ترجمات أدبية

إدنا أوبراين: الخطاة

بقلم: إدنا أوبراين

ترجمة: د. صالح الرزوق

***

أصبحوا في الداخل. أم وأب وابنة. سهرت ديليا لتسمع صوت دخولهم، ولكنها يجب أن تكون صاحية الآن في كل حال، فالنوم يهرب منها كلما تقدمت السنون. وأحيانا تسقط بالنوم دون أن تدري، وتستيقظ في تلك الساعة الكئيبة قبل الفجر، وتذهب إلى النافذة، وترى كلبها يأتي من تحت الحافة، وهو يتعايش مع أول صوت غير مسموع تقريبا ينبعث من المنزل، ويرفع نظراته إليها بشيء من العرفان، متوسلا لها كي تهبط، وتفتح الباب الخلفي، وتقدم له طبقه المعتاد، وهو الشاي الممزوجة بالحليب.

أحيانا تتناول حبة، ولكنها تكره أن تكون تحت رحمة العقاقير، وتمقت أيضا أن يأتي يوم ولا تستطيع الحصول عليها. في أوقات سهرها تصلي أو تحاول أن تصلي، ولكن الصلاة مثل النوم، أصبحت ضعيفة ومهزوزة، وذلك في الوقت الذي تحتاج فيه إلى التقرب من خالقها. تخرج الصلوات من شفتيها فقط، ولكن ليس من أعماقها. فقد أضاعت تلك العلاقة القلبية والعاطفية التي ربطتها من قبل مع الله.

ولذلك في الليل، تتجول بذهنها في البيت، وتفكر بتحسينات لا بد منها مع الوقت - ورق جدران جديد في الغرفة المضيئة، فلونها الوردي تشوبه البقع ولا سيما حول النوافذ، وتلوثه الرطوبة الدائمة. ثم في الغرفة الفارغة التي تخزن فيها التفاح، تعرض ورق الجدران للتقشير. ومر على ذلك سنوات دون أن يلحظ النزلاء أن صور الكستناء والعصافير الطنانة مقلوبة. وربما عليها استبدال هذا الورق أيضا، لتصويب ما فعله أولئك الحمقى على سبيل الخطأ.  كانت ديليا امرأة تحب أن تكون دائما في الجانب الصحيح. شيء عجيب. في يوم تعليق ورق الجدران استشارت قارئ حظ في المدينة عن موضوع محدد وأخبرها أنها ستعود إلى البيت وتجد تلك الطيور والكستناءات مقلوبة وبالفعل لاحظت ذلك وامتعضت منه. في أمكنة أخرى من البيت كانت تتحلى بجرأة أكبر فيما يتعلق بتصورها للتحسينات - وفكرت ربما هي بحاجة لشريط من المفارش على الأرض وراء الباب في الممر، لتحمي الرخام من أحذية ويلينغتون ومن المداسات الثقيلة. التنظيف يضر بها، ولا سيما ظهرها. ثم هناك إضافات بسيطة، مثل مناشف جديدة، وفوط شاي، ومناشف صحون. مناشف الصحون الحالية تفوح برائحة الحليب، ولم ينفعها الغلي ولا النقع. وهي لا تزال تحتفظ بالرائحة النفاذة والقوية.

كانت أقوى حاسة لدى ديليا هي الشم، وحينما وصل النزلاء في ذلك الصباح، شمت رائحة عطر البنت والمرأة، وكانتا متماثلتين، ولكن لم يتطابق فيهما أي شيء آخر. كانت سامانثا، الابنة، واثقة من نفسها كالديك، وشعرها بلون سكاكر القهوة، وتضيق عينيها كأنها تفكر بمشكلة حسابية، مع أن تفكيرها محصور بما يلي: "انظروا لي ودللوني". وكان شعرها الطويل سلاحها البتار، وقد انسدل على الطاولة وراءها وهي تتأمل ورق الجدران، أو صورة لصبايا تحاولن تحريك عقارب ساعة ليقترب الوقت من توقيت الإطعام. وكررت عدة مرات أن والديها تناولا لقمة من الكعك المثلج واللذيذ. ومع أن التسعيرة تتضمن كلفة السرير والإفطار فقط، كانت ديليا تحب أن تقدم لنزلائها الشاي حال وصولهم وأي نوع من أنواع الكعك المتوفر في العلبة المعدنية. وكانت تنورة سمانثا قصيرة، وتلفت الانتباه لفخذيها، وكانا مثل عمودي نوغة صلبين داخل جوارب شفافة بلون القشدة. وكانت ترتدي حذاء مزررا فوق مشط القدم. أما الأم فقد كانت ممتلئة وتتلمس ابنتها كلما قفزت في فورة من فوراتها. وكان الأب يدخن الغليون. وهو رجل وسيم، وطويل، ومنعزل. ويبدو كأنه أستاذ شيء ما. بعد الشاي والكعك تساءلوا إن يتوجب عليهم تحضير سلة للنزهة مع بعض الشطائر والبيض المسلوق، فقد أزمعوا على رحلة بالقارب. ولكنها أوضحت لهم أنه عليهم اتخاذ التدابير من أجل العشاء، لأنها عمليا تقدم السرير والإفطار.

حينما عادوا بعد منتصف الليل، وتسلقوا السلالم سمعتهم يقولون عدة مرات: "صه. صمتا". واستعملوا الحمام بالدور. ويمكنها أن تخبر من صوت خطواتهم أنهم يبذلون قصارى جهدهم ليلزموا جانب الهدوء، واستمر ذلك حتى تحطم شيء، وتناثر. وتوقعت أنه كوب الخزف الأبيض. وكم كانت تحبه. فهو بلون القشدة ويتخلله ظل أخضر وصور نبات الغار والنفل. أرادت أن تنهض وتؤنبهم، ولكن منعها دافع داخلي. كما أنه لم يكن لديها مئزر منزلي. هل هم بمآزرهم؟. ربما المرأة لديها مئزر، ولكن الرجل بقميصه الداخلي. ستفتقد للكوب وستبكيه. فأشياؤها هي المخلصة لها، وذلك بعد ضياع وتبعثر كل ما عداها. وهي تدرك، نعم، تدرك، أن حب الأبناء يخف وينحسر مع الوقت، على شاكلة بذة غسلت وأعيد غسلها، حتى لم يبق من لونها الأصلي غير ذكرى بعيدة. وستصبح ابنتهم، سمانثا، على هذا المنوال قريبا، وستبتعد حالما تكسب اهتمامات جديدة، وأصدقاء مقربين وغير ذلك.

احتل الأبوان الغرفة الزرقاء، وكانت غرفة زفافها مع زوجها، وفيها ولدت أبناءها، ومع تقدم السنين، كانت تنام فيها قليلا، ولا تزور زوجها إلا إذا اضطرت لذلك، ثم تعمد لغسل وتنظيف نفسها. خمسة أولاد يكفي لأي امرأة. أربعة تشتتوا، وواحد مات، وكنة حولت ابنها، ابنها الوحيد، ليكون ملكها الشخصي. ولكنها لا تريد أن تقسو عليهم، وأن لا تلقي أحكاما جازمة. البنات تتذكرن حينما تردن ذلك. وترسلن الهدايا، وبالأخص الصغرى، وفي المرة التالية، إذا سئلت ماذا ترغب لعيد ميلادها، تقول عباءة، لتتمكن من رؤية النزلاء في اللحظة الحرجة. 

وكانت تستقبل الناس في الصيف فقط، جزئيا لأنه توقيت حضور السياح، بالإضافة إلى أن تكاليف تدفئة البيت في الشتاء باهظة، فالوقود مرتفع الثمن. كما أنها لا تستقبل النزيل لأكثر من ليلتين أو ثلاث، خشية من التمادي وأن يتصرفوا وكأن البيت ملكهم، فيفتحون الخزانات والأدراج، ويكتشفون ذكريات ماضيها، كالمناديل المطرزة بكلام مأثور، وثوب رقص ومعطف بلون الخزامى، ومروحة سوداء بمقبض من العاج. وهناك أسباب أخرى أكثر تكتما. فقد كانت تخاف أن ترتبط بهم وأن تطلب منهم البقاء معها لفترة أطول، للإستئناس برفقتهم. وبما تكسبه من النزلاء في الصيف أنفقت على تحسين البيت وأرضه، أما رفاهيتها الوحيدة فقد كانت علبة معدنية كبيرة، تحتوي على بسكويت التوت والكاستر، فهي مغرمة بهما. نعم، كان الزوجان في سرير الزوجية، سرير واسع برأس من خشب السنديان الذي يقعقع، وبغطاء وردي اللون، وسبق لها أن جهزته في أيام الخطوبة، وقد حاكت فيه كل أحلامها. تخيلتهما، رجل مهني، وامرأة ممتلئة، يستلقيان الواحد بجانب الآخر، وكيس الغطاء المربع يعلو وينخفض مع أنفاسهما. وتذكرت كيف تتمسك به حين كان زوجها يمارس معها الحب بتهور ودون عاطفة. مع تقدم الوقت أصبح ألطف معها، الزوج الذي تمنته من بين الجميع، والذي لم يلمس الكحول بعد أن بلغ الخامسة والخمسين، والذي كانت تتقرب منه بتقديم الشاي في كل ساعة من ساعات النهار والليل. ربما لم تكن سمانثا جاهزة للنوم، ولكنها تشذب حاجبيها أو تمشط شعرها الطويل المنسدل، تمشطه ببطء ولعلها تفحص نفسها بمرآة الخزانة، وتمتدح قامتها الممتلئة والناعمة والصلبة، الملتفة بعباءة نومها. بعد أن ذهبوا إلى العشاء، تأملت الغرف. لم تفتح الحقائب، وهذه أخلاق شرف، ولكنها توقفت عند بعض المقتنيات - عقد لؤلؤ المرأة، ومكياجها، وشبكة شعرها البنية الداكنة المرمية بجانب غلايين زوجها، وهي غلايين من خشب بألوان متعددة، وكيس تبغ مفروم مطوي. أما نقودهم الإنكليزية فقد كانت مكومة بكومتين أنيقتين صغيرتين، نقوده ونقودها، كما رأت ديليا.  وعلى طاولة زينة البنت، وجدت فقط فرشاة، وسدادات قطنية، وزجاجة من زيوت الأطفال. أما البيجاما الزهرية الليلية فقد كانت ملقاة على وسادتها وبدت حية، كما لو أن في داخلها دمية.

لم يواتيها النوم.

نهضت، وهي تنوي أن تذهب وتلقي نظرة على الكوب الرقيق، ولكن منعها شيء ما حالما بلغت الباب. خجلت من أن يسمعوا صوت حركاتها، وكأن البيت هو بيتهم. وتكون لديها تحفظ غريب تجاههم، فقد كانوا ودودين جدا فيما بينهم، ويخلفون حولهم صدى يريحها، نعم، وهذه هبة كانت تأنس لها. ذرعت غرفتها بالخطوات. ولم يكن بمقدورها الخروج إلى البهو لتمشي، كعادتها، شووضعت يدها على تمثال العذراء المصنوع من الجص البارد، للتبارك بها. ثم بالضبط بعد نصف ساعة من اعتزالهم في غرفتهم، حصل ذلك. سمعت صرير باب، ثم صوت فتح باب غرفة البنت ببطء، وتوقعت أنها تلبي حاجتها إلى الحمام ولكن لاحقا سمعت صوتها وهي تتوجه إلى غرفة والديها على رؤوس أصابعها. ثم صوت نقرة، تبعها سلسلة نقرات، خفيفة وعابثة، وليس نقرة مريض أو صغير متوعك، ولا نقرة صغير خائف من عتمة الليل، أو مضطرب من نواح غراب على المدخنة، ليس أي شيء من ذلك، ثم بغضون ثوان معدودات، توترت ديليا. أصبح جسمها كله عرضة للنفور. سمعت صوت البنت تدخل غرفتهما، فغادرت السرير، ووضعت يدها على قبضة الباب، وفتحته بحذر شديد، وهي تسير على خشب الأرض حافية القدمين، وتوجهت نحوهم، دون أن تعلم ما يتعين عليها أن تفعله. كان كل البيت يصيخ السمع. كانوا لا يتكلمون، ولكن شيئا مقيتا كان يتنفس هناك، همسات وثرثرة وضحكات. لم يمكنها أن ترى، ولكن يبدو أن عينيها تخترقان لوح الباب كما لو أنه شفاف، وتخيلتهم، أيديهم، أفواههم، أطرافهم، متشابكة والواحد منها يفتش عن الآخر. لم يجرؤ أحدهم على إشعال النور. وربما كانت البنت عارية ومسترخية، ليتمكنا من العبث بها، الرجل يجرها بطريقته، والمرأة بطريقتها، وقبل مرور وقت طويل أدركت أن الموقف يقترب من شر النشوة. وكانت تريد أن تدخل وتقبض عليهم - الرجل، سيد حريمه، وهو يستلقي على البنت والتي لم تكن ابنته، والمرأة تساعده، لأن تلك هي أفضل طريقة للتمسك بزوجها. هذه ليست ابنتهما. وربما هي بغي تذهب مع من يقدم لها توصيلة، أو ربما نشروا إعلانا، وتقبلت جريدتهما المحلية كلمات الإعلان دون حياء. جريدة في وسط إنكلترا، المكان الذي أتوا منه، أو الذي ادعوا أنهم جاؤوا منه. كان في تلك الغرفة عصا، ملقاة بجانب وعاء الفحم، وتركته هناك منذ آخر إقامة فيها قبل ثلاثين عاما. أرادت أن تحمله، وتكسره على أجسادهم العارية والعابثة. ولكن لا يمكنها أن تعرف المانع. فقد قررت أنه عليها أن تدخل ولكنها تخاذلت.  ثم سمعت أصوات التعجب. وكانت أصوات الثلاثة مختلفة جدا - صوت المرأة مرتفع ومستمتع، والفتاة يائس، وكأنها تبكي تقريبا، والرجل، مثل أحمق في الغابة مع حبيبته. أسرعن إلى غرفتها وجلست على طرف سريرها، وهي ترتعش. تحسست علبة مستديرة صغيرة كانت في درج بقرب السرير، وبحثت عن حبات منومة لونها فيروزي، يشبه ماء البحر في بطاقة بريدية أرسلتها لها أصغر بناتها من الريفيرا. وبسبب التقتير قسمتها نصفين، كانت تقسم الحبات لنصفين دائما. كان طعم المسحوق مرا على لسانها، وساما، ولم يكن لديها كوب ماء تغسل مرارته من فمها. جاء النوم ومعه كتلة من الأحلام. ورأت نفسها مع مجموعة من النساء الجاهزات للتصوير بكاميرا رجلين، منافسات حقيقيات متجمعات، والكوع يشبك الكوع ولكن دون أن يحجبنها. وطلب منهن التخلص من ثيابهن من أجل صورة حقيقية، لكنها لم تمتثل، ولم تكن مستعدة للتنفيذ. وبعناد رفضت التخلي عن قميصها، وكان من كتان غير مبيض وخشن. أما المرأة المجاورة لها، وتعرفت فيها على إيللي، الخياطة المحلية، فقد تعرت، وتجولت في الأرجاء مثل غانية. ثم تبدل الحلم. كانت وحدها في كنيسة واسعة وملكية ولكن مقدسة. وفيها تعرى جميع المقدسين، جوزيف وجودي وأنتوني وتيريزا الوردة الصغيرة، وتخلوا عن أثوابهم الكهنوتية، وإن لم يكن ذلك كهنوتيا تماما، أنشد القس بلغة مكشوفة، كما لو أنه في حديقة لشرب الجعة. ثم بدأ صبي مذبح صغير بثوب كاردينالي أحمر يلهو في الأرجاء وسمح لنفسه بشرب النبيذ من الكأس المقدسة. وتابعت الاعتقاد أنها لا تحلم، ولكنها كانت كذلك. وحينما أفاقت فجأة تذكرت فورا النزلاء، وضجيجهم، والشرور المرتكبة. وكيف عليها أن تقلي شرائح بايكون وبيضا، ونقانق، من أجل إفطار متواضع. ارتدت ثيابها، وعبثت بجواربها، فقد تعذر عليها ارتداؤها كما يجب، وردت شعرها إلى الخلف كثيرا بأمشاط صغيرة. كان فطورهم على الطاولة جاهزا حينما استيقظوا - المقلي، وإبريق شاي، وركوة ماء ساخن، وركوة قهوة سريعة التحضير. وأضافت أيضا طبقا صغيرا من برتقال الماندارين. وبقي أن يباشروا الطعام. وبوجود النزلاء غالبا - تفضل الانتظار في غرفة للإفطار وهي تفكر بالأماكن النائية - شعاب المرجان، أو المناخات المتعاكسة في أرجاء متفرقة من أستراليا، أو الجبل المسطح في كيب تاون، حيث يبدو أن التكاثف يكون طبقة من السحب تشبه غطاء الطاولة وتخيم على القمة المسطحة. ولكنها لا تتكلم مع حلقة النزلاء، ولا تمد رأسها من الباب لتسأل إن كانوا يرغبون بالمزيد من الخبز المحمص أو القهوة.

وهم يغادرون كانت تعتقد أنها انتقمت لنفسها. ها هم هنا، حلقة عائلية غير ضارة. معهم حقائبهم، حقيبة الزوجة من خيوط سود، والبنت مع حمالات زرق على الظهر، والزوج بحزام جلدي بني اللون. وكما قالت هي تتقاضى منهم أجر غرفة واحدة فقط، لأنه، كما تعتقد، لم يشغلوا غير حجرة واحدة. ولاحظت انهم فهموا كلامها، ولكن اختاروا بحماقة أن لا يفعلوا ذلك. ومد الزوج يده بورقة خمس جنيهات، ورقة صغيرة، مع قطع نقدية فضية لتغطية تكاليف الغرفتين. وأصرت أن يستعيد بعض نقوده، لكنه رفض، وكذلك زوجته. وأصبح الموقف محرجا. أظهر الزوج امتعاضه وأبرز أسنانه العلوية وانتقدت الزوجة قلة عدد المناشف في الحمام، وكذلك بالنسبة لسلسلة مياه الحمام القديمة غير المناسبة، والتي تعود إلى أيام سفينة نوح. وقطبت الابنة وجهها وهي تمتص قطعا هلالية الشكل من برتقال الماندارين. وفي النهاية ألقى الزوج ثلاثة جنيهات ورقية ثم قطع المعدن في جيب مريولها، وقررت أن لا تبالغ، فألقت النقود على طول الممشى المغطى بحجارة رقيقة. والتمعت القطع المعدنية في ضوء شمس الصباح الساطعة. أصبحوا في الجانب الآخر من البوابة، أودع الأبوان الأمتعة في صندوق السيارة، وعادت البنت مسرعة لتلتقط النقود، ثم مدت لسانها بحركة تدل على الجرأة والتحدي.

وراقبتهم حتى اختفت السيارة عن مرمى البصر. ثم ارتمت على العشب وبدأت تبكي. بكت من أعماق كينونتها البائسة. لماذا أبكي؟. سألت نفسها بصوت مسموع: "لماذا أنا أبكي؟". هي لم تتعالى عليهم ولم تخذلهم في تلك الليلة. الأمر له علاقة بذاتها. كان قلبها مسدودا منذ زمن بعيد، ونسيت الأشياء الصغيرة، والمتع القليلة، فالحياة أخذ وعطاء. حتى أنها نسيت خطاياها.

كان العشب طريا وليس جافا جدا، وقد أصبح غزيرا بفضل المطر وساعات الصحو المشمسة.

***

...........................

* إدنا اوبراين Edna O'Brien روائية إيرلندية. من أهم أعمالها "إيرلندا الأم"، "أرض كافرة"، "البنت الوحيدة" "بايرون عاشقا"، "ضوء المساء" وغيرها . والقصة مترجمة من مجموعة قصص بعنوان "مقدسون وخطاة".

في نصوص اليوم