ترجمات أدبية

إرنستو رينيه رودريغز: الخروج من باريس

بقلم:  إرنستو رينيه رودريغز

ترجمة:  صالح الرزوق

***

وصل روغيليو إلى باريس في الفجر. كان في سيارة وبرفقته ثلاث بنات، اثنتان للاهتمام بالمقود. ويا لها من مهمة لسابينا وجيني، فهما لم تقودا سيارة لمسافة طويلة كهذه. ولكن قادتا ببراعة فولكسفاغن موديل 1990، وفي بعض المناسبات تجاوزت السرعة 150 كلم بالساعة. في الرحلة القادمة من برلين، وخلال عبور الحدود بين ألمانيا وفرنسا، لم ينحسر الشك بإمكانية إلقاء القبض عليهم، فروغيليو يحمل فيزا انتهت صلاحيتها في ألمانيا. وإن لم يكن السبب هذه الشبهات، لوقع الاختيار على طريق أقصر، يمر من بلجيكا:  والمعضلة هي نقطتا التفتيش.

توقع روغيليو أن يخرج سالما من المشكلة، كان نور البنات ساطعا  وينبئ بالثقة،  ومع ذلك كن متأكدات أنه يتعين عليهن التفكير بحيلة بأسرع ما يمكن. وقبل عدة أميال من الحدود في ساربروكين جاء أول اقتراح:  أن يخبئوا روغيليو في صندوق السيارة. لكنه كان يشعر أنه غريب، مثل شيء قديم على حصان دمية. ولكن برزت أفكار بديلة ولم تكن أي منها قابلة للتطبيق. اقترحت أسترايد، ثالث بنت، إيقاف السيارة. كانت قد سافرت مع روغيليو بالمقعد الخلفي، وإن كانت فعلا تتقن القيادة، فهي محرومة من موهبة التعامل مع الطريق السريع. 

توقفوا في محطة وقود بعد حلول الظلام. وفي الكافتيريا وهم يأكلون البيتزا، خطر لسابينا فكرة. قالت: "وجدتها". وأشارت لرجلين يقفان عند الكونتور. قالت: "ألا يبدو لكم مثليا؟". وافق الجميع بهز رؤوسهم قائلين: "نعم". "إذا علينا أن نساعد روغيليو على ارتداء ثياب نسائية". اتتزعت جيني قرطيها وقدمتهما له. قالت: "خذهما. أعتقد أنهما بحجم مناسب". قال: "ليس القرطين فقط. القليل من أحمر الشفاه والمساحيق فكرة طيبة للتأثير بأول موظف يمد رأسه من النافذة عند الحدود". وتذكرت أسترايد أنها حضرت مشاهد مماثلة في العديد من الأفلام،  ومعظمها بظروف مأساوية. والأفضل الاستماع لكلام روغيليو، والبحث في السيارة عن ثياب ومكياج نسائي واستعمالها.

في حمام السيدات جهزن روغيليو بعدة أشكال حتى وصلن لأنسبها. وشعرن بالراحة جميعا. وحينما نظر روغيليو إلى  نفسه بالمرآة قال:  "شيء سخيف. ببساطة شيء سخيف".

قالت جيني بتحمس: "ولكنك شيء ثمين لنا".

تساءل روغيليو ببعض الارتباك: "ثمين؟".

كررت جيني وهي تخفض صوتها: "اعذرني حقا، لكن أنت ثمين".

قالت سابينا: "معنا لست مضطرا للتنازل. وهي محقة. شكلك رائع".

نفخت أسترايد بمكر: "عليك أن تكون ممتنا لنا".

قال روغيليو وهو يرمق نفسه مجددا بالمرآة: "بأي طريقة من الطرق أنا غير قادر على حركة واحدة بهيئة فزاعة الطيور هذه".

قالت أسترايد: "بالعكس. أعتقد أنك ستحصد عددا كبيرا من المعجبين".

وحذرت جيني بقولها: "نحن نتكلم عن عبور الحدود فقط".

قال روغيليو: "حسنا. لا بأس. هذا عمل جيد. ولكنني غير معتاد على تبديل شخصيتي لدرجة راديكالية".

قالت جيني: "قبل أن تندم، هذا الشكل يستحق صورة. سأبحث عن كاميرا". وعلى الفور غادرت الحمام. 

في نفس الوقت حرصت أسترايد وسابينا على تشجيع رودريغو للخروج، وهذا أفضل طريقة لكسر الجليد.

عندما عادت جيني، طلبوا من امرأة التقاط صورة لهم عند باب الحمام، على أن تظهر إشارة حمام للسيدات وراءهم.  وبما أنها كاميرا إلكترونية، يمكنهم كتابة مناسبة التقاطها على الشاشة. وظهروا بشكل ثلاث بنات بسيطات وجميلات مع عارضة أزياء مهمة. مر رجلان وتقريبا أطلقا صفرة إعجاب.

حين وصولهم إلى الحدود، أدهشهم أن الناس حولوا منطقة المراقبة إلى مركز استجمام، ومخيمات، أو ما يشبه محطة سفريات. وبلا حراس في أي مكان، أما مواضع الحراسة الألمانية والفرنسية فقد كانت كتابات الغرافيت تغطيها بلغات مختلفة، والأبواب والنوافذ مخربة تماما. ولكن من باب الحرص احتفظ رودريغو بتنكره.

تعليمات للمهاجرين إلى سويسرا: 

هناك نقطة  على خريطة هذا البلد ("غير المتاح") ويجب وضعها بعين الاعتبار. بالعكس من بقية المناطق السويسرية المحاذية لإيطاليا وفرنسا والنمسا، الصعوبة الوحيدة هي النهر. لمن لا يتقن السباحة، يوجد برج - يعود للقرون الوسطى. ولكن للوصول على المرء أن يشق طريقه عبر ألمانيا، إلى  جنوب غرب سويسرا:   حيث الغابة السوداء.

حسنا. لا يوجد ما هو أفضل من عبور جسر "المعجزات" الصغير بدراجة. وإذا أمكن أن تلبس ثياب دراج أولمبي، وبالأخص بقميص بلا ياقة من قمصان الفريق السويسري. وتبين أنه على جهتي الجسر،  ستجد بلدتين صغيرتين وعمليا تؤازر الواحدة الأخرى. إحداهما في ألمانيا وطبعا الثانية في سويسرا. ولكن عند مدخل كل طرف تجد عبارة -  Cuidado   احذر. Achtung  انتبه. وهذا هو حال نقاط الحدود التي تعمل عملها.  من جهة أخرى، يوجد تفاصيل تشبه النكتة، أو اللغز والميزة، فالقريتان في الواقع تحملان نفس الاسم:  وهو رينفيلدين.  وفي نفس الوقت مهما كانت وجهة نظرك ومقاربتك أنت تخضع لفروض تحددها جنسيتك  ومحبة الآخر ورغبته بها. والآن احذر جيدا:  لا يجوز احتجاز أحد ولا يترتب على أحد واجب  تقديم جواز السفر. فهو بغيض.

والموضوع بهذا الشكل:  إذا قررت أن تهاجر وتمر من هذا الجسر الممدود فوق نهر راين تين تين لا تتردد. وتذكر أنك ستواجه قبل بدايته ... ونهايته، حسنا.. حظا طيبا يا رفاق.

الطريق السريع الفرنسي، بعكس الألماني، يوفر حزمة من صناديق الدفع الأوتوماتيكية. لا تتجاوز أحدها حتى يظهر الآخر. هذه المقاطعات أرهقت السيارة. كانت سابينا وراء المقود، وهي أكثر من تحسس من المشكلة، وبالأخص حينما تضغط على الفرامل، وتصيح: "اللعنة. واحد منها يكفي". وما يدهش أنها انتهت. ولكن اوقفتهم دورية. صاحت سابينا بتألم: "هذا كل ما نحتاج له. لم يبق إلا أن نتحول الى فيلم هوليوودي". ودون إطفاء المحرك، وقفت بالسيارة على بعد عدة أمتار من الدورية. ولكن أخذت الشرطة وقتها للخروج من السيارة.

قالت أسترايد: "اسمع يا روغيليو. مهما حصل اسمك الآن آنا رينفيشتاين".

توسل روغيليو: "من فضلك هل يمكن أن تكرري اسمي؟".

هجأته أسترايد:  "بكل سرور. ر-ي-ن-ف-ش-ت-ا-ي-ن. كما أنك أبكم ونسيت أوراقك في برلين".

قال روغيليو: "أنا أبكم. ولا يمكنني الكلام".

قالت أسترايد: "طبعا استعمل الإشارة. وإحدانا ستترجم لهم".

قالت جيني: "نعم. ولكن إذا ساء الوضع وقررت الشرطة تعقب أسرارنا، كيف نتصرف؟".

قالت سابينا: "حسنا. بعدها نطلب اللجوء".

قال روغيليو: "لا. ليس اللجوء. فكرة الهجرة تزعج الفرنسيين تماما. وسيرحلونني. وسيتهمونك بتهريب مهاجرين".

قالت أسترايد:  "حسنا يا روغيليو. إذا اكتشفوا أمرك، أنت متحول. وهذا كل شيء".

وذكرته جيني: "ولا تنس أن تبقى أبكم".

"لا تقلقي. أنا لا أتكلم الفرنسية".

قالت سابينا: "وأنا لا أعرف أكثر من عبارة ماشي الحال".

قالت جيني: "وأنا أيضا. باريس. أحبك". قالت أسترايد: "وأنا، أحب عبارة واحدة. هل تودون سماعها؟".

قالت سابينا: "أعتقد بمقدورك أن تنتظري لوقت أفضل، فالشرطة قادمون إلينا". وكانت قد رأتهم بالمرآة الصغيرة.

عندما أصبح الحراس على بعد عدة خطوات، قالت سابينا: "تمسكوا جيدا واخفضوا رؤوسكم". ودون تعليق، اتبع الجميع التعليمات. وفكرت سابينا إننا الآن سنتصرف كما يجري في الأفلام. وضغطت على بدال السرعة.

كانت الدورية لبعض الوقت وراء الفولكسفاغن وكان عناصرها يحاولون اللحاق بهم، أو يحاولون ضبطهم. وأسرعت سابينا كالمجانين ودون إضاءة. ورغم أن ضوء الدورية يرى لمسافات أبعد، ألح الجميع على سابينا أن تسرع إلى الطرف الآخر من الطريق السريع، ولكنها فعلت العكس، وأبطأت وتوجهت إلى ممشى الغابة. وهناك انتظروا حتى ابتعدت سيارة الدورية. وبعد عودة كل شيء إلى طبيعته، عادت سابينا بحذر إلى الطريق، وأشعلت المصابيح، وتابعت الرجلة. واصلت أسترايد نومها. وتقريبا جنت جيني، مستمتعة ببعض الشوكولا. أما روغيليو فوضع نظره على الخطوط البيضاء المرسومة على الإسفلت. ولأول مرة لزموا السكون. بعد قليل التفتت جيني. ودون أي كلمة ثبتت نظرتها على وجه روغيليو. ولم يكن يتوقع أن تنطق باي كلمة.

سألت جيني: "هل صحيح أنكم جميعا شمعة في السرير؟"

صاح روغيليو: "شمعة؟. مر وقت طويل لم أسمع  بهذا التعبير".

"نعم. شمعة..".

"مر وقت منذ سمعت هذا التعبير، ووقت أطول منذ سمعت ألمانية تستعمله".

"ليكن بعلمك.. زرت هافانا".

"وعليه تعرفين الجواب مسبقا".

"لا أحب أن أكون من خنازير غينيا".

"من؟".

"حسنا. من المشاغبات".

"أنت مثلا".

"ربما".

"لا يبدو أنك كوبي".

"هل هذا لأن رأسي أحمر؟".

"لا علاقة لذلك بعرقك، ولكن أشير لأسلوبك بالحياة".

"أريد تفاصيل".

"في بلدك الناس منفتحون ومعبرون. ومع الأجانب اجتماعيون جدا. لكنك مختلف".

"ربما لأنني محاصر بالأجانب. الإنسان يتأثر بغيره. وهذا يشبه انكسار الذات".

"لا أعتقد ذلك. أنت غريب على السياق".

"من فضلك يا جيني. كلامك يشبه زيارة العيادة النفسية".

"اعذرني. لم أتعمد ذلك. أنا أنتقل من شمعة في السرير لأكلمك عن الانطباعات، وأنني لم أكن محظوظة. .. انس ما قلت، يمكننا تبديل موضوعنا".

"نعم. ربما هذا أفضل".

سألت جيني: "هل تعبت؟".

رد روغيليو بهدوء: "قليلا، ولكن بما أنني هنا، لا أود أن يفوتني أي لافتة تدلنا على الطريق إلى باريس".

قالت جيني: "كما تعلم، هناك فيلم فرنسي  يحاول تجنب حماقات الغزل بين رجل وامرأة بالتركيز كليا على إشارات المرور:  باريس 70، 50، 10 كم". ولم تنتظر تعليقه وعادت إلى وضعها السابق.

استشارتهم سابينا بما يخص الموسيقا، فقد كانت أسترايد تغط بنوم عميق ولا يمكنها الاستماع لشيء. نهضت جيني ووضعت شفتيها في أذن سابينا. وقررت الاثنتان عزف شريط غواراشا. في البداية قطبتا ملامحهما دلالة على أن اتفاقهما كان عبثيا ومتسرعا، ثم  انفصلتا. وجاء من جهاز التسجيل أول كلمات الأغنية: 

En la luna se pue etá un me quizá, do me también, pero sin comé no se pue etá.

(ربما يمكنك أن تراني على القمر. وأنا أراك أيضا. ولكن لا يمكن ذلك بدون واحد مثلك).

كان روغيليو يعرف الكلمات. وبالإضافة للابتسامة، لم يمكنه التوقف عن الحركة. وكأن جيني سمعت أفكاره، فأخرجته من ذكرياته. قالت له: "كيف تتخيل باريس؟". وقدمت له قطعة شوكولا. شكرها.  واستغرق وقتا ليضعها في فمه، وليرد عليها.  هي وحدها من زار باريس من بين الثلاثة حين كانت طفلة.

قال روغيليو: "حاولي أن تفكري بالموضوع. قصفونا بالعديد من صور المدينة ومن عدة زوايا، ولم يتركوا إلا القليل للتخيل".

مرت لحظة صمت.

ثم تابع روغيليو: "لا تقلقي. إذا أدركنا هذه الحقيقة، ربما، يبقى لدينا احتمالات لا تحصى للتخيل".

"أنا لا أفهمك. إلى أي نوع من الاحتمالات أنت تشير؟".

قضم روغيليو الشوكولا ورد قائلا: "شيء يشبه ذلك".

"عن خيالك أم باريس".

أوشك روغيليو أن يجيب "بكليهما"، ولكن في آخر لحظة، بدل رأيه وقال "عن لامارك 18".

"وماذا يعني؟".

"محطة الممثلين في الفيلم الذي كنت تتكلمين عنه قبل لحظات".

قالت جيني: "أنت تغش  أنت تعرف الفيلم".

قاطعتها سابينا، واقترحت استراحة قصيرة، وأن تتكفل جيني بالمقود. ولم يكن لدى روغيليو أي رغبة ليشرح أنه غير مسؤول عن هذا الفخ، ولكن القصة، في كل الحالات، هي التي جهزته.

انطلق صوت روغيليو الداخلي: 

كان محظوظا تماما لأنه لاقى هاته البنات. وهن دافئات للغاية. أثناء استغراق الإنسان بتدبير سيارة يمر بكل أنواع الإحباطات وأشكال الشخصيات التي لا علاقة لك بها. ولكن عموما وبلغة غير دبلوماسية، يضعون فيك الجلد الذي يحملونه في تلك اللحظة. عموما يمكن للعكس أن يحصل. وهناك حالات تستحق عمليا المتابعة، ولكن غيرها... ماذا يمكنك أن تصنع سوى أن ترتجلها؟.

على مشارف برلين تخلصت من رباط بوطي لأتمكن من تعليق حرف K  حول رقبتي. وهو حرف مطلي بلون أصفر مثبت على لوح من الورق المقوى. وهي حزمة من صديق اعتاد، دائما بسبب الضرورة والهواية، أن يعتمد على السيارات المارة. وحسب كلامه هذا يعني أن يحملوني إلى  مدينة كاسيل أو  كارلسروه. ونصحني أن أطلي على الطرف الثاني من العلبة حرفا آخر. وطبعا يجب أن تكون إشارة تدل على الأمنيات الطيبة. اخترت حرف "هــ"، وهو أول صوت من اسم مسقط رأسي، وعموما أمامنا مدينتان تبدآن بهذا الحرف:  هانوفر وهايدلبيرغ. وفي لحظة ظهور البنات كنت على وشك إشهار حرف هــ، أو بالأحرى، التبديل ما بين الحرفين. وكان اتجاه البنات إلى باريس، ومع أنني أردت أن أجرب حظي، وأعمل في مقهى باريسي بصفة منظف أطباق، بالنسبة لي، وفي الواقع  لم أكن أجد فرقا بين كافة الاحتمالات. وكمت قد عزمت أن أستعين بأول قمر صناعي يحط على الأرض، ويعلن أن وجهته هافانا. حسنا. كل الدروب تقود إلى هافانا في النهاية. أليس كذلك؟.

استيقظت أسترايد وأعلنت أنها بحاجة لقليل من الروم، وأنه علينا إحضار زجاجة من جيب السيارة إن أمكننا، وأنها تشعر بالتجمد. وقدمت لها سابينا هذا المعروف. وحينما أنهت أسترايد شرابها، الذي كانت تتشوق له، ودون تردد، قلدها الجميع. في الواقع حينما فتحت جيني وسابينا بابيهما، تدفق الهواء البارد. نظرت جيني إلى ساعتها ولاحظت أنهم كانوا على الطريق لتسع عشرة ساعة. قالت سابينا إنها حاولت أن تنام، وأنها لا تفضل الموسيقا، لأن التبدل الحاد بالأصوات على الأرجح يوقظها. شرب روغيليو كوب روم آخر وارتاح على حضن أسترايد التي انطوت على نفسها وغطت نصفها بملاءة السرير. وبحركة صغيرة، قدمت له جزءا منها، وكان ممتنا لذلك. لم يكن  روغيليو يريد أن ينام، ولكن كان من المستحيل أن يتحاشى الإرهاق من هدير المحرك المستمر.

توقفت صديقاتي (حسنا، في هذه اللحظة، لم يكن صديقاتي) فجأة كما يحدث في الأفلام، على بعد أمتار من الشخص الذي يحمل حرف ك. انفتح باب السيارة الخلفي، ومن بقية النوافذ، أخرجن أذرعهن وأشرن إلى  اللافتة.  "ادخل ماذا تنتظر". ثم محاذرا الرياح، ببساطة بدأت أركض. كان المرور بحرف ك في واحدة من المدن شيئا غير متوقع، وشكرا لحرف ك، أو ربما رؤيتهن له فقط - كان مضحكا جدا لهن رؤيتي مع هذه اللافتة المدلاة من رقبتي - لم لا يقبلنها؟. صحبة رجل يحمل حرف ك على الطريق ليس أمرا سيئا. بعكس سابينا، قادت سابينا بمزيد من البطء. عموما لم تغادر المعبر السريع على الطريق السريع. فكر روغيليو بها وهم يقتربون من أحد أطراف فرانكفورت، ولا أحد، حسنا ربما جيني، لاحظ المدينة. قلق بنفس طريقة الأطفال وقال: "أوف. ماذا في ذلك؟". وضع أصبعه على جبينه، بشكل 8 تقريبا، وأضاف: "هذه حماقة". حصل ذلك بالأمس حينما خيم الليل. فكر: "غريب". هل ما حصل الأمس ممكن، أو اليوم، على الطريق السريع؟. ربما غدا؟. كيف يمكن لنيويورك أن تظهر في ألمانيا؟. قالت جيني "مثل نموذج مصغر". كأنها تدين ما حصل. ربما مثل هذه الصورة التي أخذتها لجندي، تحت المطر الغزير، وهو يقبل جنديا آخر عند تقاطع الشارع 41 و42  في هافانا. وأوقفا حركة المرور. من النادر أن ترى شيئا استفزازيا وعزيزا، افترضت جيني أنهم وصلوا في الفجر إلى باريس، وشعرت أنها تقترب من حالة شعرية وزادت السرعة.  ربما لأنها لا تريد إيقاظ سابينا لتستلم المقود.  بالمقارنة توجب علي متابعة الحركة، مصرا على جيني أنه بتلك الدراجة  وكاميرتها الرقمية، يمكن أن تختبر إحساسا آخر بالمدينة، مدينة مهاجرة مثل هافانا. والآن أراها بوضوح، ألا تفهمون أنني كوبي من كوبا ولست من فلوريدا. على الأقل ليس ضروريا متابعة جر حرف ك معك. هن يتكلمن إسبانية ممتازة. اضف لذلك كنت اعلم انني قريب، ولكن لم أقترب من البيت الذي عشن فيه. مشيت ثلاث مرات حول هذه الحارة دون نتيجة. أردت استئجار غرفة في بيت، حتى لو ليوم. ولكن يجب أن لا أبدو كوبيا، ولا حتى لكوبي من فلوريدا، إذا أردت استئجار شقة. سيكون مثيرا للشبهات ولن يسمحوا لي بالاستئجار. من الأفضل إخفاء الدراجة في مكان ما وتقديم نفسي على أنني ألماني:  Guten Tag! Ich bin Otto aus Berlin

مرحبا. أنا أوتو من برلين.

ثم أظهرت صورة محطة الوقود. أولا لم يتعرفوا عليهن، ولا سيما وأنا بالتنكر المفرط بشكل عارضة. ولكنني بدلت اللغة، مزيج من الإنكليزية والإسبانية، شيء يشبه الأنغلو إسبانية:  "صديقاتي Ellas ser  جيني وسابينا وأسترايد. صديقاتي Ellas estar  ليوم واحد في بيتك. صديقاتي أخبرنني hablar يمكنني que yo poder  استئجار غرفة هنا  aquí porque   لأن المكان مناسب وممتاز y es lindo".

طبعا كل شيء واضح كالماء. وآمل أن ينجح. المشكلة أن ترى البيت لمرة واحدة. العنوان الذي حصلت عليه منهن بقي في الفولكسفاغن، ولكنهن أخبرنني أنه من السهل إيجاده. بيت في الزاوية. لون العظام. وعلى كل طرف من الباب الأمامي يوجد مدخلان مغطيان بحديقة كثيفة كالجنة. يمكن أن يكون البيت على طرف النهر هذا أو ذاك. في كل هافانا كولي هي أفضل حي. التصميم غير المناسب لشوارعها، ومهابة أبنيتها وعشبها الكثيف، يجعل منها مكانا ساحرا، تقريبا هادئا وصامتا كالسحر الذي لا مثيل له.

أضف لذلك أنهن كن قادمات من شيء ما لن تعترفن به أمامي. كلمنني فقط عن استبدال لوحة رخصة السيارة، وأن على إحداهن مغادرة البلد.  كل شيء أنيق ومرتب. وأنهين الكلام بجوقة واحدة: "مارأيك بي يا صديقي". قلت لهن:  "مكسورات". بقي علي عدة دقائق لدخول المدينة، حينما ابتلعت السيارة سحابة مفاجئة واجهتهم. لم تتمكن جيني من التحكم بالفرامل. ولا أنا، ثم أمطرت، هذه الدراجات الصينية تفقد مكابحها بسهولة، والأسوأ في حالة هبوط منحدر،  مثل هذه السفوح المنحدرة نحو جبل من السيارات المتوقفة عند إشارة حمراء. لا أعتقد أنني سأنجح بالوصول إلى جسر ألمينداريس في وقت تبديل الضوء. يا لها من صدفة - قبل أو ربما في وقت تحرك السيارات بمسار ملتو على طول لسان الإسفلت، ونهايته سيارة جيب. انعطفت الفولكسفاغن وضربتها مجددا سيارة أخرى، وأخرى، حتى ارتطمت بالأسوار التي كتب عليها "أهلا بكم في مدينة النور".

***

.........................

* الترجمة من الإسبانية  جاكلين لوس

* إرنستو رينيه رودريغز Ernesto René Rodriguez- كاتب كوبي. شاعر وقاص. ومحرر بمجلة سرية معارضة للنظام. له أفلام فيديو خاصة.

في نصوص اليوم