أقلام ثقافية

شمس الدين العوني: الفنانة التشكيلية هيفاء المديوني

أعمال فنية متعددة الأحجام والتقنيات

ما الذي يفضي بالكائن الى هذا الدرب من البحث والذهاب تجاه ثنايا الابداع قولا بالقلق والسؤال المقيم في الدواخل غير هذا النظر العميق تجاه العناصر والأشياء حيث دلال الفكرة وتلوينات دلالاتها .. وتلك البهجة العارمة في الشواسع أين تكمن أحلام الذات هذه المسافرة في الزمان والمكان تتقصد بث حيز من الاعتمال الدفين وفق مقتضيات الفن ونبل معانيه واستحقاقاته الجمالية والوجدانية...

من هنا وفي هذا المجال الطافح بالبحث عن الجديد ونزوعا نحو الابتكار حيث تتعانق الفنون وأحوالها لتبوح بالجامع فيها وبينها من وشائج الجمال والمعاني والبوح البديع نمضي مع الرسم والتلوين في اجتراح مخصوص لما هو ابداعي ودلالي في حيز من عيون الشعر العربي القديم ضمن سياق جمالي يقول بالمشترك الفني والشعري والتشكيلي نحو منطلقات مبثوثة في مساحات القماشة وبتقنيات مختلفة من الرسم والحفر والكولاج والحروفية والفيديو ..و غيرها فقط للالتقاء في ما هو دال بشعرأبي نواس  وفي قصيدة المغتسلة المفعمة بالصور والعمق البلاغي والحركة فكأن الفن في شموليته يستدعي التشكيل للقول بما في ذات الفنانة التشكيلية المعنية هنا من تنويع جمالي مواءمة وملاءمة للمعنى والذهاب به الى تنويعات مختلفة تقول بالنهاية بالروح المبحرة في شؤون الشعر وشجونه نحو التشكيل .

الفنانة المعنية هنا وبهذه العوالم من المغامرة الفنية التشكيلية هي الفنانة التشكيلية هيفاء المديوني  التي قدمت في سياق تجربتها الفنية ومنذ سنوات من مشاركاتها الفنية الفردية والجماعية بتونس وخارجها  حيزا من اقتراحاتها الفنية التشكيلية التي عبرت عن وجدانها الجمالي في تخير يشي بالذات واعتمالاتها وهي تحاور ذاتها والآخرين والعالم حيث اللوحة فضاء قول بالقيمة رمن التداعيات والضجيج...انها لعبة الفن في مواجهة السقوط المريب حيث الفنان يمضي مع الحالة ضد الآلة نحتا للقيمة وتقصدا للجمال. أعمال المعرض الجديد متعددة وتقدمها الفنانة التشكيلية هيفاء المديوني لجمهور الفن والابداع التشكيلي البصري ضمن عنوان لافت هو " زخات الشعر " وذلك برواق الفنون علي القرماسي للفترة من الخميس 30 ماي الجاري الى غاية يوم 13 جوان 2024..

في معرضها الشخصي هذا والذي يضم حوالي 26 عملا فنيا من أحجام مختلفة وكذلك التقنيات وفق عنوان دال هو " زخات الشعر " نجد عناوين متعددة منها " فتاة الريح " و"شعر بالحروفية " " ضوء الرجل " وامرأة النار " وانعكاس " و" امرأة الأرض " و" الطريق الى الذات " و" في الفضاء " والمرأة الزرقاء " وغيرها  ..

تتوغل في لوحات هذا المعرض ومختلف أعماله الفنية متأملا فتلمس تلك المسحة من شاعرية التعاطي تجاه الفكرة المحيل اليها عنوان هذا المعرض في استلهام الفنانة هيفاء الذي يجمع بين شعر أبي نواس والشعر المنسدل المتعدد الوظائف من القصيدة الى اللوحات..استلهام جمالي تمضي فيه المديوني مبرزة بلاغة الشعر والتلوين في تعبيرية تخيرتها وفق مرحلة جديدة من التعاطي الفني التشكيلي بعد تجربتها مع المعارض السابقة

عبر تقنيتها في التعاطي الجمالي في " زخات الشعر " ..

فنانة تمضي في سياق من البحث وفق ثيمات تنهل فيها من تفاصيل بها ألق الجمال شعرا وصورة وتخييلا تلون ما بدا من ابداعيتها بكثير من ذاتها الحالمة والتواقة نحو الاختلاف والرهافة ..و التأويل ..رهافة الشعر والرسم والتلوين و..تأويل مضاف لما اكتنزه تراثنا الشعري العربي القديب من جمال وابداع عبر عن بعضه الشاعر أبي نواس ..شعر منسدل يحوي كونه الجميل وشعر في هيجانه الرجيم وشعر في تجريدية حالمة وشعر ...و شعر متعدد الأحوال حيث الأنثى التي تبثه شيئا من دلالها وهيئاتها وهي تبرز طوعا وكرها كيفما عن للفنانة التشكيلية هيفاء المديوني أن تتمثلها في اللوحات والأعمال الفنية منها المابينغ والأكوارال والنحت والأكريليك وهي بالنهاية لعبة الفنانة في هذه العوالم الحالمة من الشعر والتشكيل وفق جماليات الانسدال والحركة والحضور البينو الدال في فضاءات اللوحة وبالفيديو ..انها أيضا تجربة جديدة تخوضها الفنانة هيفاء التي تقول عنها  :

"...أنّ شغفي الشخصي بالشعر العربي القديم، عموما، وقصيدة المغتسلة لأبي نواس، خصوصا، كانت المنطلق الأساسي وراء اختيار موضوع المعرض، فهي مُشبعة بالصور الشعرية الحكائيّة. لهذا أردت الخوض في مغامرة بحث في مضمار الفن التشكيلي منطلقة من فكرة وإمكانية تأثير الفنون وتأثّرها في ما بينها مراهنة على تأسيس عالم تشكيلي اسعي من خلاله الى الارتقاء لعالم أبي نواس بشكل خاص يقوم على فعل تطبيقي من خلال هذين البيتين بالخصوص :

(فَلَمَّا أَنْ قَضَـتْ وِطْرًا وَهَمَّـتْ

عَلى عَجَـلٍ لِتَـأْخُذَ بالـرِّدَاءِ

رَأَتْ شَخْص الرَّقِيْب على التَّدَاني

فَأَسْبَلَتِ الظَّـلاَمَ على الضِّيـاءِ

فَغَـابَ الصّبْحُ مِنْها تَحْتَ لَيْـلٍ

وَظَلَّ الـمَاءُ يَقْطُـرُ فَوْقَ مَـاءِ )..

و ما شدّني هو تلك الاستعارة التي تقوم على التقابل بين الظلام والضياء، الليل والصبح. فالظلام كناية على سواد شعرها، والضياء كناية على إشعاع لون بشرتها. كما أنّ وصف عملية التخفّي التي قامت بها المرأة عندما فوجئت بالرقيب ليعطينا الشاعر إيحاء بالحركة الكونية كما أشار توفيق بكار: " قد أبى الشاعر أن يقفل المشهد وجمال المرأة موشحا بكثافة الليل وسواده حجب الجسد في نشوة العناق مع الماء" .  ..وعلى أساس هذه الصورة الشعرية سعيت في معرضي زخات الشعر إلى ضبط رؤية تشكيلية خاصة، تستلهم مقوماتها من النص دون تجسيدٍ للصورة الحكائية ليكون المعرض منطلقا من عناصر ذكرت في النص الشعري : التجلي والتخفي من خلال "غاب الصبح منها تحت ليل" وسيكون الشكل والخلفية المساعد في تفعيل هذا المفهوم، التباين المعتم والمضيء من خلال "أسدلت الظلام على الضياء"، الخط والكتلة وما يترجم الشَّعر تشكيليا. فالغاية هي بناء هذا البحث على عدة خصائص ورموز تشكيلية، وبالتالي تكامل الفكر مع المادة..." .

أعمال متعددة هي خلاصة التجربة الجديدة للفنانة التشكيلية هيفاء المديوني التي تقدمها لجمهور الفن والابداع التشكيلي البصري ضمن عنوان لافت هو " زخات شعر " وذلك برواق الفنون علي القرماسي للفترة من الخميس 30 ماي الجاري الى غاية يوم 13 جوان 2024..

***

شمس الدين العوني

في المثقف اليوم