أقلام حرة
شاكر عبد موسى.. جيل الخمسينيات وجيل الستينيات
منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر!.
لا يزال العراقيون بشكل خاص، والعرب بشكل عام، يتوقون إلى اللحظات الجميلة التي سيتذكرونها دائما، محاولين الهروب من الواقع المرير الذي يعيشونه، وكأنهم نسوا المعاناة والألم لساعات طوال، وكأنهم يتعاطون الأفيون القادم من البوابة الشرقية.
وقد تحدثوا ليتذكروا حياتهم البسيطة والجميلة، المليئة بالبراءة والطيبة والسلام والحب، إن واقع الأزمة بكل أشكالها من مآس ومعاناة، التي يعيشها الشعب العراقي اليوم، يجعل الكثير من العراقيين يرغبون في العودة إلى الماضي القريب، إلى ما أسموه الزمن الجميل، ويخاطب هذا الجيل من خلال هذا العنوان الذي يحمل في طياته الكثير من المفاهيم الحضارية المتطورة والقيم والمبادئ السامية.
وفي الحقيقة، أنا كابن لهذا الجيل أرى أن هذا الجيل يمثل "جيل العمالقة" والذي يليه، هم جسر بين الماضي، أذ كان كل شيء جميل ومشرق، وبين الحاضر، أذ كان كل شيء مؤلم! وكما اختبر أبناء هذا الجيل جمال الحياة بكل معنى الكلمة وسلامها وحلاوتها وبهاءها، كذلك اختبر هذا الجيل أيدي الدولة وقوتها المبهرة، فذاقوا واختبروا مرارة الحياة، كل الحروب التي خاضوها منذ عام 1980 حتى الاحتلال الأمريكي للعراق عام/2003! أود أن أشير هنا إلى أن فترة الخمسينيات والستينيات ثم السبعينيات كانت في الواقع أوقاتا جميلة في العراق، قبل وصول دكتاتور العراق والأمة العربية (صدام حسين المجيد 1937-2006) وعائلته إلى سدة الحكم.
كما كان جيل الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي هما أكثر جيلين عايشا الأحداث التي هزت العراق من انقلابات عسكرية وتغيرات سريعة، ولم تمنع السياسات القمعية والسجن من قبل الحكومات المتعاقبة من التفاعل بين الجيلين، وأدت المحن المتكررة إلى أعمال إبداعية، كالصلابة النادرة للجيل الأول التي ذابت في نار الانقلاب العسكرية الدامية، وتأثر شباب الجيل الثاني في وقت سابق بآثارها.
النجاح والفشل: هناك من أفراد الجيلين الذين استطاعوا أن يحققوا نجاحات كبيرة في حياتهم المهنية والشخصية، سواء من كان منهم داخل العراق، ومن فضل الهجرة الى أوربا الشرقية المتمثلة بجمهوريات الاتحاد السوفيتي المنحل، أو أوربا الغربية وأمريكا وأستراليا، بينما هناك من عانو من الفشل والإحباط بسبب عدم تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم، نتيجة بقائهم في العراق والتحاقهم بصفوف الحزب القائد كرهاُ أو طمعاً .
الزواج والأسرة: يعيش بعض الأفراد حياة زوجية سعيدة ومستقرة، بينما يواجه آخرون مشاكل في العلاقات الزوجية والأسرة.
الحياة المهنية: هناك من حقق نجاحا كبيرا في حياته المهنية واستطاع تحقيق أهدافه الوظيفية وبقائه شمعة موقدة علمياً وفكرياً.
في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، كان هناك من هو مسكون بهاجس التحدي، يسعى من أجل الجديد، من أجل المثير، مسحورا بصيحات اللامعقول: وكيف كانت كتابات : مكسيم غوركي، وطه حسين، وحسين مردان، وسارتر، وغيرهم .. تجد صداها في ردود أفعال مشرعة لإظهار الغضب، والتمرد للتعبير عن حالة الجزع، وفساد الواقع، ولكن كمْ كان الخمسيون إذا صحت التسمية مخلصين لأصدقائهم، الجائع منهم يجد من يدعوه للطعام، وأكثر من مرة شهدت مقهى (النجماوي) في مدينتي (ميسان 365 كم جنوب شرق بغداد) تجمع الشباب من الذين يقرءون الصحف اليومية والمجلات قبل غروب الشمس كطريق الشعب والفكر الجديد، والثقافة الجديدة، كان صالح حدادا كنيهير وفاضل محمد صبر يدعوان الأصدقاء إلى وجبة عشاء في مطعم نادي نقابة المعلمين يوم استلام الراتب في (رأس الشهر).
كان أبناء جيلي مدفوعين بنفس الحلم، متبعين الخطى نفسها، وجدوا أنفسهم في النوادي الليلية حيث النقاش السياسي والثقافي دائر ليل نهار، تجد نفسك بينهم في معركة سحرية جميلة يشارك فيها العشرات من الشباب، كانوا هم من أدرك أن الثقافة ليس مجرد لعبة أيديولوجية كما كانت عند الآخرين، إنما هي حلم أكبر من ذلك، لديهم شعور بالاختلاف وامتلاك طاقات جديدة ينبغي أن تكون ثورية، بعد سلسلة من الخيبات والانكسارات السياسية التي أعقبت ردة شباط/ 1963، وأيضا على خلفية هزيمة حزيران/1967... وفشل تجربة الجبهة الوطنية، التي تركت بصمات قاتمة في أرواح أبناء ذلك الجيل، وشهدت انهيارات نفسية لعدد منهم.
إلا أن آراءهم حول الوضع العراقي مختلفة، بعد أن كانوا مقاتلين مسلحين، وفقد بعضهم زملائه على الخطوط الأمامية للمعركة أثناء الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988 )، وحرب الكويت 1991-2003).
واليوم في واقعنا المتردي، أصبح الحصول على عمل أبعد من الكواكب وأبعد من الثريا، وقد دفع ذلك الناس من جميع أنحاء البلاد إلى التظاهر والتحدث سرا وعلنا، وبالخصوص الأجيال التي دمرتهم الحروب والحصارات.
كذلك الخريجون الذين كانت عائلاتهم تأمل أن تحميهم من نكبات ومصائب الزمن، اكتشفوا بعد التخرج أنهم تعرضوا للخداع من قبل عوائلهم ولم يحالفهم الحظ في الحصول على وظيفة.
وحكومة الإطار التنسيقي اليوم وسابقاتها تواصل الاستماع إلى صرخات العاطلين ونحيبهم الحزين، لقد انتظرت جماهير الخريجين طويلا لكي تخرجهم هذه الحكومات من البطالة وتنقذهم من البؤس والموت، لكنهم لم يحصلوا إلا على وعود فارغة وربما تكون المشكلة بعيدة عن نطاقهم.
إن العمل الذي يغوص فيه الإنسان بأعماق الشقاء ويحتمل الشدائد، سيطرة عليه الكتل السياسية الحاكمة، وأخذه من كان تحت وطأة الخطيئة والفساد ولمن كان بحاجة إلى المحاكمة والسجن المؤبد، وهو الذي جعل نظام الإدارة والقيادة مختلا بكافة مفاصلها، في عراقنا الجديد.
وكما قال السيد محمد شياع السوداني- رئيس مجلس الوزراء في آخر تغريدة له (أن عمل المسؤول لأجل فئة دون أخرى دون أن يقدم خدمة لعموم المجتمع فتأكد أنه سيكون معطلا لعجلة تقدم الدولة ووبالا على المجتمع. ليس من يشتري لك (محولة كهرباء) كمن يسعى لك ببناء طاقة كهربائية ليستفد منها غالبية الناس. وليس من يتصدق عليك بكمية من التراب أو سيارة من الرمل كمن يعبد لك طريقا لك ولأطفالك بمئات الأمتار. وليس من يعين لك عشرة أبناء من عشيرتك كمن يشرع لك قانونا يتم فيه تعيين الآلاف من أبناء مدينتك وأولادك معا. وعندما يفتح المسؤول بابه لأمثاله من المسؤولين ويغلقه أمام الفقراء والمساكين. فمن الوعي أن أسعى لاقتلاعه من تفكيري وإن كان من أقرب الناس إلى. إن سببا الرزح تحت وطأة الفقر والحرمان والفوضوية. هو غياب الوعي في الاختيار وعقدة الفئوية والقبائلية والعشائرية والحزبية على حساب المبادئ والقيم وهو السبب الذي اصطنع الطبقات الفاسدة في عموم المجتمع والمؤسسات وفي أروقة السياسة. إذن فليكن لدينا الوعي الكافي والتشدد لاختيار من يمثلني مستقبلا).
***
شاكر عبد موسى/ العراق
كاتب وأعلامي