ترجمات أدبية

أليكسيس ستراتون: ليالي السبت في سيول

بقلم: أليكسيس ستراتون

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

- هل لديكِ حبيب؟

كان هذا من أول الأسئلة التي طرحها عليّ طالباتي عندما وقفت أمام صفهم في اليوم الأول من العام الدراسي. ثلاثون رأسًا بشعرٍ داكن، ثلاثون زوجًا من العيون السوداء، ثلاثون زيًا باللونين الأزرق والأبيض، ثلاثون فتاة يتهامسن ويضحكن.

قلت مهدئةً ضحكاتهن:

- لا بأس، لا، لا يوجد حبيب.

رفعت فتاة أخرى يدها. وعندما أشرت إليها بالكلام، همست لزميلتها الجالسة بجانبها. تبادلتا حديثًا قصيرًا، ثم تكلمت الثانية:

- هي تريد أن تعرف عن الحب الأول. أول حب للمعلمة.

- الحب الأول؟

التفتُّ نحو السبورة، ثم نظرت إلى السقف، أفكر في ما يمكنني قوله.

- حسنًا، كان هناك شاب أحببته في فترة الجامعة.

تنهدت ثم استدرت مجددًا لأواجههن.

- كنا صديقين مقرّبين، لكن في يوم ما، كان علينا أن نقول وداعًا.

- لماذا؟

سألت الطالبات، بالإنجليزية والكورية معًا.

- لماذا، يا معلمة؟

- كان من بلد آخر. وكان عليه أن يعود إليه.

تنهدت الطالبات جميعًا تقريبًا في نفس واحد، وهنّ يومئن برؤوسهن، وكأنهن فهمن.

- محزن جدًا، يا معلمة.

أومأت الفتاة التي طرحت السؤال أيضًا، ثم نظرت إلى الورقة على مكتبها.

***

كانت تجلس عند البار، تسند ذقنها إلى يدها. شعرها الأسود مربوط على شكل ذيل حصان فوضوي، لكنه من ذلك النوع الذي يبدو مقصودًا أن يكون فوضويًا. خصلة من الغرة تنسدل على جبينها.

كانت تجلس وحدها عند البار. ظننتُ أنها ربما أمريكية-كورية أمريكية. حتى في أماكن مثل "كاسا كابانا"، نادرًا ما يجلس الكوريون بمفردهم.

- ما اسمك؟

في صوتها لمحة خفيفة من لكنة كورية، كلماتها مشوهة قليلًا. من حولنا، وخلفنا، كانت أغنية بوب أمريكية تنساب من مكبرات الصوت، من ذلك النوع الذي اعتاد والداي تشغيله خلال رحلات السيارة الطويلة عبر البلاد.

- هايدن. هايدن بيري.

- أليس هذا اسمًا لصبي؟

- إنه اسم عائلي.

حاولت ألا ألاحظ ابتسامتها وسط ظلال الإضاءة الخافتة في البار. زوايا شفتيها الورديتين ارتفعت قليلًا، وانتظرت أن تظهر أسنانها، لكنها لم تفعل. قالت:

- اسمي مينجي، هان مينجي.

كانت هاريسو رجلًا في السابق. إنها من أجمل الكوريات اللواتي رأيتهن في حياتي. وُلدت باسم لي كيونغ-يوب، لكنها في نهاية التسعينيات أصبحت امرأة تُدعى هاريسو. في إحدى الليالي، اكتشفها وكيل أعمال في نادٍ ليلي، وسرعان ما أصبحت عارضة أزياء خارقة ونجمة مشهورة في كوريا وخارجها. أصدرت خمسة ألبومات منذ عام 2000، وتزوجت من حبيبها آنذاك ميكي جونغ في 2007، وكانت ثاني شخص في كوريا يغير جنسه قانونيًا.عندما أعلن العارض والممثل الكوري كيم جي-هو عن هويته المثلية في عام 2008، تدفق مستخدمو الإنترنت على موقعه ومدونته، وأمطروه بالإهانات والمضايقات. رفضت وكالته تجديد عقده، وألغت البرامج التلفزيونية استضافته.في العام نفسه، عُثر عليه مشنوقًا في منزله في سيول، وكان يبلغ من العمر 23 عامًا—واحدًا من أربعة نجوم كوريين انتحروا في نفس الشهر. كتب في رسالته أنه يشعر بالوحدة وكان يمرّ بمرحلة صعبة. في "كاسا كابانا"، في الليلة التي تلت وفاة جي-هو، وقف النادل دقيقة صمت احترامًا لروحه، ورفعنا جميعًا كؤوسنا لذكراه.

كان لها أسلوب معين في إزاحة غرتها خلف أذنها اليسرى—دائمًا تلك الجهة. لكنها لم تكن طويلة بما يكفي، فكانت تسقط مجددًا على جبينها، فتعيدها مرة أخرى.يدها على يدي، أطراف أصابعها ناعمة. ضحكة شخص ما في الخلفية.أصابعها على شفتيها، في لحظة تفكير—عبارة قرأتها في مكان ما، أو مثل كوري لا أعرفه بعد، أو ربما كتاب التقطته من مكتبة إنجليزية الأسبوع الماضي—وسألتني: "هل قرأتيه؟"

بشرتها الناعمة على بشرتي، وتساءلت في داخلي: هل تعزف البيانو؟ أخبرتني أنها تفعل، منذ سنوات.في إحدى الليالي، أبعدت خصلة من شعري عن وجهي، وكفها تلامس وجنتي. قالت: "أنتِ جميلة. مثل نجمة سينما." لكنني كنت أعلم أنها تقول ذلك فقط لأنني أمريكية، لأنني بيضاء، لأن هذا ما يُقال—يقولون أنني أشبه ميغ رايان، يقولون جودي فوستر، يقولون...

هززت رأسي وانسحبت مبتعدة، استدرت على المقعد، لكن يدها بقيت على ذراعي أصابعها تضغط على جلدي. تخيلتها بين ذراعيّ، تخيلتنا نحتضن بعضنا في الحديقة، تخيلتنا متشابكتين على أرضية الأوندول الدافئة في نزل قريب.

- رجاءً.

أطراف أصابعها على جلدي، في شعري.

- دعيني أشتري لكِ مشروبًا.

- أنا حقًا أحب أسلوبك، يا معلمة.

كان ذلك بعد الحصة. جاءت ثلاث طالبات للحديث معي—كن يأتين عادة أثناء وقت الغداء. إحداهن، تُدعى "آ-ريم"، كانت تحلم بأن تُصبح معلمة لغة إنجليزية، أرادت أن تعيش في أمريكا وتتقن اللغة. لمست كمّ قميصي. أعجبها أسلوبي. بقي لها عام ونصف، ثم تتخرج—ثم تحقق أحلامها. كانت تعرف ذلك. أخبرتني بهذا في أحد الأيام. أخبرتني أنها تحب أسلوبي.

لم أكن أدرك أن لي "أسلوبًا".

لمست كمّ قميصي الأسود.

- إنه فقط... مختلف تمامًا عن معلماتنا هنا."

أومأت صديقاتها موافقات.

أصبحت ألاحظ هذا بعد حديثنا—المعلمات يرتدين قمصانًا مزركشة بالكشكش، بالتطريز أو الخرز أو الزينة اللامعة، وتنورات مكشكشة أيضًا، مع مساحيق التجميل والأقراط. أما المعلمون فبالقمصان ذات الياقة أو الرسمية، أو بالبدلات والبنطال الرسمي.

سألت آ-ريم، وعيناها تلمعان بالفضول:

-هل يرتدي الناس هكذا في أمريكا؟ هل الكثير من الفتيات يقصصن شعرهن قصيرًا؟

شعرت بيدها على ذراعي. نظرت إليها، وإلى العيون الأخرى التي كانت تترقب إجابتي. صديقاتها فضوليات.

- أعرف الكثير من الناس يلبسون هكذا، نعم. وبعض الفتيات يقصصن شعرهن قصيرًا.

رنّ الجرس. واختفين.

كان النادل يقول لها شيئًا بالكورية، نكتة لم أفهمها، فضحكت. أنصتُ إلى الموسيقى، وتطلعتُ حولي إلى الوجوه - الرجال والنساء، كل تلك البشرة المختلفة، كل تلك الألسنة المختلفة.عندما غادرنا، كانت الشوارع لا تزال مزدحمة، حتى في ساعة متأخرة من الليل. كانت تتكئ عليّ، ذراعها متشابكة مع ذراعي. أضاء نور النيون وجهها، وهجًا أحمر.

-هل تريدين اسمًا كوريًا؟

شعرت بتأثير الشراب على شفتيّ، في خطواتي. ابتسمت.

- ماذا، لكي أصبح أكثر كورية؟ هل تقولين إنني لا أندمج؟

كانت تعمل في شركة أمريكية في سيول - شركة كبيرة كانت ترسلها إلى شيكاغو مرة في السنة لحضور مؤتمر سنوي. في أمريكا، كانت تخبر الناس أن ينادوها "ميني" - "مثل نجمة السينما."

- أحيانًا يأخذ الكوريون أسماء أمريكية في دروس الإنجليزية، كما تعلمين. يمكنك أن تأخذي اسمًا كوريًا.

لافتة نيون مكتوب عليها "نوري بانغ" جذبتنا أقرب فأقرب، وسمعت صوت رجل عجوز خشن يصدح بأغنية كورية من مكان ما في الداخل. نظرتُ إلى أسفل الزقاق، فرأيت المزيد من الأضواء وشممت رائحة الزيت الحلو لطعام الشارع، البائع في نهاية الشارع يبيع كعكات على شكل سمكة محشوة بالفاصوليا الحمراء، يتصاعد البخار من عربته - نهاية مثالية ليوم بارد أو ليلة سكر. ارتعشت رغم سترتي السميكة:

- حسنًا. ماذا ستسمينني؟

أدارتني نحوها ووضعت يديها الباردتين على خديّ. التقطت عيناها عينيّ، وعرفت أن أي شيء ستقوله سيكون حقيقيًا، سيكون ملكي، سيكون ملكنا. قالت:

- "هانول"،  تعني 'الجنة."

***

في ليالي السبت في سيول، تزدحم الحشود في الشوارع، أكتاف تدفع أكتافًا، لا "اعذريني"، لا "آسف". يذهب الشباب إلى النوادي في شينتشون؛ كنت آخذ القطار كل عطلة نهاية أسبوع وأتوجه إلى إيتاوان أو هونغداي أو جونغنو. كنت أترنح نحو "كاسا كابانا" في إيتاوان، الحي الأجنبي، وقد ثملت قليلًا. كانت الوجوه على طول الطريق تصدمني - تشكيلة الألوان، الأصوات، اللهجات، اللغات. لكن بمجرد وصولي إلى "الكاسا"، كما كنا نسمي المكان بحب، كان كل شيء على ما يرام. كنت أرقص على أنغام الموسيقى، أشرب الجعة، أبتسم وأضحك وأفكر، ها أنا ذا. ربما ينتهي بي المطاف في غرفة موتيل مع أحدهم، أو شقة، أو ربما أكتسب أصدقاء ونذهب إلى بار آخر، مكان قريب يمكننا فيه التحدث أو الضحك أو الرقص أو المعرفة، أن نُعرَف.لا يوجد الكثير من الأماكن مثل هذا المكان هنا"، كان الناس يقولون دائمًا عن "الكاسا". وكان هناك كوريون وأجانب وكوريون لا ينتمون إلى كوريا وأجانب لا ينتمون إلى أي مكان، وكنا ندرك جميعًا أن لا أحد منا ينتمي إلى أي مكان، لا أحد منا. إلا هناك - في "الكاسا"، كنا جميعًا ننتمي.وهناك قابلت مينجي.

- ماذا لو فعلت؟

قالتها عندما سألتها إذا كانت ستأتي معي إلى المنزل. أمسكت كأس السوجو الصغير بأناملها برقة، وشفتاها تبتسمان.

***

- هل يعرف والداك؟

- لا، بالطبع لا. في كوريا - حسنًا، لا يمكنك. كما تعلمين.

كانت دائمًا تنظر إلى الأسفل عندما نتحدث عن عائلتها. كانت عيناها تتبعان عروق الخشب في منضدة البار

- لكن الأمور تتغير.

المشهد نفسه، يوم مختلف، البشرة، الوجوه. ألسنة وأصوات وغناء.

- نعم. لكن ببطء.

****

قال لي أخي:

- معظم حالات الانتحار تحدث في سيارات الإيجار.

كان قد حصل للتو على وظيفة في "هيرتز"، وكان يخبرني كثيرًا بقصص عن الأشياء التي يجدها في السيارات المسترجعة - نظارات شمسية باهظة، حذاء منفرد، حمالة صدر على علم الكونفدرالية.قلت:

- هذا كلام فارغ.

كنا نتحدث على الهاتف، بفارق اثنتي عشرة ساعة، من كوريا الجنوبية إلى نورث كارولينا.

- لا، أنا جاد.

كنت أفتش في ثلاجتي عن الفطور.

-    يا إلهي، تريفور.

-    لا يريد الناس أن يفعلوا ذلك في سياراتهم الخاصة. ستفسدها أو شيء من هذا القبيل.

سحبتُ عبوة حليب.

- هل اضطررت لتنظيف دماء أو شيء ما؟

- ماذا لو فعلت؟

***

كانت تهز رأسها.

- الدم مهم جدًا هنا. العائلة مهمة جدًا.

لكن كانت هناك أشياء لن أفهمها أبدًا، أشياء لا يمكن للغة ولا الزمن ولا المكان أن يمنحوني إياها. لا "الكاسا"، ولا الليل، ولا برودة الجو.

- لكن ماذا عن الحب؟ والجنس؟

ثم كنت أنظر إلى سماء الليل، أشعر بوهج النيون البارد كأمواج المحيط تصطدم برأسي، صناجات تصدح وصامتة في آنٍ واحد. قلت:

- أعني، ماذا يفترض بكِ أن تفعلي؟ أن تضاجعي رجلًا أو شيء من هذا القبيل؟

- لا أعرف. لديك عائلة. هذا كل شىء.

***

  • هل أنت ولد أم بنت؟"

صدر الصوت من الأعلى، بالكورية، من مجموعة طالبات في زي موحد - أزرق وأخضر زاهٍ يلمع تحت أشعة الشمس - يتجمعون على طول السور. الفتاة التي قالت ذلك كانت أطول من البقية، تنورتها المزركشة الزرقاء تلامس ركبتيها.كنت في زيارة لدار أيتام في ريف كوريا. في ذلك اليوم الحار بالتحديد، قررت المساعدة في بعض أعمال البناء. كنت أرتدي بنطالًا مبقعة بالإسمنت وقميصًا باليًا.

أجبرت نفسي على الابتسام.

- بنت.

صرختُ عليهن، كانت إجابتي أيضًا بالكورية.

لمست فتاة أكبر سنًا ذراعي. هي وصديقتها كانتا تتحدثان معي معظم الصباح - يسألانني عن أمريكا، ويخبرانني عن أحلامهما، مستقبلهما.

- لا، لا - أنت تبدين كفتاة. من الغباء ألا يميزين."

قالت صديقتها:

- هذا لأنك تعملين بجد.

- نعم، تبدين كفتاة، أيتها المعلمة.

ابتسمنَ لي. نظرتُ مرة أخرى إلى صف الأطفال الذين ينظرون إلي من الأعلى، بشرتي مغطاة بالأوساخ والسخام.

***

سكبتُ لها كأسًا آخر من السوجو.

-هم يعتقدون أن الأمر بيولوجي.

رفعت الكأس إلى شفتيها وتوقفت.

- لكن الآباء لا يعتقدون ذلك عن أطفالهم. لا يعتقدون أن هذا يحدث في كوريا. لذا يمكنكِ أن تكوني كذلك، لكن لا يمكنني أنا.

شربت، عيناها مغمضتان من حدة المشروب. كانت قد شربت أكثر من اللازم، قالت إن يومها في العمل كان صعبًا. وضعت ذراعي حول كتفها؛ تحت الطاولة، لامست ركبتانا بعضهما بالكاد.

فتحت عينيها على اتساعهما بينما تبتلع المشروب، لكنها لم تكن تنظر إلي.

- تعرفين، والداي يريدانني أن أتزوج.

- والداي أيضًا.

دوّرت الكأس بين أناملها، عيناها مثبتتان على شاشة التلفاز، بعض برامج الكوميديا المليئة بالمغامرات مع ضحكات مزعجة مسجلة.

- لديهما شخص يريدانني أن أقابله.

***

سألني سائق التاكسي بالكورية.

- هل أنتِ متزوجة؟"

هززت رأسي نافية.

- صديق؟

مثل هذا الحوار حدث من قبل. وسيتكرر مرة أخرى. هززت رأسي.

- لا. لا يوجد صديق."

تعبير دهشة على وجه سائق التاكسي. ابتسم:

- لماذا لا؟

هززت رأسي وشاهدت لافتات النيون تمر بسرعة.

- لا أعرف.

** **

ما أتذكره هو ذوبان الثلج، المياه المتجمعة على الأرصفة، خطواتي في البرك التي بللت جواربي. أشجار الكرز ببراعمها الوردية المشدودة تقف بثبات على أغصان تبدو هشة. رغبتي في أن أضمها بين يديّ، لأدفئها، لأجعلها تتفتح.

"إلى أين أنت ذاهبة؟"

الليل ويدي على ذراعها. قبسة مسروقة تحت قوس مظلم. التعثر على الدرج. الحرارة المتصاعدة من أرضية الشقة، يداي على خصرها، على ملابسها، في شعرها.

-    لا مكان.

-    مينجي، لا تفعلي. ابقي."

وجهها منعطف عني، يداها تحجبانه، تغطيه. شعرها منحل، كتفاها عاريان.

- لا أستطيع.

***

قال تريفور:

- يجب أن تخبري أمي وأبي..

تجاهلت الأمر، لكنه بالطبع لم يرَ. خارج النافذة، كان المارة يتنقلون تحت المطر، مظلاتهم تتهادى كفسيفساء ملونة.

- على الأرجح أنهم يعرفون بالفعل، هايدن.

- كيف ذلك؟

تنهد من طرف الخط الآخر.

- ليس كما لو أنكِ تستطيعين إخفاء الأمر.

***

في غرفة "نوري بانج"، كانت دائمًا تختار أغاني الحب الأمريكية. في إحدى الليالي، طلبت منها أن تغني أغنية كورية سمعتها، فقالت فقط إذا غنيتها معها. كان صوتها حلوًا ورقيقًا مقارنة بقوتي غير المصقولة. شعرت بحروف العلة الكورية ثقيلة ومتعثرة في فمي.

انتهت الأغنية، وسكتت السماعات، لم يتبق سوى همسة الشاشة في الجو، قالت.

- أحبكِ.

صوتها خافت في الصمت المفاجئ للغرفة، المايكروفون بجانبها.

أمسكتُ بالمايكروفون بشدة، الزر يخترق جلدي.

- لا تقولي ذلك.

- لكنني أحبك بالفعل

كانت تومئ برأسها، واستمرت في الإيماء. سقط المايكروفون من يدها على الأرض، يداها مرتخيتان.تقدمت خطوة نحوها.

- مينجي. أرجوك.

حدقت في الأرض لكنها لم تتحرك - كتمثال، باستثناء رأسها المومئ.اقتربتُ منها وأحطتها بذراعي، هناك في الغرفة المظلمة، وشعرت بوجهها يضغط على كتفي. دفء أنفاسها على جلدي، دموعها الدافئة تتسرب عبر قميصي.

كان هناك رجلان يمسكان بأيدي بعضهما في وقتٍ متأخر من الليل في حي إيتايوون، يتعثران تحت تأثير الشراب — رجلان عجوزان، أجوشي، وجوههما مجعدة بالتجاعيد. كانا يبتسمان، يميل أحدهما على الآخر، يتمتمان بكلمات كورية متلعثمة. عضضت شفتي وأنا أراقبهما يمران، أقدامهما تتفادى البرك المتبقية على الطريق.

قالت لي آ-ريم عندما سألتها عن الأمر بعد الحصة ذات يوم

- هذا لا بأس به، فقط بين الأولاد والبنات لا يجوز. لكن لا بأس بين الأصدقاء. والعائلة.

- وماذا يحدث إذا أمسك ولد وبنت بأيدي بعضهما؟

- حسنًا، هذا يحدث أحيانًا. الأمور تتغير. خاصة في سيول.

**

- وماذا لو فعلتُ أنا؟

هززت رأسي.

- لا تتكلمي هكذا

كانت تخطو ذهابًا وإيابًا، شعرها مبلل من المطر، قطرات تتعلق بأطرافه قبل أن تسقط على قميصها القطني.

- لكن ماذا لو فعلت؟ لا أستطيع— لا شيء... لا شيء...

- توقفي. بالله عليكِ، مينجي— لا يستحق الأمر- حبيبتي -

**

كان تريفور صامتًا على الطرف الآخر من الهاتف.

- تريفور، هل أنت بخير؟

أتناول الحليب وحبوب الإفطار مجددًا. كنت متأخرة.

تنحنح قليلًا.

- أجرنا سيارة لرجل، وهو... واليوم...

أنصتُ لأنفاسه.

ارتجف صوته عندما تحدث مرة أخرى.

- كان لديه ثلاثة أطفال. كان لديه ثلاثة أطفال، وهو...

***

- لا أظن أن بإمكاني رؤيتك مجددًا...

كانت جالسة على سريري، ساقاها متقاطعتان. كان المطر يهطل خارجًا.

- لماذا؟

أخذت وجهي بين يديها، دفعت خصلة شعر عن جبيني.

- عليّ أن أفعل.

- لكنني لا أفهم.

كان شعرها الأسود ينساب على الوسادة، وجهها يبتسم، أسنانها ظاهرة من بين شفتيها. هذا ما أتذكره. يدها في يدي، شفاهها على كأس السوجو، الأغاني في الهواء، ورائحة شعرها، وطريقة سقوط المطر في ذلك الصيف — كان قاسيًا ومروعًا، يغمر الشوارع بجداول لا تنتهي وبرك عميقة. كنت أحمل مظلتي وأمشي في شوارع سيول، وأراها في كل وجه - الشعر الأسود الناعم، العيون الداكنة التي تنظر بعيدًا، ابتسامة خجولة لا تكتمل أبدًا. طلبت منها أن تأتي إلى بيتي، طلبت منها- يدها الصغيرة تضغط على جلدي. ابتسمت لي، لكن بشفتيها فقط:

- هانيول. أنتِ جميلة.

(تمت)

***

.....................

الكاتبة: أليكسيس ستراتون/ Alexis Stratton كاتبة أمريكية من ولاية إلينوي، لكنها عاشت في أماكن عديدة طوال حياتها، من كارولاينا إلى كوريا. تقيم حاليًا في كولومبيا، ساوث كارولاينا، حيث تعمل وتدرّس وتكتب. ظهرت أعمالها مؤخرًا في مجلات أدبية مثل

The Drum Literary Magazine وPure Francis وApparatus Magazine وKorea Infusion.

https://twohawksquarterly.com/2010/09/20/saturday-nights-in-seoul-by-alexis-stratton

في نصوص اليوم