نصوص أدبية
مصطفى علي: يَوْمَ هَمّوا بالعُبور
(مرثيّة إلى ضحايا البحارِ والطواغيت)
بَدْءا بجريمة تهجير الكرد الفيليّة مروراً بكلّ جرائم التهجير القسري،
حيثُ البحارُ والصحارى أمامهم والطواغيتُ وراءهم
***
سَفائنُ أهْلينا جَنَحْنَ غَوارِبا
وكمْ شَهِدتْ يَوْمَ العُبورِ نوائبا
*
تُرتّلُ أنغامَ السماءِ دُموعُهمْ
ويعزفُ أعداءُ الحياةِ مصائبا
*
دليلُكَ يا لرُبّانُ ضوءُ دُموعِهم
فَليلُ رُهابِ القومِ هَدَّ كواكبا
*
وكم نحرَ الطاغوتُ فيهِ شَواهِداً
وحَسبُكَ ربُّ الناسِ ظلّ مُراقِبا
*
وَيُمْهِلُ ما شاءَ العبادَ لِحِكْمةٍ
وَيَبقى ضميري شاهداً وَمُحاسِبا
*
ورُحْماكَ يا رحمانُ جِئتُكَ سائلا:
كُفوفُ ذويهم لا تُكَفُّ خوائِبا
*
قُبالَةَ بحرِ الرومِ يُبْصِرُ حَتْفَهُ
وَتُبْدي فَناجينُ الطَريدِ عجائبا
*
بها سَرَعانُ الموجِ يُخفي سِهامَهُ
تضاهي سِهاماً للرُماةِ صوائبا
*
فَيرصُدُ قُرصانُ السفينةِ روعَهُمْ
تعرّشَ لُبْلاباً وصارَ لَوالِبا
*
قَراصِنَةُ الويلاتِ تجترحُ الردى
وَمِن خُزَعِ الأكبادِ تُجْبى ضرائبا
*
وكاد ملاذُ الخائفينَ يُخيفُني
فَخِفْتُ هَديرَ الموجِ خِفْتُ عواقِبا
*
وَحولَ دِفافِ الطامعينَ تزاحَموا
وراءَ قراصينِ الظلامِ مَناكِبا
*
تُريهمْ مَرايا الماءِ هوْلَ مَصيرِهمْ
وَشاعرُ عَرْشِ الزورِ يلهَجُ كاذبا!!
*
أسِيّانِ أبناءُ العبيدِ وَسادَةٌ
وَرَبُّكَ قد صاغَ الأنامَ مراتِبا؟
*
أولئكَ كالجُرْذانِ فائضُ حاجَةٍ
سَواءٌ مَعَ اللاتي سَرَحْنَ سَوائبا
*
نُريدُ أُناساً كالزُلالِ غديرهُمْ
لِتَلْفُظَ غُدْرانُ المياهِ شَوائبا
*
أصَنّاجَةَ الطاغوتِ حاشِيَةِ الخنا
عَدِمْتُكَ شَعّاراً نَبَذْتُكَ كاتِبا
*
فلا تمْنحِ الجلّادَ قَطُّ دريئةً
وان تركَ البابَ اللعينَ مُوارِبا
*
ويكفيكَ من حَقٍّ شَقاءُ مُهَجَّرٍ
يُريكَ بِمَنْ واليْتَ يوماً مثالِبا
*
عَنادِلُ أشجارِ الديارِ أخافَها
رَصاصُ ذوي القُربى فَعِفْنَ أقاربا
*
رَموْكِ حُماةُ الدارِ يومَ كَريهةٍ
ولم تَجِدي في الأقربينَ مناقِبا
*
تُوافيكَ ثَكالى الحَيِّ عن خَبَرِ الحِمى
عَدِمْتُ حُماةَ الدارِ ثُمَّ المضاربا
*
فَبِئسَ بنو عَمٍّ ظباءُ رُبوعِهمْ
تُهرْولُ للأغرابِ رُعْباً مواكبا
*
تَلوذُ بمن جاسوا خلالَ ديارنا
فَيا ذُلَّ منهوبٍ توسّلَ ناهِبا
*
طَفَقْنَ لأطواقِ النَجاةِ بلا هُدىً
مشارقَ أحياناً وحيناً مغارِبا
*
صَنعْنَ أضاليعَ الصِغارِ زوارقاً
فهل تذكرُ الأمواجُ تلكَ القواربا
*
وما جهلتْ هوْلَ البِحارِ وإنّما
رَبابِنةُ الدفّاتِ خانوا المراكِبا
*
وَثَمّةَ حوتٌ قد تَلَمّظَ ريقَهُ
كَحيّةِ سَحّارٍ ترومُ مآرِبا
*
وأبيضَ ما بين البحارِ وسيطُها
تسوّدَ محزوناً يُجيبُ نوادبا
*
ألا ليْتَ قيعانِ المحيط نواطقٌ
فَترثي رياحيناً هُناكَ رواسِبا
*
وَيونسُ نادى اللهَ فَرْطَ قُنوطِهِ
وفي فُلْكِهِ المشحونِ ضَجَّ مغاضبا
*
ورغمَ صدى (يونانَ) من جوْفِ حوتِهِ
أرى جُزُرَ اليونان سدّتْ مَهاربا
*
فَيا أيّها الإغريقُ لسْتُ خصيمَكم
وطفلُ غريبِ الدارِ رامَ ملاعِبا
*
وهلْ دثّرَ اليقطينُ قلبَ مُهَجّرٍ
جُوارَ نبيّ الحوتِ ماتَ مُعاتبا
*
وَتُهمةُ أطيارِ الديارِ رسالةٌ
بِها غرّدوا وَضْحَ النهارِ مَطالبا
*
عَشيّةَ أمسى القوتُ رَهْنَ سِياطِهم
وباتتْ فراديسُ البلادِ خرائبا
*
هُنالكَ صاحوا يا سماءُ تَكلّمي
فهيْهاتَ منكوبٌ يُسامِحُ ناكِبا
*
دَواليْكَ غنّوها غداةَ تبيّنوا
بيادِرَ قَمْحٍ دونهم وَحَواجِبا
*
فما ذنْبُ عُصفورٍ يُراودُ بيدراً
وَحقّكّ فَرْطَ الجوعِ شَبَّ مُشاغِبا
*
وَهُدْهُدُ فلّاحٍ تَنبّأَ هامساً:
حذارِ إذا العُصفورُ حازَ مَخالِبا
*
وَأعْلَمُ أصواتَ القصائدِ خُلّباً
وما هزمت يَوْمَ اللقاءِ مُغالبا
*
ولكنْ سأفتضُّ المواجِدَ عَنْدَماً
وأعصِرُ وجْدَ الفاقدينَ سَحائبا
*
وابعثُ ديماتِ الفؤادِ رسائلاً
على فُقَداءِ الجوْرِ تهمي سواكِبا
*
حَنانيكَ ربّي في رفاتِ طَرائدٍ
لها ظُلُماتِ اليَمِّ أضحت غياهِبا
***
د. مصطفى علي






