ترجمات أدبية
سونيا يوريكوفا: يوميات الحلزون

بقلم: سونيا يوريكوفا
ترجمة: صالح الرزوق
***
عاد ولداي إلى البيت من المدرسة، وكان لديهما واجب منزلي مزعج عن الحلزونات. طبعا لم يعبرا عن امتعاضهما، ولكن تكلمت عن الموضوع مع دانو ونحن في السرير في تلك الليلة، واتفقنا أنه من الأفضل أن لا تفرض المدرسة عليهما واجبات منزلية. أحب الولدان الواجب، لأنهما اعتقدا أنني سأطلب حلزونات إفريقية لهذه الغاية، وسيحتفظان بها كحيوانات أليفة في المنزل. وبحثا في غوغل مع رفاق المدرسة عن الحلزونات الإفريقية وتبين لهم أنها تعيش على فراش من قشور جوز الهند ولا ينمو لها شعر. يا له من شيء عجيب.
كانت الوظيفة: "اقرأ مقالة علمية عن الحلزونات بمشاركة أبويك، وسجل أهم الحقائق، في دفتر الواجبات المنزلية، وارسم بعض الصور بعد الكتابة".
في البداية طلبت منهما ترتيب أشيائهما، فقد كان لدينا أطنان من الحلزونات في حديقتنا، ويمكنهما كتابة قصة طويلة - رغم أنهما في الصف الثاني فقط، وكتابتهما تقريبا دون أخطاء، وبالأخص نينا. ولكن تذكر ميشو أنني في الصيف الماضي علمتهما كيف يرشان الملح على الحلزونات، وقال إنه سيكتب قصة عن ذلك، ليقرأها معلم النشاطات البيتية.
لم يكن لدي خيار حينما كنت صغيرة. ما أن أمكنني المشي قدموا لي طبقا من الملح وأرسلوني إلى حقل الملفوف لقتل الأشياء التي نسميها حلزونات. لم يهتم أحد بالجنس والنوع، البزاق هو الحلزون الذي يهدد بالتهام المحصول. جلست القرفصاء بين الصفوف، حملت بعض الملح بأصابعي الصغيرة، وسكبته على دستة من الأجسام المخاطية. ارتجفت البزاقات وأصبحت سوداء، وسال المخاط منها. تابعت على طول صفوف الخضار حتى حل الظلام. ولكن حصلت على توبيخ لأنني وطأت على الكرنب، ثم غسلت يدي، وذهبت إلى السرير.
والآن أصبحت الحلزونات وظيفة منزلية. لم يتمكن الولدان من الامتناع عن الكلام عنها وهما على طاولة الغداء، واستولت على ميشو بالأخص فكرة أن يمتلك حيوانا أليفا. وحينما نبهتهما أنها تترك وراءها خطا مخاطيا، رفع موبايله بوجهي قائلا: "الحلزونات الإفريقية لا تفعل ذلك".
"لماذا تجر حلزونا من قارة أخرى ولديك حديقة ممتلئة بالحلزونات؟".
أجاب: "فتشت ولم أجدها. ليس لدينا حلزونات لأنك طلبت منا رش الملح عليها في العام الماضي". في الحقيقة أزعجني ذلك. قلت له ما بين الهزل والجد أن الاحتفاظ بحلزون جنون وليس من محاسن الأخلاق أن تقتلع حلزونا من إفريقيا إرضاء لنزواتك. انكفأ ميشو على نفسه، ولكن والحمد لله آزرني دانو، فأرسله إلى غرفته، وبقي غداؤه على الطاولة دون أن يأكله.
احتفظت نينا بهدوئها، وحينما حملت طبقها إلى المغسلة، قلت من فوق صحن السلطة: "غدا بعد المدرسة سنذهب إلى المكتبة ونبحث عن كتب عن الحلزونات".
وعندما أسرعت إلى ميشو لتنقل له الخبر، نظر لي دانو كأنني فقدت عقلي، وقال لي: لماذا لا نكتفي بالبحث عن شيء في الإنترنت، ونشاهد فيلما تعليميا عن الموضوع.
قلت له منهكة: "لا تزعجني أنت أيضا".
***
إن لم يأخذ الولدان عني أي شيء، ورثا حبي للكتب. حينما ذهبنا إلى قسم الأطفال في مكتبة المدينة، التفت تلقائيا نحو الموجودات. في طفولتي كنت أقرأ الكتاب بعد الآخر، أحمل معي عشر كتب وأعيدها بعد يومين، ثم أغزو بقية الرف، وفي الأسبوع التالي، أتابع باتجاه الرف الآخر. حينها حفظ موظفو المكتبة اسمي. في هذه الأيام يعاملوننا مثل زوار دائمين، ولكن الفرقأنه حل محل السيدات ذوات النظارات الثقيلة في قسم الأطفال شاب في بواكير العشرينات وبشعر خفيف أجعد. وكنت متأكدة أنه بعد انصرافنا كان يمارس العادة السرية. لم يترك لدينا الانطباع أنه غريب أو مغتصب للأولاد، ليس ذلك، ولكن توقعت أنه يستغل كل فرصة: حالما يغادر آخر طفل، ويترك وراءه عطره، عطر أمه المثير جنسيا، يكون قد بقي للإغلاق خمس دقائق، والكتب مرتبة على المنضدة، وبالحال يباشر وبسرعة.
قلت له: "أبحث عن الحلزونات؟ هل يمكن أخذ نظرة".
انحني قليلا، وسبقني إلى الموسوعات. جلس الأولاد في قسم المطالعة، متوترين من الانتظار. اختارت نينا قصة عن سندريلا، ولا أعلم ماذا يجذبها إليها، أحيانا تنظر فقط لملابس الأميرات، مع أن معظم الصور، حرفيا، تؤلم عيني. وطالع ميشو دليل لعبة حقل الألغام، ومع أنني أود أن أوجههم نحو الغاية التي أتينا من أجلها، احتفظت بهدوئي وابتسمت لموظف المكتبة. ولكن كان الأفضل أن يسرعوا بنسيان الحلزونات الحية.
كانت موسوعات الأطفال على الرف السفلي، وهي منهكة، ومفككة، ومن الواضح أنه في عصر الإنترنت لم يبحث أحد منذ مدة طويلة فيها. ولكن كان الموظف واثقا من نفسه، ولم يسحب كتابا بعد الآخر، ومد يده إلى المجلدات السميكة وهو يقول اللعنة .. آه.. هل يوجد فيها شيء من ذلك. كنت بجانبه ولاحظت كتفيه العريضين وعضلاته البارزة من تحت قميصه الرقيق. تسارعت دقات قلبي، وارتجفت، ثم تنهدت بعمق لأغطي انفعالي. انحنى وظهره نحوي وقاطع تنهيدتي قائلا مع ضحكة عصبية: "آسف. استغرقت وقتا طويلا. الحقيقة أنني لست غوغل".
ذهنيا تنهدت. كان غبيا مع أن ظهره عريض. والشكر لله. ولذلك لم يتوجب علي التفكير به - لا الآن ولا إذا أويت إلى السرير ولا في أي وقت آخر.
قلت وأنا أزفر مجددا وأهوي نفسي: "الجو حار هنا". وقف ومعه عدة كتب، وبدأ يشرح لي سبب توقف المكيف عن العمل في هذا المكان، ولكن بالنتيجة قررت أنني لن أهجر دانو من أجله، وتحركنا إلى الطاولة.
قال ميشو باهتمام وهو مشغول بكتابه: "انظري ماما. هنا طريقة لبناء بيت بشكل الحلزون".
"تقصد بشكل قوقعة الحلزون، أليس كذلك؟".
"كلا. الحلزون كله".
كان في الدليل تعليمات عملية لبناء أشياء بأشكال حيوانات مختلفة. النوم في سن النمر!. انظروا إلى حقل الألغام بعين زرافة!. ابن حديقة في مؤخرة فيل!. وكنت أنا أود النوم في المكتبة مع موظف شاب - أين دليل هذه الرغبة؟.
قلت بصوت مبحوح حينما ترك ميشو الدليل وارتمى على الموسوعات: "هيا وابن شيئا. ما دمت دائما تلعب لعبة حقل الألغام". أحيانا كنت أود أن يفعل الأولاد ذلك عمدا.
انضمت إلينا نينا. جلست بتهذيب على كرسي. ورتبت تنورتها بمهارة وعلى نحو طبيعي. نظرت إلى الصفحات التي يعرضها الموظف، ومررت أصبعها على طول السطور وهي تقرأ: "الحلزونات حيوانات أليفة مناسبة لأطفال مصابين بالتحسس".
قلت بنغمة خفيفة حينما شاهدت فرحتها: "كلاكما لا يشكو من أي تحسس".
بالعادة كلما أزعجوني بهذا الموضوع أقول أنا المصابة بالتحسس. ولكن سبقني الموظف، وأعلن أنه يكره شعر الحيوانات وربما يفضل الحلزون وسيقتني حلزونا. واقترح الولدان أن يبني بيتا له قلعة من البلاستيك حولها خندق تعوم فيه دمى بشكل التماسيح.
مكثنا قرابة ساعة، ونسخنا عدة صفحات من الموسوعة، وحمل الأولاد إلى البيت بعض الكتب الجديدة. أودعت على الرف عدة عناوين، وتابع الموظف وأودع البقية. وابتسم لي. وأصابني ذلك بالخدر والدوار حتى حان وقت النوم.
***
كانت يوميات ما بعد الدوام من اختراع معلمة الواجبات المنزلية النشيطة، اسمها إميليا. ولكن يناديها الولدان ميلكا. وكانا يناديانها بصوت كخوار البقر، فتأتي لتنضم لهما. كنت أعترض على فلسفتها في الحياة، ولكن لم أعلن ذلك بصوت مسموع، لأنها كانت ذات كفاءة - وكانت إذا تأخر الآباء تنتظر مع الأولاد ساعات وساعات.
جاء دانو يوم الجمعة ليقلني من مكتبي، وقمنا بشراء البقالة، ثم وقف أمام المدرسة.
قلت له: "اذهب. مزاجي لا يساعدني على ملاقاتها".
كانت ميلكا تنتظر في الخارج مع الولدين وتساعدهما على حزم الحقائب، وتصنع إشارات واسعة بذراعيها، وتلوح لنا. وعندما ركضت نينا مع ميشو نحو أصدقائهما، تابعت توضيح شيء ما لدانو بانفعال شديد. ابتسم لها فقط وفهمت أنه يوافقها بتهذيب. واحتفظ بابتسامته لنفسه لوقت إضافي، وحالما غاب الولدان ابتلعها. بل أنا مخطئة ما أن أصبحا في السيارة، اختفت ابتسامته.
"لديكما خطط للعطلة".
صاحت نينا: "سنذهب إلى ال...". ولكنها لم تعرف الكلمة.
قال ميشو: "معرض التيراريوم".
"تيراريوم.. ويمكن أن نشتري منه أشياء كثيرة".
"أبدا. كلا".
امتعضت حقا. غالبا بسبب الصياح المتبادل، وكان دانو يشتم بقية السائقين، مع أنه كان نفسه يعوي عند إشارة مرور حمراء كالمأفون، كما لو أنه لم ينتبه لما يدور حوله.
توقفنا، وسمحنا لحافلة بالمرور. رأيت امرأة عند موقف الحافلة. كانت تكافح مع طفل ألقى نفسه على الأرض والمخاط يسيل من أنفه. ورأيت الانتفاخات تحت عينيها تكبر وتجاعيدها تزداد بوقت قياسي. كانت صدمة. أطلقت الحافلة المنبه، وتحركت السيارات، وانتقلت الصور أمام النافذة إلى حشود تحمل الأكياس البلاستيكية، ومزيد من السيارات، وأضواء إشارات المرور.
قلت ببطء: "سنذهب. وستشاهدان الحلزونات، وسنناقش سلوكها، ولكن لن أشتري لكما أي شيء. الاهتمام بشخص ليس نزهة في حديقة".
صحح لي دانو "الاهتمام بشيء". وتبادلنا النظرات. ثم أعلن أنه غير قادر على مرافقتنا، لأن أحد زملائه طلب معونته في الانتقال. لم أعترض. وضعت رأسي على الزجاج وأصغيت لثرثرة نينا المتواصلة عما فعلاه في حصة الرشاقة.
في وقت لاحق من اليوم انتابت ميشو حالة عصبية، لأن كيفن، وهو طفل يجلس بجانبه في المدرسة، امتلك عائلة كاملة من الحلزونات في بيته، وتابع إرسال الصور إلى ميشو. حلزونات على يده، على رأسه، في طبق، مع فلاتر مختلفة ولصاقات الأبطال الخارقين. حاولت أن أوضح لميشو أنه لا حكمة من الغضب، فهو لن يحصل على أي حلزون ما لم يحسن سلوكه، وإذا كان لا يزال مهتما بها بعد المعرض، يمكنه أن يؤدي واجبه بامتياز حتى من دون وجود حلزونات في البيت. حملنا المقالات من المكتبة، ووجدت بسرعة في الإنترنت تعليمات عن تأليف مقالة عن الحلزونات، وأسعد ذلك نينا، وجلست هادئة بينما واصل ميشو البكاء وركل الوسادة.
بعد قليل توقعت أنه هدأ، فقد ذهب إلى غرفته ولزم الصمت. عاد دانو من غرفة الولدين في وقت النوم وفي يده حفنة نتف ممزقة من النسخ التي صورناها في المكتبة.
***
قال لي دانو في تلك الليلة ونحن في الحمام: "أود أن أحصل لهم على حلزون".
"إذا أنت تقول أنني أنا من تعارض؟".
قال ضاحكا: "هكذا على ما يبدو. انظري. إما أن يضجروا منه بسرعة، أو أن يهتموا به حقا".
جلست على طرف الحوض منهكة، ودهنت وجهي بالمطريات. كانت لها رائحة الشامبو الذي استعملته عائلتي في أول رحلة إلى إيطاليا. وحملني عبيره إلى الماضي بسرعة مخيفة.
"كيف وصلت هذه العائلة إلى حصر كلامها كله على الحلزونات، وسأمضي يوم السبت بحثا عن تيراريوم؟. حتى أنني لا أعرف ما هي وظائف البقية".
قال وهو يدس فرشاة أسنان في فمه: "لاحظي أننا لا نتكلم إلا عن الحلزونات". وتابعنا الكلام حتى الواحدة صباحا تقريبا عن الكتب وعن أمور اطلعنا عليها في الإنترنت، وعن الفيلم الذي سنشاهده يوم الأحد. إذا وجدنا من يجالس ميشو ونينا. ثم غلبنا النوم.
منذ فترة طويلة أحضرت إلى المدرسة مقالة عن الأعضاء الذكرية، مطبوعة على الطابعة الكاتبة، وقد وجدتها في أحد دفاتر الوالدة القديمة. لم أفهمها أبدا، وكانت تتكلم عن الطول المتوسط في وضع الراحة، ثم خلال الإثارة، وتضمنت إحصائيات عن فترة الانتصاب شملت أوروبا، ومن ضمنها سلوفاكيا. لم أكن أعلم ما هو الجماع، ولكن أخذت المقالة إلى الصف، وحاولت مع صديقاتي حل هذا اللغز في الاستراحة. ولا أتذكر كيف سمعت المعلمة بالمقالة، وثرثرت معها حول الموضوع بغباء، ولكنها أخبرت والدي، إنما لم أتعرض لمشكلة، لأنهما يعلمان من أين جاءت المقالة.
فكرت بذلك في طريقنا إلى المكتبة، ولم نكن متعجلين، مع أنها تفتح أيام السبت حتى الظهيرة فقط. وتخيلت كيف ستتصرف ميلكا إذا أحضروا لها نصا مشابها. ربما ستمتدحهم وتبين لهم التشابه بين الحلزون والعضو.
"أسرعي يا أمي. وإلا باعوا الحلزونات".
كنت متعبة ومضعضعة في ذلك الصباح، وتوجب علي أن أعد ميشو أننا لن نغادر المعرض بيد فارغة، وصليت لله أن يكتفي بسمكة غوبي. تسكعت نينا بمرح وراءنا، وهي تنظر للحجارة على طرف الطريق، وبعد كل عدة دقائق تلتقط إحداها وتتأملها.
وانفصل عني الولدان في المكتبة، وبقيت لأفسر سبب عودتنا. ضحك الموظف، في إحدى المرات في طفولته أصابته نوبة عصبية فقطع سلك التلفزيون. قلت لأنني علمت أنه لم يفهم ما أقول: "لديك حكاية عن كل شيء".
قال من وراء آلة التصوير: "أنت محظوظة بعودتك، لأننا سنغلق قريبا بسبب مناسبة خاصة، سيسجلون شريط فيديو هنا".
"أحاول أن لا يفوتنا معرض التيراريوم".
انتصبت أذناه. فقد سمع بالمعرض، وأين يعقد، وكذلك ساعات الافتتاح.
"اعلمي أنني أنفقت بعض الوقت أهتم بالحلزونات، وكانت تبدو - كيف أعبر عن ذلك - مهدئة. لم أمتلك قطة ولا كلبا، ولكن بوسعي احتمال حلزون".
قبل أن ينهي عبارته تكهنت أنه سيكوم نفسه في سيارتي، ويروي لي قصصه المربكة، ويعد السيارات الحمراء والزرقاء مع الولدين، ومع أنه لن يرتاح في مقعده لن يغير وضعه، وسيبقى عطره في السيارة طيلة أسبوع. ولكن إذا كذبت عليه، وقلت له أن دانو سيرافقنا، ولدينا في السيارة مقعدان خلفيان، سيقول كلا.
سأله ميشو: "عن أي حلزون أنت تتكلم؟ الإفريقي؟".
قلت مباشرة: "أنه التصوير وسنكون بانتظارك في الخارج". وتوقعت أن محادثة أخرى ستبدأ عن أفضل أنواع الحلزونات - النوع الإفريقي أم حلزون الحدائق - وبعدها سأحزم حقائبي وأسافر إلى الجهة الأخرى من العالم.
***
تجولت في صالة المعرض كالمسرنمة - كان هناك دمدمة متواصلة، وخرير مياه، ونافورات تلفظ الماء، وأضواء نيون تطن، وجداجد تصفر. في السيارة عرف الموظف باسمه وهو أندريا، ولكن تابعنا الكلام بالرسميات. ولصق بنا، وتبين أنه مفيد لنا، فقد كان يرد على أسئلة الولدين، وحين لا يعرف جوابا، يحاول تسليتهما أو أن يجد الجواب عند البائعين والمربين. شاهدت حرباء تقترب من جدجد. أخرجت لسانها قليلا، ثم أطلقته، ثم لم يبق غير سيقان الحشرة خارج فم الحرباء. لفظتها وذهبت للبحث عن الفريسة التالية.
قالت البائعة وهي تقرب التيراريوم بوصة مني: "إذا أردت أن تشعري أنك تعيشين في مرج صيفي، اشتريها، معها خمسون جدجدا بالمجان". إذا فعلت ذلك مع عشرين شخصا، ستنفد كل الطاولة. تابعت المشي قليلا، ونظرت إلى الخلف. التقطت المرأة التيراريوم وأعادتها. بحركة ماهرة.
كانت الحيوانات هادئة، لم أخف من العناكب، ولا السحالي الكبيرة كالإغوانا وكانت الضبيات تسحرني. ولكن بدأ ولداي يزعقان لأنني حاولت توجيههما نحو الأسماك. ثم لوح أندريا بيده ليعلن أنه وجد الحلزونات.
اشترينا اثنين، أحدهما لميشو بجسم داكن وقوقعة بنية، والثاني لنينا بلون خفيف ومخطط بخطوط مثل القهوة بالحليب. وضعت حجارة في قاع التيراريوم، وكان لديها جزدان مليء بالحصى.
قال المربي مع ابتسامة: "ستحصلين على لسان البحر مجانا". ضحكت لكلامه. وضحكت لي نينا، وحضنت خصري، وانضم إلينا ميشو. وضعا الحلزونين على راحتي يديهما، وقال البائع إنهما قد يعيشان سبع سنوات.
وأضاف: "وفي الطبيعة قد يعيشان عشر سنوات".
سألت أندريا وهو يعينني بوضع حلزوني التيراريوم في السيارة: "وماذا عنك؟ لا أعتقد أنك ستشتري شيئا؟" تركنا الولدين في الداخل، وهما يشاهدان إطعام الثعبان وجبته.
قال بجدية: "كنت أفكر بسمكة غوبي أو إغوانا. ولكن في النهاية أفكر بسمكة. قد تعيش في المكتبة، وهي تسبح على المنصة. وستنعش الصالة".
حاولت أن أمسك نباتا كان يسقط، وكانت التعليمات أن لا نضعه في التيراريوم حتى نعود إلى البيت. ولا بد أنه أخطأ بتفسير حركاتي، لذلك انحنى نحوي بعينين مغلقتين وحاول أن يقبلني. بسرعة وتهذيب دفعته بعيدا. احمر وجهه وتابع الاعتذار، ولكنني عدت إلى المعرض.
لزم الصمت طيلة طريق العودة، بالمقابل كان الولدان يصخبان بتشوق. حاولت أن أشغله بحوار ليفهم أنني غير غاضبة ولا شديدة الابتهاج، ولكنه جلس بمكانه يلهو بعقدة في كيس بلاستيكي وضع فيه سمكة غوبي بألوان قوس قزح.
***
ثم في يوم الأحد حرر ولداي الرائعان الحلزونين. وبعد الغداء بقليل ذهبت أنا ودانو إلى السينما، وبقيت نينا وميشو مع جارتنا، وهي طالبة بعمر واحد وعشرين عاما وتدعى بريجت. رافقت الولدين إلى الخارج، وأخذوا الحلزونين والتقطا لهما الصور، وقرآ في بعض الكتب، وناما في ضوء الشمس. وفجأة اختفى الحلزون الداكن.
غادرنا صالة السينما، ورأيت حينها دستة من المكالمات الفائتة أجراها الولدان وبريجيت. ارتعبت، ولكن ضحك دانو، قائلا إن الحلزونين هربا على الأرجح. بعد مكالمة قصيرة، حافلة بالنشيج، تأكد لي ذلك. ومع أن حلزون ميشو هو الهارب، كان أكثر البكاء من نصيب نينا. تكلمنا في الترام حول الفيلم باقتضاب، ثم أخبرني دانو أنه يتعين علي أن لا أكون بخيلة.
"لا تقولي إنك توقعت ذلك. وأنك لن تشتري لهما حيوانا آخر".
"لماذا تقول ذلك؟".
"لأنني أعرف بماذا تفكرين".
أطنبت بريجيت بالاعتذار، وسمحنا بعودتها إلى بيتها، فالخطأ ليس خطأها. وانتفخت عينا نينا، وجلس ميشو بهدوء على الكنبة. كانا ينتظران ما سيجري. اختلست نظرة من الحلزون الأقل سوادا وهو يقضم ببطء ورقة خس في التيراريوم.
"هل أديت واجبك؟".
ثم طبع دانو عدة صور من هاتف ميشو حين كان الحلزونان معا، ثم صنعت مع نينا مجسم حلزون كبير. وألصقنا الصور وأجزاء من المقالات المطبوعة في دفتر الواجبات المنزلية. وكتبت نينا أيضا أن اسم حلزونها قوس قزح، ورسمت قوس قزح حول كامل الصفحة. وضع ميشو دفتره جانبا، قائلا إنه سيكتب عن ضياع حلزونه ويعتقد أن الكائنات الفضائية اختطفته. ثم حزما دفتريهما في حقيبة الظهر، وأدينا الواجب المنزلي المعتاد من أطفال عاديين لديهم واجب فرضه معلمون عاديون.
في المساء شاهد ميشو ودانو التلفزيون معا، ولكن كانت نينا متعبة جدا من المشكلة العاطفية التي تلازم نهاية الأسبوع وأرادت أن تأوي إلى السرير أبكر من المعتاد. التقطت كتاب حكايات خرافية استعرته من المكتبة كان على طاولة بقرب سريرها، وقرأت لها آخر قصة، عن أميرة اقترنت بالشيطان. كانت نينا تتقلب في السرير، ولم تجد وضعا مريحا، وألقت جانبا حصانها الدمية المفضل. وجهزت نفسي للإصغاء والتفهم، ومع ذلك كنت منهكة بسبب العطلة الأسبوعية أيضا - بعد نهاية القراءة، سألتها ما المشكلة. صمتت قليلا، ثم قالت إن ميشو سمح بهروب حلزونه لغاية في نفسه. ولم تتمكن من تقديم سبب - وربما كان بمقدورها ذلك ولكنها لم ترغب بالكشف عن المزيد.
قبل أن تسقط بالنوم، وعدتها أن نأتي يوم الاثنين بالمزيد من الكتب، بعد أن انتهينا من آخر كتاب. وتحاشيت ميشو، كان ينظف أسنانه، فذهبت لتفريغ غسالة الصحون. ثم أودعه دانو في سريره، وعاد إلى غرفة النوم.
"حاول موظف المكتبة أن يقبلني أمس".
"ماذا؟ متى؟".
"حينما كنا نضع الأشياء في السيارة. كان حادثا غريبا، وارتبك بكلامه، قائلا إنه تحرك حركة خاطئة أو شيء من هذا القبيل".
"يا له من مغفل".
"وأخبرتني نينا أن ميشو سمح لحلزونه بالهرب عمدا".
"كيف يمكن ذلك؟".
هززت كتفي. طيلة ما بعد الظهيرة كنت أفكر بالولدين الغريبين اللذين أنجبتهما، حتى أنهما تركا حلزونا يهرب، ولكن حاولت تهدئة نفسي بفكرة أضحكتنا لعدة سنوات. في عمر المراهقة، كلما أصابني الإحباط، كنت أروي قصة.
"دانييل؟".
"نعم".
قلت مع تنهيدة: "هذا كثير بالنسبة لي".
أحاط دانو كتفي بذراعه وحاول أن يهدئني، في الصباح سنسأل ميشو ماذا حصل فعلا.
رأيت أمامي احتمالين - إما أن ابني كان أحمق وقبل فقدان حلزون كسبه بصعوبة، أو لسبب عجيب قتله. في طفولتنا كنا نحرق الضفادع وهي حية، ماذا لو أن هذه إشارة مبكرة على المرض النفسي؟. لا عجب أنني كبرت ووصلت لما أنا عليه الآن - ولكن ماذا عنه؟.
وسريعا ما نام دانو، وشخر بهدوء في أذني، وهو يحضنني.
عندما تقلب غادرت السرير. كان شعاع من النور يلمع في غرفة الجلوس قادما من الشارع، أشعلت المصباح من أجل الحلزون، وراقبته وهو يخرج، مرتبكا. في إحدى المرات من أيام صباي كنت مخمورة جدا، وسهرت طيلة الليل، لأن محتويات معدتي بلغت حلقي. كنت أعدو إلى الباحة، وأعود إلى نفس البقعة كل مرة، تحت الكرمة القديمة المواجهة للباب الأمامي. وعندما استيقظت تأكد لي أن الجميع سيشاهدون القيء، لأننا تناولنا كوكتيل القشدة. وقررت أن أذهب لإحضار علبة السقاية من أجل غسل المكان.
ولكن لم أشاهد أي أثر للقيء في البقعة التي لجأت إليها ليلا. وكانت دستة من الحلزونات تزحف حول الأعشاب وكانت والدتي تشتم، وتسأل لماذا جاء هذا العدد الكبير منها إلى الباحة، وبالذات إلى ذلك المكان؟. لم أذكر شيئا، فمع أنهم يعلمون أنني كنت مخمورة حين عودتي، لم أكن جاهزة للإصغاء لطقوسهم.
***
من المدخل وأنا باتجاه قسم الأطفال رأيت السمكة على الطاولة، تسبح في إناء مستدير. كان أندريا يساعد أما شابة معها ابنة بعمر الحضانة. وضعت الكتب المقروءة على الطاولة، وذهبت بصمت إلى الرف الذي كان وراءه والذي استعرنا منه قصص الأميرة. وانتقيت ثلاثة كنت على علم أننا لم نقرأها.
قال للبنت الصغيرة: "للأسف لم نشتر ذلك الكتاب بعد". شكرته أمها بأدب، وغادرتا. حاولت أن أبتسم له بطريقة مشجعة، ولكنه حينما شاهدني، اعتراه التخشب.
"أعدت خمسة وسأستعير ثلاثة".
ذهب إلى مكانه منكس الرأس، ومسح بطاقة المكتبة، ووضع الكتب المعادة جانبا، وطيلة الوقت لم يكلف نفسه النظر لي.
قال أخيرا: "لا أعلم ماذا اعتراني".
قلت: "لا تقلق. أنا أصدقك. وعمليا لم يقع مكروه". ولكن أستطيع التأكيد أنه خلال ثوان، ستحطمه نوبة عصبية.
قال: "سيدة وجدتني هنا، ولم يكن الأمر كما يبدو، وتورطت معها بمشكلة. بخصوص التعامل مع الصغار أو ما يشبه ذلك. اشتكت، وتقريبا تعرضت للطرد، ولكن لم يكن الموضوع يستحق".
كررت عبارة تعلمتها من الحياة مع الأولاد ومن الكتب التعليمية التي استعرتها من قسم أعلى بطابق واحد: "أصدقك". تمسك أندريا بالطاولة، وهو لا يشعر بالأمان، ونظر بعيني، مستأنسا بما قلته. أنه ربما يقول الحقيقة، والتي لا أهتم لها. ثم شرع بالبكاء وتقديم أعذار واهية، وكيف أنه يحب الأولاد كثيرا، كأصدقاء فقط، وهو راغب بتعليمهم، وكان يواعد النساء، نساء بالغات وطبيعيات، ولكن لم تنجح محاولاته، وبالأخص مع آخرهن، بعد فترة طويلة، وقد تخلص من ذكراها، وكان عليه أن يشتري السحلية، غير أنه يتراجع دائما، ويا لها من حياة، ويا له من رجل. لم أكن أعرف كيف أرد على دموع ولدي، فما بالك بنحيب غريب كبير بالعمر. ماذا علي أن أستخلص من كلامه المشتت، ومن صورته المضعضعة عن مصاعبه المربكة والطويلة العهد مع النساء، والحيوانات، ومع نفسه؟. وأوشكت أن أصفعه وأنصرف.
وكان على الحافة، فتوقف عن الثرثرة، وابتلع لعابه، وقال: "أنت زبونتي المفضلة".
وعمليا لم أجد ما أقوله حيال ذلك.
***
حينما أتيت لملاقاة الولدين من المدرسة المسائية، كانا يجريان خارج البناء، وبرفقة عدد من زملاء الدراسة، الذين كان آباؤهم بالانتظار، قفزا على السكوتر الخاص بكل منهما. حزمت علبة طعام نينا وحينها أصبحت ميلكا فوقي. عقدت يديها كأنها في صورة دينية، وكانت متوترة، وغير هادئة.
"هل فحصت وظيفة ميشكو عن الحلزون؟".
صحت في البداية نعم، وكنت أنا ونينا نرسم حلزونا، وكان ميشو يكتب عن هرب حلزونه. وحينما أجبتها تذكرت أنه كتب بعيدا عن أنظارنا، ثم وضع دفتر واجباته بسرعة في الحقيبة، وبدأ مع وظيفة الحساب. ابتعدت ببطء عن الخزانات، وخرجت من الممر.
"حلزون نينا رائع، ويجب أن تضعيه في ثلاجتك".
قلت وكنت في الخارج: "بالتأكيد سأفعل".
"وظيفة ميشكو لم تكن...".
قلت ملتفتة نحوها: "هل بإمكانك التوقف عن القول إنها واجب منزلي؟. في أحسن الأحوال هو دفتر واجبات، ويحتاجونه للواجبات المسائية. وإذا لم أحضرهم إلى هنا لن نفكر بمثل هذه الواجبات. لا هما ولا أنا".
لم تحول نظرتها ولو لحظة.
ثم قالت بحزم: "كتب ميشكو في دفتره أن الحلزونات حمقاء. وهذا كل شيء". وأدهشتني بنبرتها الأخلاقية، والتي لم أكن معتادة عليها منها.
"حسنا. بعد يوم سبت في معرض التيراريوم، أنا أؤيده أيضا".
ولكن لم أكن واثقة كما آمل. أمسكتني من ذراعي وقالت: "كما تعلمين، كانت الوظيفة بسيطة. وكل الآباء أدوها، ولم يتذمر أحد. ولم تكن إجبارية ويمكنك أن لا تقبلي بها. بعض الناس لا يحبون ذلك ببساطة".
هبطت على السلالم.
كررت: "وظيفة بسيطة".
قرقعت السكوتر على الشقوق في الممشى. لم تكن نينا تجيد اعتلاء السكوتر، ولكنها اجتهدت لتكون بجانب أخيها وبقية الأولاد. التفتت نحوي، فاصطدمت بحفرة، وأسرعت تلقائيا بالتحرك لمنعها من السقوط أرضا. ولكنها فعلتها مع ابتسامة، وأدت دورة حولي بقوس رائع.
***
.......................
* ترجمتها إلى الإنكليزية Magdalena Mullek.
** سونيا يوريكوفا Soňa Uriková كاتبة سلوفينية معاصرة.