أقلام ثقافية
سهام حمودة: قراءة في كتاب "يعيش النظام" للأديب اللبناني محمد إقبال حرب

يعيش النظام!.. تقرأ العنوان فتعتقد أنه كتاب يمجد النظام. كتاب لا يحبه من لا يحب السياسة مثلي. وبعد تردد قصير جداً، تقرر أن أكتشف ما فيه. فعنوانه يشي بما فيه: السياسة... كم أكره السياسة! لكن أؤكد لك، أيها القارئ، بعد قراءتي للكتاب أنه قرار أحمق كنت سأتخذه لو لم أكن مترجمة هذا الكتاب. فمن عاداتي السيئة، وأنا قارئة نهمة، أن أختار الكتاب من عنوانه أو من غلافه، فأي متعة أدبية كنت سأفوتها على نفسي لو لم أقرأ هذا الكتاب؟
أعددت كوبًا من القهوة التركية اللذيذة وأحضرت كعكًا كثيرًا، ثم استقبلت وجهة القراءة... في الحقيقة، لم أعرف أين ذهب كل الكعك الذي أحضرته أو متى أنهيت شرب قهوتي، فلقد انغمست عقلًا وروحًا وجسدًا في القصة الأولى من الكتاب، ثم الثانية، فالثالثة. يا الله، لقد وقعت في حب "يعيش النظام" هذا!
كنت قد قرأت رواية "الحقيقة" للأديب اللبناني محمد إقبال حرب، ونلت من قراءتها الفائدة والمتعة. وما لاحظته عند استكشاف عالم "يعيش النظام" هو أن الكاتب لم يستعمل نفس القلم الذي كتب به رواية "الحقيقة" رغم أن كلا الكتابين يحملان نفس الروح الثورية. فهي حكايات ثورية تعري جسد الحياة المتعفن، وإن بدت حكايات تقطر واقعية، وهو ما يبقي شعور الملل بعيدًا عن القارئ. إذ هي طعنة في قلب الإبداع إذا أعاد الكاتب نفسه في كل كتاب يكتبه.
كما تجدر الإشارة إلى أن المواضيع التي طرحها دكتور محمد إقبال حرب قيمة وحساسة، متغلغلة في الوجود الإنساني. هي مواضيع لا يمتلك جميع الكتاب الشجاعة لإماطة التراب عنها، ومع ذلك فقد تناولها بأسلوب جريء شيق، فيه أحيانًا من السخرية اللاذعة التي تدفعك إلى الضحك والتدبر في آن واحد. أذكر على سبيل المثال قصتي "المزاد" و"عذراء إلى الأبد"، فرغم أن القصتين تكشفان ما يحدث خلف خيام التنظيمات الإرهابية في جهادها الدموي باسم الدين، إلا أنك لن تستطيع منع نفسك من الضحك. فالأسلوب في رسم الشخصيات وتعبيرها عن أفكارها ومشاعرها بالكلمات طريف جدًا.
نعم، عند قراءة "يعيش النظام"، ستستمتع وستتعلم وستتدبر وستخاف وستدمع عيناك... مشاعر شتى قوية ستجتاحك. ومن القصص التي أثرت في نفسي قصة سمير، ذلك الكاتب الذي تحول إلى كلب آدمي في سجون النظام... في الحقيقة، وأنا أترجم القصة، لم أستطع أن أكمل ما تبقى منها من أجزاء. تركتها جانبًا لبضع أيام قبل أن أعود لأنهي مهمتي، فرسم المعاناة في السجون العربية كان مخيفًا جدًا، وما حدث في صيدنايا بسوريا نقل تلك القصة حرفيًا.
أحيانًا أتساءل كيف يستطيع الكاتب أن يتنبأ بأحداث لم تقع بعد أو أحداث مخفية أم أن بصيرته لا تشبه بصيرة الآخرين. وإن سألتني عن قصتي المفضلة، فسأخبرك بأنني أحببت كل القصص جدا وأحببت قصة "قرابين التخمة" جدا. بعد أن تقرأ الكتاب ستفهم ما أقصد، فكل القصص في "يعيش النظام" جميلة تنهمر من النهر المعرفي الثري للكاتب. هناك في الكتاب كل شيء من كل شيء، هو كتاب بعيد كل البعد عن السطحية الفكرية والفراغ الثقافي، كتاب ستفتخر لأنه يزين مكتبتك... المجد للكتابة!
***
سهام حمودة