان مختزلا في سياج وثغر ومزرعة، ورغم ما صنعه هذا الشيطان، ما زال يجد من بعض قيادتنا الاحتياط في تحدثها إليه، واللين في معاملتها له، وهو الأمر الذي يثير عندنا الغموض والابهام.

وفي الحق أن قواتنا المسلحة التي تقاتل بفرقها وألويتها عددا من الدول- وليس في قولنا هذا أي اغراق أو مبالغة- دون أن تجد في ذلك مشقة أو عنفا، قد اتصلت الصلة بين فرقها  وفيالقها، وبين الهيجاء منذ عقودا خلت، حتى ضاقت الهيجاء بهذه الفرق وهذه الفيالق، وتبرمت من طول صبرها، وشدة احتمالها، ولكنها على هذا كله، لم تجد في كثير من الأوقات شيئا من الانصاف، فهناك العديد من شرائح شعبها مزورة عنها كل الازورار، بل تجد لذتها واغتباطها عند خسارتها لجولة من الجولات، فهي صادقة النفس والعاطفة في بغضها، ولا تبتغي إلا أن تراها ضعيفة هزيلة، وقد انقطعت الصلة بينها وبين الظفر والانتصارات، وبغض مثل هذه الناجمة لقواتنا المسلحة يمكننا أن نتحدث فيه ونطيل الحديث، واقر في وضوح وجلاء بأنه سيكون حديثا مملا رتيب، فهذه الطائفة من الناس تتدعي في ثقة واطمئنان، أن هذه القوات التي تذود عنها الآن، لا تتبع إلا لفلول المؤتمر الوطني، وحاضتنها  الحركة الإسلامية السودانية، هذا الافتئات يصدر من فئات مترفة في تفكيرها وشعورها، بأن الحركة الإسلامية السودانية، هي مصدر كل شر، وهي وحدها تتحمل كل مشاكل السودان وأزماته، هذه الجماعات والكيانات السياسية والتي حظها من الخطل والعي، يفوق حظها من العقل والاتزان، قد اتخذت من نسج الافتراءات حرفة لها، فهي تجلس إلى الناس من حين إلى حين، لتخبرهم بأن هذا الجيش الذي يدافع عنها الآن بساعد مجدول، وعضد مفتول، ما هو إلا صنيعة إخوانية، كما أن المنافسة شديدة بين هذه الفرية، وفرية أخرى يجب أن نعطف عليها، ونضحك منها،  ونغرق في الضحك، أن "كتائب البراء" التي تجاهد كتفا بكتف مع الجيش السوداني، ما هي إلا أنموذج جديد لقوات تشابه في صورتها وهيئتها مع قوات الدعم السريع، وأن غايتها التي تنشدها "كتائب البراء"هي عودة قواعدها الإسلامية إلى الحكم، ورغم أن قوات الدعم السريع التي خرجت عن كنف الجيش، وباتت تنازعه شرف قيادة أرض النيلين، قد تفرقت أهواء الكيانات السياسية حيالها تفريقا عظيما، وتفاوتت موافقهم ما بين الهجوم عليها حينما كانت منضوية تحت لواء البشير، والجلوس إليها في شره لا يعدله شر، عندما ظنت هذه الكيانات أن راية الدعم السريع سيكون لها شأن، لقد نسيت هذه الأحزاب السياسية أو تناست أن كينونة الجيش ونواته، قد تشكلت من كل بقاع السودان، وأن القبائل والأعراق قد أخذت بحظوظها منه، وأن هذه المعمعة التي نعيشها هذه الأيام، قد كشفت عن دخائل كل حزب، فالقوات المسلحة لم تجد في ظل هذه الظروف التي تحيط بها، ردءا لها أو نصير غير أبناء الحركة  الإسلامية، الأمر الذي يوحي بأن الحركة الإسلامية تحب السودان لا كما هم يحبون، وتسعى لرفعته كما تريد لا كما هم يريدون.

***

د. الطيب النقر

 

كان في الماضي القريب يوجد شخصية الكاتب العمومي، أو ما يعرف بالعرضحال، يملك أسرار القرية أو الحي في المدينة، وكان يعرف أسرار القرية حتى القاع الخفي ويعرف أقنعة الناس جِيدًا. فكان العرضحال له صور كثيرة في المصالح الحكومية فيجلس أمام هذه المصالح، ويكتب لمن لا يجيد القراءة والكتابة من الأوراق المطلوبة لهم للجهة الحكومية، مقابل أجر رمزي، وخاصتَا

أمام الشهر العقاري والسجل المدني، والمحاكم وأقسام الشرطة، وجوازات السفر، فكان "الكاتب أو العرضحال" في القرية له دور كبير حيث كانت الغالبية من السكان من (الأميين) لا يجيدون القراءة والكتابة، فمنهم من كان يعمل في مواسم الحصاد بأجر رمزي، للكتابة علي أكياس القطن وعبوات الأرز والقمح قبل وزنها، وكانوا عبارة عن مساعدين للكاتب العمومي في الجمعيات الزراعية،، في هذه المواسم،، وكان هناك أشخاص متخصصون في كتابة عقود الشراء. والشراء والشراكة علي تربية الحيوانات.

وكتابة قائمة عفش الزواج. حتي الآن مقابل أجر رمزي، وهناك متخصصين في كتابة الشكاوى والبلاغات والتظلمات، كما كنا نسمي البعض' بأن قلمه يدخل السجن"، ومنذ أكثر من ثلاثة عقود كان يجلس أمام الشهر العقاري في مدينتي المنصورة "العرضحالجي" ويضع وردة فوق قميصه ومجموعة من الأقلام من الحبر في الجيب العلوي، وبدأت تتلاشى هذه المهنة رغم أن مهنة الكاتب من المهن المهمة في العصر الفرعوني، فكان الكاتب في (المرتبة الرابعة) بعد فرعون، ومع نهاية القرن الماضي أصبح لمهنة المحاماة بدِيلًا عن الكاتب العمومي في كتابة العقود والشراكة حتى التظلمات والبلاغات بالطرق القانونية، ومع دخول ثورة المعلومات والاتصالات والتعاملات عن طريق شبكات الإنترنت، كشفت عن الأمية الجديدة من الطبقات المتعلمة، في عدم إمكانياتهم في التعامل مع الحداثة الجديدة، وقد استغل ذلك بعض المكاتب جهل العوام حتى من الطبقة المتعلمة. وقد ظهر ذلك بوضوح في حجز مواعيد للتطعيم ضد وباء كوفيدا 19، وفي جميع بعض المصالح التي طبقت الحجز والمواعيد عبر شبكات الإنترنت، ظهر العرضحالجي الجديد في صورة مودرن، في فتح مكاتب للحجز حتى وصل سعر تقديم خدمة الحجز أكثر من/ "10 الألف جنيه/ في حجز مواعيد لتقديم أوراق عقود العمل في قنصلية دولة مثل إيطاليا، حيث تم توظيف بعض الشباب لمراقبة روابط السفارات في فتح ساعات للحجز، وفي الوقت الحالي يستغلون جهل البعض من لديهم رعايا من العالقين في قطاع غزة بتقديم أوراق لرعايهم مقابل 60 ألف جنيه. علمًا أن وزارة الخارجية تتلاقي الطلبات مجّانًا في" إدارة شئون القنصليات وخدمة المواطنين علي مدار ال24 ساعة" تحت رعاية (السفير إسماعيل خيرت)، لقد كشفت هذه المشكلة عن تدني الوعي لدي طبقة عريضة عن الأحداث الجارية بالنسبة للعالقين على معبر رفح من الرعاية المصريين. حيث لا تستطيع مصر بفتح المعبر إلا بموافقة الجانب الإسرائيلي بعد تلقي أسماء العالقين من القنصلية المصرية في" رام الله" وابلغها للجانب الإسرائيلي بعد مراجعه الأسماء قبل الموافقة، وكان تصريح من النائب/سمير غطاس عضو مجلس الشيوخ المصري في لقاء متلفز منذ اسابيع. ومنذ يوم 7 /من أكتوبر حتى الآن لم يتم السماح لهم بالعودة، فكيف لنصاب أن يستغل جهل البعض على أنه يقوم بتسهيل المهمة وكأنه دولة داخل دوله...؟!

وفي نفس السياق كشفت هذه الأشياء من وجود طوابير أمام مكاتب للإنترنت في مدينتي المنصورة إمام مستشفيات جامعة المنصورة،، لحجز مواعيد للكشف الطبي عن ظاهرة انتشار الأمية في جميع المهن والتخصصات من حملة مؤهلات عليا، لقد كشف دور العرضحالجي الجديد سوء عورات كثيرة داخل المجتمع. ومع الاحترام لحفنة مثقفين، فالمثقف منتج معرفة ومشروع بديل، وليس عنصر سكون أو ولاء لغير الحقيقة، أن يشير إليها نحن بلد لا نفرق بين المتعلم وبين المثقف .وبين الاختصاصي وبين المفكر، ونسمي كل من يضع وردة فوق قميصه او بادج وقلم حبر في الجيب العلوي وحذاء يلمع وكتاب تحت الإبط، نسميه مُثقفًا، كما كنا نسمي العرضحالجي بأن قلمه يذبح الطير، مع أن العرضحالجي، أو الكاتب العمومي، كان رجُلًا بَسِيطًا لا يعرف الجشع ولا يستغل أمية البعض، ويقوم بدور جليل

وخدمي في بعض الأمور، نحن ثقافة مجترة بلا إنتاج معرفة،، وسياسة بلا ثقافة.

عندنا الكثير من العرضحا لجية والقليل جِدًّا من المثقفين، وفي زمن التفاهات والفرجة والتهريج، يختفي المثقف ليتصدر المشهد الجاهل النصاب وعندما تنهار الدول يكثر المنجمون والشحاذون والمنافقون والمدعون والكتبة والقوالون والمغنون النشازون والشعراء الناظمون. والمتصعلكون وضارب الودع والفنجان والمندل، وقارعوا الطبول والمتفقهين ، وقارئي الكف والطالع والنازل والمتسيسون والمداحون والهجاءون،، وعابرو السبيل والانتهازيين.

تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط، يضيع التقدير ويسوء التدبير، وتختلط المعاني والكلام ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل. ليكشف لنا من يقوم بدور العرضحالجي في عصرنا عن تدني مستوى التعليم والثقافة،، وانتشار الأمية الثقافية السطحية حَقًا إن أخطر من الجهل الادعاء بالمعرفة.

***

محمد سعد عبد اللطيف

 كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

 

لكي لا يُساء فهم المقال، فهو إقتراب سلوكي نفسي بحت من التأريخ بمتوالياته المأساوية، ومحاولة للفهم والإدراك لرموزنا الأجلاء!!

ولابد من العودة إلى الأساسيات التي إنطلق منها، فالمقال ليس معنيا بالإنجازات، ويركز على نظام الحكم الذي بقي متأرجحا حتى اليوم، وبسبب إنعدام الرؤية الواضحة الراسخة، تمكنت الفردية والإجتهادات الشخصية من مسيرة الحكم في بلاد المسلمين.

فالخلفاء الراشدون الذين هم الأعرف بالشرائع وجوهر الدين، لرفقتهم لنبيه وأخذهم الدين من منبعه، لم يضعوا دستور حكم تمضي عليه الأجيال، ولم يجدوا حلا لعلاقة الدين بالدولة، أو كيف يكون الحكم في دولة الدين.

فلم يأتوا بصيغة عملية لمعنى "وأمرهم شورى بينهم "، "وإذا حكمتم فاحكموا بالعدل"، وغيرها من أمّهات الأفكار التي بموجبها يكون الحكم ، واعتبروا القرآن هو الدستور، وتركوا الأمور لإجتهادات فردية وتأويلات أدّت إلى تداعيات مأساوية دامية.

هذا الإخفاق تسبب بقتل ثلاثة منهم، ولو إستمر حكم الخليفة الأول أطول لربما كان مصيره القتل أيضا، لكنه توفى مبكرا وحكم أقل من ثلاث سنوات.

وعند وفاة النبي لم يكن للمسلمين دستور حكم مدني واضح ، فنهضت القبلية والإجتهادات الشخصية والتأويلات المتضاربة، وبرزت إنشقاقات وتناحرات قاسية بينهم، بل بين الصحابة أنفسهم الذين صاروا يتقاتلون.

وفي زمنهم إزدحمت المدينة بأولادهم وما عرفوا حلا لها، مما تسبب بتصارعات حامية بينهم، لطلب السيادة والحكم والرئاسة أيا كان نوعها.

فتوسع دولة الإسلام أيقظت نوازع الرغبات الدفينة ومنطلقات الغنيمة، فهم يريدون الإغتنام والقيادة والإقتحام، لكنهم في المدينة يقيمون، ومع بعضهم يتجادلون ويتخاصمون .

وهذه الحالة أدّت إلى تداعيات تواصلت بعد إنتهاء فترة حكمهم، وكانت مروعة ودامية ولا علاقة لها بالدين، وإنما حروب إنتهكت فيها الحُرمات.

ووفقا للإجتهاد ولما هو متعارف عليه آنذاك، بدأت فكرة التوريث، التي كانت سائدة في أنظمة الحكم من حولهم، وأضافوا إليها البيعة، وإنطلقت عندما تولى الخلافة الحسن بعد مقتل أبيه في الكوفة، ولو أنها أعتبرت بيعة، ولا دخل لعلي بها، لكنها ظهرت بثياب التوريث، ومضى على نهجها معاوية وفقا للمنطق القبلي التناحري بين الأمويين والهاشميين، فأرادها توريثا.

ومنذ إنطلاق نظام الحكم بالوراثة وحتى اليوم، والعرب والمسلمون في مضطربات الحكم الفردي الخالي من الثوابت الدستورية والأهلية التي تحمي الدولة وحقوق المواطنين، فكلٌّ يحكم على هواه ومنطواه، وبسبب ذلك تأكد الضعف وما تمكنت الأمة من الإرتقاء إلى جوهر ما فيها من الطاقات والقدرات.

فتراكمت الأخطاء والخطايا في مسيرة دولة الدين، وما أعقبها من دول وحكومات معاصرة، إدّعت الدين.

ولا يزالون عاجزين عن كتابة عقد إجتماعي يصون كرامتهم وعزتهم، ويحافظ على وجودهم القوي الأبي المكين.

وبموجب ما تكرر وترسخ في الوعي الجمعي، صار الحاكم أو السلطان يمثل الزمان، ولهذا قالوا " إذا تغير السلطان تغير الزمان"، مما يشير إلى عدم وضوح نظام الحكم، وفقدانه للثوابت والأسس والمنطلقات الراسخة.

 ترى لماذا لم يتقدم أي من الخلفاء الراشدين برؤية واضحة، ولا بصورة دستورية وشرعية، لبيان أسس ومنطلقات الحكم وثوابته التي على المسلمين إتباعها؟

لماذا تقيّدوا بالبيعة وبإجتهادات لم تفلح في المنظور البعيد؟

الخلفاء الراشدون، لو نظرنا إلى نظام حكمهم لتبين أنه فردي يرتكز على مفهوم الخليفة صاحب الصلاحيات المطلقة، والإجتهادات التي تدعو لطاعتها وتمثلها، والبعض يرى كان نظاما ديمقراطيا.

وفكرة الخليفة من الخطايا التي لا تزال فاعلة فينا، لأنها تطورت وإكتسبت معان وتوجهات ما كانت تقصدها في بدايتها، لكنها صارت تعني نواب الله أو الحاكمين بأمره، فتعدت معنى النبوة، فالخليفة طاعته واجبة، وإن كان بلا إيمان ولا فهم بسيط لمعنى الدين.

ويبقى المسلمون يتصارعون في دوامة مفرغة مبهمة، لا توجد فيها صورة واضحة لمعنى الخليفة، ولا يترتب عليها دستور حكم ذو قيمة إنسانية معاصرة، وما تعنيه في جوهر ترجمتها هو الفردية المقدسة والطغيان والإستبداد والقول بالسمع والطاعة، وهو ديدن الكراسي التي سفكت دماء المسلمين، وربما يكون المسلمون هم الذين قتلوا من المسلمين أكثر مما قتله منهم أعداؤهم مئات المرات، فمسيرتهم مفعمة بقتلهم لبعضهم، ولا يزال المسلمون أعداء المسلمين، وتلك مصيبة أمة بدين.

فهل من قدرة على الخروج من هذا المستنقع ؟!!

***

د. صادق السامرائي

الإرهاب في فلسطين لم يبدأ فعليا عام ١٩٤٨. بل إن له تاريخا أقدم بالرجوع عقودا إلى الوراء ففي العام ١٨٩٠ نفذت أول عملية إجرامية بقتل شيخ عربي مغربي. وقبل هذه الحادثة بعقدين استأجر شاب روسي صهيوني يدعى (يتسحاق بن تسفي) شقة في يافا تم فيها تأسيس أول قوة قتالية عبرية أطلق عليها (بارجيورا) كان شعارها (بالدم والنار سقطت يهودا،بالدم والنار تبعث من جديد). تطورت بارجيورا في العام ١٩٠٩ بعد أن أعيد تشكيلها إلى (هاشومير) وهي المستوطنة الأكبر والأكثر عدوانية فبحلول عام ١٩١٢ كانت تدافع عن أربع عشرة مستوطنة يهودية، وكانت تغير على القرى العربية تقتل وتعدم. وفي عام ١٩٢٠ تطورت إلى منظمة الهاجاناه أول عصابة إرهابية صهيونية والتي اصبح يتسحاق بن تسفي زعيما بارزا فيها. بعد ذلك تشكلت في العام ١٩٣١ عصابة الإرغون بقيادة (إرغون زئيفي) بعد انشقاقها عن الهاجاناه وفي الأربعينات أصبحت بقيادة اليميني المتطرف (مناحيم بيغن) ولأن بيغن كان متعاونا مع بريطانيا فقد عارضه البعض وانشقوا ليشكلوا منظمة إرهابية ثالثة أطلق عليها (ليحي). ومن هنا ابتدأت سلسلة الأعمال الإرهابية نفذتها المنظمات الثلاثة ضد العرب في كافة مناطق فلسطين فمن الجليل والساحل إلى النقب ومن يافا وحيفا إلى القدس. كل هذا من أجل إقامة دولتهم المزعومة. ولن ننسى المنظمة الإرهابية (كتائب الليل) التي أنشأها الضابط البريطاني (أوراد وينغيت) بعد انضمامه إلى القوات الصهيونية والتي تؤكد النزعة السادية والتعطش للدم العربي، حيث درب قواته التي نفذت عدة مجازر مثل مجزرة (دبورية) عام ١٩٣٨ ومجزرتي حطين ولوبيا.

وفي نهايات عام ١٩٤٧ نفذت الهاجاناه عدة مجازر ضمن خطط تطهير عرقي بمساعدة عصابتي إرغون وليحي.

وبعد قيام الدولة وتشكيل الجيش الذي كانت نواته عصابة الهاجاناه الإرهابية التي شربت من الدم الفلسطيني تشكلت عدة وحدات للاغتيال وتنفيذ المجازر منها الوحدة ١٠١ التي أنشأها المتطرف شارون وهي الوحدة التي نفذت في خمسينيات االقرن الماضي مجزرة قبيا. والوحدة ٥٠٤ التي تتكون من فريق استخباراتي لجيش الاحتلال نشا بعض أفرادها في الأحياء العربية الفلسطينية مهمتها تجنيد عرب مخبرين لنقل معلومات عن الفدائيين الفلسطينيين بهدف اغتيالهم. وغيرها من الوحدات التي اتسم طابعها بالإرهاب.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣ لا زال نتنياهو يحمل راية (بالدم والنار) تجول طائراته سماء قطاع غزة بهدف معلن القضاء على حماس غير أن الهدف المضمر غزة التي يسيل لعابه لضمها إلى خريطته التي يراها كل ليلة في أحلامه تختلط بروائح دم أهل غزة وأشلاء أطفالها مع صوت أزيز الطائرات وأصوات القنابل التي تمده بها الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي الإنسانية وحماية حقوق الإنسان.

وحلم نتنياهو تئده المقاومة كل يوم وليلة بإيمانها وصمودها ولولا وصيتها أمريكا لما بقيت دولة لليهود.

***

بديعة النعيمي

 

وهل يتم اغتيال نتنياهو من قبل الخصوم؟

إنّ طلب "إسرائيل" مؤخراً للهدنة الإنسانية في قطاع غزة عبر الوسيطَيْن القطري والمصري لا يعبر عن نوايا حسنة، بل هي هدنة لالتقاط الأنفاس بالنسبة لجيش الاحتلال الإسرائيلي المنهك؛ لكن حماس رفضتها لأسباب سنبحث فيها تالياً.

حيث أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مسؤولين مصريين، بأن حركة "حماس"، رفضت هدنة مؤقتة عرضتها "إسرائيل" لمدة أسبوع مقابل الإفراج عن أسرى، وشددت على تمسكها بوقف دائم لإطلاق النار.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في أن "إسرائيل" تسعى إلى إطلاق سراح 40 محتجزاً إسرائيلياً بمن فيهم جميع النساء والأطفال والمسنين الذين بقوا عند حماس. وفي المقابل، تعليق العمليات البرية والجوية في قطاع غزة لمدة أسبوع، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع".

ويبدو أن رفض حماس جاء لسببين:

أولاً:- تحقيق أكبر قدر ممكن من التنازلات الإسرائيلية فيما يتعلق بتبادل الأسرى لأن المفاوضَ الإسرائيليَّ حصر مطالبَه بإطلاق سراح 40 محتجزاً إسرائيليا بمن فيهم جميع النساء والأطفال والمسنين الذين بقوا عند حماس. وفي المقابل، يعلق جيش الاحتلال العمليات البرية والجوية في قطاع غزة لمدة أسبوع، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع".

ولكن حماس تريد الاعتماد على أعداد الأسرى الفعلية لديها في صفقة تبادل يتم التفاوض على تفاصيلها بعد وقف إطلاق النار.

مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس كل من شملتهم القوائم الإسرائيلية هم من المدنيين، إذْ أن من بينهم مجنداتٌ ومتقاعدون عسكريون، وقد أدرجتهم حماس في قوائم الأسرى العسكريين التي سيكون ثمن إطلاق سراحهم ضمن صفقة كبرى تؤدي إلى تبييض السجون.

وربما تبتغي حماس من ذلك، استثمار الوقت لصالحها، لالتقاط الأنفاس من جهة، ومن ثم الضغط على الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة من قبل أهالي الأسرى الذين خرجوا في مظاهرات عارمة من جهة أخرى.

وهذا يفسر ظهور شريطين بثهما الإعلام العسكري للمقاومة، تضمن الأول ثلاثة من الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حماس، حيث اعترفت "إسرائيل" في أنهم قتلوا بنيران إسرائيلية صديقة.

وفيديو آخر إحترافي لثلاثة أسرى جنود من كبار السن، اختارت “حماس” الاستعانة بأغنية حزينة بعنوان “لا تتركونا نشيخ” كتب اسمها في بداية الفيديو باللغة العربية والعبرية والانكليزية، وظهر الجنود الثلاثة وهم يطالبون بسرعة الافراج عنهم وعدم تركهم في الأسر، وكان للشريطين أبلغ الأثر في تأليب أهالي الأسرى ضد نتنياهو.

ثانياً:- عدم منح جيش الاحتلال المتوغل في القطاع، الوقت الكافي والظروف الملائمة لإعادة تنظيم وتموضع لواء جولاني الذي تم سحبه من موقع العمليات في القطاع، وفق تصريحات قادة جيش الاحتلال الذي فقد بوصلته.

ويبدو أن رفض حماس لإتمام الصفقة، جاء ليمثل ضربة موجعة للقيادتين السياسية والعسكرية في الكيان الإسرائيلي الغارق في مستنقع غزة.

ووفق المحلل العسكري في قناة الجزيرة اللواء فايز الدويري فإن قرار انسحاب اللواء جولاني يعني في المفهوم العسكري، فقدان ٤٠٪؜ من قدراته العسكرية والبشرية.

ويتكون هذا اللواء الذي يضم قوات النخبة، من أربع كتائب تتوزع ما بين المشاة والإسناد وسلاح الهندسة والآليات.

ويطرح الدويري سؤاله:

ماذا عن بقية الألوية؟

في إشارة منه إلى الفرق الكبير بين عدد القتلى والجرحى في صفوف جيش الاحتلال، إلى جانب زيف الفيديوهات التي يبثها إعلامه العسكري دون تقديم الأدلة البصرية حول إحكام سيطرته على كل القطاع وتحديداً حي الشجاعية، وبين الحقيقة الموثقة التي يصرح بها أبو عبيدة عبر فيديوهات دقيقة ومثيرة للإعجاب.. مع احتساب خسائر جولاني التي تؤكد صدق بيانات المقاومة حول قتلى جيش الاحتلال.

فقد صرح أبو عبيدة أمس الخميس لقناة الجزيرة، بأن الإسرائيليين فقدوا ٧٣٠ آلية عسكرية منذ بداية الهجوم البري؛ وهذا يعني بأن دعاية الاحتلال حول إحكام السيطرة على القطاع وخاصة حي الشجاعية مجرد دعاية فاشلة وتضليل إعلامي للتسويق الداخلي والخروج بانتصار وهمي مستحيل.

ولعل إطلاق ٣٥ صاروخا باتجاه تل أبيب الكبرى خير دليل على ذلك.

وللعلم فموضوع الأسرى وانعكاساته على الشارع الإسرائيلي، واتهام نتنياهو وحكومته المتطرفة بالفشل، وفي أنها المسؤولة عن خسائر "إسرائيل" العسكرية والبشرية والمالية التي تجاوزت فاتورتها العسكرية اليومية 250 مليون دولار، إلى جانب ما خسره الاقتصاد الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر بما يزيد عن 18 مليار، إلى جانب ما يتهم به نتنياهو من قبل معارضيه في أن الحرب التي أغرقت "إسرائيل" في الوحل حدثت لحمايته من المحكمة التي تنتظره منذ زمن.. كل ذلك وضع نتنياهو أمام خيارين:

إما إغراق المركب الإسرائيلي بمن فيه، أو دخول السجن وتوسيع دائرة التهم التي تلاحقه، وهي من العيار الثقيل.

ولكن ماذا لو اجتمعت هذه الأسباب في عقول من خسروا أبناءهم في هذه الحرب التي يتهم فيها نتنياهو بأنها شخصية بينه وبين السنوار؟

الا يعني ذلك بأن احتمالية تصفية نتنياهو على يد معارضين له- كما حصل مع رابين في نوفمبر 1995 بسبب توقيعه على اتفاقية أوسلو- أكثر تصديقاً من قدرة جيش الاحتلال على النيل من السنوار أو شركائه في غرفة العمليات المشتركة. وخاصة أن طوفان الأقصى قلبت كل الموازين الميدانية.

***

بقلم: بكر السباتين

22 ديسمبر 2023

 

البشر يمكنه أن يفقد عقله ويبعده عن الحياة، فتحل محله قوة عاطفية متأسدة تمتلكه لتؤكد فعلها ودورها فيه.

ويتحقق الفقدان العقلي عند البشر عندما يتعرضون لشدائد هائلة وضغوطات فائقة، قد تكون حادة أو مزمنة التأثير، لكنها تخترق البشر وتهز كل خلية في جسمه، وتغرس في أعماقه  إحساسا هائلا من الألم والمعاناة النفسية القاسية، التي تدفع للغضب والفعل القوي المنحرف، الذي يمثل دوامة مدوية من الانفجارات الإنفعالية التي تساهم في إنكباس الطاقات السلبية وزيادة قوة تفجيرها وتأثيراتها التدميرية.

أي أن البشر يتحول إلى قوة فتاكة تدمر نفسه وغيره، ويدخل في معصرة الآهات الطاحنة والويلات المتمكنة والأوجاع الساخنة.

البشر ينسى عقله، ولايمكن لأي عاقل أن يجد دورا للعقل في وقت الثورات النفسية الغاضبة اللاهبة.

ويبقى من بقي في جعبته بعض عقل يتساءل، متى تثوب الأشياء إلى رشدها، ومتى تهدأ براكين الغضب.

من يتأمل وقائع الأحداث والمصائب، يدرك أنها مولودة في أزمنة الفقدان العقلي لمجموعة من البشر في هذه البقعة من الأرض أو تلك.

إن البشر الذي يمر بمآسي متواصلة، تصيبه في صميم وجوده وشخصه وعاطفته، لا يركن إلى عقله، بل يغطس في نار الثأر والإنتقام والتعبير عن طاقاته العدوانية المكبوسة في أعماقه على مدى معين من الزمن.

وحينما يطول زمن الويلات والدمارات ويزداد البشر إختناقا وبؤسا وألما وإحساسا بالقهر والظلم، فسيختزن طاقات إنفعالية بركانية الإقتدار والتأثير، تتفجر حينما تتوفر الأسباب والظروف اللازمة لتخفيف الضغط وتحقيق التنفيس الإنفعالي المطلوب.

ويكون تأثير تلك العواطف والشحنات الغاضبة الكامنة، ضعيفا عندما يتم إزالة الضغط تدريجيا، لكنها تكون ذات تأثير إضطرابي وتخريبي هائل . كأنها براكين هائجة تلقي بحممها على مَن حولها، عندما يكون زوال الضغط مفاجئا وكليا، عندها يتحقق الإنفلات التام والخطر العام، وتتحول الأرض إلى جحيم إنفعالي ملتهب لا يبقي ولا يذر.

وهنا يدخل البشر في مجزرة المآسي والدمارات، التي لايسطيع العقل أن يدركها، بل أن النيران تتفاعل مع النيران، والغضب يؤجج الغضب، والموت يأتي بالموت، والشر يدفع إلى الشر، فتتنامى المصائب وتعم الشرور، ويبقى البشر المضغوط البائس أسيرا مستعبدا بمشاعره وإنفعالاته  الضارة.

وبعد أن تأخذ الأضرار ما تأخذه ويفقد البشر ما يفقد في جحيم الويلات، يدخل في مرحلة مطاردة السراب، والسعي وراء ماء ليطفئ ما أججه من نيران، إذ أفرغ ما فية من طاقات العواطف والإنفعالات التدميرية ووجد أنه لم يكن مصيبا، بل قد تحول إلى مدمن على ممارسة الشرور، التي أخذت منه ما عنده فجاء يبحث عن علاج، وعن مَن يسترجع إليه بعضا مما كان لديه، ولكن هيهات.. هيهات.

وحينما تستيقظ في أعماق البشر بذور الخير والأمل والمثل الحميدة، يجد نفسه في مأزق  آخر ومأساة ذاتية أليمة.

لقد حققت الضحية ضحايا، وزرعت آلاما وأحزانا، وتملكها تأنيب الضمير القاسي وإستعبدها الندم والبهتان، ولا ينقذها من وجع الحياة إلا سلطان الموت الحكيم.

هكذا تصنع البشرية فواجعها ومآسيها، وتنزف دماءها وتقتل أبناءها، وتدمر حضاراتها وتقضي على معنى الإنسان فيها!!

***

د. صادق السامرائي

29\5\2014

يعتبر السياق الديني ملمحا ثابتا في حروب دولة الاحتلال. وليس أدل على ذلك مما كتبه أوفير وينتر قائد لواء جفعاتي في جيش الاحتلال إلى جنوده أثناء الحرب على غزة عام ٢٠١٤ حيث كتب لهم أن (التاريخ اختارنا لقيادة القتال ضد العدو الغزاوي الإرهابي الذي يشتم ويكفر ويلعن إله القوات الإسرائيلية).

وذكر وينتر في أعقاب ذلك ما يدعونه ب (صلاة شيماع) وهي كما يزعمون صلاة يهودية يقسم فيها المصلي يمين الولاء للإله الواحد (اله إسرائيل) تتلى هذه الخرافات التي كتبها الحاخامات في القرن السادس قبل الميلاد من قبل الأرثوذكس والمحافظين حيث يعتبرونها أهم جزء من الصلاة اليهودية.

نستنتج من رسالة وينتر إلى جنوده أن الحرب هي أولا وقبل كل شيء قضية دينية. والباحث في تركيبة جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية التي تتولى الحروب سيجد بأنها تركيبة ممتزجة بالتدين التراثي.

والمطلع على أيديولوجية معظم الكتائب والسرايا في ألوية المشاة المختارة مثل جفعاتي وجولاني يجد أنها تتبع التيار الديني. جفعاتي وجولاني يشاركان حاليا في الحرب على غزة ٢٠٢٣ بقيادة نتنياهو اليميني المتطرف والذي يعتبر فلسطين إرثا إلهيا ضمنه الرب لشعبه المختار. والمتابع لخطابات نتنياهو منذ بداية هذه الحرب سيجد أنها تحتوي على فقرات من العهد القديم والتوراة المحرفة بهدف إكساب الحرب الطابع الديني آملا في تحفيز المجتمع الديني في دولة الاحتلال على المشاركة في الحرب ضد حماس.

ومن الأدلة على الأدلجة الدينية للجيش ما حصل أثناء هبة مخيم جنين لمساندة إخوانهم في غزة عندما قام أحد جنود الاحتلال باعتلاء منبر أحد مساجد جنين حيث أدى الصلاة المزعومة( شيماع) (صلاة اسمع يا اسرائيل) وقد أشاد وزير الأمن القومي الإسرائيلي زعيم حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف بإقامة جنوده صلاة يهودية بمسجد في جنين.

وبهذا يكون ما يسمى بالدين اليهودي قد تورط في السياسة.

***

بديعة النعيمي

يقف الغزاويون وحدهم في الميدان، بينما يراقب النظام الرسمي العربي ما يجري وكلهم امل في ان تُهزم المقاومة، هذا ما صرح به الصهاينة امعانا في تحقير حكامنا الذين يدعون الشرف والعفة، المساعدات الانسانية يتم ادخالها وفق رغبة الصهاينة عبر معبر رفح الذي يقع على الحدود مع مصر رغم ان المعبر يقع بالأراضي الفلسطينية المعترف بها وفق قرار التقسيم؟!، إنها مأساة شعب سئم حياة الذل والمهانة على مدى ثمانية عقود ،فعمل الغزاويون على حمل البندقية والتضحية بجزء من ابنائهم علّ ما تبقى منهم على قيد الحياة تتغير احوالهم نحو الافضل،وحدهم اليمنيون قيادة وشعبا دون سواهم ،من وقفوا في خندق واحد مع المقاومة، قاموا باحتجاز بعض سفن العدو،  وقرروا منع سفن العدو من عبور باب المندب او تلك الذاهبة اليه او القادمة منه، ما ادى الى انتهاج الشركات المعنية خطوط بحرية بديلة . 

المؤكد انه يحز في انفس الغزاويون  وشرفاء العرب بشان عدم قيام مصر بمساندة المقاومة من خلال  منع سفن الصهاينة من العبور بقناة السويس  اسوة باليمنيين ،لكن الرد سياتي من جهابذة السياسة والقانون الدولي في مصر بان مصر لا تستطيع فعل ذلك لأنها ليست في حالة عداء مع الصهاينة ،هذه حقيقة ،مصر ليست عدوة للصهاينة بل جد متعاونة معهم في مجال النفط والغاز(في عام 2005 وقعت الحكومة المصرية اتفاقية تصدير الغاز المصري للصهاينة  تقضي بان تصدّر إليهم 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي لمدة 12عاما). إضافة الى استيراد وتصدير بعض السلع حيث بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي اكثر من 300 مليون دولار سنويا، اما العرب الاخرين فانهم خانعين منبطحين خوفا على كراسيهم ،ربما خرج ترامب عن العرف السياسي في مخاطبة الحكام العرب وبخاصة الخليجيون عندما قال لهم بانكم لن تستطيعوا البقاء في الحكم لأكثر من اسبوع دون مساندتنا .

 يستضيف الحكام العرب في فنادقهم الفخمة الصهاينة، ويقيمون معهم اوثق العلائق كما انهم على تفاهم تام معهم في مختلف القضايا الدولية ويقدمون لهم المساعدات (الانسانية) في هذه الحرب القذرة ،بينما لا يقدمون أي شيء للفلسطينيين الذين يتضورون جوعا ويعانون البرد الشديد، لقد اثبت الحكام العرب في هذه الحرب انهم ابناء عمومة للصهاينة ولا يمتون للعروبة بصلة، سحقا لهؤلاء الحكام، تبا للشعوب التي لم تخرج على حكامها في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الامة .

اما عن السيد اردوغان والذي يعتبره بعض (المفكرين) العرب انه خليفة المسلمين وحامي حماهم والذي بدوره يخرج علينا بين الفينة بخطبه الرنانة المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحماية الاماكن المقدسة فإن حجم التبادل التجاري بين تركيا والكيان الصهيوني، بلغ 4.67 مليارات دولار عام 2020، و6.36 مليارات دولار عام 2021.في حين نجد ان ماليزيا قد منعت أي سفينة تحمل بضائع صهيونية من الرسو في موانئها.

لقد سخّر المقاومون في غزة، المساعدات التي تلقوها من شرفاء الامة في شراء المعدات والادوات اللازمة لشق الانفاق، على مدى عقدين من الزمن، والتي اصبحت فخاخا محكمة لاصطياد كل من دخل القطاع ،كما ان القطاع اصبح مقبرة لدباباتهم والياتهم الحائزة على شهادة الجودة من الغرب الاستعماري. 

الشرفاء حفروا الفنادق للحفاظ على شرف الامة وعزتها، بينما الحكام العرب شيدوا الفنادق ليمرغوا بها كرامتهم المسلوبة. فلتحيا الخنادق ولتسقط الفنادق.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

يتقلب يوم العراقيين كعادتهم بين ليل مظلم ونهار أكثر ظلاما، وصباح حالك ومساء أشد حلكة، وبين هذا وذاك يأتي بصيص ضوء من كوة أضيق من سم الخياط، لايستشعره إلا القلة القليلة من الناجين سهوا، او المؤجل إعدامهم تحت قبة برلمانهم، أو قبب أخريات يعرف دهاليزها الحكام، تنضوي تحت طائلة المؤسسات التي تميّع حقوق المواطن، وبالتالي يميّع وجوده وكيانه فيكون نسيا منسيا.

ووفق هذا الواقع المعاش، فإن الفصل بين ساحة حرب وموت، وساحة سلم وحياة، ماعاد ممكنا، إذ جثم شبح الموت على كل صفحات الحياة، وخيم الظلام على نهار المواطن بعد أن كان مقتصرا على ليله، مع انعدام أمل الخلاص القريب والرجاء البعيد، ولسان حاله يجسد الدارمي:

أظلم سبع كامات بير الطحت بيه

لادرج واصعد بيه وفوكايه شمات

لم يكن ماتقدم من سطور سيناريو مشهد مسرحي، او فكرة فلم رعب، ولا هو تهيؤات محتضر، او هلوسة مجنون، أو خربشات معتوه، إنما هو قراءة سريعة لواقع مرير يعيشه أكثر من أربعين مليون شخص، يشغلون مساحة (437,072) كم مربعا، اشتركوا جميعهم باقتسام القلق والخوف من الحاضر ومن المستقبل على حد سواء، كما تقاسموا ضنك العيش والسعي وراء الرزق باحثين عنه، لاهثين وراءه في أضيق منافذه، وكانت لهم الحصة الأكبر من التهجير القسري والسفر المحتوم الذي ماكانوا يختارونه إلا كحلّ وحيد، وخطوة لامناص من اتخاذها منطلقا الى دول مشارق الأرض ومغاربها، تاركين أهليهم ووطنهم الذي نشأوا وترعرعوا فيه، لعلهم يجدون ضالتهم هناك في أمنهم وعيشهم.

أما الذين ارتأوا البقاء داخل حدود العراق تحت مطارق العيش القلق، والخوف المستديم، والموت المداهم على الأبواب، كانوا قد شكروا الله كثيرا قبل عشرين عاما، حين انقشع عنهم مسبب كل هذه المعاناة، إذ انفتحت أمامهم أبواب الأمل على مصاريعها، وظنوا أن الحلم في العيش الهانئ الرغيد في بلدهم آن له أوان التحقيق، لكن، أتت الرياح بما لايشتهون، فصاروا يرددون صباح مساء:

رب يوم بكيت فيه فلما

صرت في غيره بكيت عليه

اليوم، يعود العراقيون من جديد إلى مضغ آلامهم على أضراس نخرها اليأس من التغيير، التغيير الذي لم يبق من مسامير نعشه إلا مسمار واحد، لعله الفسحة التي لولاها لضاق عيشهم حد إزهاق الأرواح، بعد أن تكالبت على أرزاقهم وخيرات بلادهم، حكومات وشخوص التصقت بكراسي التحكم، واستقتلت من أجل الربح والريع والمردود والمنافع والأخذ، واختفت من قواميسهم مصطلحات الإيثار والتضحية والعطاء، وهم يحتمون دوما بأغطية جاهزة، منها دينية ومنها عشائرية وأخرى مناطقية، فضلا عن الحزبية والكتلوية والإقليمية، وفي كل الأحوال هم متشبثون بكراسيهم لامحالة، وجسدوا مثلنا القائل: (أعمى وجلّب بشباج الكاظم)

نعم، هذه المعطيات رغم قسوتها، باتت حقيقة واقعة على أوسع نطاق في مفاصل البلاد، وقد يرسم بعض العراقيين صورا جميلة لقادم الأيام، متوسمين بفرسان الأحلام الجدد الذي سيعتلون صهوة المناصب تشريعا وتنفيذا، عاجلا بالانتخابات المبكرة، أو آجلا بمواعيدها المنصوص عليها دستوريا، أن يأتوا لهم بـ (الذيب من ذيلو) وظانين أن حكامهم الجدد سيجعلون الشمس تشرق عليهم من الغرب، لتنير جانبهم الذي بات مظلما وأضحى كذلك طيلة عقود.

غير أن الحقيقة المرة واليقين المؤلم، هو إيمان معظم العراقيين أن رسمهم هذا من وحي الخيال، وهو لا يجدي نفعا ليكون واقعا ملموسا، فهم يعيشون حاضرهم، على أطلال ماضيهم، دون التطلع إلى مستقبل أفضل بعدما أضحى سرابا.

***

علي علي 

العقل يرى ولكي يرى لا بد من الضياء ، وضياء العقل لا تراه العيون، والبصائر تتوضأ به، وتدرك ما فيه من الأنوار.

ضياء العقل ينث أنوارا كونية وشعاع إدراك فياض يكشف غطاء الخفاء.

ضياء العقل برق يومض في دياجير التفكير والخيال المصدح في مدارات الإنكشاف والإهتداء إلى عين اليقين.

ضياء العقل، وهج الوحدادية وإطلاق جوهر الموجودات وإعادتها إلى أصلها المشترك.

ضياء العقل، نور يلد نورا، وإشراق يسطع في عوالم البحث عن كنه الغيوب، وجمان الدراية الواعية الخانسة في قيعان الدجى العميق.

ضياء العقل، بسملة بلسان الوهم الدفاق من أنوار العالمين الناطقين بإسم الرحمن الرحيم الرؤوف العطوف المنان الكاشف للغيوب.

ضياء العقل، يأخذنا إلى عوالم وما أوتيتم من العلم إلا قليلا، ويمنحنا طاقة البحث عن معارف في مدارات علوية.

ضياء العقل، طاقة كونية وإرادة صيرورة إنسانية سامية محلقة في فضاءات العروش العلوية، المتساقية من فيض الفيوض الإشراقية.

ضياء العقل، درة الذات المنبثقة من رحم الوجود المطلق، التي تترنم بآيات التواصل والتنامي والإرتقاء إلى طاقات كن.

ضياء العقل، صوت الحق المصدح في أرجاء الوجود، الباعث لصدى الكينونات الكبرى في ميادين التفاعلات الساعية لمجد الهداية ونكران البداية المعبأة بطاقات السرمد البعيد.

ضياء العقل، يفيض بأفئدة الموجودات الحية، الكانزات لإرادات معناها وفحوى إنبثاقها من ذات بذورها المتشوقة لمروج العلاء السعيد.

ضياء العقل، سطع في ديجور المتاهات البشرية، فأوجد سبلا للتعبير من رسالة المخلوقات، على مسرح الحياة الساعية إلى إبتداء جديد.

ضياء العقل، يجلو الرؤى والتصورات وتمويه الأضاليل والأباطيل، وينقي الإنسان من الشوائب والأوضار.

فأين العقل وأنوار يعقلون؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

نحن شعب لا نحسن الاختيار!! كل الشعب والجياع يتطلع لتشييع الوجوه الكالحة من الخط الاول والنواب والمحافظين، ونساءل الله أن يهدي الكتل السياسية والحكومة المركزية إلى اختيارالاكفأ والنزية وبدون محاصصة في المناصب السيادية والمهمة، لكنهم عودوناعلى اختراع أكاذيب، ثم محاولة تحويلها إلى واقع هدفه اغراقنا بالفشل والخيبات والازمات، هم طبقة فاسدة بلا انتماء للوطن، ويحتمون بالحصانة الوظيفية ضد الفساد، يلبس بعضهم عباءة الفضيلة ليداري الرذيلة، ولكنّ روائح فسادهم الكريهة ملأت أروقة مؤسسات الدولة، وتسربت منها إلى الشوارع والأقضية والنواحي والمدن، وتحوّل بعضهم إلى مصيبة وقعت على رؤوس الناس البسطاء، يحتمون بالمناصب والوجاهة الاجتماعية والسطوة في الوقت الذي يشتكي فيه المواطن من البيروقراطية القاتلة، وانتشار الفساد المالي والإداري وتفشي الرشوة والمحسوبية.

نحن شعب نعشق التناقضات في حياتنا، نحن العراقيون اباة، نحب الحياة، ونعشق الجمال، نتزوج، وننجب ذكورا واناثا، ومع ذلك يحلو لنا التحرش بالنساء، نصلي ونصوم ونؤدي طقوس العبادة ولكننا نشرب الخمر، ونلعب دور (الفتوة) وننسى كل ذلك حال خروجنا من الجامع والمسجد، نبيع الفضيلة بارشاداتنا لاولادنا وعوائلنا، ونرتكب الخطايا واحدة تلو الاخرى، ندرس وننجح، ولكن بدون قناعة لكثرة العاطلين، ندعو الرجال للتزوج من الارامل والمطلقات والعوانس، ولكن دون ان ندرس تكاليف الحياة وعمق ماساة غلاء المعيشة وخوفا من الزوجة الاولى ام العيال!!، وفقدت الثقة بين الرجل والمراة في حرم الجامعة ودوائر العمل، لكثرة الهمز واللمز—والفتاة العزباء باتت تخشى الزواج خوفا من النصيب والفال السيء!!نحن نغضب دائماً، وتتوتر أعصابنا، احيانا لاتفه الاشياء، نغضب بسبب الاختناقات المرورية في التقاطعات، لكننا نضع أعصابنا في ثلاجة عندما تتكرر أمام أعيننا المشاهد المؤلمة لظاهرة تسول الأطفال في التقاطعات المرورية، ونغضب أشد الغضب لمنظر امرأة تتسول، ولا نغضب لمنظر طفل لا يرتدي حذاءً،

نستصعب تسديد ما بذمتنا من ديون، ونستكثر دفع الحد الأدنى لمن يستحق المساعدة من الفقراء والمحتاجين، لكننا نستسهل دفع الرشوة لمن يطلب منا ذلك، من دون أن نحتج أو نغضب أو نرفض، نتمادى في عرقلة سير المركبات، وربما نجبرها على تغيير مسارها، أو نمنعها من الحركة حتى لو كانت المركبة سيارة إسعاف تنقل مصابا إلى المستشفى، أو عربة إطفاء في سباق مع الزمن لإخماد النيران المشتعلة وسط الحي، نعيش في عصر يهتم فيه بعض أصحاب المواقع العليا بمظهرهم لا بجوهرهم، فنراهم كيف يتلاعبون بتضاريس وجوههم، يضعون الأقنعة التنكرية لتغطية ملامحهم الحقيقية، يتخذون ماكياج الوقار الزائف كبطاقات ترانزيت لعبور بوابات النصب والاحتيال، أو لاستغلال سذاجة الناس وطيبتهم، تمهيداً لتحقيق مآربهم الدنيوية، ونيل المناصب والدرجات الرفيعة، فانحصرت أدوات التظاهر بترديد بعض العبارات المشفرة، والكلمات المنمقة، وإظهار الشدة والصلابة المفتعلة وقت الضرورة ووقت الحاجة، والتمسك بالقشور إلى درجة المبالغة في استعراض صور نمطية منسوخة من قوالب كاريكاتيرية متناظرة، حتى صار من المألوف مشاهدة الكثير من هذه النماذج المتخشبة، من الذين أساءوا للناس وللحياة بحركاتهم المصطنعة وكلامهم البغي.

نحتل موقع الصدارة بين أقطار كوكب الأرض في استيراد هذا الكم الهائل من أجهزة الهواتف النقالة بشريحة أو بشريحتين، بعدسة أو بعدستين من باب التباهي والوجاهة والإسراف، فانشغلنا بهواتفنا من الصباح إلى المساء، وتعالت جدران العزلة بيننا، ولم نعد نتحدث مع بعضنا البعض حتى تحت سقف الأسرة التي تجمعنا، استوردنا من السيارات الحديثة فوق طاقة شوارعنا الاستيعابية، حتى تكدست عندنا بأعداد وأحجام وموديلات لا تخطر على بال الجن الأزرق، لكننا لم نفكر في يوم من الأيام ببناء معمل واحد لإنتاج قطع الغيار، ولم نخطط لتصنيع بعض الأجزاء الصغيرة في السيارة كالمصابيح والإكسسوارات الخارجية والمقاعد الداخلية، عندما نسافر خارج البلاد نتصــــــرف وكأننا ملائكة غادرت أسوار المدينة الفاضلة لنعلن للعالم عن التزامنا الروحي والأخـــلاقي بالأعراف والأنظمة والقوانين المرعية في البلـــــدان التي نزورها، لكنــــــنا سرعان ما ننقلب على أنفسنا ونعلن تمردنا على كل الأعراف والتقاليد والأنظمة حالما نعود إلى بلادنا، فنلجأ إلى ممارسة هواياتنا الفوضوية في البيت والسوق ومكان العمل، ويحلو لبعضنا العودة إلى العصور البدائية في التصرف وفي الأخلاق والسلوك، ليس المهم ما نحمله من ذكاء ومواهب ومهارات ومؤهلات وقدرات علمية وإدارية ومهنية حتى نتبوأ المراكز التي تليق بمؤهلاتنـــــــــــا الأكاديمــــــــية والمهنية، المهم هو كيف نستفيد من ذكائنا في التسلل إلى أفكار جهـــنمية جديدة نقفز بها نحو الغاية والمراد لنتغلب على من هم أكفـــــأ منا وأقدر وأقدم وأكثر إبداعاً وإنتاجية، فالغاية تبرر الوسيلة في معظم حاجاتنا وتطلعاتنا، وبات باستطاعتنا تحقيق المزيد من الكسب والربح وفق قفزات بهلوانية وحركات زئبقية، إنها التناقضات العجيبة الصارخة والازدواجية الرمادية المخيفة في القول والعمل والتمظهر، اجتاحتنا مثل هبة ريح عاتية جافة وقاسية وليس بها ندى ولا هواء عليل.

***

نهاد الحديثي

إن الحقيقة التي نميل إليها كل الميل، أن الناس شغوفة مفتونة بسبك الشائعات، التي تتخذ منها ألوانا مختلفة في ظل ضجر الحروب وصروفها، وغاية بعض الناس في حياكة كل هذه الأكاذيب والترهات، التي نسمعها فنظهر اغتباطنا منها أو امتعاضنا، أن يثيروا في دواخلنا خوف وخشية، أو سرور وابتهاج، فالناس في جهاد متصل، بين رفض تلك الشائعات، أو قبولها والاطمئنان إليها.

وصياغة الشائعات في أوقات الشدة والكرب، خليقة منا بالعناية والدرس، وواهما من ظن، أن حبك الأراجيف ليس فيه شيء من العجب، ولا من الغرابة، فالناس تختلق الافتراءات في كل أطوارها، ولكن في الحق، يأخذنا شيئا من الاعجاب والدهش، حيال بعض الشائعات التي تمت صنعتها في قوالب رصينة، توحي بأن مبتدعها قد حمل نفسه بضروب المشقة والعناء، تلك هي الشائعات التي تأنس إليها النفس، لأنها لم تشعر بأنها تضللها، أو تروم خداعها، ورغم أن تأليف الشائعة و بلورتها، لا يقضي فيها صاحبها ما يقضيه كل كاتب مجيد، في كتابة مقاله المترع الضاف، الذي يضيف إليه ويحذف، حتى يثق في معانيه الجيدة، ولفظه المختار، وأسلوبه الجزل، إلا أن حظها من الشهرة والانتشار يفوق ما سطره يراع  حتى الجاحظ السيال، ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن هناك من  الشائعات ما يسرف الناس في الحفاوة بها، والثناء عليها، لأنها رقيقة المزاج، قوية الحس، بعيدة الغور، أليس ذلك دليلا على أن صاحبها قد جد وعمل حتى تخرج شائعته بهذه الصورة من الحرارة والصدق؟ وفي الناحية الأخرى، نجد شائعات  غثة هزيلة، بل هي غاية في السماجة  والكلال، لأن صانيعها لم يسبغوا عليها  تلك الصور الجميلة، التي تجعل الناس يرددونها في شغف وهيام، وما يجعلني أيها العزيز الأكرم، أرفع حاجبي من الدهشة، أن الآلة الإعلامية الجبارة، التي تخدم أجندة الدعم السريع في أرضنا التي تركض فيها المصائب، وتتسابق إليها النكبات، ورغم درايتها بطبيعة الإنسان السوداني الهشة والعاطفية، والمامها  بطبيعة المجتمع الذي تسري فيه الاشاعات بصور سريعة، إلا أنها رغم كل ذلك فشلت فشلا ذريعا، في جذب الناس إليها، فجزء كبير من شرائح المجتمع السوداني، لم تنطلي عليها تلك الشائعات التي تطلقها مراكز ضخمة في محيطنا الأقليمي في بذل وسخاء، وغايتها التي تنشدها، أن تكون الغلبة لصالح جماعة  "محمد حمدان دقلو" الشهير "بحميدتي" نائب الفريق أول عبد الفاتح البرهان قبل عهد قريب، ولعل السبب في ازورار الناس عن"طلس الدعامة"، أن تلك الأ باطيل لم ينضجها فكر، أو تصاحبها روية، فكيف لمن كان له حظا من نهى أو حصاة، أن يصدق تلك البيانات التي أذاعتها أبواق الدعم السريع قبل تمكنها من عبور كوبري حنتوب، واحتلالها الهش لمدينة "ود مدني" في وسط السودان، والذي لن يدوم طويلا، فالمعارك تدور رحاها الآن،  فقد ذكرت الأجهزة الاعلامية لقوات الدعم السريع قبل عدة أيام كذبا وافتراءا  أن قواتها الباسلة قد فرضت سيطرتها على مدينة "ود مدني"  وعلى مطارها الصخاب الذي تضج أركانه بالحركة والاضطراب، والقاصي والداني في السودان يعلم أن مدينة "ود مدني" هذه لا يوجد بها مطار في الأساس، وقد ظفر مطار مدني المزعوم هذا بسخرية الناس وتهكمهم، فقوات الدعم السريع التي عرفت بانهماكها في العجلة، وعدم التبثت، تجهل مدنها ونجوعها، ولعل العلة في ذلك، أن معظم "كماتها ومقاتليها الأشاويس"، قد قدموا من دول الجوار.

***

د. الطيب النقر

 

كان دريد لحام مدرسا للكيمياء عندما قرر أن يستبدل المعادلات الكيميائية بقبقاب خشبي، ليدخلنا معه الى عالم الكوميديا الغرائبية، حيث وجه انظارنا واسماعنا الى المصائب التي تحيط بنا من خلال دراما ضاحكة وحادة وسياسية في نفس الوقت

كنت قبل مدة اشاهد مقطعا قديماً يظهر فيه غوار الطوشي وهو يجلس الى احد زبائن الحمام، حيث يخبره ان اسرة احد سكنة الحارة ستقيم دعوى ضد المختار، والسبب ان جناب المختار كان يتحدث مع سكان الحارة عن متانة الوضع واستقراره وعن الرفاهية التي يعيشون فيها، لكن المواطن المسكين ما ان سمع هذه الكلمات حتى مات من الضحك.

وجنابي غص بالضحك ايضا وهو يقرأ ما كتبه بعض المدونيين في مواقع التواصل الاجتماعي يحذرون فيه من أن تتحول بغداد إلى مدينة سنية. مدونون ومطلقو شعارات طائفية، ومشعلوا حرائق خرجوا يتباكون على بغداد لأن قائمة محمد الحلبوسي حصدت أعلى الأصوات، وأخذ البعض يكرر جمل مملة عن التضحية وإرادة الشعب، عبارات مستهلكة، فقدت صلاحيتها للتأثير على المواطن العراقي.

يتباكون خوفاً على بغداد من قائمة الحلبوسي، ولم يسألوا أنفسهم: ماذا قدمت مجالس المحافظة على مدى السنوات الماضية لاهالي العاصمة ؟، وكيف أن الأحزاب التي استولت على مجلس محافظة بغداد، حولت بعض مناطق العاصمة إلى إقطاعيات خاصة بها. ولهذا اتنمى ان لا تسألوا لماذا تصر معظم الأحزاب للسيطرة على العاصمة بغداد، وكيف أن البعض لا يزال منزعجاً لأن كتب التاريخ تقول إن أبا جعفر المنصور بنى مدينة بغداد.

في مرات كثيرة يعاتبني بعض القرّاء لأنني أكتب بإعجاب عن مدن مثل دبي وسنغافورة وطوكيو، والآن اسمحوا لي أن أكتب مدن قريبة منا تحولت إلى مدن تضاهي مدن أوروبا، ونقرأ في الأخبار أن العراق يتقدم بدرجة واحدة على جيبوتي في مؤشر جهوزية نظامه الحكومي للذكاء الاصطناعي. اما الدولة التي تصدرت فهي الإمارات العربية المتحدة في المركز الاول عربيا ، والـ 18 عالمياً، فيما جاء العراق في المرتبة الـ13 عربياً والـ133 عالمياً.. وربما يقول البعض وهو محق؛ ما لنا والذكاء الاصطناعي ونحن نعيش مع عقول تستطيع أن تشتري وتبيع المناصب في وضح النهار.

دائماً ما أشير إلى المرحوم جان جاك روسو.. لان صاحب العقد الاجتماعي يرشدنا إلى أن الأمم لا تزدهر في ظل ساسة يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون مصلحة البلاد.. فالازدهار والتنمية والعدالة لا مكان لها في ظل خطابات طائفية ومتحيزة يعتقد اصحابها انهم وحدهم يملكون القوة والحزم، يخيفون الناس، عادلون في توزيع العطايا والمنح على مقربيهم، وعادلون أيضا في توزيع الظلم على الناس.. أدركت الشعوب أن الحل في دولة مؤسسات يديرها حاكم إنسان يحب وطنه.

***

علي حسين

العبارة اعلاه، احدى مقاطع النشيد الوطني الليبي ابان الحكم الملكي، حكومة المنتصر ابرمت اتفاقيات مع حكومة جلالة الملكة وحكومة الولايات المتحدة، بإنشاء قواعد عسكرية في شرق البلاد وغربها، لأقت تلك الاتفاقيات او المعاهدات غضبا شعبيا تم قمعه، وكانت الحجة هي حماية الدولة الفتية من الاطماع الاجنبية، وتدريب جيشها حديث التكوين وجلب الاسلحة، واقامة بعض البنى التحتية، وذلك يتطلب ميزانية لا يمكن توفيرها بسهولة، حيث لم يتم اكتشاف النفط حينها، وبالتالي فان عقود ايجارات تلك القواعد تفي بالغرض.

مع تغير نظام الحكم، تم في العام 1970 الطلب الى الدولتين بإنهاء الوجود العسكري بالبلاد، وتم (الجلاء او الاجلاء) لم نعد في وارد المعنى الحرفي للكلمة بقدر النتيجة وهي مغادرتهم الاراضي الليبية، كما ان الحديث عن عدم رغبة الاطراف في التجديد للاتفاقيات اصبح غير ذي جدوى .

على مدى عقد من الزمن، لم تتوقف زيارات القطع البحرية لمختلف الدول المتدخلة في الشأن الليبي، بعضها زيارات بروتوكولية، واخرى تقوم بتوريد مختلف انواع الاسلحة والمرتزقة لأطراف النزاع المحلية، بل تتواجد قواعد عسكرية لدول أجنبية، تساعد هذا الطرف او ذاك وترسم له خطوط حمر بدماء الشباب الليبيين العاطلين عن العمل، لأجل المحافظة على مصالحها، لقد اصبحت البلاد مسرحا لصراع اقليمي ودولي يتم تنفيذه عبر عملائها بالداخل.

لقد فرط الاحفاد في ميراث الاجداد المتمثل في الوحدة الوطنية، والدولة المستقلة التي كانت نتيجة للكفاح المسلح ضد من توالوا على اغتصاب الوطن ونهب خيراته. ترى ما هو شعور الوطنيين الاحرار وهم يقفون لتحية العلم ويعزف النشيد الوطني الذي من ضمن فقراته (لن نعود للقيود.. قد تحررنا وحررنا الوطن)؟؟.

نشعر بالذل والمهانة وخيبة الامل التي اوصلنا اليها ساستنا، أحفاد المتاجرين بدماء ابناء الوطن على مر تاريخنا الطويل المليء بالبطولات. كما اننا نقف مشدوهين عندما نشاهد مزدوجي الجنسية وهم يؤدون التحية للراية التي في سبيل الحصول على جنسيتها باعوا رايتهم الاصلية ،ويغادرون الوطن عند الشعور بأدنى خطر يداهمهم، بعد ان اغترفوا من الخزينة العامة ما يروجون بانه من حقهم .

منذ اكثر من 12 عاما وساستنا الميامين يجتمعون بخارج الوطن وليس بداخله، لان بعضهم لا يامن الذهاب الى بعض مناطقه، وذلك تلبية لأوامر اسيادهم والايقاع بينهم ،فعن أي استقلال يتحدث هؤلاء ،نعم ليبيا لا تزال تحت الفصل السابع وساستها مرتهنين للخارج، يهرولون الى سفراء الدول المتدخلة في الشأن الليبي لتلقي التعليمات، بدءا برئيس الحكومة مرورا بمحافظ البنك المركزي وانتهاء بوزير الاقتصاد، نعم كل هؤلاء يعملون لصالح الدول الاجنبية وليس لصالح دولتهم، وذاك ثمن بقائهم في السلطة. المؤكد انهم سيحتفلون بعيد الاستقلال في الرابع والعشرون من هذا الشهر/ ديسمبر، كباقي السنوات، لأنهم وطوال مدة بقائهم في السلطة لم يعملوا شيئا جيدا يمكن ان يحسب لهم ،حتى المشاريع التي اسموها عودة الحياة(بعض الطرق والميادين) لم تعمر الا بضعة اشهر ،حيث كشفت الامطار مدى فسادهم ونهبهم المال العام واعتباره غنيمة.

من العار ان يختزل تقرير مصير الشعب الليبي في خمسة اجسام اثنان جيء بهما عبر لجنة الـ75 المرتشية. واخرون صلاحيتهم منتهية، إنهم ببساطة يريدون الاستمرار في السلطة ولا يريدون اجراء الانتخابات وان تشدقوا بها .

***

ميلاد عمر المزوغي

 

يمكنك أن تتعامل مع انتخابات مجالس المحافظات على أنها "قدر ومكتوب على الجبين"، ذلك أن القوى المسيطرة على البرلمان والحكومة والاقتصاد وجميع مفاصل الدولة، هي التي ستستريح على كراسي المحافظات، ومن يعتقد أن هذه القوى ستترك مكاناً واحداً تنافسها عليه القوى المدنية والليبرالية يعيش عالما من الاوهام.

فضلاً عن أن هذه الانتخابات افتقدت لأبسط شروط الديمقراطية عندما سمحت للقوى الأمنية أن تتدخل في لعبة السياسة وان تستخدم اصواتها لخدمة احزاب السلطة، كيف يمكن أن نتحدث عن انتخابات صحية فى بيئة تعج بكل أصناف شراء الذمم واستخدام المال السياسي، ومقايضة المواطنين على أرزاقهم ووظائفهم؟!!

ولأن هناك إصرار على استمرار حالة الكوميديا السياسية، فقد خرجت علينا النائبة عالية نصيف لتعلن نفسها وكيلة لمرجعية النجف، حيث اخبرتنا "إنّ المرجعية حثت على المشاركة في هذه الانتخابات". ولم تنس النائبة الهمامة بأن تذكرنا أن هناك مؤامرة تقودها الإمبريالية ضد " معاليها " وشقيقتها.

ربما يقول البعض لماذا تهولون الأمور؟، وسأقول للمعترضين نحن لسنا ضد أي نائب يحاول الترويج لقائمته إذا كان يحترم خيارات الآخر، لكن أن تستخدم النائبة اسم المرجعية بتحذير العراقيين من مقاطعة الانتخابات، فأعتقد أن هذا أمر مرفوض، اذا عرفنا ان للمرجعية ناطق باسمها وانها لم تُصدر بيانا حول الانتخابات .

إن أي عاقل يدرك جيداً أن الدفاع عن مجالس المحافظات، يدخل في باب النصب والتدليس السياسي، وأن استدعاء الدين وتسخيره لخدمة مصالح حزبية وشخصية لعبة خطيرة، خاصة إذا كان البعض يصر على تبرير أخطاء وفشل مجالس المحافظات السابقة .

وأنا أستمع لحديث النائبة عالية نصيف تمنيت عليها لو أنها بادرت وأصدرت لنا كتيباً حكومياً تكتب على غلافه: دليل الديمقراطية للمبتدئين.. طبعاً أن يحتوي الكتيب على وصايا تؤكد لنا أن لا شيء تغير .. فما زال المسؤول يحيط نفسه بسور عال من التابعين والموالين مهمتهم أن يدافعوا عن أي شيء يقوله .. وحتماً لن تنسى السيدة نصيف أن تعلمنا أن أول أصول الحكم الديمقراطي كما يفهمونها هو تضخم الاكاذيب من دون سياسة، حيث يصبح الشعب هو الهدف، وترويض الشعب وتخويفه بديلاً عن تحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية الاجتماعية وسيظل أصحاب كتب الديمقراطية للمبتدئين هدفهم الةحيد بناء دولة الجماعة الواحدة التي تكون لها سلطة الأمر والنهي، والمنح والعطايا، .

وبالنظر إلى حالة الدروشة التي تلبست عالية نصيف، فإن ما يجري هو نوع من الألاعيب التي يحاول بها البعض ارتداء قناع الدين والدفاع عن حقوق الفقراء والتغني بشعارات مشروخة، ناسين أن بضاعتهم غالبا ما تكون رديئة ومتهرئة، فضلا عن كونها بضاعة مزيفة.

***

علي حسين

 

ونحن نشهد حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وعلى ذات الأهداف يمضي يومياً الجيش الإسرائيلي داخل مدن وقرى الضفة الغربية في عملياته العسكرية في ملاحقة السكان وإعدام بعضهم في الشوارع بدماء باردة، بينما آلياته تقوم بأعمال تجريف الشوارع ومجموعات أخرى تقوم بتفجير المنازل والعبث بمحتوياتها، ولا تنتهي هذه العمليات إلا بحصيلة كبيرة من معتقلين بينهم نساء وأطفال، يُزجّون في سجون لفترة زمنية طويلة دون أية محاكمة.

نستخلص من هذه المقتلة الدائرة فصولها في غزة والضفة، أنّ الجيش الإسرائيلي يتابع تنفيذ ما بدأته الحركة الصهيونية على الأرض باغتصاب فلسطين عام 1948. إسرائيل التي قامت في ظلام غياب القانون الدولي وطغيان العقل الاستعماري الغربي تعيد رسم مشهد النكبة.

 وللأسف، أنّ العالم الغربي الذي ما زال مأخوذا بالتعاطف مع اليهود نتيجة محارق الهولوكوست، وضميره ما زال منوّماً عند تلك العقدة، يجعله بالمقابل أن يقيم جداراً حديدياً من سوء الفهم ومن الكراهية الخالصة تجاه القضية الفلسطينية، وهو غير مستعد للوعي بالنكبة التي يكمن في تفاصيلها فظائع ضد الإنسانية تفوق محارق النازية.

إسرائيل كيان لا حدود له، وهي كما حددها بن غوريون أول رئيس حكومة لها: "حدود إسرائيل حيث يصل حذاء الجندي الإسرائيلي الأخير". قانونها الإرهاب، وبالإرهاب تفرض وجودها. ولها من يرعاها في الدول الكبرى. وهنا تكمن مشكلة الحضارة الحديثة.

ولدت دولة إسرائيل من الخطيئة، والخطيئة الأكبر هي إمعان الدول الكبرى في الاستمرار على رعايتها، حتى تضخم هذا المنتوج وصار كائناً وحشياً يتفوق حتى على رعاته وأباءه الروحيين. وحتى صارت الحيوانات في البرية تصرخ ببراءتها من هكذا ممارسات ترتكبها هذه المخلوقات الهجينة التي ما زال القانون الدولي ينظر إليها بعين العطف وعلى أنها تضم سلالة من المساكين تمتد صلتهم إلى ضحايا الهولوكوست.

لمحو الخطيئة على المجتمع الدولي أن يصحو متحرراً من عقدة وكابوس الهولوكوست، ويرى المشهد الدموي الذي يجري في غزة وكل فلسطين بملء عينيه وبمشاعر إنسانية حقيقية ما يفعله هؤلاء الضحايا "المساكين" بالفلسطينيين من خلال الترسانة العسكرية التي يمتلكوها بمساعدة الحكومات الأميركية والأوروبية. لينظروا كيف قد تفوق المساكين على قاتلهم النازي. تجوقلوا وسقطت عنهم الإنسانية، وها هم يقصفون أحياء بأكملها بقنبلة واحدة لتنهار على رؤوس ساكنيها. من غير هؤلاء يستهدف الأطفال والنساء (70%) من مجموع الضحايا الذين اقترب عددهم حتى كتابة هذه السطور إلى 20000 ومثل نصفهم اعتبروا مفقودين بين الأنقاض، من يفجر المستشفيات والمدارس وبيوت الله. من يضع في عين أهدافه الطواقم الطبية ورجال الدفاع المدني. من يفرض التجويع والتهجير، من يعجن بالبلدوزر لحم الضحايا بالتراب. من يقضي على الحياة كل الحياة لعشرات من الرضّع والخدّج ويرسلهم إلى الفناء؟ من يرسل المعتقلين المدنيين إلى الإخفاء القسري في معسكرات أقيمت في صحراء النقب ليتم تصفيتهم؟ من يقتل رجال الإعلام ليقتل معهم الحقيقة. "إسرائيل" في النهاية ومن خلال هذا التوحش تريد محو الشعب الفلسطيني من الوجود، لتضمن وجودها الدائم في الوطن الفلسطيني التاريخي. وفي سبيل ذلك تستهدف كل مكوناته التراثية والثقافية، إما بالمحو أو بالسطو عليه ونسبه إليها. وهنا نذكر أنّ سلطات الاحتلال قد دمرت وأزالت 536 قرية فلسطينية وبعضها استبدل اسمها ليصبح بالعبرية، وأقامت فوقها مستوطنات لليهود جاؤوا بهم من أنحاء العالم.

أنها جرائم إبادة جماعية غير مسبوقة ليس لها مثيل في التاريخ، لا ترتكبها دولة إسرائيل وحدها دون دعم الولايات المتحدة ودول غربية، وهكذا تظل دولة الخطيئة خارج القفص بلا محاكمة وبلا عقاب وتتلقى السلاح الغربي وكلّ أشكال الدعم!

كيف إنسان هذا العصر يتقبل هذا الظلم وهذا التوحش الصهيوني؟

العقل الذي صنع حضارة هذا القرن عليه أنْ يكمل معمار هذه الحضارة ويتحرر من ربقة الوحشية الصهيونية التي تفتك ببهاء الكوكب.

لا يجوز أن يكون للبشرية كلّ هذا التطور وهذه التكنولوجيا، وأنْ تظل محكومة لعصابة من المجانين يقولون عن أنفسهم بتفاخر بأنهم صهاينة، ماذا أنجزت هذه الصهيونية على مرّ السنين سوى إراقة الدماء وإشاعة الإرهاب والقتل وبناء أنظمة من التمييز العنصري.  

لكي تتقدم الحضارة ونكسب مجتمعاتنا الإنسانية يجب أولاً القضاء على الهمجية. هذه قاعدة صالحة لكل زمان ومكان. وبلا مواربة يجب بكل صراحة ووضوح أنْ يتبنى المجتمع الدولي الروح الفلسطينية البريئة وإسقاط روح الشر المتوغلة في الجسد الصهيوني الذي فاقت تصرفاته كل منطق عقلاني ومخالفاً لكل الشرائع والقوانين الدولية.

إذا الغرب كان حقا يؤمن بالحداثة والتطور الحضاري، عليه أنْ يكفّ عن اعتبار اليهود كضحية.. أنّ اليهود الإسرائيليين اليوم هم الأوائل في صنع الضحايا من الفلسطينيين والعرب وفي كل الشرق الأوسط.

***

سعيد الشيخ- كاتب فلسطيني

 

الحرب على غزة (15)

اليوم وبعد مرور ٧٥ عاما على قيام دولة الاحتلال لا زلنا لا نستطيع تحديد طابعا لها. فمن جهة تذهب الأوساط اليهودية العلمانية إلى بناء دولة ديمقراطية علمانية ،ومن جهة أخرى تذهب الأوساط الدينية إلى بناء دولة يهودية بكل ما تعنيه الكلمة،بمعنى أن تسود القوانين الدينية وأن تكون توراتهم ونصوصهم الدينية المرجعية الأولى للدولة. وبين هذا التيار وذاك والمحاولة على الإبقاء على دولة يهودية وفي الوقت نفسه تعميق الديمقراطية.

ومن المعروف أن من عناصر الديمقراطية حرية ،عدالة، مساواة،وتكافؤ الفرص وحق تقرير المصير واحترام الآخر وغيرها لجميع مواطني الدولة.

لكن أين دولة الاحتلال التي تدعي الديمقراطية وتطبل رؤوسنا بها وهي تمارس عكس تلك العناصر مع الشعب الفلسطيني؟

فها هي تحاول إقصاء عرب ٤٨ وبالتالي تغيير ديمغرافية الدولة والذي سيؤول حتما إلى نفي حق تقرير المصير. وأين ديمقراطيتها من الجدار العازل الذي أقامته في الضفة الغربية، والبناء المستمر للمستوطنات؟ وهل تتوافق العناصر الآنفة الذكر مع يهودية الدولة والسعي من خلالها إقصاء الآخر عبر مشروع الترانسفير بهدف التخلص من كل ما هو عربي للوصول إلى دولة اليهود ذات النقاء العرقي وهي بدون إثبات يهوديتها لن تستطيع التبجح بحقها التاريخي. ألا يضعها هذا كله في حالة من التناقض مع الديمقراطية التي تدعيها؟

كما أن هناك ما ينفي عن هذه الدولة ديمقراطيتها وهي أنها دولة لا زالت بدون حدود فعلية.وهذا يعني أن حدودها تتوقف ربما على نيتها مستقبلا بإقامة الحدود التي جاءت بها نصوصهم الدينية. وبالتالي فإنه في ظل غياب حدود معروفه لا يمكن التحدث عن جمهور المواطنين الذي يفترض بالنظام السياسي تمثيله ليس واضحا.

ومما يزيد الفجوة بين كون هذه الدولة ديمقراطية أم يهودية وجود ما يعرف بقانون القومية الذي سنه اليمين السياسي والذي لم يأت على ذكر أي حقوق مدنية لمن هم ليسوا من أبناء القومية اليهودية. إذن لو كانت دولة الاحتلال كما تدعي بأنها يهودية وديمقراطية في آن واحد للزم أن تكون وطن قومي لليهود وغير اليهود.

لكن الحقيقة هي أن ميزان الديمقراطية واليهودية متأرجح للغاية ما بين الأحزاب المتعددة في دولة الاحتلال.

وفي حالة الدولة اليوم نجد أن كفة اليهودية ترجح بقيادة بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف الذي يبحث عن نقاء عرقي ونفي السيادة الفلسطينية عن اي جزء من فلسطين التاريخية. كما ويرفض فكرة حل الدولتين والتي تعني خسارة الدولة إما يهوديتها أو ديمقراطيتها، إذ أنها لو قامت بضم الضفة الغربية فإن عدد العرب سيتفوق وبالتالي ستسقط يهودية الدولة أمام الميزان الديمغرافي. وإن ظل مصرا على مشروع الترانسفير فستقع الدولة في مطب كونها تنصلت من ديمقراطيتها.

واليوم ٢٠٢٣ في حربه على غزة نجد جيش الاحتلال بقيادة نتنياهو يجبر سكان شمال غزة على الهجرة القسرية إلى جنوبها بفعل المجازر المروعة التي يرتكبها الطيران السادي ثم يقوم بقصف النازحين أثناء نزوحهم ودهس الخيم في مراكز الإيواء بما فيها من بشر بعجلات الدبابات.

وبعد هذا هل نستطيع اعتبار هذه الدولة الفاشية دولة ديمقراطية؟ أم دولة يهودية دموية بامتياز تطبق أساطير وخرافات حاخاماتهم؟.

***

بديعة النعيمي

مسيرة التفاعل مع النصوص بأنواعها، وخصوصا الدينية إستندت على إقتراب ثنائي متطرف، خلاصته أن النص فيه معنى ظاهرة (حسي)، وآخر باطني (عقلي)، أي أن الحالة ذات بعدين، مما يمثل طرفين متطرفين وفقا لمفهوم منحنى الإنتشار الطبيعي.

أي أن الجهد مبذول في 2.5% من كل طرف في المواضيع المتصدى لها، ويكون المهمَل منها أكثر من 70% والبعض يرى 95%.

الكون بما فيه من موجودات وظواهر وتفاعلات له ثلاثة أبعاد لا بعدان، وإلغاء البعد الثالث يتسبب بتداعيات قاسية.

نبه إلى ذلك واصل بن عطاء (80 - 131) هجرية، عندما طرح مفهوم (المنزلة بين المنزلتين)، وانطلق فكر المعتزلة العقلي بالبحث، لكنه مع توالي السنون وتبني المذهب من أناس آخرين، تم إلغاء البعد الثالث، وتركز محور الحركة بعد أن تسلطت على ما يسمى (خلق القرآن)، والقراءة الموضوعية للقرآن تكشف  أن فيه المطلق والنسبي، ولا يوجد ما هو أزلي مطلق أو مجعول مطلق.

أي أن المعتزلة تطرفوا وتسببوا بإنطقاء أنوار حركة ذات قيمة فكرية وإبداعية نادرة، ذلك أن البعدين يأكلان بعضهما البعض، فالظاهر ياكل الباطن والباطن يأكل الظاهر.

وما يحصل في الواقع المعرفي عندنا، أن إلغاء البعد الثالث من مرتكزات التداعي والإنتشار والخمود.

وكأننا ننكر أن بين الليل والنهار، حالة ثالثة، وبين أية ظاهرة هناك تواصل إنتقالي، فلا يوجد خير مطلق أو شر مطلق، بل كل منهما يلد الآخرين من رحمه، وهكذا دواليك.

فالمتناقضات لا تتنافر كما ترى، وإنما تتزاوح وتلد ما يمثل ما بينهما، ومن هنا، فالواقع لن يكون أحسن ما هو عليه، إن لم يدرك المفكرون والمثقفون ضرورة وعي البعد الثالث، والتفاعل معه بصدق وتعبير أمثل عن جوهره.

الوجود ليس أبيض وأسود، هناك لون رمادي بينهما لا يجوز تجاوزهما.

لا يوجد كذب مطلق وصدق مطلق، الموجود حالة متواصلة ذات طرفين متناقضين.

ولولا التناقض ما تحقق التواصل.

***

د. صادق السامرائي

 

في كل عام وفي مثل هذا الوقت، موسم الاعياد او بالحقيقة موسم الشراء، مع ان حمى الشراء لم تترك اجساد ولا ادمغة البشر في عالمنا منذ ان صارت تلك المواسم هي للتجارة والشراء بشكل اعمى! في مثل هذا الوقت حيث البحث عن شمعة للفرح لغسل الروح من ادران القلق والحزن ، ينتابني شيء من البهجة ومشاعر كرسمسية ، انفعل مثل الاطفال لسماع ومشاهدة الالعاب النارية، اصور مشاهد استقبال السانتا من اضوية متلالئة والوان ولعب تزين الاشجار، التي تماثل تلك التي علق عليها من يسمونه بابا نويل او السانتا هداياه للاطفال والعوائل المحرومة. ربما هي احتفال بالحياة التي ستنبعث بعد فصل البرد وخير من يمثل الحياة والعطاء هو الشجرة.

اليوم لا اجد سوى الجفاف نشعره وقد ملا الغضب والحزن ارواحنا التي لاقوة ولاحول لها.. فبقيت شجرة الميلاد البلاستيكية مغلفة بصندوقها مع ملحقاتها من زينة العام الماضي وكراتها الملونة. كيف نحتفل ونشتري الهدايا واطفال فلسطين البلد التي انجبت المسيح ومنها انطلقت دعوته للسلام للمحبة، يقتلون يوميا وبدم بارد وامام مرأى العالم كله دون ان يرف للكائنات التي تتحكم بمصائر الشعوب جفنا ولا رمشا!2095 مسيرة

لاقاني السانتا في شارع اكسفورد مبتهجا بزيه الاحمر وشعره الابيض مشجعا الكل على الشراء. قلت له بغضب لم افلح باخفاءه: ماقيمة هداياك حين توزعها على اطفال لايحفلون بك، بينما الطفل الفلسطيني تبعث له نتن ياهو ليرسل لهم قنابله  تهد المنازل على رؤوسهم او تقتلهم وهم في طريقهم للهروب من جحيم الحقد الصهيوني-النازي!؟ كما فعل اجداده بالامس القريب حين ارسل لعبا اسقطها من الطائرات على القرى الفلسطينية ليتلقفها الطفل الفلسطيني المحروم فتنفجر بيده لتقتله واهله!

اي شجرة نزينها ونغني (جنكل بيل) دقي يا اجراس! وصراخ الاطفال يكتم كل الاجراس..ليس اطفال فلسطين وحدهم بل صراخ كل الشعوب وهي تطالب بوقف القتل ومحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة الذي فاقوا النازية بالهولوكوست على ارض فلسطين..الفرق بين هولوكوست النازية وهولوكوست الصهاينة، ان الاول لم نره باعيننا فزوروا وبالغوا الصهاينة ماشاء لهم الكذب..بينما الهولوكوست الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني فاق التصور ونحن نراه بام اعيننا ونسمع صراخ الضحايا باذاننا. والصراخ هو وسيلة جعلها الله في الانسان ليدافع عن نفسه ليطالب السامع ان ينجده . الشعوب سمعت النداء وتعالى صراخها  بينما الحكام  من عرب وغرب سدت اذانهم بروث الدولارات الامريكية وسوط اسيادهم الارهابيين من امريكان واسرائيليين واذيالهم.

فأين السانتا الفلسطيني مهد المسيح وكل الباباوات؟ لقد قتلوه هناك ولا احد يردعهم او يعترض عليهم! فالاولى بك ان تغير زيك الاحمر الى اسود وترفع صوتك عاليا لعله يكون الهدية التي ينتظرها الطفل الفلسطيني.

***

ابتسام يوسف الطاهر

لندن - شارع اكسفورد

2023

 

نعم أيها السادة لقد سقطت مدني حاضرة ولاية الجزيرة كما سقطت رصيفاتها من مدن السودان في يد الدعم السريع، نحن في حاجة فعلا كحركة إسلامية لتنظيم صفوفنا وترتيبها، والتنسيق مع قواتنا المسلحة، لقد انتهى عهد الفرجة، والاختلاء بأجهزتنا الخلوية على مدار اليوم، جاء وقت الاختلاء بكتابنا الخاتم في هجعة الليل، وأنت في مكمنك أو خندقك، هذا إذا وجدت إلى ذلك سبيلا، أمام حدة المعارك وضراوتها، علينا التحرك في كل صقع وواد، حتى لا تضيع الديار وتدنس هذه الطغمة الضالة، كل ما من شأنه أن ينزه عن الدنس والابتذال.

لقد صاغتنا الحركة الإسلامية صوغا خاصا، وهيأتنا للجهاد وأعددتنا له، وهاهو الجهاد قد أزف وقته، وحضرت ساعته، ولعمري أن صورته التي أراها شاخصة أمام بصري، على النقيض من الصورة الجميلة الخلابة التي أحببتها، و فتنت بها، وأنا في غضارة شبابي الباكر، حينما كنت أشاهد نواطير شباب الحركة الإسلامية، وهم في جماعاتهم السعيدة المتحابة، كان برنامج " في ساحات الفداء" يظهرنا على حقيقة تلك المهج الصادقة، ويعرض علينا حركاتها، وهي تسير في إباء وشمم، مهج صادقة في عزمها، وفي ثباتها، وفي دأبها، ونضالها الذي لا يفتر، مهج نغالي في الشك أن الإثم قد خطر لها على بال، كلا ليست صورة الجهاد التي تتراءى في خيالي مثل الواقع، كما أنا وأنت على غير شاكلتهم فالبون شاسع، شهداء الميل 40 من الكماة الأبطال الذين ينفر من سيرتهم المترفون من أرباب الحركة الإسلامية، لا نتحرج من أن نقضي نهارنا وشطرا من ليلنا، في سيرتهم واحصاء مآثرهم، فسيرتهم كلها عز، ومناقبهم كلها ثراء، أنا  لا أكاد أملك نفسي، وأعجز عن السيطرة على عواطفي، فمدن السودان تتساقط، والباطل يمتد ويستطيل، وشباب الحركة الإسلامية لم يعد كما كانوا عليه، خفاف عند الفزع، أستطيع أن أقول أنهم عجزوا عن أن يتحرروا من القيود المألوفة التي تحرر منها ملهمينا في زمن العزة والصمود، تلك المتحركات التي كانت تصدمنا مقاطعها، كما تصدمنا مغالاتها في البذل والاستشهاد، متحرك الأنفال وعبيد ختم وغيرها من المتحركات التي تعاهدت على الحب والوفاء لهذا الوطن، ها هي الأيام تمتحن الحركة الإسلامية التي يظهر عليها الوجوم، فالحركة الإسلامية التي لم يعد يحفل بها أحد، أو لا يكاد يحفل بها أحد كما يقول الأديب الضرير، باتت تسرف في القول، وأطيافها مأخوذة بالحقد والموجدة، دون أن تتخذ وهي في أفياء هذه المعمعة، خطوات طويلة كانت أو قصيرة، كان عليها أن تجهد نفسها في شحذ كوادرها على الجهاد وأن تهيئ لهم من أسبابه، كان عليها أن تستعد لمثل هذه المواقف أعواما متصلة، فهي تدرك بأن الناس كل الناس، يتحدثون وهم مقتنعين بأنها كارهة ساخطة لكل باطل، ويعرف عليها الضيق إذا تورط  أي كيانا سياسي في شيء من الإثم تجاه سوداننا العريض، نريدها الآن وقد تعاظم الخطب أن تنتفض، وتستعيد سيرتها الأولى، نريدها الا تتزحح عن مواقفها التي عرفها عنها الناس، نريدها أن تترك هذه اللين والاستعطاف، وتستعيد غلظتها وعنفوانها، فالحقوق لا تسترد إلا بالقوة، والكلاب الضارية لا يخسا صوتها إلا أسدا شجاع، عليها أن تتيقن أنها تواجه الموت حقا، فلتجتهد في صرفه عنها وعن السودان، فهل لاعداد الحركة لمجابهة الموت من سبيل.

***

د. الطيب النقر

 

تتواصل الحرب على غزّة، بتواطؤ العالم، بهمجيتها وعنصريتها ومجازرها.

وصار من الأكيد أن الحكومات العربية لن تقف إلى جانب حماس، أحببنا ذلك أم كرهنا. فالعداء قديم، والمصالح مختلفة، وكلماتٌ مثل الحرية والتّحرر تُرعب وقد تُذيب المحنّطين منهم.

أماّ مناوشات حزب الله والحوثيين فلن تغير المعادلة ولن تكفي لنصرة المقاومة. وإيران لن تتحرك ما لم تمتلك القنبلة الذرية. فالصّهاينة لن يتردّدوا في استعمال ما لديهم منها في صورة تدخّل إيران مباشرة. هم من لديهم الآن "الحل النهائي" كما أشار إلى ذلك أخيرا آبراهام الأمريكي في الدوحة.

فليكن "الحل النهائي" فلسطينيا إذن. وليبدأ الشعب الفلسطيني بتحرير ارضه بنفسه.

فعوض أن يهرب إلى الجنوب أو إلى سيناء، عليه أن يتوجه إلى الأراضي المحتلة بمئات الآلاف، وقد لا يكفي المليون.

ربّما مات منهم مائة ألف، ولكن ليس ذلك بالكثير مقارنة بأكثر من عشرين ألف قتلوا في الصمت والذّل.

أولم يلزم الجزائر أكثر من مليون شهيد لطرد فرنسا؟

نعم، إن مائة ألف شهيد، دفعة واحدة، كافية لتحرير فلسطين في هذا الظرف.

ومن المؤكد أنه قبل أن تموت المائة ألف ستتحرّك مختلف الجبهات بقوة لتشتيت العدوّ.

ستتحرك الأردن ومصر وسوريا ولبنان وحزب الله والحوثيون، وبلا شكّ إيران. حينها سيركع الصهاينة.

صرخة واحدة: اذهبوا إلى "إسرائيل" لتستعيدوا ما افتُكَّ منكم.

اهجموا عليهم نساءً ورجالا، شيوخا وشبابا، رضّعا وأمواتا.

ألا تموتون كلّ يوم مجّانا وتُنسون مجّانا، وأحيانا تُدفنون مجّانا؟

تقدّموا نحوهم بصدور عارية، ولن يقف أمامكم أحد، وسيرهبكم العالم وستُخفّفون الضغط على حماس التي ستحمي ظهوركم.

فأيّهما أهون وأيّهما أنبل: انتظار الموت او مواجهته؟

إن هذا العدو الهمجي المتغطرس ، لن يتراجع أمام موت الآلاف للدفاع عن كيانه، ولكنه سيتردّد ألف مرّة قبل أن يقتل مائة ألف عزموا على الشهادة.

إنكم بذلك ستضعون العالم أمام مسؤوليته، فالكثير منه متعاطف معكم الآن، فلتستغلّوا هذا التعاطف ولتدفعوا بالصهاينة إلى آخر مناطق الهمجية. ولكن تأكدوا أن الأغلبية منهم ستفرّ بدون رجعة، لأنه ليست لها أية علاقة بفلسطين وهي فيها فقط للاستثمار ورَغَد العيش. أما الأقلية الصهيونية المتطرفة الحالمة باسرائيل الكبرى لن تصمد خراطيشها أمام المدّ الشعبي المتّحد.

إن نية الصهاينة واضحة، وهم يخطّطون " للحل النهائي " منذ البداية. كلهم يحلمون بإسرائيل من الماء إلى الماء، ولم يكن السابع من أكتوبر سوى الذريعة ليعجلوا بتطبيق ما خططوا له. لكن السنوار قد بعثر أوراقهم ومخططاتهم، وكأنه يقول لهم : فلتكشفوا وجوهكم الحقيقية قبل أن تحققوا ما نويتم. وسينجح في دحرهم إن جاء منكم المدّ والسند.

لا تنتظروا الموت البطيء، والتشريد البطيء، والنكبات البطيئة.

 اذهبوا إليهم.

قاوموا بالصدور العارية، وبالجراح النازفة، كما غنّى الشيخ إمام. وكم كان على حق.

***

محمد نجيب بوجناح - تونس

 

من عجائب المفكرين والفلاسفة العرب أن لكل منهم مشروعه الخاص به، والذي يرى أنه منقذ الأمة مما هي فيه، فيفني وقته في البحث والتدوين، وتأليف ما يستطيعه من الكتب، التي تنام على الرفوف، وتدوسها سنايك النسيان والإهمال!!

ومعظمهم يتداولون أفكارا ويقدمونها على أنها مقنعة وتصمد أمام الحجة والتحليل والتقييم، لكنها لا تتصل بالواقع اليومي للناس الساعية فوق التراب، وأكثرها مستنزلة من فضاءات الخيال البعيد، ومقحمة لنظريات الآخرين في واقع ينكرها.

وتزداد عجبا من كثرة المفكرين والفلاسفة، وإمعان الأمة في تدحرجها إلى خنادق الوراء، وتمسكها بالغابرات التي إكتسبت أهوال التقديس والتبجيل.

وعندما تسألهم، تنهال عليك التبريرات والتعليلات والتفسيرات التي لا تطعم من جوع ولا تحمي من برد، فما كل منطقي بصحيح، ولا كل تبرير سليم، وما يقنع لا يعني أنه يشبع.

وياتي في مقدمة التبريرات الدين، الذي تنتهي إليه مقاماتهم ودراساتهم وأبحاثهم، وخلاصتها، إنها أمة مقتولة بدينها!!

فكيف نحي القتيل؟!

لا توجد أمة لم تقتل بدينها، لكنها تعافت من طاعون الدين، وأوجدت العلاجات واللقاحات اللازمة لحمايتها من الأوبئة الدينية الفتاكة.

وأقسى مَن عانى من أوبئة الدين هي المجتمعات الأوربية ولعدة قرون، وبعد أن إستيقظت ونفضت دثار الدين وإكتشفت طريق العلم، وضرورة تفعيل العقول، إنبثق ماء جوهرها الإبداعي الإنساني، ومضت تخفق بأجنحتها في فضاءات الأنوار العلمية الوهاجة.

وتبدو نتاجات مفكرينا وفلاسفتنا وكأنها صومعية، أي مقطوعة عن مياه الحياة وبعيدة عن الواقع الذي تريد مواجهته، فهي لا تنطلق منه بل تهبط عليه!!

ولهذا بقيت الأجيال تراوح في ذات البقعة الزمنية، لفقدان الرؤية والدليل والبوصلة الفكرية الآخذة بها إلى موانئ الصيرورات الإنسانية المعاصرة.

فالأجيال تنكفئ إلى فترات زمنية متخيلة ومدبجة بالتصورات الهذيانية المقدسة، مما يساهم في تعطيل عقولها، وتجميد جهودها وتحويلها إلى روبوتات مذعنة للأوامر والإملاءات الفاعلة في واقعها المسكون بالخيبات.

فهل من تفاعل منير مع واقع غاطس في مستنقعات الأنين؟!!

***

د. صادق السامرائي

22\10\2021

"كلما زاد توحُّش المُستعمر إقتربت نهايته". هذا ما قاله الباحث عبد الوهاب المسيري الذي أصابت نبوءاته الواقع المرّ بعد أن قضى نحو ربع قرن في إعداد موسوعتيه عن اليهودية و"إسرائيل" تناول فيهما الكيان الإسرائيلي من الداخل، مجتمعاً ومؤسساتأ بهدف تعميق فهم "هذا الكيان الاستيطاني حتى تتحسن كفاءتنا في المواجهة معه كدولة وظيفية".

ويدرك قادة هذا الكيان اللقيط بأن دوره الوظيفي يعتبر من مقومات وجوده، فإذا خسره؛ فعليه أن يتحسَّسَ رقبته، خشية فصل رأسه الموبوء بالأفكار العنصرية التطهيرية عن جسدٍ ليس له.

وقد حذَّرَ بن غوريون من ظاهرة "الإرهاب" في وصفه للمقاومة التي قُمِعَتْ إبّان النكبة الأولى عام 1948، في كونها -بما معناه- ثورة تختزن في أعماقها أهداف وجودها، على اعتبار أنها ترتبط بالمكان الموروث الذي بُنِيَ على أكتاف الفلسطينيين من قبل، وكأنه يقول بأن من سَلَبَ أرضَكَ واعتدى على عرضَكَ لا توجد قوة تتمكن من إيقافه عن الانتقام.

من هنا خرجت نبوءته من باب تقديم النصيحة للصهاينة وأجيالهم المتلاحقة.

وحسب المسيري، فقد عرّف بن غوريون الإرهاب في إحدى خطبه بأنه "مجموعة من العصابات الممولة من الخارج، ونحن هنا لا نجابه إرهاباً وإنما حرباً، وهي حرب قومية أعلنها العرب علينا، هذه مقاومة فعالة من جانب الفلسطينيين لما يعتبرونه اغتصاباً لوطنهم من قبل اليهود، فالشعب الذي يحارب ضد اغتصاب أرضه لن ينال منه التعب سريعا".

وفي ذات السياق، وصف نتنياهو حربه على غزة بأنها "نكبة ثانية" وبذلك يكون قد قدّمَ الدليل اللفظي على بشاعة جرائم التطهير العرقي التي مارستها العصابات الصهيونية ضد الفلسطين في النكبة الأولى، الذين ما كان لهم ان يخرجوا لولا المذابح التي تعرضوا لها والوعود العربية بإعادتهم بعد أن تتصدى الجيوش العربية للعصابات الإجرامية، فجاءت حسابات البيدر غير حسابات الحقل.

حذثت هذه الجرائم وفق نبوءة يوشع التطهيرية التي استرشد بها نتنياهو في حربه على غزة.

أما نبوءة بن غوريون - أعلاه- فقد قدّمَ الزعيم الصهيوني الاستثنائي خلالها وصفاً استشرافياً لم يكن يتمناه؛ لحال مستقبل المقاومة، تحديداً في السابع من أكتوبر "طوفان الأقصى" قاطعاً الطريق على أحلام الإسرائيليين الموعودة.

وكانت نيته أن تنتبه الأجيال اليهودية اللاحقة من المفاجآت غير السارة، والتي مثلت البشائر السارة بالنسبة للشعب الفلسطيني المغروس في أرضه، والملتف حول مقاومته- رغم ما قدم من ضحايا- في الوقت الذي راح يحزم فيه الإسرائيليون حقائبهم مصطحبين في جيوبهم جوازات سفرهم الأجنبية لمغادرة كيانٍ ليس لهم، إلى بلدانهم الأصلية.

وهذه المقدمة من شأنها أن تفسِّرَ الوقائعَ على الأرض في الحرب على غزة، بعد دخولها الشهر الثالث دون أن يحظى جيش الاحتلال "المهزوز" فيها ايّ إنجاز يذكر.

ولصعوبة الموقف الإسرائيلي فقد تغيرت الأهداف الإسرائيلية المستحيلة إلى نطاق الممكن، فلم تعد محصورة فيما يلي:

تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء بعد تحويل القطاع إلى أرضٍ محروقة، وبحيرةٍ من دماء الشهداء الأبرياء.

ولا السعي للقضاء على حماس التي حافظت على معظم قوتها، فيما ظلّت تمتلك روح المبادرة في حرب استنزاف ضروس امتلأت بالكمائن، كان آخرها كمين جحر الديك.

ولا حتى تحرير "الرهائن" الإسرائيليين بالقوة.

لتنحصر تلك الأهداف بعد استنزاف الاحتلال معنوياً وعسكرياً وبشرياً واقتصادياً، في اغتيال رموز حماس القيادية مثل السنوار والضيف وأبي عبيده.

هذا إلى جانب إبرام صفقات جديدة لتبادل الأسرى كالتي حدثت بداية ديسمبر الجاري في مراحلها السبع؛ لتسويق النصر الموهوم على صعيد الداخل الإسرائيلي، بغية تنفيس احتقان الشارع الإسرائيلي المناوئ للحكومة اليمينية المتطرفة، والمتهمة بالعجز عن تحقيق شيء يذكر، وفي أنها تتعمد قتل اسراها أو من خلال النيران الصديقة التي تسببت مؤخراً بمقتل ثلاثة جنود إسرائيليين، ما اثار الشارع الذي دعا إلى تحرير الرهائن مقابل تبييض السجون الإسرائيلية.

حماس وحلفائها الميدانيين من جهتهم كانوا على وعيّ شديد بالعقل الإسرائيلي المصاب برهاب المقاومة، الأمر الذي جعل يساعدهم على قراءة أفكار قادة الجيش الميدانيين، ما سهَّلَ على رجال المقاومة خداعهم وإيقاعهم في الكمائن بسهولة ويسر.

وتصديقاً لذلك؛ فقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، الجمعة، في أن حركة حماس استعانت بدمى أطفال تنطق باللغة العبرية في محاولة لاستدراج الجنود الإسرائيليين إلى كمائن في حرب غزة.

هذه هي بداية النهاية حينما لا يسجل جيش الاحتلال سوى أهداف مدنية لا تُحْسَبُ ضمنَ معاييرِ النصر المشرف؛ لأنها أدخلت "إسرائيل" في عنق الزجاجة بعد عزلها إعلامياً، فتحولت أبواقُها إلى نواعقٍ تضليلة مقابلَ إعلامٍ فلسطينيٍّ سجل الوقائع الصحيحة على الأرض باقل التكاليف، من خلال عدسات تصوير ثبت صدق حاملها، وهو يحملُ روحَهُ على كفّه، فارتقى منهم 93 صحفياً فقط من العاملين في الجزيرة.

وكان على رأسهم مصور القناة سامر أبو دقة فيما أصيب مراسلها وائل الدحدوح الذي كان معه خلال تغطيتهما سقوط شهداء وجرحى إثر قصف اسرائيلي طال مدرسةً وسط خان يونس.

إنها حرب إبادة ممنهجة استهدفت الإنسان والحجر، وأدت حتى الآن إلى ارتقاء 17177 شهيداً فلسطينياً، وأصابة نحو 46 ألفا في غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضي.

إنه ديدن الاحتلال الذي يمارس سياسة التطهير العرقي دون رادع تحت غطاء الدفاع عن النفس ضد ما تُتَّهَمُ به حماس في أنه إرهاب.

ولكن المقاومة من جهتها كبدت جيش الاحتلال خسائر طائلة في المعدات، وصلت وفق تقديرات المقاومة إلى ٥٠٠ آلى عسكرية (ميركافا وناقلة الجنود من نوع النمر والجرافات العملاقة).

أما عن المصابين والقتلى وفقاً لما نشره الإعلام الإسرائيلي بين الفينة والأخرى، فإن حجم تقديراته جاءت لتخالف الإعلان الرسمي الإسرائيلي المضلل.

ياتي ذلك خلافاً لللغة البصرية التي يقدمها المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام (أبو عبيده) حول مجريات الحرب، وقد بات المرجع الموثوق للباحثين عن الحقيقة في العالم، عبر الفضاء الرقمي الذي يشكل الإعلام الموازي مقابل الآلة الإعلامية الغربية العملاقة المجيرة للسردية الإسرائيلية.

فتترقب الجماهير ذلك المثلث الأحمر وهو يشير إلى هدف إسرائيليّ جديد كي يقصفه مقاوم مؤمن بقضيته باستخدام قذيفة الياسين المصنعة محلياً.

يحدث هذا كما اعتادت صواريخ القسام المصنعة محلياً بأنواعها وهي تصيب العمق الإسرائيلي باقتدار.

فصار بوسع الصور البصرية التي تستشهد بها المقاومة من خلال احترامها للعقل البشري أن تكذب زيف الصورة النمطية الإسرائيلية، التي ستخرج من غرف المونتاج واهيةً غير مقنعة، وفي طياتها تكمن أسباب موتها.

وقد وظفت المقاومة مدينة الأنفاق التي حفرتها تحت قطاع غزة، وحيرّت كلَّ الخبراء العسكريين في العالم، لتحيّدَ سلاح الجو الإسرائيلي الأكثر تقدماً ووحشية في العالم؛ لا بل ساعدت على تنفيذ استراتيجية المقاومة في استنزاف جيش الاحتلال ميدانياً.

ويتوافق ذلك الاستنزاف مع ما كشفته صحيفة يديعوت أحرنوت السبت الماضي عن وجود 5 آلاف جندي إسرائيلي جريح منذ بداية الحرب.

وأوضحت الصحيفة في تقريرها، أن أكثر من 58% منهم يعانون إصابات خطيرة في اليدين والقدمين، بما فيها تلك التي تتطلب عمليات بتر أطراف، وهذا يثبت زيف التقارير الإسرائيلية الرسمية.

كما نشرت صحيفة هآرتس أمس الأول، الأحد تقريراً عن عدد الضحايا الإسرائيليين، وركزت على ما سمَّتْه الفجوةَ الكبيرة بين عدد الجنود الجرحى الذي أعلنه الجيش الإسرائيلي، وما تظهره سجلات المستشفيات التي استقبلت، وفقها، 4 آلاف و593 جريحاً.

وأخيراً فالحرب على غزة يمثل صراعاً بين سرديتين فلسطينية وإسرائيلية في عالم يتحكم به الرياء ويسترشد بالنفعية الميكافللية؛ إلّا أن أيقونة غزة تمكنت باقتدار من صنع المستحيل، وقلبت الطاولة على المقامرين بمصائر المظلومين على نحو ما جرى مع القضية الفلسطينية التي أصابها الغبن طويلاً.

فكسب الشعبُ الفلسطينيُّ ثقةَ الجماهير من خلال ما قدم الشعب الفلسطيني من تضحيات، فيما ظلّ ثابتاً على أرضه، حاضناً لمقاومته، التي صنعت المستحيل.

وهو ما يفسر ذلك الحراك الجماهيري العالمي الذي تبنّى السردية الفلسطينية، مما أحدث تغييراً جوهرياً للموقف الدولي لصالح القضية الفلسطينية، على نحو ما جرى يوم الثلاثاء الماضي حيث صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لصالح قرار يطالب بإقاف الحرب على غزة لغايات إنسانية، وقد اعتبر الأمين العام أنطونيو غوتيريش في وقت سابق بأن طوفان الأقصى نجم عن أسباب موضوعية.

وقد تحولت المقاومة الفلسطينية من جرّاء ذلك إلى فكرة إنسانية، وحركة عالمية ضد مفهوم النازية والفاشية و"الصهيونية"، حيث تمكنت من تغيير العالم الذي اعتاد على مناكفتها من خلال أكذوبة " معاداة السامية" فقلبت بصمودها الموازين وعلى رؤوس الأشهاد عبر الفضاء الرقمي.

***

بكر السباتين

17 ديسمبر 2023

 

في الحق أن الكتابة عن تاريخنا، وعن الهجرات التي جرت في سهوله وبواديه، يحتاج منا إلى صبر وأناة، ونحن في بلاد النيلين، نكره هذا الصبر، ونبغض هذه الأناة، نحن سيدي لا نجيد إلا النوم والغطيط الذي نلح عليه، ونسرف فيه، أنا لا يخالطني الظن، أن من أسعد الأوقات التي ننتظرها، ونتوق إليها، هي الساعة التي نتجه فيها إلى مضاجعنا، ونطفئ وميض الأسرجة اللاغبة، ينبغي علينا  أن نطنب في تقريع أنفسنا، ولومها وعتابها على ذلك التقصير، ومجاهدة هذه المهج التي لا تميل إلا إلى الدعة والركون، إن الحقيقة التي يجب أن نحفل بها ولا نهابها، أن حصاتنا تأنف أن تبقي خلاياها في حركة يقظة قوية، هذه الحركة الوثابة بلا شك، كفيلة بأن تبعث فينا واقعا نتبينه دون مشقة أو جهد، أن كل فردا منا، باستطاعته أن يكون مفكرا مغرقا في التفكير، حتى وإن كان بينه وبين صومعة الفكر آمادا طوال، حينها فقط يعود للسودان تأثيره، يعود إليه ألقه وبريقه ونضاره، ويتحرر حينها من أسر هذه الحسرة اللاذعة التي أدميناه بها، بفضل تقاعسنا وخمولنا الفكري.

نحن في السودان نخشى كثيرا من أهوال الفكر حتى قبل أن نطرق أبوابه، والباحث لو تدبر في كنه هذه الأهوال لن يظفر منها بشيء، ورغم هذه الحقيقة الناصعة، إلا أن أحاديث الباحثين عنها لا تنقطع، إن الواقع المرير الممض، أن كل باحث يريد أن يعبر بحر الفكر العباب، محمولا على كتف احد اخوته، وأن يجد في حمله إياه مظاهر الرفق واللين، هذه الخشية وهذا التواكل، يعيننا على أن نفهم هذا الازورار على اقتحام ميادين الفكر، رغم أن السودان، يحمل طائفة من  خصائص الفكر التي تختلف في  أمزجتها وطباعها،والتي من السخف أن نغض عنها الطرف، ولا ننكب عليها لأن فئة كبيرة من باحثي السودان لا تستطيع تحمل هذه الآثار التي نستطيع لها دفعا، والتي تصطدم في الكثير من معالمها مع ألوان الحياة الاجتماعية.

وحتى نحلل هذه الهيبة ونلخصها نقول في اختصار، أن من أكبر عوائق الفكر في السودان، نظم المجتمع وقوانينه، فهي التي تحد من ركضه وانطلاقه، إن حياتنا الفردية والاجتماعية هي التي تفسد كل ما نرتجيه من رياض الفكر، وتنقص علينا رياحينه التي نبتغي لثمها واستنشاق عبيرها، كما أن الشخصية السودانية تنفر من مذاهب الفكر الفلسفية، فأوصاب الحياة وعنتها، تسيطر عليها سيطرة كاملة، فالناس في سوداننا كل الناس،

منتظمين في حياتهم المادية والمعنوية، وملتهين عن ثروة السودان الضخمة التي نغمض أعيننا عنها، ونخشى أن تضيع بسبب الخشية والتردد والاشفاق.

***

د. الطيب النقر

 

الحوار: نقاش أو جدال، حديث يجري بين شخصين أو أكثر.

وتنتشر في وسائل الإعلام البرامج الحوارية المرئية والمسموعة والمقروءة، وقد تعددت الحوارات في معارض الكتب، وفي الحوار ينكشف معدن الشخص المحاور وضيفه، ومدى نجاح الحوار يعتمد بالدرجة الأولى على المحاور ومهارته في إدارة الحوار وحذاقته في طرح الأسئلة.

ولا بد من وعي معنى الحوار، ومراميه والغاية المرجوة منه، والرسالة المراد إيصالها للآخرين بواسطته.

مررت بتجربة المحاوِر والمحاوَر، ولدي صديق له برنامج تلفازي حواري ناجح، أتواصل معه وأبدي رأي بحلقاته.

وكثيرا ما أعتذر عن إجراء الحوارات مع الأخوة الذين يدعوني لذلك، لأسباب متعددة تخص الأسئلة، وغياب فقه الحوار عند المحاور وغاياته المعرفية.

الحوار واسطة لتقديم فكرة واضحة مبسطة للمتابعين للحوار، وليس الإمعان بالإسهاب الطلسمي المعقد، وطرح مفردات لا جدوى منها سوى التدويخ.

وبموجب ذلك فأن معظم الحوارات بلا فائدة ترتجى، ولا قيمة معرفية يمكن إستخلاصها منها!!

الطرح المعقد للفكرة يشير إلى عدم فهمها، لأن الذي يفهم فكرة أو حالة، يعبر عنها بأبسط ما يمكن أن يكون عليه التعبير والتصوير.

فالحوارات لها ضوابطها وقواعدها وآلياتها، ومنطلقاتها وأهدافها، فلكل حوار غاية واضحة، ومفردات متوافقة معها، فلا يجوز التوهم بأننا أجرينا حوارا، وقد أمعنا بحشو السطور فيما لا ينفع، حتى لتتحير كيف للمحاور لا يجيد طرح الأسئلة، وكيف للذي يحاوره لا ينتبه إلى ما يريد قوله.

ولهذا فأن معظم الحوارات الجارية في واقعنا الثقافي لا تؤدي الغرض المتوخى منها، وتميل للتشويش والتشويه.

المطلوب أن يكون الجواب واضحا على سؤال: لماذا أحاور فلان، وما هي الأسئلة التي تمكنني من إظهار رسالته وتبيان أفكاره بوضوح وبساطة تشد القارئ للحوار؟

أما أن نحاور بأساليب خوارية، فهذا لا يسمى حوارا!!

فهل لنا أن نحاور كما يجب أن يكون عليه الحوار؟!!

***

د. صادق السامرائي

الحرب على غزة (14)

اللاسامية مجموعة معقدة من عناصر كراهية اليهود. والجدير بالذكر أن هذا المصطلح من صناعة المجتمع المسمى بالمسيحي بدليل ما حصل في القرون الوسطى من قتل وطرد وتنصير اليهود في البلاد الأوروبية بتأثير من الكنيسة الكاثوليكية. وقد يرجع سبب هذه الكراهية لليهود من قبل المجتمع الأوروبي هو تسلط العائلات اليهودية الثرية في عالم الاقتصاد وخاصة مع ظهور الرأسمالية.

وقد استغلت اللاسامية من أجل الترويج للمشروع الاستعماري الإحلالي الصهيوني. ومن المعروف بأن الصهيونية تبنت مشروع تخليص اليهود من المجتمعات الأوروبية. وكان صعود اللاسامية في القرن العشرين واعتبار هذا العداء عملية تحريض لإسقاط شرعية دولة الاحتلال.

غير أن هذه الدولة قامت بمساعدة عظميات الدول عندما اعترفت بها.

والحقيقة أن العداء هو عداء لليهود لا للسامية لأن العرب ساميون. وإذا نظرنا إلى غالبية اليهود لوجدنا بأنهم لاساميون،ذلك لأنهم ينحدرون من أصول سكنت بحر قزوين ثم دخلت اليهودية في القرن العاشر الميلادي. ومن هؤلاء ينحدر اليهود المعروفين اليوم في دولة الاحتلال باسم (الاشكيناز) أما أولئك الذين عاشوا في الدول العربية فيطلق عليهم (سفارديم) ويقال بأن هؤلاء ينحدرون من بقايا بني إسرائيل.

ومن المعروف بأن اليهود عاشوا في كنف الدول الإسلامية مثل الأندلس الخلافة العثمانية حيث كان هناك تعايش بينهم وبين المسلمين لا يستطيع أحد إنكاره،لأن هذه حقيقة تاريخية ثابتة ولا لغط فيها. غير أن احتلال فلسطين في ٤٨ وما صاحبه من مجازر وتهجير وفظائع من قبل العصابات اليهودية أظهرت لدى العرب المشاعر المعادية لليهود لا للسامية. إذ كيف يعادي العرب أنفسهم وهم ساميون؟ وتعتبر أمريكا أكبر تجمع يهودي في العالم لأن اليهودي يجد فيها الدولة الأفضل له حتى من دولته المزعومة حيث يجد فيها التحرر المنشود له والأمن والاستقرار في حين شعورهم في بانخفاض نوعية الحياة في دولته. حيث أن جو بايدن المعروف بموقفه الداعم لليهود كان قد كشف عن استراتيجية إدارته الجديدة لمكافحة معاداة السامية.

لكن ما الذي يحدث اليوم خلال الحرب على غزة وما ترتكبه دولة الاحتلال من مجازر مروعة بحق المدنيين وتجاوز جميع الخطوط الحمراء وامتهان إنسانية الفلسطينيين في غزة، هل نحن أمام لاسامية تتكاثر بسرعة بين جمهور الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ما يحدث؟ فها هو وزير الخارجية جوش بول يستقيل بسبب نهج جو بايدن في الحرب الدائرة في غزة حيث قال أنه لا يستطيع دعم المزيد من المساعدات العسكرية الأمريكية لدولة الاحتلال.

كما توفي مواطن أمريكي يهودي في كاليفورنيا بعد مشاجرة مع متظاهر آخر مناصر لفلسطين.

كما أشارات تقديرات أن ٨٨% من التظاهرات على خلفية الحرب على غزة في الولايات المتحدة الأمريكية كانت داعمة لفلسطين.

فهل بالفعل أن الأمور ستنقلب ضد دولة اليهود في دولة تعتبر الداعم الرئيسي لها منذ 48 من خلال وعي الشعب الأمريكي الذي بدأت تنمو وتطل برأسها اللاسامية بشكل متزايد؟

***

بديعة النعيمي

 

1ــ لا أحترم من يستغل الظروف القاسية للمرأة، ليقتني عدد منهن، في زيجات متعددة المثالم، الى جانبهن هناك له، في كل زاوية أكثر من واحدة، فهو "زاني" مع سبق الأصرار، مهما كانت مكانته ومبرراته، هنا اجد نفسي، وجه لوجه مع ألحقيقة، ألتي لا يمكن لها، أن تهضم تلك ألمخالفات، كونها أكثر انحطاطاً من الكفر، أي عقل وعاطفة يجيزا بتلك الفضائح، وأين هي ألعقائد والأخلاق والشرائع من تلك (المثالب)، فالوعي ألبشري أصبح مختنقاً بها، وجاء ألوقت لرفع الأقنعة، عن زيف تاريخ الأكاذيب "المقدسة!!!"، وعبر ألمتواضع من معلوماتي، توصلت ألى قناعة راسخة، أن أغلب ألكتب ألمقدسة، مشحونة بالهوس ألذكوري، ومن يشرعن ويطبق بعض نصوصها اللامعقولة، لا يمكن له إلا أن يكون "مقدس سره" مخترقاً بخصيتيه، المحبة والوفاء وحسن العشرة واحترام الأمومة، فضائل لا يحترمها ألمغفل والمعتوه، والمرأة بالنسبة له، ليس إلا وجبة على سرير الأشتهاء، عاهات تاريخية تترفع عن فعلها ألبهائم، تاريخ مشوه لذكور ألبشر، ربما أجد موضوعية في نظرية، الفيلسوف (تشارلز داروين)، ربما فكر بتصنيف دعاة الأفتراس ألوحشي لأجساد ألنساء، على فصيلة ألقردة.

2 ــ قبل أعوام كتبت، إن ألمرأة ألتي تتعرض للترمل وضائقة ألعوز، وتعدد الأيتام وشحة الرزق، الى جانب تخلي الدولة والمجتمع عنها، تلك ضغوط إقتصادية ونفسية واجتماعية مدمرة، ترغم ألمرأة ألفقيرة، للتنازل عن جزء من كبرياء إنوثتها، والقبول أن تكون واحدة من مقتنيات ألرجل، أما ألذكر ألذي يتعامل مع صعوبة اوضاعها، بعقلية الأقتناء والأحتواء والأمتلاك ألمشين، فهو سادي معاق ومغفل بالمطلق، فالمرأة ألتي تتعرض للأجحاف، لابد أن تثأر لكسر كبرياء أنوثتها وهدر كرامة أسرتها، فتفتح بالمقابل، إختراقات مهينة في "سر مقدسه"، تزرع فوق سيماء زائف سجوده، قرون ألوضاعة، قد يخدع نفسه وهو ألمغفل أصلاً، ليتجنب رؤية فضاعاته على مرآة ألمجمع، فالضرات الأربعة، اللواتي تجمعهن نكبة ألعبودية، يشتركن أيضاً في تدمير شخصية الذكر وسمعته، وتمزيق شرفه وتشويه نفسيته ألمضطربة أصلاً.

3 ــ جل عمري وانا أبحث، عن فضيلة في تعدد ألزوجات، الى جانب عاهتي ألمتعة والمسيار، فلم أجد ما يقنعني، حتى ولو من بعيد، بعكسه فقد وجدته خللاً ذكورياً على الأرض، وأنحرافاً ترتبت عليه خروقات لا تحصى، لمنضومة ألقيم السماوية والأنسانية، خاصة بعد إن تخلت ألمرأة مجبرة، عن وظيفتها ومسؤليتها في تربية الأجيال، وأكتفت بالرضاعة، وأشباع رغبات الذكر، واقتنعت بقوة، أن الأمر لا يخلوا من الأجحاف والأنحراف، ألمغموس بأنعدام ألوفاء والأستغباء الذكوري، كيف لي أن اقتنع، بأمكانية تقسيم الحب على اربعة، وهو منظومة إنسانية، من الأحاسيس والمشاعر ونبل الأخلاق وألعواطف، وأقتنعت حد اليقين، أن أمراً غير سوياً كهذا، لا يمكن له أن يكون، قيمة سماوية يرضاها ألله، فأكتسب شكي بهكذا مهزلة، درجة الأحترام ألتام لعقلي، فأي كفر هنا، يمكن أن اُتهم به؟؟؟، إن لم يكن ذاته، كفر لمن شرعن وقدس ، تلك الخرافات الوضيعة.

4 ــ لا يمكن للرب أن يكون مسيساً، او منحازا لطرف على حساب الأخر، وهو الفضيلة ألمطلقة والعدل المستدام، وكذلك الأمن وألمحبة والتعايش والسلام، والرفاهية غير ألمنقوصة للأنسان، هذا الرب العظيم والرحمن الرحيم، والذي خلق الأنسان على احسن تقويم، كيف لا يكفر شرعنة، إذلال ألمرأة وأغتصاب حقوقها وثلم أدميتها، زوجة  كانت أو اُم أو اخت وأبنة، (حاشاه) لكنهم الوسطا لعبوا لعبتهم الكافرة علينا، استغفلونا وضحكوا على الذقون، أين أقف هنا، مع الرب أو مع من جعلوا دينه وقيمه، وظيفة للأرتزاق، ولكوني لا أرغب ان أكون كافراً، وقفت بوجوه الكفرة، من أعلى المحتال من ألمراجع والوسطاء، حتى آخر قناص وسياف وقاتل مجهول، في طبقتهم التي تمارس الأستثراء، على حساب ألرغيف الحافي لملايين ألفقراء، شخصياً مع ألله في محنته مع الوسطاء، أأمن به وحده، وغير معنياً، بما يكتبه ويصرح به من وظف أسمه ودينه، بغية الأستيلاء على السحت الحرام، عبر إختطاف السلطات والثروات والعقارات والنساء، والأكفر هو من تلوث بعذرية ألقاصرات، وتبقى قناعتي راسخة، إني لم ولن أكن كافراً، والكافر من يكفر الأخرين، ويلغي حقهم في الحياة، إنها ألسماحات، ترمي على الآخر (كفرها) دائها وتنسل.

***

حسن حاتم المذكور

16 /12 / 2023

 

على مر سنوات من التعليم والدراسة ونحن تلاميذ كالخامة البيضاء يكتب عليها الاستاذ ما يشاء إنطلاقاّ من المقولة الشائعة التعليم في الصخر كالنقش على الحجر، لهذا ولأسباب أخرى نجهلها كان أساتذة اللغة العربية يصرون على أن تاء التأنيث ساكنة وأحيانا لايجدون لها محلاّ من الإعراب، واحياناّ يعتبرونها حرفاّ زائداّ، متناسين ما لها من قيمة نحوية ولها قابلية تغيير الجملة من التذكير الى التأنيث، فهل كان استخفافاّ بالجنس الآخر أو إنتقاصاّ من قيمتهم بإعتبارهم ناقصات عقل ودين وهم يعدون نصف المجتمع لأنها خلقت من ضلع آدم كما يعاب عليهم بأنهم خلقوا من ضلع أعوج، لكن العشرة والحياة لاتحلو ولا تكتمل الاّ بهم، وكما يقول الشاعر فإن تاء التأنيث مدرسة إذا أعددتها أعددت جيلاّ طيب الأعراق، فماذا دهاكم أسكنمتوها وقيدتموها وكادت تصبح صفراّ على الشمال، هل لأنكم مجتمع ذكوري متعصب متناسين ما لها من حقوق وما عليها من واجبات، أم لكم غاية في نفس يعقوب قضاها ؟ حتى إستضعفتموها وكادت تتعرض لشتى أنواع العنف بحجج واهية .

ولكن بعد أن دخلت تاء التأنيث معترك الحياة وفكت قيدوها من الأسر الذي عاشته مئات السنين تحت رحمة السجانين وفي ظل القيود والأعراف والتقاليد الإجتماعية وإنطلاقها الى الفضاء الرحب من الديمقراطية بعد أن نالت قسطاّ من الحرية المقيدة خلال تحرير العراق من براثن الدكتاتورية المقيتة بعد أن تحملن شغف العيش والظلم على يد جلاوزة النظام البائد كتفاّ الى كتف مع أخيها الرجل، وبعد تشريع الدولة لقوانين تكفل حقوق تاء التأنيث بادرت الكثير منهن وإنخرطن متطوعات للدفاع عن حقوقهن المسلوبة في منظمات إنسانية ودولية بعد أن تدرجن في سلم التعليم ونافسن الرجل في أدق الإختصاصات الطبية والهندسية والإلكترونية والتعليمية لاسيما ونحن نعيش بعصر العولمة والتكنولوجيا الرقمية لتفتح الحياة العملية أبوابها على مصراعيها وتحتضنها للإستفادة من خبراتهن وتوظف خدماتهن للمصلحة العامة دون الإقتصار على الرجل فقط .

وبعد الحراك الشعبي الذي عم غالبية محافظات العراق بعد فشل الحكومات المتوالية على أداء دورها المناط بها، كان لتاء التأنيث دوراّ بارزاّ وفعالاّ في دعم ومساندة المتظاهرين السلميين في ساحات الإحتجاج بعد أن إنتفضت وشمرت عن سواعدها لتثبت لنفسها وللعالم أجمع بأنها ليست تلك التاء التي تعلمناها في المدرسة الإبتدائية ولم تسمح لنفسها ولا لغيرها أن تكون ساكنة كما أردتم لها لتحجيم دورها في المجتمع وتكون رقماّ هامشياّ يعد مع الأعداد فقط، لكنها رفعت صوتها ليكون مسموعاّ من قبل سياسي الصدفة الذين أحكموا قبضتهم على رقاب الشعب لسنوات خلت، لتبقى شامخة في سوح التظاهر وثائرة حرة ضد الطغمة الحاكمة التي عاثت في الأرض الفساد حيث كانت لها حصة الأسد من التهميش بعدم مشاركتها الفاعلة في العملية السياسية لعدم قناعتهم بطاقاتها وإمكانياتها وقدرتها على إدارة المؤسسة الإدارية، وستبقى تاء التأنيث حرة أبية تنادي بالتغييرالشامل لتأخذ مكانتها الطبيعية في المجتمع كما أرادت لنفسها وليس كما ارادوا لها أن تبقى ساكنة ولا محل لها من الإعراب .

***

حسن شنكالي

في ظل التحديات التي يواجهها الوطن برمته تبرز إلى الواجهه الوطنيه أهمية الدفاع عنه - أي الوطن - من الجميع وذلك من خلال التماسك والترابط ولم الشمل وسد الثغرات أمام المتربصين والمرجفين والحرص الشديد من التفكك.

والتنبُّه لـ(السُوس الخامس) التي تنخر عظم الداخل  بشائعاتٍ مغرضه هدفها شق الصف الوطني.. وتعبيد الطريق أمام الأعداء للعبور بكل أريحيه وعنجهيه خسيسه.. فهم بدافع العماله والإرتزاق سقطوا وانبطحوا ولا زالوا منبطحين إلى يومنا هذا..!؟

فالإنبطاح ميزتهم والإرتزاق ديدنهم والتبرير أداتهم واللف والدوران إطارهم..وإهاب الحرباء ثوب سياستهم ..(فاحذروهم )هم العدو وحذائه.. وأداته.. قاتلهم الله (ولا أصلح لهم حال)!

***

محمد ثابت السميعي - اليمن

دولة الاحتلال الدولة الوحيدة التي قامت على أشلاء شعب آخر بفضل قرار من الأمم المتحدة. ومن المعلوم أن هذه الدولة منذ قيامها خاضت عدة حروب بدءا من حرب ٤٨ وانتهاءا بحربها على غزة ٢٠٢٣.

من الطبيعي لدولة قامت بوعد بريطاني لشعب غير مرتبط، تم تجميعه من الشتات بذريعة المحرقة "الهولوكوست" المزعومة،الورقة الرابحة بيد اليهود ورقم الستة مليون الذي تم وضع قانون خاص له عام ١٩٩٠أطلق عليه جيسو وينص على المعاقبة بالحبس لمدة سنة واحدة مع توقيع غرامة مالية كبيرة لكل من ينكر وقوع المحرقة النازية لليهود (الهولوكوست) باعتبارها تندرج ضمن الجرائم المرتبكة ضد الإنسانية" أن لا تحظى بالاستقرار لأنه وحسب المثل الذي يقول لا يضيع حق وراءه مطالب. والحق هو فلسطين أما المطالب فهو الشعب الفلسطيني. وبالتالي فإن هذه الدولة ستظل متورطة بمصادمات عسكرية وعمليات فدائية داخل الأرض التي ادعت ملكيتها وحتى خارجها وفي جميع أنحاء العالم واقصد هنا تلك العمليات التي نفذها فدائيون خارج فلسطين من أجل أن يثبتوا لليهود والعالم الذي اعترف بوجودها بان الفلسطيني موجود لم ينسى أرضه ومستمر بالثأر حتى ذلك اليوم الذي سيسترد الارض.

وعودا إلى تورطها بعدة حروب بعضها بدافع البقاء مثل حرب ٤٨ وبعضها استفزازيا بدافع التوسع مثل ٥٦ و ٦٧ ثم حروبها في لبنان بحجة القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وسلامة الجليل وأهداف أخرى مثل الاستيلاء على مياه نهر الليطاني التي تحتاجها الدولة بشدة وغيرها من الأهداف التي لا تخفى على البعض.ثم حربها على الفلسطينيين أثناء الانتفاضة الأولى والثانية وأخيرا سلسلة حروبها على غزة بحجة التخلص من حماس التي تقلق راحتها بصواريخها التي تطلقها من حين لآخر تأديبا لدولة الاحتلال الفاشية التي لا تشبع من الدم الفلسطيني ثم الاستيلاء على غزة وخيرات بحرها وأرضها بالإضافة إلى أهداف أخرى.

وانتهاء في حربها على غزة ٢٠٢٣.. والسؤال الذي يطرح، هل قصرت هذه الحروب عمر دولة الاحتلال؟

الإجابة من وجهة نظري الخاصة هي نعم. لكن كيف؟

الإجابة سأضعها في نقاط ساذكر من خلالها الخسائر المتتالية لهذه الدولة.

أولا: الخسائر الاقتصادية ..لقد تكبدت دولة الاحتلال خسائر اقتصادية في كافة القطاعات حيث خسرت مليارات الدولارات بالإضافة إلى عجز في الميزانية.

ثانيا: الخسائر العسكرية سواء على المستوى البشري (الجنود والضباط) والآليات.

ثالثا: الخسائر السياسية بما فيها الانقسامات بين المعسكرات.

رابعا: المشاكل الأمنية.

خامسا: اختلال الميزان الديمغرافي بسبب الهجرات العكسية.

 سادسا: وهو الأهم الرأي العام الدولي حيث يعتبر من العناصر الرئيسية بالنسبة لدولة الاحتلال ،فهذه الدولة لم تكن لتقم كما ذكرت في مقالات سابقة أنه لولا الانتداب البريطاني أعقاب الحرب العالمية الأولى ما قامت ولا حصلت على الدعم الأمريكي أعقاب الحرب العالمية الثانية ولا حتى حصلت على التعويضات من ألمانيا الغربية

ولم تكن ستحصل أيضا على الأسلحة من فرنسا وبريطانيا. فحدوث تغير في الرأي العام الدولي كالذي يحدث اليوم في حربها على غزة لن يتيح لها الدعم الذي ذكرته وستواجه وضعا نفسيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا أصعب من أن تتحمله وهذا سيؤدي إلى تقصير عمرها. وهذا ما نتمناه. ودولة الاحتلال في هذه الأيام برئيس وزارءها مشغولة بإطفاء حرائقها التي أشعلتها بأيديها.

***

بديعة النعيمي

‏سأل أحد الجنود نابليون بونابرت قبيل اندلاع معركة ''واترلو'': وهي «معركة فاصلة وقعت في قرية واترلوا قرب العاصمة البلجيكية بروكسل ....18يونيو 1815 » هل الله معنا نحن الكاثوليك أم مع البروتستانت؟؟.

فأجابه: الله مع صاحب المدفع الأكبر !! قال لي ذلك رجل لا يؤمن بالله ولايؤمن بأن الله ينصر من ينصره كما يعتقد أهل الإيمان والحقيقة ان ماقاله نابليون يُعبر بشكل دقيق وواقعي عن دوافع الحرب التي كان يخوضها والتي كانت تعبر عن خيار المُترف في دخول هذه الحرب فقد كان غازيا معتديا اثيما مدفوعا بهواجس المال والسلطة والاستحواذ. لذلك عليه أن يحتسب كل الاحتمالات المتعلقة بإدارة المعركة اقتصاديا واجتماعيا ولوجستيا، بما في ذلك حجم المدفع الذي سيضرب به ضحاياه وصولا إلى اتفه التفاصيل المتعلقة بانضباط الجند وجمال ملابسهم وقبعاتهم وخوذهم وربما ريش النعام المغروز في أعلى تلك القبعات الغازية المعتدية وعليه أيضا أن لاينسىالأوسمة والنياشين التي عليه أن يتقلدها احتفالا بالنصر !!! ... هذا طبعا اذا احتسبنا النصر بحسب دوافع الغازي أما ان احتسبناه بحسب المعيار الإنساني الأخلاقي فأن ذلك لايمكن إلا أن يوصف بأنه هزيمة فادحة أخلاقيا وانسانيا لذلك ولأن كلُ حقيقة ثابتة في ذاتها ولاتحتمل النسبية بحسب فهمي فأنك تجد أن حقيقة الهزيمة الأخلاقية. التي لحقت بالمجتمع الأمريكي بعد قصف هيروشيما وناكازاكي باقية وثابتة رغم أن المعتدي قد احتسبها نصرا عسكريا ولاكنه لايمكنه التصريح به أو الافتخار بل إنه مضطر للتغطية عليه منذ ٧٠ عام وغير ذلك من مئات الأمثلة لانتصارات الحقت العار بأصحابها رغم أنهم كانوا يمتلكون المدفع الأكبر ولكن الله تعالى لم ينصرهم بل اخزاهم ...

خيار المُضطر

أما من هو مضطر لدخول الحرب وخصوصاعندما يفقد كل الخيارات البديلة فأنه ليس مطالب ابدا بأن يكون صاحب المدفع الأكبر لكي ينصره الله لأن الأمر هنا يتعلق بدوافع دخول الحرب وبتعريف النصر حيث تصبح الارقام مقياسا ماديا سخيفا عند من يدافع عن أرضه ومصيره مضطرا وليس مختارا، لذلك فأن النظر إلى غزة من الاعلى والقول انظروا ماذا حل بغزة من جراء مغامرة حماس فإنه لابد أنه يطرح سيناريوا للاستسلام والخضوع والذل أو أنه من أنصار أصحاب المدفع الكبير الذين لا يؤمنون بالله

***

فاضل الجاروش

 

الصهيونية، فكر أيديولوجي سياسي يدعو إلى إنشاء وطن قومي لمجموعة دينية اجتماعية هي الشعب اليهودي، ويعتبر اليهودي النمساوي ثيودور هرتزلهو مؤسس الصهيونية السياسية التي تربط بين وضع الجماعة اليهودية القديمة والمزاعم الحديثة بالسيادة على الأرض اعتقادا بأن الإله وعد اليهود وأحفادهم بها،وترتكز أسطورة العِرْق المشترك أي العلاقات الثقافية وروابط الدّم على عملية تحويل العهد القديم إلى مرجعية تاريخية فعلية تقطع بأن الشعب اليهودي يشكل شعبا مختارا

تأسيساً على ميثاقه الفريد مع الله.

يذكرون أن الله وعد اليهود بالرجوعِ إلى موطنهم " التوراتي" واصفاً أولئك الذين سكنوه على امتداد القرون بـالغرباء أو الدخلاء، هذا الوهم العنصري عن وحدة اليهود وتميزهم يتناقض مع واقع شتاتهم الذي نتج عنه ممارسة اليهود طوال القرون الماضية شعائر وتقاليد دينية تختلف بعضها عن بعضها الآخر وذلك تبعا لمدى تأثرهم بثقافات ولغات وهويات عرقية وبقاعٍ جغرافية متنوعة حول العالم، لذا لا يحتاج تحويل تلك التعددية في شكلها المتنوع إلى قومية عقائدية استعمارية موحدة إلى أهمية تأسيس بنية عنصرية عرقية فحسب بل وإلى حتمية وجود أرض أو إقليم، فضلا عما أسماهُ عالم الاجتماع الألمانيماكسيميليان كارل إميل فيبر 1864ـ 1920 ضرورة "احتكار الاستخدام المشروع للقوة"فهو يعرف الدولة بأنها الكيان الذي يحتكر الاستعمال الشرعي للقوة الطبيعية، وهو ما استلزم وضع استراتيجية للقضاء على الغرباء وتجميع اليهود من دول العالم وتجنيدهم في المشروع الاستعماري، أما الفيلسوف النمساوي اليهودي مارتن بوبر (1965 – 1878) الذي يدعى بالعبرية  מָרְדֳּכַי، أي مردخايوالذي اشتهر بفلسفة الحرية فتوقّع أن الصهيونية ستكون مشروعاً يتطلب أساسا العنف والظلم والحرب إلى ما لانهاية، ويقر المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي بالعبريةאילן פפהالناشط الاشتراكي استاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكستير بالمملكة المتحدة وهو من مواليد مدينة حيفاـ فلسطين عام 1954أن قادة الصهاينة في القرن العشرين كانواعلى دراية تامة بأن تطبيق المشروع الصهيوني سيؤدي حتما إلىعملية تطهير عرقي وتهجيرقسري للسكان الأصليين الفلسطينيين، وينتمي إيلان إلى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، وسبق أن دعّم حملة مقاطعة اسرائيل عام 2005 داعيا إلى "إنهاء أفظع احتلال عرفه التاريخ الحديث"

ما نراه اليوم في الحرب الاسرائيلية الشرسة على قطاع غزة هو تجسيد للفكر الصهيوني يجري تطبيقه وفق مراحل ترسم سيناريو القتل والإبادة الجماعية والتهجير القسري للمواطنين لإخلاء قطاع غزة ثم الضفة الغربية من الفلسطينيين نحو صحراء سيناء غربا والأردن جنوبا على التوالي .

ويقوم سيناريو الحلم حسب مزاعم الصهاينة على مبدأ "التخريب " من خلال عملية "التفكيك الأخلاقي" والاسم يشرح نفسه أي أن معناه في ذاته ، هي مرحلة تستغرق من 15 إلى 20 سنة وهي فترة كافية للتأثير على جيل واحد من الأطفال والطلاب، هي فترة واحدة من حياة الإنسان يقضيها في التعلم الهادف إلى توجيه نظرته للحياة وتشكيل عقيدته وتحديد ملامح شخصيته، وتعتبر مجالات تطبيق مبدأ التخريب توضيحا لما يعنيه ذلك بالضبط:

ــ في المجال الديني، يدعو المخطط إلى استهداف أمرين أساسيين هما:

* تدمير الدين والسخرية منه، واستبداله بطوائف ضالة واستفزاز الميول الجنسية "المختلفة " التي تؤثر في السلوك فتصرف انتباه الناس عن الدين سواء عن قناعة منهم أو عن سذاجة فيهم ، المهم أن يحدث تأكل بطئ للعقيدة الدينية فيحدث الابتعاد عن الغرض الأسمى للدين الذي يسميه المخطط " إبقاء الناس على اتصال بالكيان الأعلى" ومنه يمكن أن يتحقق الغرض .

* صرف الناس عن العقيدة وعن كل ما يقوي الإيمان وجذبهم إلى اتباع معتقدات أخرى مختلفة ومتضاربة تخلق أجواء ملائمة لإثارة الشحناء وحمية الجاهلية ثم لوقوع الخلافات المذهبية الحادة وصولا إلى تفرقتهم وشق صف المؤمنين.

* استبدال الهيئات الشرعية القائمة والمنظمات الدينية المعتمدة بأخرى مزيفة لا تحكم بالمعلوم من الدين وتنشر البدع والأحاديث الدخيلة مستندة إلى مكانتها الدينية العليا في المجتمع من أجل توثيق أحكام منحرفة وصيغ شرعية أخرى بعيدة عن أصول الدين .

* إلهاء الطلاب عن تعلّم شيء مفيد وعملي وفعّال، واللجوء إلى توجيههم إلى تفضيل تعلم تاريخ الحروب الحديثة والأطعمة النباتية والاقتصاد المنزلي والثقافة الجنسية وكل شيء يمكن أن يشغلهم جنسيا بدلا من تعلم الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغات الأجنبية,

ــ في المجال الاجتماعي، محاولة استبدال المؤسسات الفاعلة والمنظمات الاجتماعية التقليدية القائمة  بمنظمات أخرى دخيلة ، مزيفة، تنزع المبادرات الخيرية من نفوس وضمائر الناس وتنزع عنهم الشعور الذاتي بالمسؤولية في الحفاظ على الروابط والصلات الطبيعية بين الأفراد والجماعات والمجتمع بأكمله ، ثم استبدالها بكيانات اصطناعية وبمجموعات أخرى في المجال التمثيلي لم ينتخبهم أحد مطلقا ، ولا يحبهم أحد من الناس ومع ذلك يبقون في مراكزهم وتراهم متمسكين بمناصبهم ، ومن هذه المجموعات وسائل الإعلام التي تملك الجرأة والقوة الاحتكارية على انتهاك العقول وتشكيل الرأي العام ، وإبراز من يرونه مناسبا من رؤساء الإدارات الحكومية المركزية ومديري المؤسسات الاقتصادية .. في تمرير مشاريعهم.

هذا هو أخطر درس صهيوني ما زال متواصلا في كيفية نسج مراحل التفكيك الأخلاقي لتدمير البشرية، ونكاد نلمس بصماته في واقع حياة بعض الشعوب العربية وغير العربية، والأهم أنه قد وجب الحرص والانتباه من الحلم الصهيوني المزعوم.

***

صبحة بغورة

 

كانت الخيارات التي فكر بها هيرتزل الصهيوني في نهايات القرن التاسع عشر بأن تكون وطن لليهود، سيناء أوغندا مدغشقر وغيرها، خيارات بعيدة عن أرض فلسطين التي ذكرت في العقيدة اليهودية على أنها أرض الميعاد. والصهيونية كونها حركة علمانية لم يكن يهمها موقع هذا الوطن فالمهم قطعة أرض. لكن مساعي هيرتزل باءت في الفشل. وطرحت عليه فلسطين التابعة للدولة العثمانية. حيث قام بزيارة لدولة الخلافة وعرض على السلطان عبد الحميد الثاني تسديد ديون الدولة بالإضافة إلى مبلغ خاص للسلطان. فكان رد السلطان عبد الحميد قوله المشهور (لا أستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة لأنها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي وقاتل أسلافي من أجل هذه الأرض ورووها بدمائهم فليحتفظ اليهود بملايينهم ،إذا مزقت دولتي من الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل ولكن لزم أن يبدأ التمزيق أولا في جثتنا) وبالفعل بدأ اليهود منذ ذلك الحين بخلخلة الخلافة العثمانية من خلال المخططات والدسائس وتم الاستيلاء على أرض فلسطين.

هيرتزل الذي تأثر بالفكر النتشيوي حيث فكرة (الإنسان الأعلى) عنده، فقد كان يرى أن الأخلاق إنما جعلت للضعفاء وأن كل فضيلة في القوة وكل رذيلة في الضعف.

 وهنا يقول عبد الوهاب المسيري في كتابه العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (أن البعد النتشوي في الفكر الصهيوني بعد أساسي). والصهيونية أيديولوجية أرادت تجميع يهود الشتات الذين يؤمنون بأخلاق الضعفاء وحولتهم إلى وحوش مفترسة تحسم كل القضايا بالقوة. ومن هنا فإن الصهيونية العلمانية تؤمن بأن الإنسان الأعلى هم اليهود والإنسان الأسفل هم العرب وهنا يحق من وجهة نظرها للأعلى أن يدوس الأسفل بكل الطرق المتاحة لتجعله الأعلى دائما. ولقد رأينا انعكاس هذه المرجعية من خلال المذابح التي ارتكبها الصهاينة في فلسطين في ٤٨ للحصول ذلك الوطن المزعوم حيث تحققت مساعي الصهيونية في إقامة دولة حديثة.

 لكن ما الذي يجعلها بعد حرب ٦٧ توسع حدود دولة الاحتلال؟ حيث أعاد هذا التوسع إلى أذهان اليهود ما تسمى "بارض إسرائيل الكاملة" وبهذا يكون اليهود بما فيهم الصهاينة قد عملوا على تنحية الصهيونية العلمانية جانبا. وقد غمرت الفرحة حينها شريحة المتدينين منهم والذين يؤمنون بأرض فلسطين الكاملة. وهنا برزت حركة (غوش إيمونيوم) المتعصبون وتحالفت مع الحركة العلمانية (أرض إسرائيل كاملة) لإقامة حركة استيطانية في المناطق العربية المحتلة. وبهذا تكون العقيدة اليهودية قد دخلت للسياسة اليهودية والنتيجة إبرام الحلف مع العلمانيين مؤيدي الاستيطان والذين أصبح عددهم لا بأس به في حزب العمل الحاكم آنذاك حيث كان المغزى من وراء ذلك تحريك الجهاز السياسي اليهودي يمينا نحو التعصب القومي وبالتالي ما يسمى بالتعصب الديني..فأين الحركة الصهيونية العلمانية ؟؟

وما تفعله اليوم دولة الاحتلال في حربها على غزة منذ ٧/ أكتوبر ٢٠٢٣ بقيادة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. هل يحمل أسباب التوسع وعقد النية على الاستيلاء عليها وبالتالي تنحية المتبقي من صهيونتهم العلمانية ولم يتبقى منها سوى جزئها النيتشوي؟

وتبقى الأسئلة مطروحة على على ساحة المعركة.

***

بديعة النعيمي

الوجود ومنذ الأزل تصارعت فيه الموجودات فانقرض ضعيفها وتواصل قويها، وبعد أن أجهز البشر على ما دونه من الأنواع، إنهمك في صراعات بينية في مملكة النوع الواحد، فنشبت الحروب والصراعات الدامية التي يتماحق فيها أبناء النوع الواحد.

والتنازع قانون ضابط للموجودات المادية والغير مادية، وينطبق على الإبداع بأنواعه، ففيه ما ينقرض أو ينتهي حال ولادته، ومنها ما يدوم فاعلا في حياة البشر ويؤثر في وعيهم وتفكيرهم.

ولهذا تجدنا أمام مبدعين ترسخوا في الوعي الإنساني وكأنهم يعيشون معنا، رغم أنهم قد رحلوا منذ قرون.

فلماذا تخلدوا في الذاكرة الإنسانية الجمعية، وتفاعلوا مع الأجيال وكأنهم قادتها في مسيرة البقاء والرقاء؟

من الواضح أنهم تواصلوا معنا بما قدموه من إبداع كالشعر والقصة والرواية والمسرحية والمقالة والكتاب، وغيرها من صنوف الإبداع الفكري القويم المالك لأسباب وعناصر الخلود.

فالقاسم المشترك بين ما يبقى حيا بعد موت صاحبه، أنه يكنز أفكارا جوهرية ذات طاقات روحية وجدانية ومنطلقات رحيبة الآفاق لا حدود لها.

وتتناول موضوعات إنسانية تهم كل البشر ومتفاعلة مع نبضات الروح، وإيقاعات النفس وفحواها وما يعتمل في دياجيرها.

ولهذا تجدها تنطلق من بركان فكري ثائر، يصيب جميع البشر الساعي فوق التراب، ومتواكبة مع إرادات العصور وتطلعاتها الدفاقة، المكتنزة بإمتدادات فياضة ذات مشاعل متأهبة لإيقاد أنوار الإنطلاق المشعشع الفتان.

إن البقاء الخالد له عناصره المتجانسة المتداخلة الفاعلة الدافعة إلى توالي الغايات للوصول إلى الغاية الكونية الكبرى.

ولا بد من تفاعل المفردات والأفكار والطاقات النفسية والوجدانية والروحية والفكرية والإدراكية في بودقة الصياغة والإنجاب، بعد أن يختمر الإبداع في رحم القدرة على التمثل والبناء، فلكل إبداع رحم يأويه، وعليه أن يولد بلا صراخ!!

***

د. صادق السامرائي

6\11\2021

 

  مع هوسِ صريخِ الحناجرِ على المَنابرِ كافةً، دينيةً كانت أم علمانيةً في أيامنا العراقية هذه لأزِّ النَّاسَ أزَّاً نحوَ سِيركِ الانتخابات

يحُقُّ لي كمواطنٍ هنا ان أدلي بهَوَسي في ذا شأن، وإذ رأيتُ خَيمةَ هذا السَّيركِ السَّمجِ في مناطقِ «الطَّائفةِ السّنيَّة» قدِ اتَّكأتْ بلِ ارتَكزت على أعمدةٍ عرجاء عوجاء أهمّها قاعدةٍ شَرعية تقول؛ «إنْ لمْ تَحصلْ على الكلِّ فلا تَتركِ الجُزءَ»، او هكذا هو ممَّا ترسبَ في ذِهني من نَصِّها، غيرَ إني أعلمُ قاعدةً هي أفصحُ منها وأنصحُ، تقول؛ «ما لا يُدرَكُ كلُّهُ لا يُتركُ جلُّهُ»

ويَقيناً أن لدى الطّائفةَ الشِّيعيَّةَ قواعدُ لأزِّ النَّاسِ مختلفةٌ أدهى، وربما أحلى وأعلى لكنِ الرَّايةُ السائدةُ للطائفتين تهرولُ تحتَ ذات الغاية وذاتِ القاعدة.

وإنَّما هذي القاعدة هيَ قانونُ حقٍّ أُريدَ بهِ لا أقولُ باطلاً بل أقول قانونُ «فَرهودَ»، إذ هي قاعدة بسِيفٍ ذي حَدين؛

- حدٌّ معلومٌ مفهومٌ ويَبعثُ بل ويُفجِّر في النُّفوسِ العِلمَ والعَملَ، ويُحفِّزُها للقَفزِ بتَتابعٍ مَحمودٍ تتراً نحوَ العلوِّ والسِّمو، ويمحقُ فيها اليأسَ والقُنوط.

- حدٌّ مَذمومٌ مَسمومٌ ويعبثُ بل ويٌدمِّرُ في الرُّؤوسِ العِلمَ والعَملَ، ويَستفزُّها للغَمزِ بتدافعٍ مَعمودٍ للدُنو والخنوِّ، ويُطلِقُ فيها اليأسَ والهُبوط.

وهذا الحدُّ المَسمومُ هو المسلولُ اليومَ حينما فهِمنا تهي قاعدة «إنْ لمْ تَحصلْ على الكلِّ فلا تَتركِ الجُزءَ» على أنَّها «إنْ لم تَحصَلْ على الشَّاةِ فلا تَتركِ الفُتات»، ولَعمريَ إن هذا لهوَ فهمٌ سقيمٌ بذيئٌ عقيمٌ دنيئٌ مردودٌ غيرُ مَحمودٍ؛ فهم «التَّهافتُ على الفَرهود» مِن قبلِ الرَّعيةِ والرُّعاةً. وإن كثيراً مِنَ النَّاسِ (النَّاخبين) قد فَهموا القاعدةَ فَهماً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ، لذلكَ تَرانا بكافة طوائفنا ومنذُ عَقدينِ في ديارِنا بلا كهرباءَ، وداخرين بلا ماءَ، صَاغرين بلا خدمات ولا دواءَ من زَاخو الى أبي الخَصيب، أو هكذا كنَّا نقولُ قبلَ أن يتبخَّرَ منّا قضاءُ «أبو الخَصيب». وهكذا أصبحَ -وبأسفٍ موجعٍ- مآلُ الحالِ اليومَ.

وكانَ قد فَهِمَ حدَّ ذا السَّيفِ المسموم مِن قبلِنا كلٌّ مِن؛ «السَّاداتُ» فتراهُ قد تَركَ مَسرى الرَّسولِ وهرولَ لاهثاً الى «كامبَ ديفيد» ورضيَ بفتاتِ سَيناءَ. وكذا فعلَ «ياسرُ عرفاتَ» لمَّا تركَ كلَّ فلسطينَ وهرولَ لاهثَاً الى «أوسلو» وارتَضى بخرقةِ عَلَمٍ على مكتبٍ خَشَبيٍّ في القُدس. وكذا فعلنا نَحنُ العربُ أجمعونَ إذ تركنا المَسجد الأقصى وهرولنا كقطيعٍ باحثٍ في « مَسالكِ التَّطبيع» وفَرِحنا حين المساء «بفتاتِ شَطيرةِ فلافلَ وسفنِ آبَّ ورنَّةِ موبايل»، وكلُّ ذلكَ مَرَدُّه الى فَهمٍ أبترٍ أغبرٍ أعوَرٍ لقانون الفرهود؛ « إنْ لمْ تَحصلْ على الكلِّ فلا تَتركِ الجُزءَ».

وهكذا فأنَّ أعمدةَ سيركِ الانتخاباتِ منذ 2003 تمايلت في ظلال ذاتِ الخيمةِ ما بينَ ..

«ويلكم أيُّها السُّنةُ إن لم تغمسوا سبابتَكم بالبنفسجي فقد جاءت ريحُ الفرسِ المجوس نابِحة»

«ويلكم أيُّها الشِّيعةُ إن لم تطمسوها بالمَحبرة فقد عادَت ريحُ البعث لناصيةِ الحكم ذابِحة»

وما بينَ حانةَ الفرس ومانةَ البعث ضاعَ البلدُ وضَاعَت معهُ شوارِبُنا ولحانا.

أفتلكم هيَ ديمقراطيةُ الأصوات أم تراها هي ديمقراطيةُ الفتاتِ في خيمةِ سيركٍ مجٍّ بالترّهاتِ سَمجٍ بالمتاهات، نراهُ على مضضٍ يتَكَرَّرُ كل بضع سنوات، متراقِصاً على أنغامٍ عُجافٍ وجراحات، وإذ المواطنُ يغدو في الدروبِ الى خيمةِ الصَعلكةِ ما بينَ فذلكات وبين دربكات.

وهنا لزاماً قد وجبَ القولُ ...

(لئن) ارتَضى أيُّ  مُرَشَّحٍ في تهي انتخاباتِ  لضَميرهِ أن يَتسَلَّمَ مرتبٍ شَهريٍّ يزيدُ على مرتَّبهِ قبلَ دخولهِ قبةَ التشريع أسوة ببقيةِ البرلمانات على وجه الارض كافة فهو إذاً لصٌّ بائنٌ بل هو قردٌ كائنٌ في سيركٍ مُحترفٍ للنَّطنطات.

ولا شكَّ أنَّهُ ما مِن معيارٍ لشرفِ المواطنةَ لدينا نحن الناخبون ولا ميزانَ لصدقِ شعاراتِ المُرشحِ بين أيدينا أبينُ وأدقُّ من هذه الجُملةِ الشَّرطيةِ المَجزومةِ في علمِ اللغويات.

ولا تثريبَ إن تبغدَدنا نحنُ النَّاخبونَ البسطاءُ على مرشَّحينا المُخلَصينَ المُخلِصينَ بمرتبٍ مضاعفٍ لمرتبهم قبل ولوجهم قُبَّةَ بركانِ الفلوسِ والكؤوسِ، قبةَ البرلمان المأنوس المَحروسِ أعني.

 وكانت تلك فضفضةُ مواطنٍ ضمنَ رأيٍ شخصي مردودٍ عليهِ إن كانَ ذا عوجٍ، وهلمّوا إخوةَ الوطن الى غرسِ ديمقراطيةٍ فيحاء وعرسِ عراقيةٍ سَمحاءَ تحت ظلال؛ «الفتاتُ ثمَّ الشاة» والعافيةُ درجات، فعرسُ اليومِ شَحمةٌ وعرسُ غدٍ لَحمةٌ ثمَّ جَسدُ الشَّاةِ سينسلخُ كلِّهِ في عرسٍ لا مُحالةَ آت، وقد فات حَناجرُ المنابر دينيةً كانت أم علمانيةً أنَّهُ لو فازا القريشيانِ «عُمرُ وعَليُّ» في تَهي انتخابات، لرأيناهُما؛ إمّا يفرونَ من القبَّةِ مذهولينَ في الفلاة، وإمّا ينحرفونَ عن الدين ويكفرون بالحياة، ورضي الله عنهما وهنيئاً لهما بمَقعد صدقٍ عند مليك مقتدر، فذلك هو خيرٌ لهما من مقعدٍ سُحتٍ معلنٍ غيرِ مستترٍ في بيتِ سيركِ مُتهرئٍ مُنقعر.

***

علي الجنابي- بغداد

 

من المعلوم أن يهود الشتات نهبوا أرض فلسطين وأصبحوا أغلبية بعد أن كانوا أقلية عام ٤٨ بعد أن ارتكبوا عشرات المجازر وهجروا قسرا وترهيبا آلاف الفلسطينيين. لكن الفلسطيني الذي لم ينسى أرضه كان يعود إليها متسللا إلى حقله او بيته عله يجد فيهما ما يسد به جوع أطفاله. ثم بعد ذلك تطور التسلل وأصبح فدائيا ينفذ الفلسطيني خلاله عمليات فدائية بهدف استعادة الارض، فكانت اللغة الوحيدة التي استخدمتها دولة الاحتلال معه هي لغة القوة بحجة الحفاظ على أمن الدولة الوليدة. وأصبحت هذه الحجة هي البقرة المقدسة التي يتذرع بها العدو لينفذ عملياته الانتقامية.

وفي الخمسينات والستينات نفذت قوات الدفاع اليهودية عمليات انتقامية ردا على هجمات الفدائيين ،وقد أمر رئيس الوزراء بن غوريون وقتها رئيس الأركان اليهودي موشيه ديان بشن غارات انتقامية كرد قوي على هجمات الفدائيين وكانت الرسالة أن أي هجوم على اليهود سيعقبه رد يهودي أقوى.

وفي محاضرة لموشيه ديان عام ١٩٥٥ قال( لا يمكننا منع قتل العمال في البساتين والعائلات النائمة في أسرتها ،لكن لدينا القدرة على تحديد ثمن باهض لسفك دمائنا).

وقد اقترح آرييل شارون تلك الفترة إنشاء وحدة كوماندوز تضم مجموعة من الإرهابيين اليهود المتعطشين للدم أطلق عليها الوحدة (١٠١) التي قال شارون عنها ( أنها صمدت خلال فترة قصيرة وأنه لا توجد مهمة لا يمكنها القيام بها وأن هذه المهمات ساعدت في تأمين حدود "إسرائيل") وقد قال هذا الكلام تعقيبا على المذبحة التي نفذتها هذه الوحدة في قرية قبيا حيث قتلوا قرابة السبعين فلسطينيا غالبيتهم من النساء والأطفال. وكان الهدف من هذه العملية الانتقامية كرد على عملية فدائية حين قام الفدائيون بإلقاء قنبلة داخل بيت كنياس قتلت فيها امرأة وطفليها. وعلى لسان شارون ما قاله أيضا في الوحدة ١٠١ ( لم يكتف المظليون بتنفيذ العمليات..ويمكننا القول أن أيديولوجية عمليات الانتقام تبلورت إلى درجة كبيرة في وحدة المظليين)

لكن هذه العمليات لم تردع الفلسطينيين بل زادتها وكبدت العدو ولا زالت تكبدهم الخسائر الفادحة.

وباسم هذه البقرة المقدسة يقتل العدو وينفذ عمليات انتقامية دون الكف عنها منذ ٤٨ وصولا إلى حروبها المتتالية على غزة وآخرها الحرب الحالية ٢٠٢٣ على غزة هدفهم القضاء على الشعب الفلسطيني هناك والتخلص منه ،وقد تذرعوا بعملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام وفصائل المقاومة عندما اقتحمت مستوطنات الغلاف ردا على الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى. وهنا بدأت عمليات العدو الانتقامية الإجرامية أيضا باسم بقرتهم المقدسة (أمن دولة الاحتلال) حيث لم يكتفوا بمجزرة ولا اثنتين بل نفذوا مئات المجازر ولا زالت إلى اليوم وقد دخلت الحرب شهرها الثالث.

وهنا سيقول العدو هم بدأوا فأقول لهم بل أنتم من بدأتم فمن الذي سرق الأرض من أصحابها في ٤٨؟

والآن نجدهم وقد تورطوا في حرب أقصى إنجازاتهم فيها قتل آلاف النساء والأطفال خلال القصف الجوي. أما معركتهم البرية مع الفصائل الفلسطينية فقد فشلوا فيها وتكبدوا مليارات الدولارات. وهذه النتيجة متوقعة لأن تاريخ اليهود حافل بالنقاط المسدودة وهو الآن آخذ بالتناقص ودولة اليهود مرت بعدة مراحل واليوم هي في مرحلتها الأخيرة ،ونتنياهو يسير بها بأقصى سرعة نحو نهايتها.

***

بديعة النعيمي

 

أراد غراب أن يقلد رشاقة سير طائر الحجلة، تعثر والتوت أعصابه وفشل في التقليد كما عجز عن العودة لخطواته الأصلية، هكذا أمريكا أرادت أن تتخلص من ماضيها الأسود وزمن الكاوبوي بادعاء نشر الديمقراطية والدعوة لحقوق الانسان، ولكنها خاضت الحروب تحت مبررات كاذبة ولأسباب واهية فلا هي حققت ادعاءاتها ولا هي أمكنها التراجع لكسب الاحترام الدولي.

لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية في الماضي طرفا في التفكير لإقامة وطن قومي لليهود، كما لم تشارك في اختيار فلسطين وطنا لهم عام 1948، ولكنها اليوم أصبحت يهودية أكثر من اليهود أنفسهم، فهي حريصة على أمن اسرائيل وحماية سلامتها، متمسكة بدعمها وضمان تفوقها العسكري على كل جيرانها العرب، تعزز نظامها السياسي وتنعش اقتصادها وتقيم معها علاقات تعاون علمي حديث وتكنولوجي متطور، وتؤيد احتلالها لفلسطين وأراض عربية أخرى، وتدفعها للحرب، ولا ترى غضاضة في معارضة المشاريع الأممية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة والضفة الغربية برغم إعلان اسرائيل أن هدفها القضاء على حركة المقاومة الإسلامية " حماس"، والحاصل هو القضاء على وجود شعب فلسطين بأكمله، وتهجير ما بقي من أرضه إلى خارج القطاع، إنه العقاب الجماعي والتهجير القسري تحت مبرر الدفاع عن النفس !

- منذ متى نسمع أن من حق عصابة مسلحة الادعاء بالدفاع عن النفس ضد مقاومة أصحاب أرض احتلتها هذه العصابات واغتصبتها منهم ؟!

-منذ متى نرى دولة تدّعي القيام بنشر وضمان السلام العالمي ثم تعارض علنا وبمفردها داخل مجلس الأمن الدولي مشروع وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية في غزة؟

- الرئيس الأمريكي بايدن يؤكد لو لم يكن لإسرائيل وجود، لأوجدناها !!واسرائيل حاليا تقوم على مدى أكثر من شهرين بعمليات عسكرية إجرامية واسعة لتصفية قضية شعب وهدم وتدمير مدنه ومستشفياته ومدارسه على رؤوس أطفاله وأبنائه، فهل حقا تريد أمريكا بالقتل تحقيق السلام لدول العالم؟ أم إنه الأمن المزعوم والاستقرار الوهمي.

لقد أذاق النظام الأمريكي أبناءه على مدى عشرات السنين الويل والعذاب في كوريا وفيتنام والصومال والعراق.. وقاست العائلات الأمريكية طويلا مرارة الفراق بعد مقتل أبنائها في حروب لا تدري سببها الحقيقي، ولا بأي ذنب قتل أبناؤها.

السياسةالأمريكية الإسرائيلية القائمة على الخداع والكذب تقود حتما إلى دائرة المنطق المقلوب، فلا شيء معقول في السياسة الأمريكية الخارجية، فهي تدعو إلى شيء ولا تلتزم هي به !تطالب المجتمع الدولي بمواقف ثم تتخذ موقف الضد منها خاصة في علاقتها بالكيان الصهيوني ! لا يمكن معاقبة شعب يدافع عن أرضه وعرضه، لا يمكن نكران حق أمة في الوجود لأنها تكافح من أجل استرداد حقها في وطنها، وفي الحياة، لا يمكن أن يدّعي طرف مغتصب الحق أن يدافع عن ما اغتصبه!

لقد أقام حثالة أوروبا وأسافلها وطنا لهم في الأراضي الجديدة على أنقاض أهلها الأصليين، الهنود، فلا عجب أن يكون التأييد الأمريكي لموقف الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مشابها، لذلك لا تريد أمريكا وقف إطلاق النار حتى يتسنى للكيان الصهيوني تمام إكمال مهمته بالسيطرة الكلية على الطريقة الأمريكية.

***

صبحة بغورة

إن اكبر عدو للمعرفة ليس الجهل.بل توهم المعرفة، بعد انتشار وتأثير شبكات التواصل الاجتماعي، وظهور مجموعات ممولة للترويج، أو للتسويق المجاني عن جهل أخطر من الشر الذي يمكن مواجهته، لطبقات هشة في الفكر عن مفاهيم السلطة، فالسلطة موجودة حيثما كنت حتي في الأشياء الصغيرة السلطة موجودة في الشارع والمواصلات وفي داخل المستشفيات وفي الشكل المعماري، وفي الحقل والمناهج الدراسية وفي النظام الجامعي، وفي اماكن العبادة واقسام الشرطة وحتي داخل الأسرة والأصدقاء والمحاكم وفي الحكاوي والاساطير والطقوس حتي الهواء والماء والكهرباء... والخ..، كما كانت نقط خلاف بين آراء الفلاسفة امثال الفيلسوف (فوكو، وموريس بلان).

نحن حتى اليوم نبحث عن السلطة في النظام السياسي فقط، مع أننا، شئنأ أم أبينا، موالاة أو معارضة، جزء جوهري من النظام السياسي والنظام الاجتماعي وهما يؤثران فينا اكثر مما نؤثر فيهما، بالخفاء او العلن، بالإكراه أو التلقين أو التكرار أو التشريع... والخ.

هذا ما كنا نقوله من قبل وبعد احداث الربيع العربي، للإننا نعيش في بيئة سياسية أمية سطحية بلا فكر ولا ثقافة عدا الشعارات المزيفة الرنانة والغوغائية والصبينية الشعبوية، في ظل هذا الوضع العام. والانهيار العام أمام موجة عارمة وقوية، سوف يقاوم هذه الظاهرة عدد قليل من المثقفين والكتاب، وهؤلاء، سيظهرون في محيط السقوط العام، والإبتذال والتداعي "كحفنة مجانين" في مواجهة تيار عارم من الشعبوية، بل سيجري وصفهم في المجتمع بالمجانين.

***

محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث مصري

 

ينقسم العراق الجديد إلى قسمين: واحد ينتظر الانتخابات وعطايا المرشحين الذين ستنتفخ جيبوبهم وأرصدتهم بعد أن يجلسوا على كرسي المحافظة، وآخر يعشق العراق ويرفض أن يشارك في لعبة الكراسي، ويحتقر الطائفية والهيمنة على مقدّرات البلاد.

وهناك بين هذا وذاك مَن يسمّى الأغلبية التي لا تهمها الانتخابات ولا اللافتات التي انتشرت في شوارع المدن العراقية، وصراخ المرشحين في الفضائيات، ولا يهمها من سيصبح رئيساً للبرلمان، فهي تعرف ان لا فرق بين المشهداني والنجيفي ولم يكن سليم الجبوري بأفضل من محمد الحلبوسي، فقط في القدرة على إثارة أجواء من المتعة، ولهذا استقبل العراقيون تداول اسم محمود المشهداني رئيساً للبرلمان العراقي بنوع من البهجة .. أتمنى أن لا يعتقد أحد من القراء الأعزاء أن لدي مشكلة شخصية مع السيد المشهداني، فالحمد لله أنا مثل ملايين العراقيين اتابعه من خلال شاشات الفضائيات، وأجد في تعليقاته التي أدت إلى إقالته نوعاً من أنواع الترفيه عن النفس وتعويضاً عن حالة الهم والغم التي تشيعها الأجواء السياسية، بل العكس أنا مدين للسيد المشهداني ومعه مجموعة من النواب أنهم السبب في استمرار هذه الزاوية في الصحيفة، وأيضا لهم الفضل في استمرار الكوميديا العراقية، وكان من آخر فصولها ما خرجت عليه تقارير المفوضية العليا للانتخابات حيث كشفت لنا مشكورة أن أكثر من 40 مرشحاً من أقرباء نواب ومسؤولين. حيث يظهر في قوائم الترشيح وجود 25 مرشحاً من أشقاء المسؤولين، و10 آخرين أبناء نواب ومحافظين، و9 أبناء عمومة وأزواج.وتتوزع هذه الترشيحات على مختلف القوائم التقليدية، وأبرزها دولة القانون، نبني، تقدم، وعزم، كذلك في القوائم المدنية.

شيء مفرح أن يدخل إلى ساحة الصراع على المكاسب والمغانم، أقارب نوابنا ومسؤولينا، فإذا كانت موازنات العراق على مدى 20 عاماً قد فرهدت، فلا بأس أن يستمر مسلسل الفرهود لعشرين عاماً قادمة .

عشنا خلال الأعوام الماضية مع سياسيين ومسؤولين رفعوا شعار" من خالفنا فهو خائن وعميل". ومزقت ستارة الوئام والوفاق الوطني.

أيها العراقيون اسمحوا لي أن أقترح عليكم اقتراحاً ربما ساذجاً: إنسوا صناديق الانتخابات، فهي لم تجلب لنا سوى البؤس وشعارات فارغة عن التنمية والإصلاح . وتعالوا نطالب بمسؤولين هدفهم بناء المستقبل، بدلاً من دعوتنا إلى الآخرة، تعالوا نتفق أنّ مجلس النواب مكان للخدمة العامة، وليس للصراخ والشتائم، وكلّ ذلك لا يحتاج إلى عشرات الأحزاب والآلاف المرشحين، ولا إلى صور محمد الصيهود، وإطلالة محمد الحلبوسي وتقلبات جمال الكربولي. يحتاج فقط إلى ساسة صادقين مع أنفسهم أولاً، هدفهم بناء وطن صحي، لامكان فيه لشعارات مزيفة.

***

علي حسين

هل أحبطت المقاومة أهداف اليهود الاستراتيجية في الشرق الأوسط؟

من المعلوم أن دولة الاحتلال ومنذ قيامها كان لها أهداف استراتيجية منها فرض هيمنتها على الشرق الأوسط. ففي تصريح أدلى به آرييل شارون عام ١٩٨١ بحديث نشر على نطاق واسع بين فيه أن دولته تهدف إلى مد نفوذها من موريتانيا إلى أفغانستان.

وخلال الدورة ال ٧٨ التي عقدت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر الماضي أي قبل عملية طوفان الأقصى بأيام ،ألقى رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو كلمة تمحورت حول آفاق وآثار التطبيع وما أسماه السلام مع الدول العربية ودوره في تغيير الشرق الأوسط حيث قام بعرض خريطة لم تشمل على أي ذكر لوجود دولة فلسطين وطغى اللون الأزرق الذي يحمل كلمة "إسرائيل" على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملة بما فيها قطاع غزة. ويبدو بأن دولة الاحتلال تحلم بأن تحتل لها مكانة كقوة عظمى يوضح ذلك مقارنة أهدافها بأهداف الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في اعتمادها على إدارة الردع وهو الخيار النووي. فدولة الاحتلال لديها الخيار النووي حاضرا في أي وقت يتهددها من طرف بعض الدول التي أصبح لديها نفوذ مثل إيران. وهي لن تكون قوة عظمى ما لم تفرض هيمنتها على الشرق الأوسط كله

لكن السؤال الذي يطرح نفسه وكنت قد تناولته في مقال سابق بعنوان هل نجحت الحركة الصهيونية في أن تكون حركة تحررية؟ فكانت الإجابة بأنها لم تنجح لأن دولة الاحتلال تعتمد على دعم غيرها من الدول العظمى.

فإذا كانت عظميات الدول تعتمد على أموالها الخاصة بصرف النظر عن مصدرها،لتطوير قدراتها النووية الخاصة مقارنة مع دولة الاحتلال التي تعتمد على الدعم الأمريكي بسبب الضغط الذي يمارسه اللوبي على الكونغرس.

ولو نظرنا الآن وبعد دخول الحرب على غزة شهرها الثالث وبعد ما ارتكبه جيش الاحتلال من مجازر بحق المدنيين إلى تصريحات بعض الدول بشأن دولة الاحتلال وخاصة تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن في تاريخ ١١/ ديسمبر من أن "إسرائيل" على حد قوله بدأت تفقد الدعم الدولي بقصفها لقطاع غزة. وقد علقت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية على هذه التصريحات معتبرة أنها تشير إلى بداية الانقسام بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال ينفجر إلى العلن.وأن تصريحات بايدن تمثل أكبر تغير في لغة الولايات المتحدة بشأن دولة الاحتلال منذ عملية طوفان الأقصى. لوجدنا أن المقاومة بفصائلها قد أحبطت مخطط الهيمنة على الأقل في الوقت الحالي بسبب العجز الذي تعاني منه دولة الاحتلال على جميع المستويات بسبب الخسائر الفادحة التي ألحقتها المقاومة بحكومة الاحتلال سواء كانت عسكرية أو بشرية كما ويضاف إلى هذه الخسائر خسائر من نوع مختلف حيث قالت القناة ١٢ العبرية أن العديد من "الإسرائيليين" قدموا طلبات لجوء إلى البرتغال في أعقاب عملية طوفان الأقصى وكانت سلطة الهجرة والسكان في دولة الاحتلال قد أظهرت أن نحو ٣٧٠ ألف يهودي غادروا منذ بدء العملية حتى نهاية نوفمبر. وهذه الخسارة تحبط مخططات حكومة اليمين في تعديل الميزان الديمغرافي لصالح دولة الاحتلال.

*** 

بديعة النعيمي

 

في المثقف اليوم