ترجمات أدبية

أليسا ناتينج: مساعدة العارضة

قصة: أليسا ناتينج

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

النص التالي مأخوذ من مجموعة أليسا ناتينج "وظائف غير نظيفة للنساء والفتيات". تحكي المجموعة قصص 17 امرأة وفتاة منبوذات يعملن في وظائف غريبة منتشرة عبر الزمان والمكان ومستويات مختلفة من الواقع. أليسا ناتينج أستاذة مساعدة في اللغة الإنجليزية بكلية جرينيل. وهي مؤلفة روايتي "تامبا" و"مصنوعة للحب".

***

أفضل صديقاتي، جارلا، عارضة أزياء من مكان ما يشبه السويد؛ عندما يحاول الناس تحديد أصلها، تصرخ فقط: "فودكا!" أو إذا كانت في مزاج أفضل: "فودكا، فهمت؟" مما يوحي بأنها ربما روسية، لكنها في الحقيقة تريد فقط أن تشرب. أينما كانت، تعيش جارلا الآن في فقاعة عالم عارضات الأزياء. أتمنى لو عشت هناك أيضًا، لكن أقرب ما يمكنني الوصول إليه هو التسكع مع جارلا، وهو أشبه بقضاء عطلة في شقة مشتركة في ذلك العالم.

تعرفنا عليها في حفلة في تشيلسي ذهبت إليها بقفزة غير مدروسة. بالتأكيد لم أُدعَ. ذهبت مع صديقة أصيلة إلى حفلة غير ممتعة، ثم غادرت مع صديقتها إلى حفلة أفضل، حيث قابلت غريبة أخذتني إلى حفلة مشتعلة. هناك قبلت المصور الذي اصطحبني إلى حفلة جارلا. لم تكن هي المضيفة، لكنها كانت حاضرة، وأينما تذهب جارلا تصبح الحفلة حفلتها.

أعتقد أن السبب الوحيد الذي جعلني أراها مرة أخرى هو أنني كنت ثملة بما يكفي لأقول لها الحقيقة. كانت تجرب ملابس غريبة — كان هناك رداء يبدو فضائيًا لكنه طبي، مثل الثوب الذي قد ترتديه لإجراء مسحة عنق رحم على المريخ. ثم ارتدت فستانًا مكرمش بطريقة توحي بوجود تورم غريب في جانب رقبتها الأيسر، ثم تمايلت نحوي. كنت أمسك رأسي جيدًا بجوار النافذة، عسى أن ينعشني الهواء بما يكفي لأتمكن من المشي إلى نهاية الغرفة، حيث قد أستعيد وعيي بما يكفي للوصول إلى المرحاض والانبطاح على الأرض. هناك، ربما، قد يتصل بي أحد المعارف عبر ضغط خدي على هاتفي ليرتب لي سيارة ويضمن ألا تنتهي رحلتي الحياتية في هذه الليلة. لكني لم أكن متأكدة، وعندما رأيت جارلا أمسكت رأسي بقوة أكبر، لأنها بدت وكأنها تتجه نحوي لتمزيقه.

قالت:

"أنتِ"

قمت بتهذيب وقفتي كتلميذة مدرسة. تقيأت في فمي لكنني لم أفتح شفتي لأسأكبه على الأرض.

"هل يعجبك هذا؟"

ثم أدت دورًا أنيقًا ومبتكرًا، مستحيل التقليد بالنسبة للحضور، لكنه بالنسبة لها كان مجرد حركة خرجت منها عفوية كريح صغير.

قلت:

"يجعلك تبدين حاملاً في ظهرك"

مستخدمة فم زجاجة الجعة لحك ظهري، حيث تنتفخ خياطة فستانها بلا سبب. عبست وولّت مسرعة. ظننت أنها شعرت بالإهانة حتى عادت تحمل وعاءً مموهاً بمفاتيح سيارات الضيوف.

قالت: "

"استعملي هذا للقيء"

ثم أضافت:

"خُذي الهاتف"

وألقت جهازًا مرصعًا بالكريستال في حقيبتي. أعتقد أنه في تلك اللحظة، ظهر كلبان رماديان كبيران بجانبها كما لو كانا سحرًا، وانطلق الثلاثة نحو المطبخ. قلت لنفسي: "أنتِ تحبين الكلاب ولديكِ ميل لتخيلها"، بينما كنت أتعثر نحو الحمام. نظر الضيوف الراقون برعب بينما أتمسك بالأثاث والنباتات لأثبت خطواتي نحو غرفة صغيرة فيها أرضية باردة وحوض. فكرت: "لماذا دائمًا أكون غريبة الأطوار في الحفلات؟ أنا في الثلاثينيات من عمري، وكان عليّ أن أتعلم على الأقل" كيف أتظاهر؟

المشكلة في حمامات الحفلات أنها لا تبقى حمامات؛ تبدأ كذلك، ثم تتحول إلى غرف تقبيل أو غرف شم كوكايين أو غرف استحمام جماعي. عندما اندفعت إلى الداخل وأنا أمسك بطني، بدا أن ثنائيًا نحيلًا يستخدم الغرفة كـ"غرفة انتظار قبل ممارسة الجنس الفموي المتبادل"، يشربان نبيذًا أحمر قاتم ويجلسان على حافة البانيو، يرسمان بأصابعهما على السيراميك الأبيض. أثار صوت القيء "بررراب" فضولهما. كانا في العشرينيات من العمر، وشعرت بنظراتهما الحقيقية والثاقبة. لم تكن نظرة شفقة بقدر ما كانت فضولًا؛ بدا أنهما يتساءلان كيف يمكن لشخص أن يفقد السيطرة بهذا الشكل. قال الشاب:

"لا أفهم لماذا يستخدم الناس القيء في الفن"

فردت الفتاة:

"لكن الأمر ليس هكذا عندما يفعلون"

أي ليس مثلي، بل مثل جارلا وهي تتقيأ طلاءً ورديًا على تمثال راكون من السيراميك الفيروزي.

تمتمت:

" أحتاج إلى تاكسي "

فتعاطف الشاب لكنه كان حازمًا:

"لن ألمسك."

أكدت:

" لا بالطبع، سأوصل نفسي إلى الباب".

استغرق ذلك وقتًا طويلاً. في لحظة ما تساءلت إن كان عليّ البحث عن جارلا لإعادة الهاتف، لكنني رأيت وميضًا عبر غرفة المعيشة فإذا بها هناك، فلاش الكاميرا يرتد عن فخذها المدهون، وقدمها داخل حوض الأسماك الاستوائي للمضيف. الجميع أرادوا تصوير حذائها الجلدي المربوط وسط المرجان الصناعي: الهواتف المحمولة والكاميرات الاحترافية والأجهزة الرقمية الرقيقة مرفوعة في الهواء. كانت جارلا تقول للجميع: "أسماك مداعبة!" مما أثار ضحكات متتالية من الحضور. لم يكن بإمكاني مناداتها وجذب كل ذلك الانتباه نحو جسدي. بالإضافة إلى أنني لم أكن أرغب حقًا في إعادة الهاتف. هاتف عارضة أزياء! كنت كالفضلات في جوف من ابتلع خاتم خطوبة بالخطأ: رغم أنني لاشيء بذاتي، إلا أنني أحمل الآن شيئًا فريدًا.

سقطت بسهولة على الدرج، وقبل أن أتمكن من النهوض، وقد فاجأني تمامًا، وصل التاكسي. صرخت: "شكرًا!" نحو الثنائي في الحمام، لكنها خرجت كغرغرة، وكانا على الأرجح مشغولين بالاستعداد لاستخدام شبابهما وجمالهما لمنح بعضهما النشوة المتبادلة بلا نهاية فكرت: "لماذا دائمًا أكون غريبة الأطوار في الحفلات؟ أنا في الثلاثينيات من عمري، وكان عليّ أن أتعلم التحمل على الأقل.

احتفظت بالهاتف على مكتبي عدة أيام وأنا أتساءل ماذا أفعل به. كان هناك خطب ما فيه؛ لم يرن. هاتف جارلا كان سيرن، أليس كذلك؟

لم يرن حتى اليوم الرابع. "مرحبًا، وومان." كانت جارلا. بدأت أشرح كيف أنني نويت إعادة الهاتف، وكيف أنني بالتأكيد لم أتصل بمتاجر الرهونات لمعرفة سعره (كذبت!)، لكنها قاطعتي:

"هذا هاتفك، مني. سأتصل بك عليه" .

كان بإمكاني قول الكثير، مثل أن لدي هاتفًا بالفعل، أو أنني خائفة جدًا من أن أُقتل بسبب هذا الهاتف المرصع إن رآني أحد أتحدث به في حيّي، لأنني لست غنية ولا أي من جيراني، لكن كثيرين يحتاجون المال بشدة، والضرورات تبيح المحظورات.

قالت:

"سآخذكِ لعرض أزياء، الليلة السابعة والنصف".

بدافع من كبرياء ما، أردت التأكد أنها لا تقصد أنني سأشارك في العرض، وأن الأمر ليس مزحة حيث يتنافس "الجميلون" على اختيار "القبيحة" الأبشع وتزيينها للفوز.

سألت:

"تقصدين أن أذهب لمشاهدته معكِ؟"

فقالت:

" ها"

ثم بدا وكأنها أشعلت سيجارة أو شيء ما وقالت:

"ها. ها. أعني هذا"

وأخبرتني أين ألقاها.

منذ تلك الليلة، تغيرت حياتي بطرق عديدة. ما زلت لا أحد، إلا عندما أكون مع جارلا، فأصبح "مرافقة جارلا"، هوية جديدة مثيرة تجعل كل شيء تقريبًا ممكنًا، إلا أن أكون جذابة بذاتي. إلا أن أكون مهمة عندما لا أكون معها.

في بار الأكسجين، صفعتني جارلا ثلاث صفعات قوية على خدي. دائمًا ما تتحرر بجرأة جادة في مثل هذه التصرفات. قالت: "سأضعكِ في نعش خاص"، وهي كلمة تدليل منها لكنني لا أعرف معناها بالضبط. أحب أن أعتقد أنها إشارة إلى بياض الثلج، وأنني عزيزة عليها لدرجة أنها تريد حفظ جسدي في صندوق زجاجي بجانب أريكتها، نائمة إلى الأبد. رغم أنه قد يعني أيضًا أنها تريد حبسي في "عذراء حديدية".

تجلس جارلا أمام حاسوب محمول موصول بشاحن شمسي، رغم أن الجو ممطر بالخارج ونحن في غرفة مظلمة. جارلا ليس لديها آراء في الأشياء؛ فهي ليست من النوع المؤيد أو المعارض. الآن، هي ضد الاحتباس الحراري لأنها تعرف أن ذلك مشكلة عصرية. إما أن يكون الشيء مشكلة عصرية أو لا، وإذا كان عصرية فهو لجارلا. قالت:

" الإنترنت لا يعمل."

أشرت:

"شاحن شمسي... لا شمس."

ردت:

"احتباس حراري" .

غالبًا ما تذكر عناوين وسائل الإعلام للمواضيع والأحداث عشوائيًا، مثل "أزمة دارفور"، ثم تشرب وتصمت لساعات.

دخلت النادلة مرتدية رداءً من القنب تحمل خزانَيْن وقناعَي تنفس، وربطت جارلا أولاً. بالقناع، بدت كطيّارة من المستقبل، ربما مولدة بالحاسوب. بشرتها المثالية تشبه شاشة بلازما.

سألت النادلة:

"هل أنتِ من السويد؟"

أجابت جارلا:

" فودكا، تعرفين؟"

وتجهمت عينا النادلة؛ ربما كانت حديثة الحقن بالبوتوكس لأنني رأيت رغبتها في التعبير لكنها فقط رمشت.

قلت:

" هل يمكنها الحصول على كأس فودكا؟"

ذكرت المرأة أن الكحول لا يُستهلك عادة خلال الجلسة. لكنها مع ذلك ذهبت لإحضارها، وعادت بكأس لي أيضاً.

أصبح القناع ثقيلاً بعض الشيء عندما بدأ الأكسجين النقي يضربنا مع الفودكا. أمسكت جارلا بيدي. لا أعرف إن كنت منجذبة إليها أم أنها ببساطة جميلة. أعتقد أنها الأخيرة لأنها لا تتحدث كثيراً، وما تقوله لا يُعقل كثيراً. لكن الناس لا يحتاجون للتكلم أو المنطق ليحبهم الآخرون. انظري إلى الكلاب والأطفال.

صرخت جارلا:

"سحابة فودكا!"

فهمت أنها تريد كأساً آخر لأنني أريده أيضاً، فرفعت إصبعين للنادلة بينما أشير إلى ثلجنا الذائب. بقيت أصابعي على وضعية "السلام". بالقناع، تخيلت أننا في أفعوانية متطرفة تصعد إلى طبقة الستراتوسفير، ونجتاز الكاميرا التي تلتقط صورة نشتريها لاحقاً، وأنا أقول: "هذه أنا وجارلا. سلام."

جعلتني "غريبة أطوار" بشكل مبالغ، أنيقة في الحفلات على الإطلاق. ذات مرة، ألبستني بنطالاً من السلاسل فلم أستطع الحركة، ولا حتى كالروبوت. فحملتني جارلا - بكعوب ستيلتو بارتفاع ست بوصات - وصعدت بي الدرج إلى الحفلة، وأسقطتني بجوار حوض أسماك آخر، إما لأشاهد شيئاً أو لأنها علمت أن جزءاً من جسدها سيدخل الحوض لاحقاً، وأرادتني هناك لأقول: "جارلا يجب أن تذهب الآن" عندما تمل.

لم يكن هناك حديث عن تعييني مساعدتها. ببساطة بدأت أتحدث عندما كان منطقياً، مثل حين سأل المخرج إن كان يمكنه تصوير نفسه وهو يجرح ذراعها قليلاً بسيف كاتانا مصمم، ويَلحس دمها من النصل، فأجابته بصوت خافت: "نعش خاص."

كنت أقول: "علينا المغادرة يا جارلا"، لكنني تعلمت أن "جارلا يجب أن تذهب" أفضل، لأنها تبدو وكأنها لا تملك خياراً.

الليلة، ذهبنا لعرض أزياء آخر. بما أن جارلا عارضة فيه، انتظرت خلف الكواليس على كرسي مكياجها. أكثر من مرة سأل الناس عن سبب وجودي. قلة منهم أرادوني أن أغادر؛ معظمهم كانوا فقط في حيرة.

بعد العرض، ذهبنا إلى منزل عارضة أخرى، حيث شاهدت جارلا تشرب نفسها إلى بحر عميق. تشرب بنظام إيقاعي. يمكنني عد الكؤوس في الساعة، كإيقاع موسيقي، وأعرف بالضبط مدى سكرها في أي لحظة. أما أنا فعلى العكس؛ السكر لديّ ضيف زفاف غامض قد يبكر، وقد يتأخر، أو لا يأتي أبداً.

بحلول الرابعة صباحاً، كانت جارلا مستلقية على منضدة المطبخ. أحدهم نثر حديقة رمل بوذية مصغرة على بطنها، وكان يدور الرمل حول سُرّتها بمشط خيزران صغير. رأسها يتدلى من المنضدة، مقلوب كعلبة حلوى "بِز". اقتربت منها، وكانت بيننا هذه اللحظة السكرى.

"أعلم أنكِ أكثر"، قالت عيناي الثملتان. قالتها بنَفَسٍ متردد، يوحي بأنها استغرقت وقتاً طويلاً لتجرؤ على قول ذلك، دون كلمات مع ذلك.

" نعم"، أجابت عينا جارلا، وككل إجاباتها، كانت لؤلؤة غامضة بدأت في تقييم قيمتها الكاملة على الفور. رفعت رأسها بيديَّ لتستوي مع المنضدة، ممسكة بها. نظرت إليها كجراحة.

قالت جارلا: "نوع من السجق"؛ إنها تحب اللحوم المقددة. للحظة، انتابتني الرغبة في إسقاط رأسها. تذكرت طفولتي على الشاطئ، والأصداف التي كنت ألتقطها ثم أعيدها. دائماً ما بدت أكثر قيمة من بعيد، وهي تحت الماء.

ما زلت أتساءل إن كانت جارلا ستطلب مني ترك وظيفتي كمصححة نصوص والانضمام إليها بدوام كامل في عالم عارضات الأزياء. وكالتها تعاملها بلطف، لكنني أعرف أنها بحاجة إليّ، أو على الأقل يمكنها الاستفادة مني أكثر مما تفعل الآن. وهذا يقودني إلى سؤالين: هل لدى جارلا آخرون مثلي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكم عدد "أنا" الموجودة؟ وهل تحتاج إليّ حقًا؟

الأمر مع جارلا هو أنها دائمًا ستكون بخير. بغض النظر عما يحدث، جارلا ستكون على ما يرام. أنا فقط أسّرع وصول "الما يرام" لها قليلًا، لأضمن حدوثه في الوقت الفعلي.

رغم أن حياتي أصبحت تحوي أشياء رائعة أكثر بكثير منذ تعرفي على جارلا، إلا أنني بدأت أشعر قليلًا بأنها تستغلني. ولا يمكنني إنكار أنني أريد المزيد منها. إنها مادة نادرة، ولو فقط بسبب الدور والسلطة التي تتمتع بهما في مجتمعنا، وليس بسبب أي شيء كامن فيها. المواد النادرة تجعل الناس يشعرون بالأنانية والجشع، وجارلا ليست استثناءً. وأنا أيضًا لست استثناءً.

بدأت أمل قليلًا من هاتف جارلا الخاص بي، لكنه باهظ الثمن وهو الوحيد الذي ستتصل منه بي. تخلصت من هاتفي الآخر ولم يعد لدي سوى الهاتف الذي أعطتني إياه جارلا، ربما لأنني أعرف أنها قصدت أن أستخدمه فقط عندما تتصل هي. وهذا تمرد صغير من جانبي. لكن جارلا لا تلاحظ التمردات، كبيرة كانت أم صغيرة. فهي لا تحتاج إليها.

قررت أن أسألها إن كان بإمكاني أن أصبح مساعدتها بأجر، لأنها على الأرجح لن تقول "نعم" أو "لا"، وسأفسر صمتها كموافقة. على أية حال، بتركي لوظيفتي وقضاء وقت أكثر معها، سأحصل على هدايا إضافية يمكنني بيعها عبر الإنترنت، ومقتنيات جارلا تدرّ عليّ أضعاف ما تدره علي وظيفتي الحالية.

انتهزت الفرصة ونحن في المقعد الخلفي لسيارة في طريقنا إلى جلسة تصوير خاصة لمصمم أزياء. كانت جارلا ممتدة على حجري، وشعرها الأشعث الأشقر يتدلى فوق ركبتي. شعرها أنعم من ساقي بعد الحلاقة.

قلت:

" جارلا، سأترك وظيفتي وأصبح مساعدتك. لا داعي لأن تدفعي لي شيئًا يذكر. فأنا لا أجني الكثير أساسًا."

توقفت للحظة ثم مدّت لي مشطًا ذهبيًا صغيرًا، أفترض أنها تريدني أن أبدأ بتمشيط شعرها. وأفترض أيضًا أن هذا يعني "نعم"، كإيماءة مقايضة. اتصلت برئيسي في العمل على الفور عبر هاتف جارلا، واستقلت بأعلى صوت ممكن دون أن أبدو عدائية، فقط لأحفر هذا الحدث بصورة أعمق قليلًا في ذاكرة جارلا.

سارت جلسة التصوير على ما يرام. بعد ذلك، قدمت لها كؤوسًا من الفودكا المثلجة التي بدت كالماء المنعش، وتطلعنا على الصور الجميلة. وغادرنا بحقائب ضخمة مليئة بملابس باهظة الثمن لم ندفع ثمنها ولم نطلبها.

أشعر بأنني أصبحت أكثر وضوحًا مع كل ثانية. ربما، أفكر، يجب أن أنتقل للعيش في شقة جارلا. بهذه الطريقة سأكون دائمًا هناك لاحتياجاتها، ولن يكون هناك اتصالات هاتفية في منتصف الليل؛ يمكنها ببساطة أن تصرخ أو تهمهم. رغم أنني لم أسمع جارلا تصرخ قط. الجميع بالفعل منتبهون لها.

لكن صباح اليوم التالي، لا ترد جارلا على مكالماتي. ولا تتصل بي.

يستمر هذا لأكثر من أسبوع. أتقمص دور العارضة المتذمرة بحق: لا آكل، أشرب كميات مهولة من الفودكا، أقص شعري بنفسي بمقص كليل في الحمام ثم أندم. وفي الصباح التالي أفكر في الذهاب إلى صالون فاخر لإصلاحه، لكنني لا أملك المال الكافي، خاصة الآن بعد أن أصبحت بلا عمل. لهذا، أحتاج جارلا.

هذا هو جذر ألمي: أقنعت نفسي أنها تحتاجني أنا تحديداً، بينما في الحقيقة، أي شخص يمكنه القيام بما فعلته - ملاحقة شخص فاتن، الحصول على الهدايا، وتسمية الأمور الصادمة بمسمياتها. أي لمسة أناقة أضفتها لهذا الدور؟ بينما أنظر في المرآة إلى قصّة شعري الكارثية، أدرك أن ملابسي الفاخرة الجديدة ما زالت تبدو غريبة الأطوار لأنها لا تناسبني. ولن تناسبني أبداً.

"وكالتها تعاملها بلطف، لكنني أعرف أنها بحاجة إليّ... هل لدى جارلا آخرون مثلي؟ كم نسخة منّي موجودة؟ هل تحتاجني حقاً؟"

عندما يضيء هاتف جارلا أخيراً ويعزف نغمته الاصطناعية، يصبح كصفارة إنذار. أتجمد من الخوف لكن الوحشة واليأس تمزقني. أصرخ:

" أين كنتِ؟ اتفقنا أن أكون مساعدتك! تركتُ عملي! لم أرَكِ منذ عشرة أيام!"

تشرح جارلا.

" رأس فودكا"

أريد التظاهر بأن كل شيء على ما يرام:

"أنا لست مساعدة سيئة... أنا جيدة مما يعني أنني أحتاج أن أكون حيث تكونين، لمساعدتك."

تقول:

" لاحقاً، حفلة"

أسمع صرخات فرح في الخلفية، حِدّتها تُطعنني. أعرف أن هذه الصرخات تعود لأناس عديمي الجدوى، وأكره أنها فضلتهم عليّ. أسأل:

" في أي وقت؟

لكنها أغلقَت الخط بالفعل.

في النهاية ترسل لي عنوان الحفلة. أتوقف في بار قريب لأحتسي بعض المشروبات وحدي أولاً. يتشربني السُخط أمام الكأس في مكان عام. كيف سمحت لنفسي بالانكشاف هكذا؟ قبل جارلا، كنتُ حصنًا منيعًا. كنتُ سأراها قادمة من بعيد. حياة ما قبل جارلا تبدو فجأة شيئاً رائعاً؛ لم أكن أعرف حتى ما كنتُ أفتقده.

عندما أغادر البار وأرفع بصري نحو الشرفة حيث الحفلة، أراها فعلاً. أشعر بأنني متطفلة لكني أظل واقفةً أراقب، حتى يبدو كلانا غريباً عن الآخر. حتى من هذه المسافة وتحت أضواء الديسكو، يبقى هيكلها العظمي المبهر واضحاً.بالمقارنة بها، أنا مثل شطيرة. كائن غير بشري وغير ضار. أحاول تذكر شطيرة أكلتها في الصف الرابع ولا أستطيع. لا أتذكر حتى واحدة من شهر مضى. جميعنا يجب أن نكون مثل شطائر الصف الرابع بالنسبة لها.

لا أدرك أن هذه هي نفس الشقة التي التقينا فيها لأول مرة إلا بعد دخولي إلى السوييت والتجول فيها. يجفف هذا يديّ وقدمي بسرعة؛ الخط المستقيم يتحول إلى دائرة.

مع تقدم الليل، أشعر أنني أعود بالزمن إلى الوراء. عندما أدخل، تحتضنني جارلا وتقبّل خدي، لكنني أريد تعويضًا. تركتُ عملي وعشتُ أسبوعًا من الجحيم، وهي لن تعيد إلى حياتي بمجرد ابتسامة عابرة أو عبوس. ربما أكون قابلة للاستبدال، لكن ليس عليّ أن أكون سعيدة بذلك.

أعود إلى مقعدي القديم بجوار النافذة وأبدأ بالشرب بشراهة. تتغير الأضواء بألوان توحي بأنني أتحرك بسرعة كبيرة، وهذه بالضبط السرعة التي أريدها. إنه اندفاع كالقفز بالمظلة. أطلِق إلى جارلا نظرات عبوس تقول: "انظري، أنا لا أتمسك بأي شيء. أنا في سقوط حر." إنها تفرك قطع الشوكولاتة على شفتيها كمرطب، بينما يجذبها الرجال إلى جانبها كالمغناطيس. وجه جارلا هو جهاز طرد مركزي يفصل الواثقين عن الضعفاء والغيورين، وقد تم طردي إلى الخارج.

أتعثر نحو الحمام، أخرج هاتف جارلا المرصع. جزء مني يريد رميه في المرحاض، أو على الأقل اختبار ما إذا كان سينزلق من فتحة القاع. أريد التقيؤ عليه لكنه لامع جداً، مع كريستالاته المتلألئة ورؤيتي الثملة المشوشة، فلا أصيب الهدف. بدلاً من ذلك، يسقط القيء في الماء ويهوي الهاتف على الأرض. عندما أنهي وألصق خدي بالأرض، يبدو الهاتف كنزاً خلف مكبس المرحاض. أمسكه وأفتحه، أطرق عليه عشوائياً، آملاً أن يتصل بصديق سيأتي لإنقاذي.

لكنه هاتف جارلا، لذا يتصل بها. أغلق الخط، لكن بعد دقائق تقف فوقي بوضعية أمازونية، ساق على كل جانب من جسدي. "سأضعكِ في نعش صغير"، تقول بينما تلف ورق التواليت وتضربه على خديّ الرطب.

"أتمنى لو فعلتِ."

لم تُعجبها شفقتي على نفسي. أشاهدها وهي ترمي كأس المارتيني من النافذة إلى الباحة، حيث ينكسر.

"اذهبي إلى المنزل واستريحي يا دكتورة التلفاز."

بعد مغادرتها، يدخل حارس شخصي ويحملني بنظرة ممتعضة، كأنه يُفرّغ وعاءً ممتلئًا بالبول. يساعدني في دخول التاكسي، وأنا أغادر، أرى خيوط أضواء جارلا الملونة تلمع في الباحة بالطابق العلوي.

أتحقق من حقيبتي في ذعر لأتأكد من وجوده: هاتف جارلا، الجوهرة. الكنز الملعون الذي جلب المصائب مع الثروة. يتلألأ في حجري، جميل أكثر من أن يُوثَق به. يقترب التاكسي من شقتي، وأشعر برغبة في ترك الهاتف خلفي على المقعد ليجده شخص آخر. لكنني لن أفعل. بدلاً من ذلك، سأذهب للمنزل وأنتظر اتصالها لتحولني إلى شيء مميز طالما أرادت، وهذه المرة لن أنسى أن أكون ممتنة.

(تمت)

***

........................

الكاتبة: أليسا ناتينج / Alissa Nutting (مواليد 1980) كاتبة أمريكية وأستاذة للكتابة الإبداعية وكاتبة سيناريو تلفزيوني. حصلت على درجة البكالوريوس من جامعة فلوريدا وماجستير الفنون الجميلة من جامعة ألاباما. خلال وجودها في جامعة ألاباما، شغلت منصب محررة في "بلاك واريور ريفيو". درّست ناتينج الكتابة الإبداعية في جامعة جون كارول وجامعة نيفادا، لاس فيغاس وكلية جرينيل. نُشرت كتاباتها في مجلات "تين هاوس" و"فينس" و"بومب" ومجموعة الحكايات الخيالية "أمي قتلتني، أبي أكلني".

 

في نصوص اليوم