أقلام ثقافية

نهاد الحديثي: القلم وما يسطرون

لقد عرف البشر القلم منذ آلاف السنين بل يذهب الكثير من علماء تفسير القرآن الكريم أن القلم أول ما خلق الله سبحانه مستشهدين بعدد من الروايات واستدلوا بحديث عبادة بن الصامت الذي رواه الإمام أحمد وأبو داوُد والترمذي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال له اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، وقد كان للقلم دور كبير في توثيق تاريخ البشر سواء من الحضارة السومرية وألواح الطين والخط المسماري أو الحضارة الفرعونية وأقلام نبات القصب وورق البردي وما بين تطورات صناعته بين الألمان والإ نجليز ودخول اليابان على خط التصنيع للأقلام، حتى أصبح القلم اليوم قيمة رمزية فاخرة ، سواء كان القلم ذهبيا أو فضيا أو برونزيا فإن الأثر الذي يتركه الحبر في العقول هو الرهان، ولطالما صعب أو استحال قياس الأثر الإنساني للأعمال الفنية فإن التحدي الذي سيواجه النقاد في الجائزة كبير بلا شك؛ وهم أهل له. والأمر الأكثر إثارة هو الفجوة الحسية والمعرفية بين الأجيال وكيف يمكن تلبية ذائقة الجماهير الشابة التي تتغذى على الثقافات المختلفة والمتنوعة، وهل من الممكن أن تكون مثل هذه المبادرات العظيمة نقطة تحول في المجتمع لنشهد ولادة كُتاب محليين بمعايير عالمية؟ أو حتى صناعتهم لهذه المناسبة التاريخية

لقلم اهمية في القرآن الكريم، قوله تعالى اقسم بالقلم "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ، الذي بواسطته الناس يكتبون فينقشع الجهل ويستبدل بالعلم "الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وهذا شرف للعلم وتعلمه الذي له اثر على القلوب والعقول والدين وانارة البصائر ويميز الانسان عن غيره من المخلوقات باستخدامه اداة الكتابة. ويربط القلم هذه الاثار فقد قرن النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم الدين بالعقل حيث قال (انما يدرك الخير كله بالعقل ولا دين من لا عقل له). ومن القاب القلم مذيع العلم. وسورة القلم من السور المكية التي نزلت بعد سورة العلق وهذا يدل على ارتباط العلم بالقلم. وهي من اوائل سور القرآن التي نزلت التي منها سورة العلق وفيها اشارة الى اهمية القراءة وارتباط ذلك بالقلم فلولا القلم لما استطاع الانسان ان يقرأ. عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: ان اول شئ خلق الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة، ثم قال له اكتب، وفي تفسير لاية "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ" وهنالك ايات قرآنية اخرى تشير الى اهمية العلم "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ان القلم هو اللوح المحفوظ الذي تكتب فيه الملائكة اعمال الكائنات خيرا وشرا

للاسف بدأ الناس والادباء ورجال الصحافة وطلبة الجامعات يتخلون تدريجيا عن الكتابة بالأقلام في عصر التكنولوجيا، حتى صاروا يتوقعون مع ازدياد الاعتماد على تقنيات وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وبدأ الاستغناء عن الكتابة الورقية، وحلت مكانها اجهزة الكمبيوتر والموبايل والايباد، رغم ان الابحاث العلمية تؤكد أن استخدام الكتابة اليدوية في التعليم يعزز التفكير، وينشط الدماغ، المعلومات البصرية والحركية، التي يتم الحصول عليها من خلال حركات اليد التي يتم التحكم فيها بدقة عند استخدام القلم، تساهم بشكل كبير في أنماط الاتصال في الدماغ التي تعزز التعلم

ولعل هذه الحقبة الزمنية تعيد هيبة "القلم" وإعادة صياغة مواد تعليمية داعمة للكتابة، حيث يندر أن تجد في الجامعات لدينا مقررات خاصة بالكتابة، بل يمكنك أن تشاهد بالعين المجردة انهيار المنظومة اللغوية لدى بعض أفراد الأجيال القادمة خاصة من لا يتقنون لغتهم الأم ولا لغة أخرى عباراتهم مشوهة بدون معنى، وهذه بلا شك مسؤوليتنا جميعا. أخيرا، لا تتنازل عن قلمك ولا تجفف حبرك إن كان ما يخطه لا يروق للناس ولا تتخلى عن صفحتك حتى لا تجد عدوك يملأ عليك ما يريد.

سأل صحفيٌّ نجيب محفوظ كيف تكتب الرواية؟ فرد عليه فوراً بالورقة والقلم يا ابني، رُوي عن جرير أنه كان يتمرّغ في الصهريج وهو يعاني لحظات تصيُّد أبيات الشعر، وروي عن الجواهري أنه يصاب بنوع من اللوثة ولمسات الجنون حين ينهمك في كتابة الشعر إلى أن تلين الفكرة العنيدة (حسب كلمة السياب الذي روى أيضاً حالته مع ميلاد القصيدة)، مما يعني إن تصيُّد إيقاعات الشعر ومجازاته مثلها مثل تصيُّد حبكات الرواية، ومثل تصيد شوارد الأفكار، وكلها شوارد تقلق وتؤرّق وتشعل روح مُنشئها وتؤلمه بمثل ما تسهر عيون الخلق عليها بعد ذلك حسب المتنبي، وذلك بعد أن تستقل عن صاحبها وتطوف عوالم الحياة والناس، وينام صاحبها الذي قلق وتألم منها فتتولى إيلام القراء وتعذيب مشاعرهم وأفكارهم في تتبع شواردها ".

***

نهاد الحديثي

في المثقف اليوم