أقلام ثقافية
عبد الرضا حمد جاسم: رحلة دون تدخل في كتاب محمد الماغوط (12): مكوك الفضاء العربي
ناطق عربي: بعد ان هب الشعب العربي هبة الرجل الواحد وحصل على استقلاله بالعرق والدموع والدماء وطرد المستعمر الغاشم من بلادنا شر طرده وبعد ان اممنا القناة وجابهنا العدوان الثلاثي وسطرنا أروع آيات البطولة والفداء في حرب السويس، وبعد ان كسرنا احتكار السلاح واطلقنا شعار "نعادي من يعادينا ونصالح من يصالحنا.
وبعد ان اسقطنا "حلف بغداد" و"مبدأ ايزنهاور"" ومشروع جونسن" وارسينا قواعد عدم الانحياز وسياسة الحياد الإيجابي بعيدا عن هيمنة الدول الكبرى وبعد ان اطلقنا حركة التحرر العربي في المنطقة وراحت القلاع الرجعية تتهاوى تباعا تحت ضربات الشعوب في اسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية وبعد ان حشدنا طاقاتنا ونَّظمنا اعلامنا وبرامجنا على أساس ان إسرائيل مخلب قط الاستعمار وشوكة في خاصرة الوطن العربي وبعد ان انتظرناها من الشرق فجاءت من الغرب اطلقنا شعار " ما اُخذ بالقوة لا يُسترد الا بالقوة" وفوقه لاآت الخرطوم الثلاثة: لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات. وبعد ان تجاوزنا كل هذا في حرب أكتوبر حينما حررنا الإرادة العربية وحطمنا العُنجهية الإسرائيلية امام الملأ. وبعد ان قطعنا امدادات النفط عن الدول المؤيدة للعدوان، وجعلنا من زعمائها واقطاب صناعتها يهرعون الينا معتذرين متقربين متملقين. وبعد ان عايشنا العمل الفدائي ورعيناه بالمال والسلاح حتى استقام عوده واشتد ساعده براً وبحراً وجواً في جميع ارجاء المعمورة واعتلى منصة الأمم المتحدة، ارفع منبر دولي في العالم. وبعد ان وقفنا وقفتنا الغضوب من مبادرة السادات واتفاقيات كامب ديفيد واتفاقية الصلح المنفرد وعزلنا مصر شعبياً ورسمياً ونقلنا مقر الجامعة العربية من مصر الى تونس. وبعد ان اكدنا ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وانه لا صوت يعلو صوت المعركة .وبعد ان استوعبنا حرب لبنان ومنعنا إسرائيل من تحقيق أي من مخططاتها التوسعية نتيجة للتلاحم البطولي بين الشعبين اللبناني والفلسطيني امام الة الحرب الإسرائيلية المتعجرفة.
وبعد ان تفهمنا حرب الخليج وحصلنا على صفقة الأواكس المتطورة رغم جهود اللوبي الصهيوني داخل الكونكَرس الأمريكي وخارجه ومن معه من العناصر المؤثرة في مراكز التأثير في الإدارة الامريكية وبعد ان احتوينا خلافات المقاومة بعد خروجها من لبنان واكدنا على ديمقراطية القرار الفلسطيني وعلى عدم الاستئثار به من أي طرف كان.
وبعد ان تفهمنا واستوعبنا جميع مراحل الازمة في المنطقة عربياً وفلسطينياً ولبنانياً وخليجياً في قمة فاس وقفزنا قفزة نوعية في قمتها الثانية. وبعد ان طافت اللجمة السباعية المنبثقة عنه ارجاء العالم من أمريكا الى روسيا الى فرنسا الى بريطانيا الى الصين لشرح الموقف العربي وجوهر الصراع في المنطقة من جميع جوانبه ولوضع حد لجميع لممارسات إسرائيل العنصرية وأهدافها التوسعية، وبعد ان عرينا إسرائيل دولياً واوقعناها في عزلة خانقة بعد ان توصلنا مع حلفائنا الى اتخاذ القرار تلو القرار بطردها من الأمم المتحدة ومن معظم اللجان الثقافية والاقتصادية والتكنولوجيه المنبثقة عنها. وبعد ان لعبت الجماهير العربية من المحيط الى الخليج دورها الريادي في المعركة وقالت بلسان احزابها ونقاباتها ومنظماتها لا لمشروع ريغان كما قالتها من قبل لمشروع روجرز والقرارين 242 و334 ولكافة الحلول الاستسلامية والطروحات التصفوية. وبعد ان لعبت الصحافة العربية المقيمة والمهاجرة دورها الحضاري في طرح الحقائق الموضوعية ولتعرية الصهيونية العالمية ثقافياً واعلامياً واعلانياً وبعد ان لعب البترول العربي دوره القيادي والمتميز سياسياً واقتصادياً وصحافياً وفكرياً وفنياً وتلفزيونياً على الصعيد الإقليمي والدولي لرأب الصدع وتوفير الجهد العربي للنهوض بمسؤولياته في المعركة وبعد ان أكدنا على هذا الاتجاه امام مؤتمرات القمة ومجموعة دول عدم الانحياز ومنظمة الوحد الافريقية والمؤتمر الإسلامي في كولومبو وندوة الحوار العربي ـ الأوربي الأوروبي وحوار البحر المتوسط في مالطا وفي جميع المحافل والمناسبات الدولية منذ مؤتمر كلاسبورو بين الشرق والغرب الى المؤتمر الأخير بين الشمال والجنوب
عابر سبيل: وبعد كل هذه اللفة والدورة سنجلس على الخازوق المُعَدْ لنا منذ عام 1948.
***
التالية (13) المواطن والكلب.
عبد الرضا حمد جاسم
..........................
* من كتاب: سأخون بلدي لمحمد الماغوط