أقلام ثقافية

ناجي ظاهر: لقاءان مع نبيل حيفاوي

ربطتني بالكاتب الصحفي الصديق الراحل نبيل عويضة، ابن مدينة حيفا، علاقة طيبة، وقد أعادني نبأ رحيله، في مثل هذه الأيام، من العام الماضي ٢٠٢٤ ، إلى ذكرى لقاءين معه، تمّا في حيفا. الأول، وهو في الواقع شمل عددًا مِن اللقاءات، جرى قبل أكثر من خمسين عامًا، والثاني، تمّ قبل حوالي الخمس سنوات، في ندوة أدبية أقيمت احتفاء بالكاتب الراحل محمد نفاع، ونتاجه الادبي السردي. فيما يلي سأتحدث عن هذين اللقاءين، لما ارتبط بهما مِن معان ثقافية شبابية دافئة، لم يُقلّل من دفئهما مُضيّ نحو نصف قرن من الزمان، بل زادهما حرارة ودفئًا والقًا.

اللقاء الأول: كما قُلت احتوى هذا اللقاء العديد من اللقاءات، وقد تمّ بداية، عندما قمنا انا والصديق الشاعر سيمون عيلوطي كعادتنا آنذاك، بزيارة مدينة حيفا، مدينة الصحافة الشيوعية في حينها / السبعينيات الأولى، وقد مررنا ضمن زيارات سريعة، في البداية على مكاتب صحيفة "الاتحاد"، وزرنا هناك الأصدقاء حنا إبراهيم، صليبيا خميس، علي عاشور، وبقية الأصدقاء، بعدها انتقلنا إلى مكاتب مجلة "الجديد"، للقاءٍ باتَ في حينها روتينيًا للشاعر سميح القاسم، في مكتب تحرير المجلة، وانتقلنا بعدها إلى مكاتب مجلة " الغد"، الشبابية، وكانت تلك الصحيفة والمجلتان، تقومان في منطقة متقاربة من حي وادي النسناس الحيفاوي.

عندما دخلنا مكاتب مجلة "الغد"، وكانت متواضعة نوعًا ما، استقبلنا أحد مُحرريّ المجلة الكاتب الفنان نبيل عويضة (1944- 4-9-2024). منذ اللحظات الأولى، شعرنا اننا نلتقي بإنسان يمكن ان يكون صديقًا مُقرّبًا، وقد كان يتدفّق حيوية وشبابا، راوح عمره الثلاثين، كان أكبر منّا قليلًا، وقد استقبلنا بحرارة، ما زلت استشعر دفئها حتى هذه الأيام، وتحدّث إلينا عن رسالة مجلة "الغد". أخبرنا أنه تمّ تأسيسها، حينها، قبل أكثر مِن عقد مِنَ الزمان (صدر العدد الأول منها عام 1962)، بختم مُحرّرها المسؤول توفيق طوبي، الشخصية السياسية الشيوعية المعروفة وعضو الكنسيت على مدار ناهز العشر دورات.  مما أذكره أن حديث نبيل لنا تواصل على مدار عدد من اللقاءات، تعرّفنا خلالها أكثر فأكثر، على المجلة وهيئة تحريرها، الصديق الراحل سالم جبران، والكاتب الصديق عودة بشارات امد الله في عمره وغيرهما من الشباب المتحمّس الطالع، وقد ردّد نبيل في جميع تلك اللقاءات، قوله إن مجلة "الغد"، أقيمت من أجل الشباب وتثقيفهم على المبادئ اليسارية الشيوعية، لهذا، كان يقول، مهمتنا ليست سهلة، وعلينا أن نكون حذرين في النشر، قريبين ومُقنعين لقطاع الشباب الذي يُعتبر الأهم في مجتمعنا العربي. مجلة "الغد"، هي مجلة الشباب وسوف نعمل على تطويرها طوال الوقت، سواء كان ذلك في صفحات الرياضة أو صفحات الفنّ والثقافة، وكان نبيل يستعمل كلمة الثقافة بدلًا من كلمة الادب الذي كان يعرف أنها تستهوينا، فالثقافة، كما أوضح، واسعة مترامية الأطراف وتشمل الادب وشتى ضروب الفنون الجميلة.

اللقاء الثاني والأخير: تكررت لقاءاتُنا بالمرحوم نبيل عويضة في مكاتب مجلة "الغد"، وتواصلت الاحاديث فيما بيننا وبينه، إلى أن صرفت المشاغل والهموم كلًا مّنا إلى ناحية، غير أن حبل المودة فيما بيننا بقي موصولًا ولم تنقطع له آصرة، لهذا كان اللقاء الأخير به، كما اذكر، يوم الخميس 18-9-2019 في احتفال "نادي حيفا الثقافي"، بالكاتب محمد نفاع واشهار كتابيه "غُبار الثلج" و"جبال الريح"، الصادرين في تلك الفترة ضمن منشورات راية الحيفاوية، بإدارة الكاتب الصحفي الصديق بشير شلش، أقول لهذا كان اللقاء به دافئًا، وأذكر أنني امتدحت على مسمع منه/ نبيل عويضة، جرأة الدكتورة علا عويضة في مناقشتها كتابي الكاتب المُحتفى به، سالكة نهج النقد الموضوعي، الذي يركّز على النص ويتغاضى قليلًا عن الشخص، فقد وجّهت الدكتورة علا بعضًا من الانتقادات إلى الكتابين وناقشتهما مُناقشة الغيّور القلق على ادبنا العربي في هذه البلاد، المحب له والراجي له كل تقدّم وازدها. يومها اتسع وجه نبيل عويضة، وأرسل ابتسامة جذلة، لم تتسبّب الأيام وتعاقب السنين في التأثير عليها، وإنما أبقتها في جوهرها، كما هي، ابتسامة رجل يحب الشباب ويرى فيهم المستقبل المضيء لشعبنا. واستمعت إلى نبيل وهو يقول بفخر لا حدود له، فخر أبٍ مُحّب ووادّ: علا عويضة هي ابنتي. هل أعجبتك محاضرتها. فهززت رأسي أن نعم، وافضت في امتداحها وكأنني أمتدح حُلمًا تحقّق لنا جميعا. حلم تحقق المُراد والمُرام.. حُلم الشباب.

رحم الله الصديق الراحل نبيل عويضة، فقد كان فنانًا وكاتبًا صحفيا شبابيًا، وقد أصدر في حياته كتابا واحدًا، حمّله عُنوانًا هو "خلجات"، وعبر في كتابه هذا عن كلّ ما خالج قلبه الكبير من محبة لكلّ ما هو شابّ، تقدمي، مشرق وجميل..

***

ناجي ظاهر

في المثقف اليوم