ترجمات أدبية
الكساندر بوشكين: النبي

قصيدة مترجمة للشاعر الروسي الكبير
Александр Пушкин - «Пророк»
الكساندر بوشكين. قصيدة - "النبي"
ترجمة وإعداد الأستاذ الدكتور إسماعيل مكارم
***
Пророк
قصيدة "النبي"
إني بهذه الصَّحراءِ المُكفهرّة
بالكاد أجرّ أقدامي، وظمأ الرّوحِ يُضنيني،
هذا المَلاكُ سيرافيم، ذو الأجنحةِ السّتةِ
على المُفترق يُلاقيني.
وكما في الحلم أراهُ يُلامِسُ برقةٍ
بأنامِلِهِ الرقيقةْ ْ مُقلتيَّ:
وكما تفعل أنثى النسر المرتعبة ْ
انفتحتِ المقلتان ِالنبويتان.
ها هو المَلاكُ يُلامِسُ أذنيَّ،
ويَملأهما بالرّنينِ والضَّجيج:
فسَمِعتُ اهتزازاتِ السَّماءْ،
وحراكَ المَلائِكةِ في العلياءْ،
وفي أعماق البحار مَسيرَ الأحياء،
وفي الوديان سُكونَ الكروم.
هاهو المَلاكُ يَدنو من شفتيَّ
ويَجتثُّ لسانيَ الآثم،
والماكر والثرثارَ،
وبيمناه المُضرجَةِ بالدَّم ِ
يضعُ في ثغريَ الأصم
لسانَ ثعبان ٍ حكيم.
وبسَيفِهِ قد شجَّ صَدري
وانتزَعَ قلبيَ الخائِفَ،
وغمَدَ في جوفه
جَمرة ملتهبة.
ها أنا مُرميٌّ كالجثةِ في الصّحراءْ
وصوتُ الرَّبِّ ناداني:
" قمْ، أيها النبيُّ، وانظرْ، واسمَعْ،
وافعَلْ ما أريده منكْ،
والفحْ صُدورَ الناس بقولكْ،
حين تجوبُ الأبعادَ بَرّاً وبَحرا".
1826
***
.............................
* ما يلفت نظري اليوم هو الجدل القائم في الأوساط الأكاديمية الروسية حول شخصية الكاتب والشاعر الروسي الكبير الكساندر بوشكين.
هناك فريق من الباحثين الروس يوجد فيه من يدعون أن بوشكين لم يكن يوما معجبا بالثقافة العربية، وبالشعر العربي، ويزيدون على ذلك بأنه كانت لدى بوشكين نظرة تطرح الشك تجاه الإسلام (1).
وهناك فريق آخر ينظر إلى أعمال بوشكين نظرة مخالفة تماما لهذا الرأي. إذ أنه من المعروف أن الكساندر بوشكين خلال نشاطه في دائرة الأدب العالمي استعمل ليس اللغة الروسية فحسب، إذ كان يتقن الفرنسية والإنجليزية وقد درس لغة الكنيسة الأرثوذكسية القديمة /اللغة السلافية القديمة/، واللغة الفرنسية القديمة، واحتفظ في مكتبته على عدد من الكتب في علم اللسانيات. وليس جديدا أن نذكر بأن بوشكين ترجم مؤلفات لكبار الكتاب من الإنجليزية والفرنسية وقد قام بترجمة أعمال لمشاهير الكتاب الألمان والإسبان. من هنا نستنتج أن هذه اللغات كانت في دائرة إهتمام الشاعر الكساندر بوشكين. ولا نرى غرابة في أن يهتم الشاعر الروسي، هذا الرجل الفذ باللغة العربية. تشير الرسومات المحفوظة في متحف عموم روسيا بأن بوشكين حاول رسم بعض الأحرف العربية مع توضيح كيفية نطق هذه الأحرف. تعود هذه الرسومات إلى عامي 1836 – 1837. ويشير الباحثون إن هذه الرسومات ربما كانت تبعده عن التفكير بقضايا تمرمره، ويشير الخبراء في إرث بوشكين أنه إلى جانب كتابة الأحرف العربية، كانت لدى بوشكين محاولة كتابة بعض الكلمات العربية. هذه المعلومات نستقيها من أعمال المستشرق أو. س . سينكوفسكي...أولى أيام اكتشافه واطلاعه على الكتابات العربية والخط العربي/نعني هنا بوشكين/ حصلت في جزيرة القرم خلال جولته في أحد القصور في الجزيرة برفقة أسرة الجنرال رايفسكي. هناك شاهَدَ ورأى جمال الأحرف العربية. يشير الخبراء في إرث بوشكين أن الشاعر استطاع قراءة القرآن الكريم، المترجم إلى الروسية، وهناك إشارة إلى ذلك في رسالة الشاعر إلى ب. ا. فيازمسكي عام 1824. وردت في الرسالة عبارة ( يفغيني اونيجين و العهد المقدس – القرآن). وخلال إقامته في ضيعة ميخائيلوفسكويه وبرسالة إلى أخيه كتب الكساندر بوشكين العبارة التالية:
«Я тружусь во славу Корана и написал еще кое-что – лень прислать».
والتي تعني: "إني أعمل لأجل تمجيد القرآن. ويتابع الشاعر- وقد قمت بكتابة أمور ما، غير أن الكسل يمنعني من إرسال ذلك ". انتهى الإقتباس.
هذا يعني إن ما وجده الشاعر الكبير من أفكار في القرآن الكريم من القول الحكيم كان دافعا له لكتابة بعض قصائده التي نعرفها اليوم. تشير إحدى اللوحات الفنية في متحف عموم روسيا إلى تجوال بوشكين في أحد قصور جزيرة القرم (2). إن ما نعرفه من إرث شاعرنا الكبير مثل "محاكاة القرآن" و قصيدة " النبي"
و" محاكاة اللغة العربية" وغيرها، تشير إلى أنها دليل تأثر وإعجاب أبداه الشاعرالكبير تجاه الثقافة العربية والحضارة العربية. لابد هنا من القول أن بوشكين كان منفتحا على الثقافات الغربية والشرقية في آن واحد، مثلما قرأ مؤلفات عظيمة من الأدب الإنجليزي والغربي، واطلع على الميثولوجيا الإغريقية، وعرف حياة المجتمعات الغربية، فقد كان معجبا بالثقافات الشرقية وبالخصوص الثقافة العربية. اطلع بوشكين على ترجمة القرآن الكريم إلى الفرنسية، وبعد ذلك اطلع على ترجمة القرآن الكريم إلى الروسية، وبدون أدنى شك قد اطلع على حكايات "ألف ليلة وليلة"، وكان متأثرا
بها أثناء كتابة حكاياته المعروفة مثل "روسلان ولودميلا" و"حكاية عن القيصر سَلطان" (بفتح حرف السين) . يشير عدد من الباحثين إلى أن الشاعر بوشكين كان معجبا بإيقاع الشعر العربي أو لنقل إيقاع اللغة العربية، وهناك رسوم تظهر فيها محاولات الشاعر بوشكين القيام برسم بعض الأحرف العربية. نحن هنا في هذه المقدمة الصغيرة لا نقوم باقفال هذا الجدل بل نحاول الإضاءة على هذا الموضوع، كما ندعو الباحثين العرب إلى المشاركة في الإضاءة على هذا الموضوع مع إتباع المنهج العلمي للبحث وليس بالكلام المليء بالعواطف.
دون أدنى شك بإمكاننا القول أن بوشكين،الذي تربى في أسرة أرثوذكسية في وسط طبقة النبلاء الروس، كان رجلا مسيحي المعتقد، غير أن معرفته بأن جده إبراهيم، الذي تربى قرب القياصرة الروس، كان من أصول شرقية، هذا الأمر دون شك دفعه لكتابة تاريخ جده ذاك حين دَوّنَ قصة "عربي بطرس العظيم"، وقد بدأ بكتابة هذه القصة عام 1827 – حتى خريف 1837 غير أن هذه القصة لم تكتمل بسبب رحيل بوشكين المؤسف والمبكر عام 1837
هذا المنشأ لدى بوشكين من أصول سلافية وشرقية في آن واحد دون أدنى ِشك يجعله يحمل الحب لوطنه روسيا ولعادات قومه وبيئته ومعتقد هذه البيئة الروسية، هذا المعتقد الأرثوذكسي، وبنفس الوقت يجعله يكنّ الاحترام تجاه الشرق بما في ذلك تجاه الثقافة العربية والإرث العربي الأسلامي.
نحن نعتبر أنّ عمل الفريق، الذي يشكك باحترام بوشكين وإعجابه بالثقافة العربية أنه عمل بلا شك متأثر بتيارات فكرية معادية للإسلام، وما يقوم به بعض الباحثين اليوم في تزوير إرث الكساندر بوشكين، هذا الإرث العظيم، إنما هو بذاته تشويه للحقيقة، واعتداء على قامة كبيرة في تاريخ الأدب العالمي. وإن هذا العمل هوعمل ضعيف وفاقد لأي وثيقة تثبت هذا الإدعاء الكاذب والضعيف بالوقت ذاته.
نقدم للقارئ قصيدة من أشعار الشاعر الكساندر بوشكين ترجمت من قبلنا من النص الروسي الأصلي.
هوامش ومصادر:
1. ПУШКИН, Александр Сергеевич. Евгений Онегин. Стихотворения. Проза. – Москва: Эксмо. 2020 − 1440с.
تم أصدار هذه المجموعة الكبيرة من أعمال بوشكين تحت إشراف أندري ساأوكوف والمحرر ألمسؤول ن. روزمان.
* راجع في الكتاب المذكور نص "محاكاة القرآن"، والملاحظات التي دونها من قاموا باعداد هذا الكتاب، وسموها ملاحظات بوشكين، ودونت تحت هذه القصيدة، دون الإشارة إلى المصدر الخاص بالشاعر نفسه، أو المؤلف نفسه، وهذا ما يزيد الشك بهذه الملاحظات. نحن نعتبرها ملاحظات أدخلت على النص، بغرض تزوير إرث هذا الشاعر الكبير، وليست من داخل السياق، ولا تنتمي إلى إرث الكساندر بوشكين..
* ملاحظة: نحن أبقينا وحافظنا على حجم القصيدة وعدد السطور كما هي لدى الشاعر الكسندر بوشكين. هذا من أصول نظريات الترجمة وأخلاقيات الترجمة.
2. https://dzen.ru/y5x2 _xljggx7jta0
متحف عموم روسيا. بوشكين واللغة العربية.