ترجمات أدبية

سامانتا شويبيلين: فقدان السرعة

قصة: سامانتا شويبيلين

ترجمة: د.محمد عبدالحليم غنيم

***

أعدّ تيجو بعض البيض المخفوق، لكن عندما جلس أخيرًا إلى الطاولة ونظر إلى طبق الطعام، اكتشف أنه غير قادر على تناوله.

سألتُه:

- ماذا هناك؟

تأخر في رفع نظره عن البيض.

قال:

- أنا قلق، أعتقد أنني أفتقد السرعة.

حرك ذراعه من جانب إلى آخر، ببطء وبشكل مثير للأعصاب، على ما يبدو عمدًا، وظل يحدق بي، كما لو كان ينتظر حكمي.قلت:

-  ليس لدي أدنى فكرة عما تتحدث عنه، أنت ما زلتُ نائمًا جدًا.

-  ألا ترى كم استغرق من الوقت للإجابة على الهاتف؟ أو فتح الباب، أو تناول كوب من الماء، أو تنظيف أسناني... إنه عذاب.

كان هناك وقت كان فيه تيجو يطير بسرعة أربعين كيلومترًا في الساعة. كان السيرك هو السماء؛ كنتُ أجرّ المدفع إلى وسط الساحة. كانت الأضواء تخفي الجمهور، لكننا كنا نسمع الصخب. كانت الستائر المخملية تنفتح ويظهر تيجو بقناعه الفضّي. كان يرفع ذراعيه لتلقي التصفيق. كانت بدلته الحمراء تتلألأ فوق الرمل. كنتُ أعتني بالبارود بينما كان هو يتسلق ويدخل بجسمه النحيف في المدفع. كانت الطبول تطلب الصمت وكل شيء كان يعتمد عليّ. لم يكن يُسمع سوى صوت أكياس الفوشار وسعال عصبي هنا وهناك. كنتُ أخرج علب الكبريت من جيبي. كنتُ أحتفظ بها في علبة فضية، أحتفظ بها حتى الآن. علبة صغيرة لكنها متألقة لدرجة أنها كانت مرئية من آخر درج في المدرجات. كنتُ أفتحها، أخرج عود ثقاب وأضعه على ورق الصنفرة في قاعدة العلبة. في تلك اللحظة كانت جميع الأنظار متجهة نحوي. بنقرة سريعة كان اللهب ينطلق. كنتُ أشعل الحبل. كان صوت الشرر يتوسع في كل الاتجاهات. كنتُ آخذ خطوات مسرحية إلى الوراء، موحيّة أن شيئًا رهيبًا سيحدث — الجمهور يراقب الفتيل وهو يشتعل  وفجأة: بوم. بينما تجو، كالسهم الأحمر اللامع، ينطلق بسرعة كبيرة.

ترك تيجو البيض جانبًا ورفع نفسه بصعوبة عن الكرسي. كان سمينًا، وكان كبيرًا في السن. كان يتنفس بصوت خشن، لأن عموده الفقري كان يضغط على ما لا أعلم من رئتيه، وكان يتنقل في المطبخ مستعينًا بالكراسي والمائدة، متوقفًا بين الحين والآخر للتفكير أو للراحة. أحيانًا كان يتنهد ببساطة ويواصل السير. مشى بصمت حتى عتبة المطبخ ثم توقف.قال:

- أعتقد أنني أفتقد السرعة.

نظر إلى البيض.

- أعتقد أنني سأموت.

دفعت الطبق إلى جانبي من الطاولة،  فقط لأثير غضبه.قال:

- هذا يحدث عندما يتوقف المرء عن أداء ما يجيد فعله بشكل جيد، هذا ما كنت أفكر فيه، أن المرء يموت.

تذوّقت البيض لكنه كان باردًا بالفعل. كانت تلك آخر محادثة بيننا، بعد ذلك مشي ثلاث خطوات غير متقنة نحو غرفة المعيشة، وسقط ميتًا على الأرض.

بعد بضعة أيام، جاءت صحفيّة من جريدة محلية لإجراء مقابلة معي. أعطيتها صورة موقعة للمقال، حيث كنا أنا وتيجو بجانب المدفع، هو يرتدي القناع وبدلته الحمراء، وأنا باللون الأزرق، أضع علبة الكبريت في يدي. بدت الفتاة مسرورة. أرادت معرفة المزيد عن تيجو، وسألتني إذا كان هناك شيء خاص أريد قوله عن وفاته، لكن لم يكن لدي الرغبة في مواصلة الحديث عن ذلك، ولم يخطر ببالي شيء. ولما لم تذهب، عرضت عليها شيئًا لتشرب. سألتُها:

-  قهوة؟

قالت:

بالطبع!

بدت وكأنها مستعدة للاستماع لي إلى الأبد. لكنني خدشت عود ثقاب على علبتي الفضية، لإشعال النار، فعلت ذلك عدة مرات، ولم يحدث شيء.

(تمت)

***

.......................

المؤلفة: سامانتا شويبلين / Samanta Schweblinكاتبة أرجنتينية من مواليد بوينوس آيرس عام 1978 حيث درست السينما والتليفزيون. حصلت مجموعاتها القصصية "نواة الاضطراب "و"عصافير في الفم" و"سبعة بيوت خاوية" على عدة جوائز محلية ودولية من ضمنها جائزة "خوان رولفو" وجائزة "بيت الأمريكتين" .

 

في نصوص اليوم