أقلام حرة
محمد الزموري: كيف تتجاوز الانفصال
			لا يهم إن كانت العلاقة قد استمرت عشر سنوات أو أربعة أشهر، ولا فرق إن كنت قد رأيت النهاية تقترب بخطى باردة أو سقطت عليك فجأة كبيانو من الطابق العاشر. عندما ينكسر الرابط العاطفي، لا ينهار القلب وحده؛ بل تنهار معه منظومة كاملة من المعنى. يصبح الواقع مشوشًا، وتضيع الإشارات، وكأن نظام تحديد المواقع العاطفي بداخلك قد تعطل فجأة، وتركك عالقًا في دوّارٍ لا مخارج له.
الانفصال ليس مجرد غياب شخص. إنه انسحاب التفاصيل الصغيرة التي صنعت عالمكما: الرسائل المضحكة على "واتساب"، الطقوس المسائية أمام "نتفليكس"، خطط المستقبل التي لم تولد بعد، والأحد الطويل الذي كان يعني شيئًا. كل ذلك يتلاشى، كأنه لم يكن. ويبقى دماغك في مواجهة قاسية مع الصمت الجديد، مضطرًا إلى إعادة برمجة نفسه لأن الحكاية التي كانت تنظم حياتك قد انتهت.
وما الذي نفعله نحن، حين يبدأ الألم في غزو المساحات؟ نهرب. ليس كحكماء الزِن، بل كمن فزعته النار. نبحث عن أي شيء يمنعنا من النظر إلى الداخل: علاقة جديدة، تطبيقات المواعدة، أو سيل لا ينتهي من فيديوهات "تيك توك" عند الثالثة صباحًا. أي شيء... إلا الفراغ.
لكن الحزن، هذا الغريب العنيد، لا يقبل أن يُهزم في معركة واحدة. هو ليس مشكلة لحلّها بعد الظهر، بل عملية. متعرجة. فوضوية. إنسانية. يومٌ في سلام، وآخر تغرق فيه دموعك لأن أغنية معينة انطلقت في سوبرماركت. ليس للحزن منطق. هو عاصفة ذات طقس متقلب.
الخطأ الأكبر هو أن نخلط بين الراحة والتعافي. أن تجف دموعك لا يعني أنك تجاوزت. أحيانًا نعتقد أننا تجاوزنا، حتى تفتح إشعارًا، أو تصادف صورة، ويهوي قلبك من جديد. لا بأس. هذا طبيعي. لست محطمًا... بل في الطريق.
في جلسات العلاج، أرى وجوهًا تتشبث بالألم كما لو كان طوق نجاة في زلزال. يعيدون قراءة الرسائل القديمة، يستحضرون المشاهد مرارًا، يبحثون عن "السبب" ليطمئنوا. لكن الحقيقة؟ لا يُتجاوز الانفصال بالعثور على الإجابات... بل بالتصالح مع غيابها. لا بالنسيان، بل بتعلم ألا تنزف كلما مرّ طيف الذكرى.
أسوأ فخ هو "الإدمان العاطفي". قد لا تكون مدمنًا على من أحببت، لكن عقلك، الذي يكره التغيير أكثر من كره القطط للماء، يرتبك. لأنك بنيت جزءًا منك حول ذاك الشخص، وعندما يرحل، تترنح هويتك. تختلط مشاعر الفقد بقلق الوحدة، وتتشكل العاصفة الكاملة.
ما الحل؟ لا سحر، ولا وصفة سريعة. بل وقت، وتعاطف، وقرارات صغيرة تتكرر. أولها: دع نفسك تحزن. ابكِ، تحسر، تذكر، ولا تخجل من فقد ما كان. أن تفتقد، لا يعني أنك ترغب بالعودة، بل أنك ما زلت تتعلّم كيف تودّع.
وثانيها: لا "تدير" مشاعرك كما تُدير بريدك الإلكتروني. الحزن ليس مشكلة... بل رسالة. استمع. عقلك يخبرك أن شيئًا عميقًا قد تغيّر.
وثالثًا: توقف عن البحث عن "زر المرور". لا يوجد وقت معياري لتجاوز القلب المكسور. من يخبرك أن الأمر ينتهي خلال ثلاثة أشهر، قد يعتقد أيضًا أن الأبراج علم. كل روح لها توقيتها، وجرحها، وطريقتها في الشفاء. لا تقارن نفسك... فذلك حمل إضافي على حقيبة ظهرك.
الحياة لا تعود كما كانت. لكن يمكنك أن تعود أنت. لا كما كنت، بل كنسخة أكثر وعيًا بذاتها. بعد الانفصال، لا تستعيد فقط روتينك، بل تعيد بناء خريطتك الداخلية: من أنت دون ذاك الآخر؟ وهذا، رغم ألمه، فرصة نادرة.
لكن إياك أن تقع في فخ "التمكين السطحي": لا الأمر يتعلق بيوغا صباحية وعبارات من نوع "أنا كافٍ"، ولا بحيل تحفيزية. بل بتعاطف هادئ مع النفس، وسقوط متكرر، ونهضات غير مكتملة. فحتى حين تظن أنك شُفيت، قد يصفعك طيف، ويُعيدك خطوة. لا بأس. عقلك لا يمحو، بل يعيد ترتيب الذكرى.
وإن كنتَ الآن في هذا النفق، فاعلم: أنت لا تفقد صوابك، بل أنت حزين. لا تحتاج للهرب... بل لبعض الوقت، وجرعة صغيرة من التوجيه، وقليل جدًا من القسوة على نفسك.
لأن أحدًا لا يخرج من جرح عاطفي كما دخله. لكن إن عبرت الألم دون أن تهرب، ستجد على الطرف الآخر نسخة جديدة منك... لم تعد بحاجة لاختصارات كي تبقى واقفة. وهذا، في عالم هش مثل عالمنا، ثورة كافية.
***
محمد إبراهيم الزموري






