أقلام حرة

صادق السامرائي: أعداء التأريخ!!

تقول زميلتي إن بعضهم يعيب عليها الإهتمام بتأريخ الطب العربي، ويحسبون ذلك نوع من الكتابات الخالية من الأهمية، وكأننا نكرر ما لا ينفع.
في العراق برز أكفاء وجهابذة في كتابة تأريخ الطب، وعلى رأسهم الدكتور كمال السامرائي في كتابه بجزأيه (مختصر تأريخ الطب العربي)، والدكتور محمود الحاج قاسم الذي تخصص بالموضوع ونشر العديد من المؤلفات، وهو من أهم المؤرخين المعاصرين للطب العربي، وغيرهم من البارعين المخلصين لمسيرتنا المعرقية، وما قدمته عقولنا من إبداعات علمية أصيلة.
إن محاربة التأريخ وتشويهه بدأت منذ أكثر من قرن، وقاد حملاتها بعض المستشرقين، وفقا لتوجهات إستعمارية ونوايا إلغائية، لتجريد الأمة من هويتها ومحق تأريخها، وإيهامها بأنها دموية وعليها أن تتواصل بسفك دماء وجودها، وتدمير حاضرها وتناسي مستقبلها، وقد أفلح المغرضون، ولا يزال المخلصون يقاومون ويتحدون دفع الأمة إلى خنادق الغياب والإنحطاط المرير.
التأريخ يعبّر عن جوهر المجتمعات البشرية، وما يُقدَم السلبي منه للأجيال، ويتم وبقصد إغفال الإيجابي المنير، فتأريخنا وفقا للمسار المنحرف، قتل وغزوات وتدمير وحرق مدن، فهو فعل سيف لا عقل، بينما تأريخ المجتمعات الأخرى فيه من المساوئ ما لا يخطر على بال، لكنها تطمر السلبي وتركز على الإيجابي وتطعم الأجيال ما يعزز وجودها، ويوقد إرادتها لتدفعها نحو المجد المعاصر المنير.
تأريخنا أرقى وأجمل من تأريخ الآخرين، فلماذا نلغي إشراقاته وإضافاته الساطعة، ونتمرغ بالداجيات الغابرات الحانقات، ونوهم الأجيال بأن تأريخنا بائس لعين؟
تحية لزميلتي التي تتمسك بالتعبير الأصدق عن تأريخ أمة، وهبت البشرية منطلقات الصيرورة الكبرى والكينونة الأسمى، فتأكدت رؤى ومحاولات أجدادنا في زمننا المعاصر البديع.
فلتتواصل الأقلام الحرة المخلصة، وبجرأة وتحدي وإصرار، الكتابة عن تأريخ أمتنا العلمي النوّار.
و"إن التأريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق"!!
***
د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم