نصوص أدبية
نادية المحمداوي: شغف

أحبت مدينته التي كانت تقرأ عنها في الروايات الأمريكية. كانت مسرعة بسيارتها المكشوفة فلحق بها وأوقفها تلكأت بجلستها وحديثها، سألها وقبل السؤال لا طفها بكلمة أوقعها في شباك قلبه، ومن ثم قال لها ابتعدي بسرعة بعد أن أخذ معلوماتها وهو يودعها بنظراته المملؤة حنية ومحبة لا تعرف لماذا وكيف!!
انطلقت ساندي مسرعة على غير هدى، وأوقفت سيارتها في أول تقاطع يؤدي إلى نهر جار وأرض خضراء لأشجار استظلت بهم وهي ترتعش من خوفها الذي أدخله إلى قلبها، جلست بحنو على جرف النهر وأخذت بطرف كف يدها وغسلت وجهها واستلقت على العشب، وراحت تستعرض ما مر عليها بهذا اليوم من بدايته إلى أن قامت بمخالفة مرورية لم تسجل بأوراق المرور..
ومن بين خيوط الحقيقة والتهيؤ لمحته..
لا يمل ضحكهما وهما يتجاذبان أطراف الحديث ويتذكران إحدى الفتيات اللواتي مررنا بروحه..
ينظر إلى عينيها بلهفة وهو ساكت، شيء ما يجذبه إليها، فتنهمر مياهها في ساعة الغيم. وهي تبكي بكاءً مرًا حين سمعت صوتها وهي تقول له برسالة من بضع كلمات:
" كن صديقي لا حبيبي الآن أنا بحاجة اليك. أتحبني مثلما أحبك؟" وتذوب روحها وتهمس بالقرب من قلبه:
" أم أنا توهمت ذلك الحب وبنيت عليه اشكاليات روحي ؟؟"
يرد عليها بعتب:
" أنا أحبك مثلما أنت تحبينني، أحب السطوح على جسدك البض الرائق مثل الليمون وأتجول بأصابعي وأمسد شعرك العسلي الطويل وأقبلك في كل جزء من جسدك، حتى تسكري تحت وقع شغفي، وأتمدد داخلك، أسكنك، أي قدرة الآن تأخذني إليك؟ وأنت في كامل البهاء، كل تخومك مستعدة لأن تستقبلني، سعيد بك وبأثرك وبنهج البلاغة الكامن في شغفي"
هكذا يحدثها بلهفة وهو يضاجعها بكلماته ويداعبها بعنفوان رجولته، الذي يدس الوجع اللذيذ فيها، فينتصب كل شيء في مداره، ويصبحان قدرة واحدة، أخذ وعطاء، ولهفة وتجرد وغياب، ويده تجوس عبر كنوزها، تستنطق الوقت فيها، ظهر يسلم قيده، وصدر يفك تمرده، فيكون طعمه ويقينه، يعود طفلاً على ربوعه، ويسرج من ذاته زيتًا لينير لها منعطفات الوقت.
أكمل معها حلمه وقام يكرره تباعا وهي تحوم بروحها شمالاً ويمينًا وتمؤ كالقطط بليل بارد يأجج مفاتن روحيهما وهي ترتفع وتنخفظ تأخذه كله بحق اللحظة وبحق الكلمة، وبحق ما فيها من نار تطلب دفئها، ينتهي وتنتهي، فيستقر ما بهما، وتنسحب بهدوء في متن النوم، ويظل بجوارها، ينظر إليها وقد راحت بنوم هادىء جميل وهي بين ذراعيه ظل يهمس بينه وبين روحه:
" أسدل النعاس رموش من أحب، الآن يا ربي ساعدني، في الصباح ستغادرني، وماذا أفعل؟ إنها سندريلا قلبي لا أحتمل فراقها، يبكي شوقًا إليها وهي ممددة بجواره في كامل البهاء، ينشد الوقت منها الهدوء، ويكتب قصته، احتضنها بلهفة عاشق متيم ينتظر هطول المطر، وراح يداعب كنوزها بشفتين تعرفان كيف يكون قطاف الشهد، تململت واستيقظت وضمته، وأخذته إلى حومة الرحيل حيث لا صبر ولا جلد إلا بالقدرة التي بيثها الشغف فيهما..
أشرقت الشمس وسطع نورها غلف الأرض بمروجها الخضراء، فتحت عينيها وتمتمت ببضع كلمات:
" لن يكتفي ما بي منك، فسدد لي فاتورة الأيام التي سبقت وجودك"
وعادت إلى النوم وهو يحتضنها بشوق، فلما استيقظت كانت كبحر لجي، توسده الشراع والريح هادئة، وكل شيء في قبض الشغف، ونام يلتفان ببعضهما، يتطاولان على كل شيء، والمحبة سند اللقاء، يأخذها وينحت بفعله هيبة اللذة.
انتهى غيابهما، فعادا منهمكين، أكل من تينها وشرب من سكرها، وقاما يغتسلان، تحت الماء المنهمر، قال لها:
" سارتشف الماء المنساب من على جسدك"
صرخت:
" لا "
أصر، وقال لها:
" هو عرقك، شهدك، هو نبع الحقيقة فيك"
شهدت اللحظات ولادة عمر جديد يضاف لأعمارهما، وخرجت من الحمام وجسدها ينقط قطرات الماء، حتى وقفت أمام المرآة، وبشفتيه جفف جسدها، وأجلسها وقام بتسريح شعرها ثم وضع قبله على رأسها، فابتسمت له ابتسامة المحبة التي دانت لها روح حبيبها.
توجهت بعد أن أعدت كوبًا لها وله من القهوة الساخنة، وهما يلتقيان عند نافذة المطبخ الكبير في بيت فخم يقع على ربوه الجبل في إحدى ضواحي كاليفورنيا..
اوكلاند مدينة الاخضرار والجبل وأيضا بلاد التهريب والعصابات والقتل والنهب.
في الليل رن هاتفها برقم لا تعرفه ولكن يرمز لمدينة اوكلاند، ردت بهدوء وسكينة على الهاتف، كان على الطرف الآخر رجل الشرطة المسؤول على أمن مدينة اوكلاند..
" اهلا ياحلوة كيف أنت الآن؟ ألا زلتِ مسرعة؟ "
ردت بخوف على الطرف الآخر:
" أنا بخير الآن لن أقود سيارتي بعد اليوم "
". لماذا هل أنت خائفة ؟"
ارتعش جسدها، وقامت لتدخل الحمام، وتبحث عنه..
***
نادية المحمداوي