قراءات نقدية

عبيد لبروزيين: لاوعي النص في مرآة الأشعري المسرحية

لم يكن المبدع يومًا في انسجام مع السلطة، ولن يكون بينهما وفاق طالما أن جوهر الإبداع يقوم على الانكشاف الحر للحقيقة عبر تشظّي الروح الكلية، وعلى الخيال الذي لا يتحقق إلا في فضاء الحرية، فكما يقول أدونيس: لا إبداع بلا حرية. في المقابل، تقوم السلطة بطبيعتها على القانون والنظام والحدود، مستندة إلى أشكال متعددة مثل سلطة الأب والحاكم والإله، وهكذا تتصادم البنيتان، فكل منهما ينفي الآخر ويعارضه.

ومع ذلك، قد يحدث توافق أو تقاطع بين الطرفين في بعض الأحيان، خصوصًا في المجتمعات الطبقية أو الشمولية، وهذا الشدّ والجذب الدائم هو ما يضخ في الإبداع حيويته وفرادته، وحتى حين يبدو أن هناك انسجامًا عابرًا بين المبدع والسلطة، فإنه غالبًا ما يخفي صراعًا داخليًا مستمرًا، هو في حقيقته صراع أبدي بين الحرية والنظام، بين الممكن والمفروض، بين ما نطمح إليه وما هو قائم بالفعل، وهو ما سنحاول كشفه من خلال النص المسرحي "شكون أنت"، لمحمد الأشعري، الصادر عن منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة في طبعته الأولى سنة 2024.

إن الكتابة الإبداعية في تناولها لتاريخ السلطة، لاسيما المعاصر منها، تعد مخاطرة كبيرة، لأن استجماع الأحداث التاريخية في قصة درامية تروى من وجهة نظر إبداعية، يسائل الحدث التاريخي في صدقيته وتخيّله، غير أن الرهان ليس رصد هذه العلاقة الجدلية بين الإبداعية والتاريخ، بل تتبع حضور السلطة في الخطاب الإبداعي المسرحي عند محمد الأشعري من خلال شخصية البصري الذي ترك في الذاكرة الجمعية للمغاربة آثارا يصعب تجاوزها، لاسيما أن هذا الحضور القوي لخطاب السلطة غالبا ما يؤدي إلى خطاب مباشر يقل فيه فعل الإبداعية المسرحية.

المسرحية باعتبارها حادثة لاحقة

لطالما كان الصراع لبنة أساسية في البناء الدرامي المسرحي، لكن صراع مسرحية "شكون أنت" بدأ قبل المسرحية بكثير، قبل أن يتحول إلى صراع درامي في ثنايا النص المسرحي، وهو ما عبر عنه محمد بهجاجي في تقديمه للمسرحية قائلا: "يعود الأشعري إلى المسرح، هذه المرة، بنص بالدارجة المغربية، وبعنوان مكثف الدلالات والمرجعيات "شكون أنت"؟ والذي هو في الأصل، عنوان رسالة الصحافي خالد الجامعي التي كان قد نشرها بجريدة "لوبنيون" يوم 22 نونبر 1993، بعد أن خاطبه إدريس البصري وزير الدولة في الداخلية والإعلام آنذاك "شكون أنت"، وذلك إثر كتابته لمقال تحليلي ينتقد فيه نظام الحسن الثاني"[1].

يتبين أن النص الدرامي في جوهره إعداد مسرحي لحادثة/قصة بين خالد الجامعي وإدريس البصري، حيث الصراع عمودي بين رمسيس وقدره المحتوم، لكن دون إثارة عاطفتي الرحمة والخوف كما في التراجيديا، لأن الأفعال الدرامية للشخصية المحورية تصدر عن شر مطلق، وهذا ما يجعل المسرحية مختلفة البناء والطرح والهدف.

وإذا كانت الحادثة الحقيقية التي جاءت في التقديم هي البؤرة الدلالية الخارج–نصية لتشكل الشرارة الأولى لفكرة المسرحية، فإنها ولاشك المحرك الأساس للفعل الدرامي المسرحي، بل وتقدم هذه الإرشادات التي لا تنتمي لبناء الفعل المسرحي دلالات هامة لتوجيه فعل القراءة، القراءة التي تستحضر السياق السياسي/التاريخي، هذا السياق الذي جعل النص يخضع لهيمنة نوع معين من القراءة، حيث تتشكل الحكاية في سياق انتقالي خطير من عُمر دولة، نهاية مرحلة وبداية أخرى.

يتقلب رمسيس، رجل السلطة القوي، من حال إلى حال، الهذيان والتعقل، الانسحاب والصمود، الحياة والموت، الانصياع والمؤامرة، وهي الثنائيات الضدية التي استطاع المؤلف محمد الأشعري تبئيرها في وضعيات مختلفة للكشف عن الوجه المرعب للسلطة/رمسيس، وذلك في قالب درامي سيكولوجي يعكس عبقرية إبداعية في بناء عوالم نفسية متقدة.

إن قراءة هذا النص الدرامي بعيدا عن السياق السياسي/التاريخي يجعل المتلقي يتيه بين البياضات الكثيرة التي تحتاج إلى ملء لتشكيل المعنى الكلي للنص، باعتباره كشفا عن الحقيقة في ذاتها ولذاتها، أي حضورا جزئيا للخير والفضيلة والحق، المقولات الكلية التي تعتبر الغاية القصوى لكل فن، وذلك بمماحكة إبداعية عبقرية تسائل الجانب الغرائزي في الإنسان وميله للسلطة والبطش.

النص الدرامي "شكون أنت" نص يفيض بحمولته الدلالية الإبداعية على الخارج/الواقع، وليس الواقع هو الذي يفيض بأحداثه على النص، لأن رمسيس ليس شخصية بعينها، وإن كانت تبدو كذلك، وإنما هي في حقيقة الأمر رمز لفساد السلطة عبر التاريخ، ونهاية رمسيس الغامضة والمأساوية، هي نهايات كثيرة في الواقع، التاريخ يعيد نفسه لكن يتشكل برؤية إبداعية مسرحية خاصة في سياق الإبداعية المغربية. لأن قراءة النص خارج هذا السياق، سيجعله أكثر فيضا بالدلالات المتوارية بين الإبداع والسلطة، بينما الهدف الأسمى للمسرحية هو الكشف عن الحقيقة الفنية.

اللامفكر فيه أو دفاعا عن رمسيس

إن النص الدرامي باعتباره عملا فنيا لا يمكن قراءته إلا في سياق الإبداعية التي تجعل منه خطابا مفارقا للواقع، أو واقعا من منظور إبداعي يختلف عن الكتابة التاريخية وكتابة السيرة، فعودة ديونيسوس أو حضور اللاوعي في العمل التخييلي، وإن كان معدا عن قصة حقيقية، هو حضور للرغبات الدفينة وتجلّ للاوعي الجمعي مادمنا نتحدث عن حضور لشخصية عامة/تاريخية في عمل إبداعي.

يقول مارتن هايدغر "إن العمل الفني يفتتح وجود الموجود على طريقته، ويتم هذا الانفتاح في العمل الفني، بمعنى الكشف، بمعنى حقيقة الموجود، حقيقة الموجود تضع نفسها في العمل الفني. الفن هو وضع الحقيقة –نفسها- في العمل الفني"[2] العمل الفني الذي يعتبره هايدغر كشفا عن الحقيقة، وهي وإن كانت تاريخية فهي لا زمنية وفوق زمنية، كما أنها قد تكون سيكولوجية بارتباطها بالمؤلف والمتلقي، أو بالنص الدرامي نفسه (لاوعي النص).

فهذا الوجود الذي يتيحه العمل الفني هو انفتاح لوجود سابق يرتبطان بما جاء في المسرحية ارتباطا شكليا يخضع لقواعد الكتابة المسرحية ولتسلسل بناء الأحداث المسرحية، وكذا للرؤية الإبداعية للمؤلف محمد الأشعري التي لا تستطيع التنصل من الإيديولوجية اليسارية التي تصبو لكشف حقيقة الموجود من وجهة نظر إبداعية/فنية معينة، انتقالا من النضال إلى الإبداع، الإبداع الذي يستبطن إيديولوجيته الكامنة، أو الإبداع الذي يتضمن كل أساليب الإدانة والرفض للسلطة وتجلياتها في شخصية رمسيس، فقناع الرغبة التي لا يجد المؤلف حرجا في كشفها بشكل مباشر في سياق لاوعي النص وجهت فعل القراءة، لأن "شكون أنت" نص مسرحي يحمل في طياته قضية تاريخية وسياسية بمماحكة إبداعية، يقول المؤلف قبل افتتاح المسرحية: "كل تشابه بين شخصيات هذه المسرحية وشخصيات حقيقية، هو تشابه مقصود، والمؤلف إذ يؤكد ذلك، يعتذر للشخصيات الحقيقية إذا لم يكن التشابه دقيقا بما فيه الكفاية"[3]. هل هو إشباع لرغبة دفينة في الانتقام أم أن المؤلف ترفع عن ذكر الحقيقة التاريخية في الحقيقة الفنية؟ ماذا لو كان رمسيس ضحية للسلطة؟ وهل يمكن الفصل بين رمسيس والسلطة؟

الإبداع لغة الرغبة، بل هو الموضوع المفضل لها، ذلك باعتبار رمسيس/البصري موضوعا لرغبة كامنة في اللاشعور الجمعي للمغاربة، وكذا اللاشعور الفردي للمؤلف، والذي تحول بفعل ميكانيزمات اللاوعي  إلى الشعور من خلال شخصية رمسيس بكل ملامحه الدرامية، والذي يسجد بدوره الشر المطلق للسلطة، أو تمثلا للشر المطلق بالمعنى العام.

وإن أفضل تجلّ لهذه الدوافع الفردية والجماعية تكمن في التداعي الحر من خلال برولوغ طويل على لسان رمسيس الذي استطاع فيه المؤلف كشف القناع عن شخصية مهلوسة تعاني انفصاما مزمنا يعكس صراعا نفسيا عميقا، فقد جاء على لسان رمسيس: "ولكن شي وقت كان رمسيس هو أنا، بغيت نقول كنت أنا هو رمسيس، ولكن شي وقت آخر مبقاش رمسيس بقيت أنا بوحدي، وعاود شي وقت آخر مبقيتش أنا، لي بقا هو رمسيس، وجا الوقت اللي خاص فيه واحد فينا يخوي"[4].

الصراع النفسي بين ما كان وما أصبح عليه رمسيس، أو ما يريد أن يكونه، ألم الذكريات المشعة في الذاكرة، التي تجعل من الشخصية المحورية تتنكر لنفسها، ليس باعتبارها ذاتا موجودة، لكن ذاتا موجودة بماضيها المظلم الذي يستوجب الهروب، يقول رمسيس: "وقفت مرة أخرى قدام المرايا، شفت مزيان، لقيت الشخص اللي في المرايا ماشي أنا"[5]، إنه هروب مستمر من الماضي بحمولته المقززة، وتنكر مستمر للذات الموجودة في ماضيها، والتي تجد نفسها موجودة في حاضرها الذي تتحرق فيه للتخلص من الشخص في المرآة/الماضي، فرمسيس يسعى للتخلص من رمسيس في قالب من التداعي الحر الذي يكشف عن البناء النفسي المضطرب للشخصية.

إن تأنيب الضمير، والسعي للتخلص من رمسيس الطاغية، هو في حقيقة الأمر، جانب يحث القارئ على التعاطف، التعاطف مع شخصية تبدي الندم لما اقترفت من تعذيب وقتل، وتسعى بكل الطرق للهرب من الذكريات التاريخية، فهل تعاطف الأشعري مع رمسيس أم أن الأمر يخضع لبنية الشخصية المسرحية؟ أليس الندم على اقتراف جرم يستدعي التعاطف؟ هنا تصبح صورة البصري في مرآة الأشعري ضبابية الملامح، غير واضحة المعالم، وإن كان الهدف الضمني إظهار صورة رجل السلطة الطاغية.

وعندما يشتد الوضع، ويبلغ الألم مداه، ألم الذكريات، يلجأ المؤلف للسخرية باعتبارها أسلوبا يخفف من صدامية الأحداث وتواترها المتصاعد، وينوع تقديمها ويخفف من حدتها، وهي نادرة، لكنها تكشف عن التقلبات النفسية لرمسيس، الذي يقول: "زدت تأكدت بأن الشخص لي فالمرايا ماشي أنا، حليت فمي، خرجت لساني، شيرت بيدي..."[6] ولكن هذه السخرية التي تأتي في زخم حضور الذكرى سرعان ما تكف عن الظهور، فرغم أنه وسيلة لكسر إيقاع اللوم والعتاب وخروج من حالة التيه إلا أن رمسيس يعود إلى تداعياته النفسية والظلم والمؤامرات في قالب دراماتيكي مثير ينم عن عبقرية في نسج التاريخي والتخييلي في النص الدرامي.

لقد كان المشهد الأول صراعا نفسيا بين حضور الماضي ونفيه، لكن المشهد الثاني يكشف عن رمسيس جديد، جعلته مايا أكثر تعقلا للتفكير في المرحلة الجديدة، من مسرح الصراعات النفسية إلى مسرح الصراعات الواقعية التخييلية التي تؤثثها مرحلة العهد الجديد، بين البقاء أو الموت، الصدام أو الاستسلام، يقول "رمسيس 2: وعلاش غادي نسدو، خصنا نوجدو راسنا، الوقت تبدلات، خصنا نتبدلو معاها، خصنا نخرجو شويا ونشوفو الدنيا، ونتلاقاو مع الناس الجداد"[7]، لم يكن رمسيس جبانا، بل حاول العودة مرارا إلى مسرح الأحداث، لكن كل شيء كان ينذر بفوات الأوان، فهل فات الأوان فعلا؟ وماذا لو عاد إلى مسرح السلطة؟

وفي خضم تقلبات السلطة، يحاول رمسيس الثاني أن يجد لنفسه موضعا في المرحلة الجديدة، لتتقلب أحواله بين تنكر الأصدقاء والمؤامرة على السلطة التي كان ذات يوم عقلها ويدها، إنه مواطن عاديّ الآن، لقد فقد المخلوق السلطوي العجيب كل أنيابه التي مزق بها أعداءه ذات يوم قريب، هكذا أصبحت الصورة في المرآة تتضح شيئا فشيئا، وكأن البرولوغ ليس إلا آلية لجعل القارئ يتقرب لشخصية رمسيس.

حاول رمسيس الثاني التأقلم مع الوضع الجديد، لكنه يدرك حجم الخسارة بفقد قائده الذي كان إلى جانبه يشكلان السلطة المطلقة بكل معانيها، تقول مايا:"معلوم ماشي ساهل، المدينة كانت ناعسة كاتحلم، والجبل اللي كيعطيها الظل والما والنعمة ناعس حتى هو، تيحلم ولا ما تيحلمش، وواحد النهار من تفيق المدينة كتلقى الجبل طاح، مابقاو منو غير جوج رخامات بويض، تكتب في وحدة منهم سنة الميلاد وفي الأخرى سنة الوفاة"[8].

إن هذه التقلبات المفاجئة جعلت رمسيس الثاني ضد السلطة الجديدة، بل حاول التآمر عليها بعد أن كان صورتها المطلقة، جاء في المسرحية "رمسيس 2: ما عندو ما يفكر، لمعلم مربوط في الجبل القديم، ملي طاح طاح معاه، ما قدرش يفكر فبني جديد، باغي غير يحضي الأنقاض ويجري على الميخالة، ويلصق الطريفات مع بعضياتها، خصنا نقلبوا على شي حد آخر"[9]. لكن رمسيس الثاني يفشل في كل شيء، ويصبح مشغولا بالحفاظ على رأسه، لقد انتهى بعد مسار طويل في دهاليز السلطة إلى مواطن عاد جدا، لكن تاريخه الحافل بالانتهاكات والتعذيب ظل يلاحقه باستمرار.

رمسيس باعتباره تجسيدا للشر المطلق

وبمماحكة رمزية عميقة يُظهر المؤلف القدَر الذي حاول رمسيس إقناعه بالبدء من جديد، وأن يجعله شخصية عادية تتخبط في اليومي، لكن يكون كل شيء قد انتهى وفات أوانه، يقول "المؤلف: واش كاين شي تفلية بحال هاد الشي اللي كتقول، بغيت منبقاش أنا؟ إوا؟ هادا عمر وأنت، أنت، ودبا ملي بدات كتسمع شي جنازة فالكولوارات، لواه بغيت ما نبقاش انا؟"[10].

انتهى كل شيء، وفر الجميع ممن كان ذات يوم يطلب لقاؤه فلا يستجيب، إن الجاه في حالة رمسيس مرتبط بالسلطة، وإذا ما اختفت هذه الأخيرة اختفى معها جزء من الهوية المزيفة للمرء، لأنها ليست هوية حقيقية بقدر ما هي هوية مصطنعة مرتبطة بكائن هلامي اسمه السلطة، يقول "رمسيس1: أراي لي السميات (يضرب على جبهته) فين مشات السميات؟ أراي لي السميات. مايا: (غاضبة) مبقات سميات، سلات، ما فهمتيش؟ سلات، مبقات لا سميات لا سيدي زكري، كلشي سلا"[11].

وكأن كل شيء يحتكم لعجلة التاريخ، حيث البداية والسقوط للرجل الثاني في هرم السلطة، لقد كانت السلطة بهذا المعنى آلة فتاكة ضد-إنسانية، على الأقل في سياق النص الدرامي، حيث جردت رمسيس من إنسانيته وآدميته لتظهر الجانب البربري من خلال البطش والقتل، جاء في النص: "كان يا مكان، حتى كان للي كان، كانت مسكينة كتطحن، طحنت الحب، وطحنت التبن، طحنت لي جاي وطحنت لي غادي، طحنت العود والحجر، ورياح البر والحوت اللي فقاع البحر.. ملي ملقات ما تطحن، دخلت تحت اضراسها طحنت عظامها"[12].

يدرك رمسيس أن حياته مقترنة بالسلطة القديمة، وأنه مات بموت الرجل الأول في هرم السلطة، وأنه ما عاد له وجود قط، يقول "رمسيس 2: أنا مكينش، أنا دازت كنازتي في التلفزيون، أنا الشخص دالمرايا... أنا شكون"[13]، مات رمسيس موتا رمزيا بموت قائده، لتسمع طلقات نارية بعد خروجه من المكتب، ليترك المؤلف/الأشعري بياضات حول النهاية، بين الانتحار والاغتيال أو طلقة عشوائية في الهواء، نهاية مفتوحة على قراءات كثيرة، لكنها حتما مأساوية لنهاية طاغية.

تثير شخصية رمسيس الكثير من الأسئلة الوجودية المرتبطة بالإنسان/السلطة، رمسيس الأول مدعاة التعاطف بسبب صراعه النفسي، الذي يؤدي إلى رمسيس الإنسان أو الذي يسعى لاستعادة إنسانيته، ورمسيس الثاني السادي والمتآمر والقاتل، ازدواجية تؤدي إلى فهم أعمق للشخصية، الشخصية الإنسان والشخصية السلطة وكلتاهما تؤديان إلى الشخصية التاريخية التي اتضحت معالمها في مرآة الأشعري تدريجيا.

إن مسرحية "شكون أنت" لمحمد الأشعري، مسرحية تاريخية، تستمد أحداثها من قصة تاريخية في قالب درامي رمزي، ترسم ملامح السلطة الانتقالية في المغرب، وما رافقها من تقلبات عميقة على مستوى بنية الحكم، مجسدا هذا الاضطراب في شخصية رمسيس1 ورمسيس 2 ومايا والمؤلف بأسلوب ماتع يبتعد عن المباشرة التي تقتل الإبداع، هذا الإبداع الذي يتضمن عودة ديونيسوس/اللاوعي الذي حاول من خلاله المؤلف كبح جماحه أو تغليفه على الأقل ليتناسب مع تنامي الأحداث الدرامية، لكنه أيضا لاوعي جمعي لكل المغاربة، حيث الندوب لم تلتئم بعد، لاسيما بالنسبة للقراء الذين عاشوا في فترة إدريس البصري، فكانت صورة رمسيس في قالب إبداعي مسرحي مثير، استطاع من خلالها الأشعري أن يقوم بمسرحة قصة تاريخية دون مغالاة تخييلية أو مغالاة تاريخية، وهي العنصر الذي يشكل فرادة المؤلف في نسج الأحداث الدرامية.

ومهما يكن الأمر الذي كان دافعا لكتابة هذه المسرحية، إلا أنها مسرحية جريئة من رجل سلطة سابق، ومناضل يساري نذر حياته للدفاع عن مبادئ اليسار في سياق تاريخي وسياسي متوتر، والمثقف الحقيقي هو الذي يظهر الحقيقة في وجه السلطة كما يقول نعوم تشومسكي... فهل كان الأشعري موفقا في رسم معالم رمسيس/إدريس البصري كما تبدت في مرآته المسرحية؟

وإذا كانت صورة رمسيس/البصري قد ظهرت جليا في مرآة الأشعري، فإن الشخصية المحورية قد أظهرت بدورها ملامح المؤلف باعتبار انعكاس صورته في المرآة أيضا، حيث تظهر صورة ضمنية للمبدع المناضل الذي كان جزءا من سردية مرحلة عرفت بسنوات الجمر والرصاص، حيث الظلام والخوف والعنف من شبح السلطة المجسدة للشر المطلق، وإذا كان القارئ قد استطاع رسم ملامح تقريبية لشخصية رمسيس في مرآة الأشعري فإن الأشعري قد بدت بعض ملامحه في مرآة الإبداعية المسرحية التي خلقت فرادة نص شكون أنت.

***

عبيد لبروزيين

......................

[1] - محمد الأشعري، شكون أنت، نص مسرحي، المركز الدولي لدراسات الفرجة، ط1، 2024، ص: 07

[2] - مارتن هايدغر، أصل العمل الفني، تر أبو العيد دودو، منشورات الجمل 2023 ص 93 94

[3] - محمد الأشعري، شكون أنت، نص مسرحي، م س، ص 11

[4] - محمد الأشعري، شكون أنت، نص مسرحي، م س، ص: 18

[5] - نفسه، ص ص: 19 20

[6] - نفسه، ص 20

[7] - محمد الأشعري، شكون أنت، نص مسرحي، م س، ص: 34

[8] - نفسه، ص: 39

[9] - محمد الأشعري، شكون أنت، نص مسرحي، م س، ص: 40

[10] - نفسه، ص: 57

[11] - نفسه، ص: 86

[12] - نفسه، ص ص: 89 90

[13] - محمد الأشعري، شكون أنت، نص مسرحي، م س، ص: 109

 

في المثقف اليوم