قراءات نقدية

كريم عبد الله: قراءة نقدية سيميائة في قصيدة "المكياجُ ..." للشاعرة إلهام حميدي

الدم كجمالٍ ثائر

قراءة في المكياج الدموي

***

المكياجُ الدموي

فقط دمُ الشارع يمكنُ أن يُسكبَ على وجهي

مِنْ خلالِ وصفةٍ غير عادلة، حقنة عميقة مِنْ جمالٍ مؤلم

فقط المكياجُ الدموي يستطيعُ أن يظهر الغضب

فقط دمُ الشجرة الأخضرَ يمكنهُ أنْ يصرخَ في عروقي الجريحة

فقط دمي يمكنهُ أنْ ينسجَ علمًا ويرفعهُ فوقَ كل الأشجار المدفونة

هذه البقعةُ الدموية ستصبحُ ابتسامةَ قبلة

على الوجوهِ المكشوفة لشعوبٍ مُصفَعة

هذه البقعةُ الدموية ستملأُ كلَ الجروح برائحةِ الورود

هذه البقعةُ الدموية ستُفسر بما يتجاوز الكتابَ المقدس

صدقوا!

صدقوا!

إلهام حميدي

جميع الحقوق محفوظة

***

إلهام حميدي – ايران

......................

القراءة النقدية:

قصيدة (المكياج الدموي) للشاعرة الإيرانية إلهام حميدي تمثل صرخة احتجاج عميقة وتعبيرًا عن الرفض والتمرد ضد القمع الاجتماعي والسياسي. من خلال هذه القصيدة، تتقاطع الرمزية السيميائية للدم مع معاني المقاومة والتحول، لتكون القصيدة انعكاسًا للألم والانتفاض ضد النظام الاجتماعي والسياسي.

الدم كرمز للمعاناة والمقاومة

الدم في هذه القصيدة يمثل أكثر من مجرد عنصر حيوي. إنه رمز مركزي يجسد الصراع، المعاناة، والمقاومة في مواجهة الظلم. الشاعرة تستخدم الدم لتكوين (مكياج دموي)، وهو نوع من الزينة التي تُظهر الغضب والعنف، عكس المكياج التقليدي الذي يرمز إلى الجمال التقليدي. المكياج الدموي هنا ليس فقط تجميلًا بل تجسيد للغضب والتحدي، مما يفتح المجال للقراءة السيميائية لفهم هذا (الجمال المؤلم) الذي لا يعكس إلا الواقع القاسي الذي تعيشه الشخصية الشاعرة.

العبارة (فقط دمُ الشارع يمكنُ أن يُسكبَ على وجهي) تشير إلى معاناة عامة الناس في الشوارع، سواء كان ذلك بسبب الفقر أو القمع أو الظلم الاجتماعي. الدم هنا يصبح دلالة على الثورة، والشخص الذي يضعه على وجهه يصبح رمزًا للمقاومة أو السعي للعدالة في عالم مليء بالظلم.

الجمال المؤلم: إعادة تعريف الجمال

عبارة (حقنة عميقة مِنْ جمالٍ مؤلم) تعكس التوتر بين الجمال والألم، حيث أن الشاعرة تقدم لنا جمالًا مختلفًا تمامًا عن الجمال التقليدي. هذا الجمال لا يأتي من الطيّب والناعم، بل من الجرح والمعاناة. الجمال المؤلم يعبّر عن واقعٍ متألم يرفض الاعتراف بتلك الصور المثالية للجمال التي يتم تسويقها من قبل المجتمع أو الثقافة السائدة. الجمال الذي تقدمه الشاعرة هنا هو جمالٌ ثائر يحمل معه الغضب والتصميم على التغيير.

الدم الأخضر والشجرة: إشارة إلى الطبيعة والصلات العضوية

(دم الشجرة الأخضر) يشير إلى الحياة والطبيعة التي تتشارك أيضًا في المعاناة. الدم الأخضر هو إشارة إلى عصارة الشجرة أو صمغها، مما يربط بين الإنسان والطبيعة في سياق المعاناة المشتركة. هذه الصورة السيميائية تعكس علاقة الإنسان بالطبيعة في مواجهة القمع والظلم، حيث أن الشجرة، مثل الإنسان، تتألم وتحاول أن تصرخ وتنقل صوتها إلى العالم.

(يمكنهُ أنْ يصرخَ في عروقي الجريحة) تربط بين الإنسان والطبيعة في سياق مشترك من الألم، حيث تتحول عروق الشجرة إلى عروق الجرحى. الشاعرة تشير هنا إلى أن الطبيعة تشارك الإنسان في صراعه، ويصبح الدم رمزًا للاتصال بين الكائنات الحية في مواجهتهم لظروف الحياة الصعبة.

الدم والعلم: رمز للثورة والمقاومة

(فقط دمي يمكنهُ أنْ ينسجَ علمًا ويرفعهُ فوقَ كل الأشجار المدفونة) تُعد واحدة من أهم الصور السيميائية في القصيدة. الدم هنا لا يُستخدم فقط كعنصر مادي، بل يتحول إلى رمز للثورة والحرية. العلم الذي يُرفع فوق الأشجار المدفونة يمثل حلمًا مشتركًا بالحرية والعدالة، حيث يُربط الدم بكل الأجيال التي دفنت أحلامها وآمالها تحت ضغط النظام القمعي.

التحول من الألم إلى الأمل: من الجروح إلى الورود

تنتقل القصيدة إلى تحول الدم من علامة ألم إلى رمز للأمل، عبر قولها (هذه البقعةُ الدموية ستصبحُ ابتسامةَ قبلة). هذه النقلة السيميائية تُظهر إمكانية التحول من الظلام إلى النور، من الألم إلى الأمل، ومن الدم إلى السلام. هذا التحول يرمز إلى قدرة الناس على الصمود والتغلب على المعاناة، بل وتحويلها إلى قوة تخلق الجمال والأمل.

(هذه البقعةُ الدموية ستملأُ كلَ الجروح برائحةِ الورود) هي صورة سيميائية أخرى تشير إلى القدرة على شفاء الجروح وتحويلها إلى شيء جميل. الورود هنا تصبح رمزًا للسلام والنقاء الذي يمكن أن ينبثق من صراع طويل وقاسٍ.

ما وراء الكتاب المقدس: تفسيرات جديدة

(هذه البقعةُ الدموية ستُفسر بما يتجاوز الكتابَ المقدس) تشير إلى تحدي المعايير الدينية أو الروحية التقليدية. الدم هنا يتجاوز المعاني التقليدية التي قد ترتبط بالمقدس أو الطاهر، ليُحمل رسالة جديدة تعبر عن التفسير الفردي للتضحية، المعاناة، والحرية. الدم لا يُفسر فقط في إطار الكتب المقدسة، بل يمكن أن يكون له معاني جديدة في سياقات الحياة اليومية والنضال المستمر.

الخاتمة: دعوة للإيمان

القصيدة تنتهي بتكرار (صدقوا!)، وهو دعوة قوية للآخرين للاعتراف بالقوة التي تكمن في المعاناة والدم. إلهام حميدي لا تطلب فقط الفهم، بل الدعوة للإيمان بقوة هذا التغيير والتحول. الدم هنا لا يمثل النهاية، بل بداية جديدة، حيث يمكن للمعاناة أن تتحول إلى حركة جماعية نحو الحرية والعدالة.

الختام: الدم كرمزٍ للثورة والتحول

من خلال هذه القصيدة، تقدم إلهام حميدي صورة شعرية معقدة تربط بين الدم والجمال والألم والمقاومة. المكياج الدموي، في النهاية، ليس مجرد رمز للعنف أو القتل، بل هو رمز للتحول والتحرر. قصيدتها تثير العديد من الأسئلة حول الجمال الحقيقي، التضحية، وفكرة المقاومة التي يمكن أن تولد من أكبر المحن.

***

بقلم: كريم عبد الله – العراق

في المثقف اليوم