أقلام ثقافية
يَحيَى غَازِي الأَميرِي: سباق التزلج الرياضي فاسالوبّيت (Vasaloppet)

بين الماضي والحاضر
في أول يوم (أحد) من شهر (أذار/ مارس) من كل عام يقام في السويد سباق التزلج الرياضي الريفي والذي يطلق عليه سباق فاسالوبّيت (Vasaloppet)K والذي بدأ اعتماده كسباق رياضي سنوي وتقليد شعبي منذ عام (1922) لغاية اليوم؛ يشارك في السباق ألاف المتسابقين من النساء والرجال ومن مختلف البلدان والاعمار.
وقد اتخذ هذا الاعتماد للسباق تكريماً لمؤسس المملكة السويدية الحديثة (الملك غوستاف فاسا Gustav Vasa) والمولود في السويد عام (1496م) والذي يعتبر أحد أهم ملوك السويد وله الدور المهم والبارز والكبير في استقلال السويد من سلطة مملكة الدنمارك؛ نصب ملكاً للسويد في (6 يونيو/ حزيران
ولهذا السباق الرياضي السنوي (فاسالوبّيت) قصة وحكايا رافقتها أحداث مهمة بتاريخ مملكة السويد!
فتشير مصادر التاريخ، في القرن السادس عشر الميلادي، كانت السويد جزءً من (أتحاد كالمر) وهذا الاتحاد كان يضم ثلاثة دول (إسكندنافية) وهي (السويد والدنمارك والنرويج) وجميعا تتبع حكم ملك الدنمارك (كريستيان الثاني) لم يكن السويديين راضين على حكم الملك الدنماركي، فحدثت اضطرابات كثيرة في السويد، لخلافات كبيرة بين الفصائل النبيلة السويدية والدنماركية حول من يحكم السويد.
وفي تلك الاثناء قاد أحد الحكام السويديين (ستين ستورة الأصغر) المقاومة ضد الدنماركيين، لكن هزمت قواته وخسر المعركة، لصالح ملك الدنمارك (كريستيان الثاني).
بعدها بفترة في نوفمبر من عام (1520) دعا ملك الدنمارك (كريستيان الثاني) عدد كبير من النبلاء السويديين وكذلك معهم رجال دين وقادة من الفرسان من السويديين لحفل احتفال أقامه في (ستوكهولم) بعد تتويجه ملكاً على السويد.
وعند حضورهم كان الملك (كريستيان الثاني) قد أعد خطة (مكيدة) لاعتقالهم جميعاً، وتم له ذلك، فأمر بإعدامهم جميعاً وكان من ضمن الحضور الذين تم اعتقالهم واعدامهم والد (غوستاف فاسا) النبيل والمستشار الملكي (إريك يوهانسون فاسا) ويقدر عدد من تم اعدامهم (بقطع رؤوسهم) بهذه المجزرة في (ساحة ستوكهولم الرئيسية) بأكثر من (80) شخصاً، تصف هذه الحادثة كثير من الكتابات السويدية بـ (حمام الدم) فقد تدفقت وسالت دمائهم في الساحة والشوارع!
فعل ملك الدنمارك (كريستيان الثاني) تلك المجزرة من اجل القضاء على (المقاومة السويدية) الثائرة ضد حكم الدنمارك لهم.
فيما يصف كتاب صغير (بين يديّ) مكتوب باللغة السويدية (القراءة السهلة) بعنوان (أنا، غوستاف فاسا) الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية عن حياة الملك (غوستاف فاسا) بقلم الكاتب السويدي (هانز بيترسون 1922- ت 2022) تتخلل صفحات الكتاب مجموعة من اللوحات الملونة التي تصور الاحداث التي مر بها، وفترة توليه منصب ملك السويد، الرسومات بريشة الفنان السويدي (جولي ليوناردسون) ففي الصفحة (11) من الكتاب يتحدث (غوستاف فاسا) عن المجزرة ويصف مشاعره اثناء ذلك اليوم (ترجمتها من اللغة السويدية إلى للغة العربية) يقول:
(حمام الدم في ستوكهولم
لقد كنت على حق في قلقي، وانتهت الحفلات الكبيرة في حمام دم.
تم قطع رأس والدي، في ساحة ستوكهولم الكبيرة، مع ثمانين رجلاً بارزاً أخرين،
تدفقت الدماء في الشوارع باتجاه سكيبسبرون.
تم نقل أختي مع والدتي وجدتي إلى سجن في الدنمارك.
من الصعب أن أصف غضبي ويأسي؛ مرة أخرى حنث كريستيان بوعوده.)
بعد المجزة صادر الملك (كريستيان الثاني) جميع ممتلكات النبلاء المعدومين، فيما كانت هنالك رود فعل غاضبة ومستنكرة زادت من حنق وغضب وكراهية الشعب السويدي ضد سلطة الدنمارك؛ فيما أستخدم (غوستاف فاسا) هذا السخط الجماهيري للتحشيد للثورة ضد الدنمارك.
بعد هذه المجزرة هرب (غوستاف فاسا) الى منطقة (دالارنا) وهي من المناطق الجبلية في السويد، وبدأ بتجميع قوات كجيش من الفلاحين والمقاتلين السويديين لقتال الدنماركيين.
خلال رحلة هروبه متخفياً من (القوات الدنماركية) التي تتعقبه، خلال هذه الفترة تحدث له أشياء وصعوبات عديدة، فالسلطات ملك الدنمارك وضعت مكافئة كبيرة لمن يرشدهم عليه.
في (دالارنا) وجد صعوبة ورفض في تقبل السكان للإنظام للمقاومة التي دعا اليها لتحرير السويد من قبضة الدنمارك، وعندما أيقن ان السكان ترفض مساعدته، دفعه ذلك للهروب والفرار نحو (النرويج) فغادرهم قاطعاً طريقاً خطراً جداً عبر الغابات والثلوج والبرد مستخدماً زلاجات الثلج.
وحدث بعد ذلك أن غيروا سكان (دالارنا) رأيهم واتفقوا بمساعدته ومساندته بعد أدراكهم على أهميته كقائد لهم، فقرروا دعمه والتخطيط لإبلاغه فأرسلوا أثنين من أفضل الرجال المتزلجين للحاق به وإعادته.
وعندما لحقوا به كان (غوستاف فاسا) كان قد قطع مسافة (90) كم ووصل لمدينة (سالين) فأعادوه معهم الى مدينة (مورا) وهي من الرحلات الخطرة عبر الجبال والغابات الكثيفة المغطاة بالثلوج.
فسارع (غوستاف فاسا) يعمل بجد وهمة وعزيمة بتنظيم مقاومة السويديين ضد الدنماركيين، والتي انتهت بانتصاره وتتويجه ملكًا عام (1523)
نعود لموضوع سباق التزلج الريفي على الثلج والذي أصبح تقليد رياضي سنوي وكذلك يخلد ذكر مؤسس مملكة السويد (الملك غوستاف فاسا) وكذلك يعد هذا السباق الآن (السباق الأكبر) في العالم.
صبيحة يوم الأحد (2 أذار/مارس 2025) عند الساعة الثامنة صباحاً انطلق حوالي (15800) مشاركاً في السباق، والذي يتنافس فيه المحترفون والهواة، بدأ السباق من قرية (بيرغا) التابعة لمدينة (سالين) حتى خط النهاية في مدينة (مورا) قاطعين مسافة (90) كم عبر الغابات والجبال والمنحدرات والثلوج والمسالك الصعبة، وفي طريق المتسابقين هنالك نقاط تفتيش سبع وتسمى (نقاط تفتيش فاسالوبيت الكلاسيكية ) موزعة على طول خط السباق؛ الأف من الناس جاءت لهذا المكان لتشجيع المتسابقين وللتفرج والنزهة والاستمتاع بهذا الحدث الكبير والذي يعد بحق (مهرجان شعبي) كما تطلق عليه الصحافة السويدية، وكذلك يتابع هذا السباق (المهرجان الشعبي) ملايين المشاهدين عبر محطات التلفاز الفضائية في مختلف انحاء العالم، وتشير الاحصائيات الى أن عدد المشاركين في هذا السباق منذ انطلاقه في عام (1922) لغاية نهاية هذا العام بـ (600) ألف متزلج، وهذا السباق هو رقم (101).
كنت اتابع من بيتي في (مالمو) عبر شاشة التلفاز بثاً مباشراً من قرية (بيرغا) التي أحشد بها ألاف المتسابقين والمتفرجين، وقائع هذا السباق، اغتنمت الفرصة وأخرجت من مكتبتي كتاب:
Jag, Gustav Vasa
لأعيد قراءته مستمتعاً بالمعلومات المهمة التي دونت في صفحاته عن تاريخ تأسيس مملكة السويد وحياة ونضال ملك السويد غوستاف فاسا.
في نهاية سباق التزلج الريفي الذي استمر قرابة الأربعة ساعات متتالية فاز بسباق الرجال:
المتسابق السويدي الشاب (ألفار ميلباك) بزمن قدره: 3.28.45
بفارق ثانية واحدة عن المتسابق الثاني، ويعد الفائز الأول (ألفار ميلباك) بهذه المسابقة لهذا العام أصغر فائز على الأطلاق منذ تأسيس هذا السباق، والذي يبلغ من العمر (18) عاماً و(345) يوماً.
فيما فازت بسباق النساء بطلة العالم والأولمبياد بسباقات التزلج المتسابقة السويدية (ستينا نيلسون) من مواليد (1993) والتي تشارك لأول مرة بهذا السباق، والتي فازت بزمن قدره: 3.54.00 بفارق كبير عن منافستها الثانية بخمسة دقائق.
***
يَحيَى غَازِي الأَميرِي
مالمو في 2025.03.03