ترجمات أدبية

ميراندا جولي: السفر مع نجم سينمائي

روي سبايفي:

(السفر مع نجم سينمائي)

قصة: ميراندا جولي

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

جلستُ مرتين في الطائرة بجوار شخص مشهور. الأول كان جيسون كيد من فريق نيوجيرسي نتس. سألته لماذا لا يسافر في الدرجة الأولى، فقال إن السبب هو أن ابن عمه يعمل في شركة يونايتد.

" أليس ذلك سببًا إضافيًا للحصول على مقعد فى الدرجة الأولى؟"

قال وهو يمدّ ساقيه في الممر:

"لا بأس، الأمر بسيط."

تركت الأمر يمضي، فماذا أعرف أنا عن خفايا حياة المشاهير في عالم الرياضة؟ لم نتحدث لبقية الرحلة.

لا يمكنني ذكر اسم الشخص الشهير الثاني، لكن يمكنني أن أخبرك بأنه نجم وسيم من هوليوود ومتزوج من نجمة سينمائية. أيضًا، يحتوي اسمه الأول على الحرف "V". هذا كل شيء—لا أستطيع قول المزيد. فكّر في عالم الجاسوسية. حسنًا، انتهى الأمر—حقًا، هذا كل شيء. سأدعوه "روي سبايفي"، وهو تقريبًا جناس استبدالي لاسمه الحقيقي.

لو كنتُ شخصًا أكثر ثقةً بنفسه، لما تطوّعتُ للتخلي عن مقعدي في رحلة مزدحمة، ولما حظيتُ بترقية إلى الدرجة الأولى، ولما جلستُ إلى جواره. كان هذا مكافأتي على كوني سهلة الإرضاء.

نام في الساعة الأولى، وكان من المدهش أن أرى وجهًا بهذه الشهرة يبدو هشا وفارغًا. كان مقعده عند النافذة ومقعدي عند الممر، وشعرتُ وكأنني أحرُسه، أحميه من الأضواء الساطعة ومن المصوّرين. نم، أيها الجاسوس الصغير، نم.

هو ليس صغيرًا في الواقع، لكننا جميعًا أطفال حين ننام. لهذا السبب، أسمح للرجال برؤيتي نائمة في وقت مبكر من العلاقة. يدركون عندها أنه رغم أن طولي خمسة أقدام وإحدى عشرة بوصة، فإنني هشّة وأحتاج إلى من يعتني بي. الرجل الذي يرى ضعف العملاق يدرك أنه رجل بحق. وسرعان ما تصبح النساء الصغيرات في نظره أشبه بالكيانات الخفيفة—وهكذا، فجأة، يصير لديه ولَعٌ بالطويلات من النساء.

تحرك روي سبايفي في مقعده، مستيقظًا. أغلقت عينيَّ بسرعة، ثم فتحتهما ببطء، وكأنني كنت نائمة أيضًا. لكنّه لم يفتح عينيه بالكامل بعد. أغلقتُ عينيّ مجددًا ثم فتحتهما فورًا، ببطء، ففتح هو عينيه أيضًا، ببطء، والتقت نظراتنا، وكأننا قد استيقظنا من نومٍ واحد، من حلم امتد طوال حياتنا.

أنا، امرأة طويلة لكن بلا تميّز يُذكر؛ وهو جاسوس بارز، لكن ليس حقًا، مجرد ممثل، لكن ليس حقًا، مجرد رجل، وربما حتى مجرد فتى. هذه إحدى الطرائق التي تؤثر بها قامتي على الرجال، الطريقة الأكثر شيوعًا: أن أصبح أمّهم.

تحدثنا بلا انقطاع طوال الساعتين التاليتين، نخوض في الحديث الذي يدور حول كل شيء تحديدًا. أخبرني بتفاصيل حميمة عن زوجته، السيدة الجميلة "م"، ومن كان ليظن أنها كانت مضطربة إلى هذا الحد؟

-  "أوه، نعم، كل ما يُنشر في الصحف الصفراء صحيح."

-  "حقًا؟"

-  "نعم، خاصة ما يتعلق باضطرابها الغذائي."

-  "وماذا عن الخيانات؟"

-  "لا، ليس الخيانات، بالطبع لا. لا يمكنك تصديق الصحف الصفراء."

-  "الصحف الصفراء؟"

- "نحن نسميها 'بلويد'، أو 'تابز'."

عندما قُدمت وجبات الطعام، شعرنا وكأننا نتناول الإفطار معًا في السرير، وعندما نهضتُ للذهاب إلى الحمام، مازحني قائلاً:

"أنتِ تتركينني!"

فأجبته مبتسمة:

"سأعود!"

وأنا أسير في الممر، كانت أعين العديد من الركاب تلاحقني، ولا سيما النساء. انتشر الخبر بسرعة في هذه القرية الطائرة الصغيرة. ربما كان هناك بعض كُتّاب الصحف الصفراء على متن الرحلة، وبالتأكيد بعض قرّائها. هل كنا نتحدث بصوت عالٍ؟ بدا لي أننا كنا نهمس.

نظرتُ إلى المرآة بينما كنت أتبول، متسائلة إن كنتُ أقبح شخص تحدث إليه يومًا. خلعتُ بلوزتي وحاولتُ غسل إبطيّ، وهو أمر يكاد يكون مستحيلًا في حمام صغير كهذا. رششتُ حفنات من الماء باتجاه إبطيَّ لكنها سقطت على تنورتي، المصنوعة من قماش يصبح داكنًا جدًا عند البلل. وجدتُ نفسي في مأزق حقيقي.

تصرّفتُ بسرعة، خلعتُ التنورة ونقعتها بالكامل في الحوض، ثم عصرتها وارتديتها من جديد. مررتُ يديّ عليها لتسويتها. ها قد أصبحت بلون واحد، أغمق قليلًا. سرتُ عائدة عبر الممر، حريصةً على ألا ألمس أحدًا بتنورتي الداكنة.

عندما رآني روي سبيفي، صاح قائلاً:

- لقد عدت!

ضحكتُ، فقال:

- ماذا حدث لتنورتك؟

جلستُ وشرحتُ له الأمر كله، بدءًا من الإبطين. استمع بصمت حتى أنهيت حديثي.

- إذن، هل تمكنتِ من غسل إبطيكِ في النهاية؟

- لا.

-  هل تفوح منهما رائحة كريهة؟

- أعتقد ذلك.

- يمكنني أن أشمّهما وأخبركِ.

- لا.

- لا بأس، هذا جزء من عالم الاستعراض.

-  حقًا؟

-  نعم. تعالي.

انحنى نحوي وضغط أنفه على بلوزتي.

- ثمة رائحة كريهة.

- أوه. حسنًا، لقد حاولت غسلها.

لكنه كان قد وقف الآن، متجاوزًا مقعدي باتجاه الممر، يبحث في الصندوق العلوي. ثم عاد إلى مقعده بحركة درامية، ممسكًا بزجاجة ذات مضخة.

- فبريز.

-  آه، سمعتُ عنه.

- يجف في ثوانٍ، ويأخذ الرائحة معه. ارفعي ذراعيكِ.

رفعتُ ذراعي، فرشّ بتركيز شديد ثلاث بخّات تحت كل كم.

- من الأفضل أن تبقي ذراعيكِ مرفوعتين حتى يجف.

مددتُ ذراعيّ. إحداهما امتدت إلى الممر، والأخرى عبرت أمام صدره، ويدي تضغط على النافذة. فجأة، بدا واضحًا كم كنتُ طويلة. لا يمكن إلا لامرأة طويلة جدًا أن تمتلك مثل هذا الامتداد. حدّق في ذراعي الممتدة أمام صدره للحظة، ثم زمجر وعضّها. ثم ضحك. ضحكتُ أنا أيضًا، لكنني لم أكن أفهم ماذا يعني هذا العَضّ على ذراعي.

- ما ذلك؟

- هذا يعني أنني معجب بك!

- حسنًا.

- هل تريدين أن تعضّيني؟

- لا.

- ألستِ معجبة بي؟

- بلى، معجبة بك.

- هل بسبب أنني مشهور؟

- لا.

- كوني مشهورًا لا يعني أنني لا أحتاج ما يحتاجه الجميع. ها، عضيّني في أي مكان تريدين. عضي كتفي.

أزاح سترته إلى الخلف، ثم فكّ الأزرار الأربعة الأولى من قميصه وسحبه جانبًا، كاشفًا عن كتفٍ عريضٍ مسفوع. انحنيت نحوه بسرعة، وعضضته برفق، ثم التقطت كتالوج سكاي مول وبدأت في قراءته. بعد دقيقة، أعاد إغلاق أزراره ببطء، ثم التقط نسخته من سكاي مول. قرأنا على هذا النحو لمدة نصف ساعة كاملة.

خلال هذا الوقت، حرصت على ألا أفكر في حياتي. كانت حياتي بعيدة في الأسفل، داخل بناية سكنية من الجص بلون وردي مائل إلى البرتقالي. شعرت وكأنني قد لا أعود إليها أبدًا. ظلّ مذاق ملوحة كتفه على طرف لساني. ربما لن أقف مجددًا في منتصف غرفة المعيشة، مترددة، لا أعرف ما الذي ينبغي عليّ فعله. كنت أقف أحيانًا لساعات، عاجزة عن جمع ما يكفي من العزم لأتناول طعامًا، أو أخرج، أو أنظف، أو أنام. بدا من غير المعقول أن تواجه امرأة، تذوقت وذاقها رجل شهير، مثل هذه الحيرة.

قرأت عن مكانس كهربائية تلتقط الحشرات من الهواء، وتأملت رفوفًا تدفئ المناشف تلقائيًا، وألقيت نظرة على صخور مزيفة تُخفى داخلها المفاتيح. بدأنا في الهبوط. أعدنا المقاعد إلى وضعها المستقيم وأغلقنا الطاولات أمامنا. التفت إليّ روي سبايفي فجأة وقال:

- مرحبًا.

قلت:

- مرحبًا، استمتعتُ كثيرًا معكِ.

- وأنا كذلك.

- سأكتب لكِ رقمًا، وأريدكِ أن تحفظيه جيدًا، كأنه روحك.

- حسنًا

-  إن وقع هذا الرقم في الأيدي الخطأ، سأضطر إلى تغييره، وذلك سيكون أمرًا مزعجًا للغاية.

- حسنا.

كتب الرقم على صفحة مستلة من كتالوج سكاي مول، ثم دسّها في كفّي.

- هذا هو الرقم الشخصي لمربية أطفالي. لا يتصل بها أحد على هذا الخط سوى صديقها وابنها. لهذا، ستجيب دائمًا. ستتمكنين من الوصول إليّ في أي وقت، وهي ستعرف أين أكون. "

نظرت إلى الرقم.

إنه ناقص رقمًا.

- أعلم. أريدكِ أن تحفظي الرقم الأخير فقط، لا تكتبيه، بل احفظيه عن ظهر قلب.

- حسنًا.

- إنه أربعة.

أدرنا وجهينا إلى مقدمة الطائرة، وأمسك روي سبايفي يدي برفق. كنت لا أزال أمسك بالورقة التي تحمل الرقم، فقبض عليها معي. شعرتُ بالدفء والبساطة. لم يكن بإمكان أي شيء سيئ أن يحدث لي بينما كنت أمسك يده، وعندما يتركها، سيكون لدي الرقم الذي ينتهي بأربعة. كنت أريد رقمًا كهذا طوال حياتي.

هبطت الطائرة برشاقة، كما لو كانت خطًا مرسومًا بخفة. ساعدني في إنزال حقيبتي من المقصورة العلوية؛ بدت لي الحقيبة مألوفة بشكل مُزعج.

- سيكون رجالي بانتظاري هناك، لذا لن أتمكن من توديعك كما ينبغي.

- أعلم. لا بأس.

- لا، ليس حقًا. هذا سخيف

- لكنني أفهم.

- حسنًا، هذا ما سأفعله. قبل أن أغادر المطار بلحظة، سأتوجه إليك وأقول: 'هل تعملين هنا؟

- لا بأس، أنا حقًا أفهم.

- لا، هذا مهم بالنسبة لي. سأقول: ’هل تعملين هنا؟‘ وأنتِ ستقولين جملتك.

- ما هي جملتي؟

- تقولين: ’لا.‘"

- حسنًا.

- وسأفهم ما تعنينه. سنفهم المعنى الخفي.

- حسنًا.

تبادلنا النظرات بطريقة تقول إن لا شيء يهم بقدر ما يهم وجودنا معًا. سألت نفسي إن كنت سأقتل والديّ لإنقاذ حياته، وهو سؤال ظللت أطرحه على نفسي منذ أن كنت في الخامسة عشرة. كان الجواب دائمًا نعم. لكن مع مرور الوقت، تلاشى جميع أولئك الفتيان، وبقي والداي. أصبحت أقل استعدادًا للتضحية بهما من أجل أي شخص؛ بل صرت أقلق على صحتهما. لكن في هذه الحالة، كان عليّ أن أجيب بنعم. نعم، سأفعل.

سرنا عبر النفق الفاصل بين الطائرة والحياة الحقيقية، ثم، دون أن يلقي حتى نظرة في اتجاهي، انساب بعيدًا عني.

حاولت ألا أبحث عنه في منطقة استلام الأمتعة. سيجدني قبل أن يرحل. دخلتُ الحمام. التقطتُ حقيبتي. شربتُ من نافورة المياه. شاهدتُ الأطفال يضربون بعضهم البعض. أخيرًا، سمحتُ لنظري أن يجول بين الجميع. لم يكن أي منهم هو، حتى آخر واحد بينهم. لكن الجميع عرفوا اسمه. الموهوبون في الرسم كانوا قادرين على رسمه من الذاكرة، والبقية بلا شك يمكنهم وصفه—لو اضطروا—لشخص كفيف، مثلًا. المكفوفون هم الوحيدون الذين لا يعرفون كيف يبدو شكله. لكن حتى المكفوفين كانوا يعرفون اسم زوجته، وبعضهم ربما كان يعرف اسم البوتيك الذي اشترت منه زوجته قميصًا بلون اللافندر وسروالًا قصيرًا متناسقًا معه. روي سبايفي كان في كل مكان ولا مكان في آنٍ واحد.

شعرتُ بيد تلامس كتفي.

- عذرًا، هل تعملين هنا؟

كان هو. لكنه لم يكن هو، لأن عينيه كانتا بلا صوت؛ كانتا صامتتين. كان يمثل. قلتُ جملتي:

- لا.

عندها، ظهرت بجانبي موظفة مطار شابة وجميلة، وقالت بحماس:

- أنا أعمل هنا، ويمكنني مساعدتك.

توقف لجزء من الثانية ثم قال:

- رائع.

انتظرتُ لأرى ما سيفعله بعد ذلك، لكن الموظفة حدّقت بي بامتعاض، وكأنني أتطفل، ثم رفعت عينيها نحوه، وكأنها تحميه من أمثالي.

أردتُ أن أصرخ: "كان هذا شِفرة! كان له معنى خفي!" لكنني كنتُ أعرف كيف سيبدو الأمر، لذا رحلت.

في تلك الليلة، وجدتُ نفسي واقفة في منتصف أرضية غرفة المعيشة. كنتُ قد أعددتُ العشاء وأكلته، ثم خطرت لي فكرة تنظيف المنزل. لكنني توقفتُ في منتصف الطريق إلى المكنسة، مدفوعةً بنزوة، العبث بالفراغ في وسط الغرفة.

أردتُ أن أختبر إن كنتُ قادرة على البدء من جديد. لكنني كنتُ أعرف الإجابة، بالطبع. كلما واصلتُ الوقوف هناك، زادت احتمالية أن أبقى عالقة في مكاني. كان الأمر معقدًا ومتضاعفًا بشكل متسارع. كنتُ أبدو وكأنني لا أفعل شيئًا، لكنني في الواقع كنتُ منشغلة كعالم فيزياء أو سياسي. كنتُ أضع استراتيجيات لخطوتي التالية. وحقيقة أن خطوتي القادمة كانت دائمًا ألا أخطو أي خطوة لم تجعل الأمر أسهل.

تخلّيتُ عن فكرة التنظيف، واكتفيتُ بالأمل في أن أتمكن من الذهاب إلى الفراش في ساعة معقولة. فكرتُ في روي سبايفي وهو في السرير مع الآنسة "م". ثم تذكرتُ الرقم. أخرجته من جيبي. كان قد كتبه على صورة ستائر وردية. كانت مصنوعة من قماش صُمم في الأصل لمكوك الفضاء؛ يتغير كثافتها وفقا لتقلبات الضوء والحرارة.

حركتُ شفتيّ بجميع الأرقام ثم نطقتُ الرقم الناقص بصوت مسموع: "أربعة." شعرتُ أن الأمر ينطوي على مجازفة، شيء غير مشروع. صرختُ: "أربعة!" ثم تحركتُ بسهولة نحو غرفة النوم.

ارتديتُ قميص النوم، غسلتُ أسناني، وذهبتُ للنوم.

على مدار حياتي، استخدمتُ ذلك الرقم مراتٍ عديدة. ليس رقم الهاتف، بل الأربعة فقط. عندما التقيتُ بزوجي لأول مرة، كنتُ أُتمتم بـ"أربعة" أثناء الجماع، لأنه كان مؤلمًا جدًا. ثم اكتشفتُ عملية جراحية صغيرة يمكنني الخضوع لها لتوسيع نفسي.

تمتمتُ بـ"أربعة" عندما توفي والدي بسرطان الرئة. وعندما تورطت ابنتي في مشكلة في مكسيكو سيتي، لا أحد يعلم ما كانت تفعله هناك، قلتُ "أربعة" في داخلي بينما كنتُ أملي عليها رقم بطاقتي الائتمانية عبر الهاتف. كان ذلك مربكًا—أن أفكر في رقم وأقول رقما آخر.

يمزح زوجي دائمًا بشأن رقمي المحظوظ، لكنني لم أخبره قط عن روي. لا ينبغي التقليل من قدرة الرجل على الشعور بالتهديد. لستِ بحاجة إلى أن تكوني آيةً في الجمال لكي يتعارك الرجال بسببك.

في حفلة لمّ شمل مدرستي الثانوية، أشرتُ إلى أستاذ كنتُ مغرمةً به ذات يوم، وبحلول نهاية الليلة كان الأستاذ وزوجي يتعاركان في موقف سيارات الفندق. زوجي قال إن الأمر كان يتعلق بمسائل عرقية، لكنني كنتُ أعرف. هناك أشياء، الصمت بشأنها أبلغ من أي تفسير.

في هذا الصباح، نظّفتُ علبة مجوهراتي، فوجدتُ قطعة ورق صغيرة عليها صورة ستائر وردية. كنتُ أظن أنني فقدتها منذ زمن، لكنها كانت هناك، مطوية أسفل ظفر جافٍّ وعددٍ من الأساور الثقيلة وغير المستعملة. لم أهمس "أربعة" منذ سنوات. فكرة الحظ بدت مرهقة الآن، كما يبدو عيد الميلاد حين لا يكون المرء في مزاج للاحتفال.

وقفتُ بجانب النافذة وتأملتُ خطّ يد روي سبايفي في الضوء. لقد كبر في السن الآن—مثلنا جميعًا—لكنّه لا يزال يعمل. لديه برنامجه التلفزيوني الخاص. لم يعد جاسوسًا؛ بل صار يؤدي دور والدٍ لاثني عشر طفلًا مشاغبًا. في تلك اللحظة، أدركت أنني لم أفهم الأمر على الإطلاق. لقد أرادني أن أتصل به.

نظرتُ عبر النافذة، فوجدتُ زوجي ينظّف السيارة بالمكنسة الكهربائية في الممر. جلستُ على السرير، الرقم على ركبتي والهاتف بين يدي. أدخلتُ كل الأرقام، بما في ذلك ذلك الرقم المخفي الذي رافقني طوال حياتي البالغة. لم يعد في الخدمة. بالطبع لم يكن موجودا. كان سخيفًا مني أن أتصور أنه لا يزال خط مربيته الخاص.

كبر أطفال روي سبايفي، كبروا منذ زمن. ربما تعمل المربية لدى شخص آخر الآن، أو ربما نجحت في حياتها—أنهت دراستها في التمريض أو إدارة الأعمال. أحسنت صنعا. نظرتُ إلى الرقم في حجري، وشعرتُ بموجة عارمة من الفقدان. لقد تأخرتُ كثيرًا. انتظرتُ طويلًا جدًا.

أنصتُ إلى زوجي وهو يضرب دواسات السيارة على الرصيف. التصق قطّنا العجوز بي، ضغط بجسده على ساقيّ، يطلب الطعام. لكنني لم أستطع النهوض. مرّت دقائق، قاربت الساعة. بدأ الليل يرخي سدوله. كان زوجي في الطابق السفلي يُحضّر شرابه، وكنتُ على وشك النهوض. فى الخارج تُغرِّد الصراصير في الفناء، وكنتُ على وشك النهوض.

(تمت)

***

..........................

الكاتبة: ميرندا جولي / Miranda July فنانة أمريكية متعددة المواهب. فهي كاتبة، وكاتبة مسرحية، وكاتبة سيناريو، ومخرجة، وممثلة، وفنانة أداء، وموسيقية، وفنانة فيديو. في عام 2007، فازت مجموعتها القصصية لا أحد ينتمي إلى هنا أكثر منك بجائزة فرانك أوكونور الدولية للقصة القصيرة، وهي جائزة مرموقة تُمنح في أيرلندا. أما فيلمها أنا وأنت وكل من نعرفه، الذي كتبته وأخرجته ولعبت دور البطولة فيه، فقد فاز بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 2005، بالإضافة إلى جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان صندانس السينمائي.

وُلدت جولي في بار، فيرمونت، في 15 فبراير 1974، لوالدين كانا كاتبين وأستاذين جامعيين آنذاك. نشأت في بيركلي، كاليفورنيا، حيث بدأت بكتابة المسرحيات وعرضها في نادٍ محلي. التحقت بالجامعة في كاليفورنيا لكنها تركتها في عامها الدراسي الثاني وانتقلت إلى بورتلاند لبدء الظهور على المسرح بنفسها. هناك، في سن الثانية والعشرين، بدأت مشروعًا أطلقت عليه اسم جوني فور جاكي—وهو مشروع فيديو بطريقة "رسالة السلسلة" يهدف إلى تمكين وتعزيز أعمال صانعات الأفلام. نُشرت قصصها في مجلات النيويوركر وباريس ريفيو وهاربرز ماجازين وغيرها، وتمت قراءتها عبر محطات إذاعية في جميع أنحاء أمريكا. نُشر أول رواية لها، أول رجل سيئ، في عام 2015.

في نصوص اليوم