أقلام ثقافية

توفيق التونجي: "محطة لاثنين" والحبيب الأول

"رب صدفة خير من ألف ميعاد"

"محطة لشخصين " فلم روسي من حقبة جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، القصة بعرض كوميدي يلتقي فيه حبيبان فقط في محطة قطار ولترات متكررة. كنت مع إخواني ندرس نحن الثلاث في جامعات بوخارست في الحقبة الاشتراكية قبل اكثر من أربعون عاما خلت وعلى حساب الوالد الشخصي وتلك كانت من الأمور الصعبة جدا لان الدولة العراقية كانت ترفض ان تستمر في دراستي العالية والعودة إلى الالتحاق باتون الحرب التي كانت دائرة مع الجارة ايران. وكان الله في عون المرحوم الوالد الذي تحملنا في تلك الأيام دون ان نمد يدنا لأحد ونحتاج .

كنت طالب الدكتوراه الوحيد الذي لم أغير موضوع رسالتي للدكتوراه واستمرت في البحث حول العراق فيما توجه العديد من الطلبة تغير عناوين أطروحاتهم إلى مواضيع عامة تفاديا من شحه المعلومات العلمية وصعوبة الحصول عليها من عراق تلك الأيام. نظرية الصدفة غير رياضية ولا يمكن حسابها كرقم رياضي ولا يمكنً كذلكً برهان صحتها ولكنها احتمالية ووقعوها قد يغير مجرى حياتنا.

الصفة ليست اختيارية بل تاتي بشكل غير مدروس ومخطط كنت قبل سنوات في زيارة الى تركيا لألتقي بإخوتي وقررنا الذهاب الى مدينة قونيا العاصمة التاريخية لسلاجقة الروم لزيارة مرقد الشاعر المتصوف مولانا جلال الدين الرومي البلخي وبعد الزيارة تجولنا في الساحة الملحقة بالمرقد واذا بزوجتي تخبرني بانها رأت احدى المعارف الساكنين في مدينة سويدية ولم نلتقي بهم بعقد من الزمان. تعجبنا لهذه المصادفة الغريبة حقا. يقول المثل التركي: "

يلتقي الجبال فكيف بالبشر" 

الصدفة تجمع قلوب البشر ولها تاثير سحري على مسار حياتنا ومن محاسن الصدف في حياتي في لقائي لام أولادي قبل اكثر من اربع عقود. كنت لا ازال ادرس في الجامعة في تركيا حينً قرر بعض من أصدقاء السفر الى رومانيا في نهاية العطلة الصيفية وطبعا وافقت على فكرتهم واستقبلنا قطار الشرق باتجاه بلغاريا ثم انتقلنا الى قطار اخر متجه الى بوخارست عاصمة رومانيا الاشتراكية آنذاك وكانت تكنى ب "باريس " اوربا الشرقية وكانت كذلك من نظافة وعمران شبيه بتلك البنايات في باريس وحتى قوس النصر وحياة باربسية تراه في رواد المقاهي واكل كل اللذيذ من المعجنات والأكلات ناهيك عن كونها كانت رخيصة جدا لحامل العملة الصعبة من الدولارات.

بعد جهد جهيد تمكنا من ايجاد مكان سكن اصحابنا في احدى مجمعات القسم الداخلي للطلبة حيث قضينا ليلتنا الاولى في بيت احد طلاب كلية الطب واسمه "جالاك " الذي كان كريما معنا واوانا تلك الليلة جزاه الله خيرا ولنلتقي بعدها بالعديد من الأصدقاء. ونحن جالسون في غرفة صديقي العزيز احمد وزوجته الرومانية دانا فاذا بالباب يفتح وخلفها كانت شابه شبيه تماما ب دانا اي اختها التوئم رحبت بنا بسرعة واختفت بعد ثوان. بعد ثماني سنوات وانا احضر لرسالة الدكتوراه في بوخارست شهدت فتاة صغيرة في العمر تصطحب طفلا صغيرا معها عرفت اسمها فيما بعد "سيلفيا " وقد انجبت الطفل من احد الطلبة العرب ولا ادري ان كان اردنيا أم سوريا وعلى الأكثر اسمه "عدنان " يدرس في الجامعة في احدى مدن رومانيا كانت تسير وتنظر الينا وسط العاصمة عند الحديقة الملحقة بأكاديمية المعمارية مقابل المسرح الوطني (البناء القديم) والذي جدد لاحقا . لكني كعادتي لمً اهتم بهاً مثلما اهتمام اخي الدكتور الذي كان برفقتي المهم انه تواعد معها كي يلتقيان عند المساء واقترحت ان تاتي مع احدى صديقاتها.

لم اكن انوي المجيئ الى المدينة ذلك المساء لاننا كنا نسكن في حي "دروموالتابرى " على اطراف المدينة حيث كنا نستأجر شقة سكنية بالعملة الصعبة. مخلص الكلام رجعت مع اخي في المساء والى نفس المكان وجلست على احدى المصطبات دون ان ارفق اخي الى مكان اللقاء. جاء اخي من بعيد بمعية فتاتين وعرفت احداها من ملامحها وتقدمت وقلت لها كيف انت دانا وكيف هو صحة احمد.

تعجبت الفتاة وقالت "دانا " هي أختي التوأم كيف تعرفها. بعد ان تبادلنا أطراف الحديث ذهبنا معا لمشاهدة فلم "محطة لاثنين " الذي ذكرته في بداية مقالي هذا. طبعا عرفتم انها زوجتي ام شيرين ولا تزال دانا واحمد يعيشان معا في كندا ومنذ اكثر من خمس عقود.

الصدفة تلعب دورا أساسيا في تغير مجرى حياتنا أحيانا وقد وصلنا اليوم إلى عائلة تضم اكثر من أربعون شخصا نعيش جميعا في مملكة السويد بحرية وأمان.

***

د. توفيق رفيق التونجي - الأندلس

 ٢٠٢٥

في المثقف اليوم