أقلام ثقافية
محمد الدسوقي: جفاف الإبداع في ثقافة الإتباع

الإبداع هو القدرة علي تصور أشياء جديدة، ومحاولة تطبيقها واقعاً، فمن وجهة نظرنا يلعب الخيال المتحرر من القيود الدور الرئيسي في التجربة الإبداعية، فالخيال بمثابة الحبل السُّرّي الذي يغذي جنين الإبداع بالغذاء، ولابد من توافر شروط عملية الإبداع وتوفير المَناخ المناسب له مثل ماذا؟ نستخلص بعض الشروط من وجهة نظرنا وهي:
الشرط الأول الحرية: بمعناها الواسع؛ فلن تنمو نبتة الإبداع في تربة مليئة بثقافة السعي وراء القطيع، وفرض القيود الفكرية، وتمارس علي الإنسان سُلطة التحكم في إتجاهاته الفكرية، فلن يري الإبداع النور في مُجتمعات أخذت ثقافة الإتباع الأعمي مبدأ لها، لإن الإبداع أشبه بطفل متحرر يتميز بخيال خصب، ونفس نقية لم تتلوث بعد من شوائب الحياة الروتينية التقليدية الراكدة .
عرّف الفيلسوف اليوناني سُقراط الحرية بأنها القدرة علي فعل الأفضل، اذن فكرة الأفضل أو الأحسن هو مصطلح جمالي إبداعي يحمل في جوفه فكرة التجديد التي هي الأخري، أصل الإبداع فلا إبداع بلا حرية .
الشرط الثاني: الذاتية فنلاحظ دائماً في شتي الفنون الإنسانية، أنها تتميز بالذاتية وهي قدرة الأفراد المُبدعين علي التعبير عن ذواتهم بطرق مختلفة، فنجد ذلك الإبداع في الفنون، فهو يعكس الذات الإنسانية التي تتميز بطابع التفرد .
الشرط الثالث: النظرة المابعدية أي ما بعد الشيء وهي النظرة المستقبلية، فلن نستطيع ممارسة الإبداع بدون تلك النظرة، فالذي يميز الشيء الجديد عن القديم هو أنه ليس مألوفاً، وهذا ما نجده علي سبيل المثال فكرة الميتاڤيرس في واقعنا المعاصر، وهي محاولة صنع عالم إفتراضي يستطيع فيه الإنسان أن يتحكم في الأشياء من خلال الحاسوب .
فإذا لم تتوافر الشروط السابقة، سيكون مصير المجتمعات هو الركود الفكري والإبداعي، ستجف أنهار الفكر من التجديد والتطوير، ونظل حبيسي شرنقة الإتباع الأعمي وتقديس طريق القطيع.
***
محمد أبو العباس الدسوقي