أقلام ثقافية
شمس الدين العوني: الفنانة د. ليندا عبد اللطيف.. عن التجربة والمعرض الشخصي
الخروج عن العلاقة المعهودة بالخزف والطين الى حالة من الابداعية المحيلة الى شعرية ناعمة بينة وظاهرة في الأشكال.. تجربة ومعارض في تونس وخارجها وأعمال بكثير من الاحساس والبعد الانساني حيث التقاء أفكار ورؤية واضحة في مدى اللعبة الفنية وجمالياتها...
الفن.. هذا السفر العميق في الزمان والمكان وفق نظر بعين القلب لا بعين الوجه تماما كالحلم.. انها فكرة الذهاب بكثيرمن شجن الذات وشغف الكينونة تأصيلا للكيان.. و ماذا لوكان هذا التخير الفني مجالا شاسعا للتشكيل واللعب مع المادة وبها في تعدد لأحوال هذا التعاطي مثل الأطفال ببراءة نادرة..
هكذا هي الفكرة الجمالية لفنانتنا التي تخيرة من سنوات في شواسع الفنون البصرية التشكيلية الذهاب في الدروب الصعبة نحتا للقيمة... القيمة الجمالية والرمزية حيث الأشكال في تعدد هيئاتها بحسب التصور والقدرة التخييلية فالفن هنا وعندها هذا التجريب الواعي والحارق بأسئلته وحيرة تفاصيله وشجن عناصره في كون من التعدد والتسارع والتغير.. و اذن كيف للفنان أن يمنح الفكرة أطوارها الجديدة والمختلفة والمعبرة في عمق عن الاعتمالات وما يحف بها حيث المادة المتطلبة لجدلية التعاطي فيما يشبه الحوار.. بل هو عين الحوار المقام بين الذات الفنانة والمادة عنوان وعنصر وموضوع المنجز الفني.. و هكذا...
و هذا ما أخذنا الى تجربة الفنانة التي نعني وهي في سياق هذه الاشتغالات والاعتمالات الفنية وضمن تجربة التعاطي الفني الدلالي والرمزي و... الشاعري مع السيراميك.. تدعك المادة تحاورها وتحاولها استنباطا واستقراء ومحاورة في حميمية نادرة.. تدعك شيئا من روحها طينا وتعيد القول مرات بسؤالها المقيم فيها حول الشكل ومبتكراته خروجا عن العلاقة المعهودة بالخزف والطين والصلصال الى حالة من الابداعية المحيلة الى شعرية ناعمة بينة وظاهرة في الأشكال في مساحات وفضاءات وأطر متعددة كأن يتعدد ذلك بين الاطار المغلق لتكوين وحدة جمالية متعددة العناصر او في اطار تماما كاللوحات حيث يتراءى للمتقبل جمال العمل مثل اللوحة في الجدار ولكن في خروج عن الصورة المسطحة ليبرز العمل بحركته وخروجه عن ما هو مألوف في الاطار على غرار القماشة...
ابداعية متعددة في الأشكال وجمالياتها الدالة بتعدد القراءات والتأويل.. انه لعبة الجنون الناعم في تعاطي الفنانة مع المادة قولا بالبحث والذهاب الى الجمال المبثوث في الأرجاء استعارة وحوارا فكأنما الأعمال ترغب في البث... تبث أصواتها وبريق ألقها وجمالها بما هي ترجمان أحوال الفنانة الخزافة المواصلة لنهجها الفني الذي تقصدته من عقود..
والفنانة هنا هي ليندا عبد اللطيف التي أخذت جمهور الفن التشكيلي الى عوالم أخرى من تجربتها حيث السيراميك مجال شاسع لفكرتها اليانعة منذ سنوات والتي تقودها في أطوار مختلفة الى ما ترنو اليه كفنانة حالمة في حوارها مع المادة شكلا وجمالا وموسيقة وكلمات مبثوث مثل قصائد عالية تخرج من طين المعنى.. من صلصال الكلمات..
ليندا عبد اللطيف عبرت عن هذا جيدا وبوعي الفن في نشاطها وتجربتها ومعارضها ومنها هذا المعرض النوعي برواق كاليستي بسكرة الذي انتظم في الفترة من 13 أفريل الى 04 من شهر ماي الجاري ليضم عددا مهما نت أعمالها المميزة جماليا ودلاليا لتعبيريتها الباذخة عن عمق تجربة فنانة جادة مع ذاتها والمادة والمنجز.. هذا المعرض نال اعجاب المتقبل حيث شهد زيارات للفنانين التشكيليين والنقاد والأكاديميين وأحباء الفنون ورواد الفضاء الجميل ونعني رواق كاليستي.
أعمال فنية بها تفاعلات مع المادة بين التطويع والتفاعل والمقاومة والتقبل وما يحيل الى نص من الرغبة والحركة والفعل حيث الأنامل تترك فعلها البريء والمتقصد في الطين ومجمل المواد في نزوع نحو التأليف الجمالي وهكذا كانت المنجزات الفنية متعددة الهيئات والاشكال في تناغم لحظة العمل المضنية مع الذات وأحوالها وتفاعلاتها في تقابل عضوي حي ومن ثمة يكون العمل مكتسبا لسرديته الجمالية ودلالات تفاصيله.. انها أعمال بمثابة نصوص..
تجربة ومعارض وأعمال بكثير من الاحساس والبعد الانساني حيث التقاء أفكار ورؤية واضحة في مدى اللعبة الفنية التي كان من مظاهرها الرائقة هذا المعرض برواق كاليستي ونشير بالمناسبة الى تنوع مشاركات ليندا عبد اللطيف في فعاليات وأنشطة فنية تشكيلية وثقافية بتونس وخارجها حيث المعارض الفردية والجماعية ومنها نشير الى عملها الرائق والجميل في قصر خير الدين ضمن الصالون السنوي لاتحاد الفنانين التشكيليين أفريل 2024 والذي تميز بجمالياته الفائقة وصار بمثابة التنصيبة الخزفية والمعبرة عن قوتها ودلالاتها وعنفوان بوحها الاستيطيقي...
الفنانة لينده عبد اللّطيف حاصلة على الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون في الفنون عن " مشكلات هيمنة السواد في بعض الممارسات التشكيلية الغربية الحديثة والمعاصرة: النهج التشكيلي والجمالي " وقد كانت مشاركاتها عديدة في المعارض والصالونات الوطنيّة والدوليّة، وهي تدرّس بمعهد الفنون الجميلة بتونس اضافة الى ادارتها لعديد الورشات مع الفنانين والشبان وهي أيضا عضو بلجنة تحكيم دوليّة بالأكاديميّة العالميّة للفنّ.
معرض وأعمال وتجربة تعد بالكثير ضمن مسارات الفن متعددة الأسئلة والدروب والأحلام ومجال شاسع لتشغيل الخيال في التعاطي مع المادة والشكل واللون بما يشي بالتناسق والاختلاف.. والفن هو هذا التمشي وغيره في ذهن الفنانة.. و مسار عملها المضني في جمال وبهاء... ومتعة.. أليس الفن بالنهاية هو هذا البوح الجميل المبثوث في المنجز من قبل ذات من حلم وعطاء... وابتكار...
***
شمس الدين العوني