قراءات نقدية
عماد خالد رحمة: "قوس الحبر".. قراءة سيميائية، نفسية، أسلوبية في شعر أيمن معروف
في ضوء تطوّر النقد الأدبي الحديث، بات النصّ الشعري يُعامل باعتباره بنية دلالية – رمزية – تواصلية؛ فالتقصّي النقديّ لا يكتفي اليوم بتحليل المعنى الظاهر وإنما يسعى إلى الكشف عن «ما تحت الجلد» من توترات نفسية ورّموزٍ كامنة وبنى أسلوبيّة تمتدّ من اللغة إلى النحو، ومن الوزن إلى القافية. وتُعدّ السيميائيات منهجاً محورياً في هذا المسار، إذ تعرّف النصّ بوصفه «نظاماً لإنتاج الأقوال» وليس مجرد تركيب جمليّ، وتُركز على العلاقات بين العلامات داخل النصّ وخارجه، كما تنظر إلى النصّ باعتباره «فضاءً معرفياً» داخليّاً وخارجياً.
وبينما تُركّز اللسانيّات البنيوية الجُملية، على القدرة الجُملية – أي الإمكانات الإنتاجية للّغة ضمن الجملة – فإنّ السيميائيات النصية تهتمّ بالقدرة الخطابية – أي كيف يُنتج النصّ ذاته أحوالًا وجودية ومعرفية.
في هذا الأفق، تأتي دراسة قصيدة «قوس الحبر» للشاعر أيمن معروف، لتُجرى عبر تطبيقة متعددة المناهج: الرمزيّ، الأسلوبيّ، النفسيّ، الهرمينوطيقيّ، الوطنيّ، والسيميائيّ. نعمد في هذا البحث إلى تحليل النصّ باعتباره منظومة رموزٍ وتوتراتٍ شعورية، رصداً للبنى النفسية التي تحيا خلف النصّ، واستكشافاً للأسلوب الشعريّ – من اللغة إلى النحو، ومن الوزن إلى القافية – وكشفاً للأخطاء أو الانزياحات اللغوية إن وجدت، ضمن قراءة دقيقة تستند إلى منهج أكاديميٍ صارم.
التحليل:
1. البُعد السيميائي – الرمزي:
1.1 العلامة والنظام:
في قصيدته، يستدعي الشاعر أيمن معروف الماء كعلامة مركزية: «جَفَّتْ مياهُ النّهر / جَفَّ البحرُ والماءُ الذي / في الماءِ لا يتكلّمُ». اللغة هنا تحمل دلالة مزدوجة: الماء رمز للحياة والخصوبة، والجَفْافُ رمز للفراغ والموْت. إن تحوّل الماء إلى صمت أو عدم كلام يدلّ على انكسار القدرة التواصلية، وعلى فقدان المعنى. من منظور سيميائي، نحن أمام «إشارة» تتحوّل إلى «مدلول» كثيف بالغياب. ولهذا تتحوّل الصورة إلى رمزية: الماء لا يكلّم – كأنّ اللغة نفسها قد عطلت.
تتكرّر الصور المائية – النهر، البحر، الماء – ثم تتخذ الصحراء والجحيم مقعدًا لها: «وعَدَتْ على / الصّحراءِ ألفُ جهنّمٍ / وخَبَتْ على نارِ / النّشيدِ جهنّمُ». الصحراء هنا رمز المهجور، والحريق والجحيم رمزان للكوارث الداخلية. إنّ الانتقال من الماء إلى الصحراء يشير إلى تراجُع وجوديّ، من خصوبة اللغة إلى خرابها. تلك الثنائية (الماء/الصحراء) تخلق قطباً ثنائيّاً أساسيّاً في المنظومة الرمزية للنصّ، وهو ما يؤكّد مبدأ العلاقات البنائية في السيميائيات.
1.2 النصّ كمنظومة إنتاج أقوال:
النصّ لا يقف عند وصف الحال، بل يستدعي الشعر ذاته: «يا شعرُ عَلّمني ارتِكابَ الإثمِ أنتَ الآنَ أدرى بالجنونِ وأَعلَمُ». الشعر – كقدرة خطابية – يُصار إليه ليعلّم الإثمّ، بمعنى أنّ الشاعر يعترف بأنّ الشعر صار وسيطاً في الانحرافِ عن المعنى أو الواقع. من هنا، الشعر ليس مجرد موضوع بل فاعل داخل النصّ، وهو يعكس فكرة القدرة الخطابية.
يطفو في النصّ مفهوم «قوس» في العنوان «قوس الحبر»، ثم «قوسٌ أنا في / ضفّتيكَ»، أي أنّ الشاعر يلتقط نفسه بوصفه قوساً – رمزاً للانحناء والانطلاق أيضاً – على ضفتَي الماء والبلوى. إن هذا التحوّل الرمزيّ من العنصر الخارجي إلى الذات يضع النصّ في مدار من التّقليب الذاتي والتّأمل: الذات تقوس، تنحني، وتصبح عنصراً مبدعاً ورمزاً.
1.3 البُعد الوطني والوجودي:
تتكرّر في النصّ إشارات إلى الحريق والجحيم والبلوى، وهي ليست مجرد صور شعريّة بل تستبطن وضعاً إنسانياً/وطنياَ: «وحاولتُ أن أقولَ الأرضَ شِعراً». الأرض هنا ليست مجرد مكان، بل موطن مبدد، هو موطن الشاعر/الأنا التي تآكلت. وهذا يحمل دلالة وطنية ضمنية، بقدر ما ينخرط الشاعر في الأزمة الوجودية والوطنية على حدّ سواء، في عالمٍ باتت فيه مياه النهر تَجفّ، واللغة لا تتكلّم.
2. البُعد النفسي – الأسلوبي:
2.1 التوتر النفسي والاختلاف مع الوجود:
يُفتتح النصّ بتصريح الاغتراب: «وأنا المُبَدَّدُ في الجهاتِ / وليس لي جهةٌ لأعرفَ مَنْ أنا». معرفة الذات مفقودة، ويحتدم التوتر بين الأنا والجهة، بين الانتماء والضياع. من المنهج النفسي–الرمزي، هذا يدلّ على تجربة اضطراب الهوية، وفي ذات الوقت صراع وجودي. الأسلوب هنا متسق مع النفسي: اللغة موجزة، الصورة مرهقة، والعلاقات بين المتنقلات النفسية (جهات، مبَدَّد، هوية) تعكس نزعة الشعور بالانفصال.
2.2 الأسلوب والنحو:
أسلوب الشاعر أيمن معروف يتّصف بالتشظّي والتكرار: تتكرّر جملة «جَفَّتْ مياهُ النّهر / جَفَّ البحرُ» في ثلاثة مقاطع، مما يعكس حالة التثبيت على الفجيعة، وعلى الفقد الذي لا انتهاء له. من الناحية النحوية، يستخدم الشاعر الترادف والتكرار كأداة إيقاعية ورمزية. لكن يمكن ملاحظة أنّه في بعض المواضع اندفاعٌ نحو البناء الحرّ (مثلاً «من دونِما / صحفٍ تُريدُ الآنَ دمعي / صالحاً للبيعِ»)، وهو بناء قد يفتقر إلى الربط النحوي المثالي بين الجمل (إنّه انقطاعٌ عمديٌّ ربما).
3. الأسلوب الشعري – الوزن والقافية:
3.1 الوزن والإيقاع:
على الرغم من أنّ النصّ يتّخذ شكلًا شِعريّاً حُرّاً إلى حدّ كبير، إلا أنّه يحمل إيقاعات قريبة من بحر الطويل أو المتدارك في بعض المواضع، مثل: «جَفَّتْ مياهُ النّهر / جَفَّ البحرُ والماءُ الذي / في الماءِ لا يتكلّمُ». ثمّ «يا شعرُ عَلّمني / ارتِكابَ الإثمِ أنتَ الآنَ / أدرى بالجنونِ وأعلَمُ». هذا التعدد في الإيقاع يُعبّر عن التوتر ذاته؛ عن اضطراب النصّ بين بثّ الشعور وانفلات الشكل.
3.2 القافية:
القافية ليست منتظمة، بل تبدو غالباً مكسورة أو مفتوحة بوعي: «…. والماءُ الذي / في الماءِ لا يتكلّمُ». ثم «… دمعي / صالحاً للبيعِ في سوقِ / النّخاسةِ والجنونْ». هذه الحرية في القافية تعبّر عن نزوع النصّ إلى المقاومة والتمرد، وعدم الانصياع إلى البنية الكلاسيكية. من المنهج الأسلوبي، هذا الخيار يُظهر الضدية بين الشكل الكلاسيكي والمضمون الثائر.
4. القراءة الهرمينوطيقية:
من منظور الهرمينوطيقيا، أيّ قراءة تعبيرية/تأويلية للنصّ، يمكن القول إن النصّ يُحيل إلى «قراءة الذات في مواجهة العدم». حين يقول الشاعر «كن مرّةً يا صاحبي مثلي لنخترعَ القيامةْ»، فإنّه لا يدعوك إلى القيامة بالمفهوم الديني وحده، بل إلى إعادة اختراع الذات في فضاء خالٍ من الوتد والأرض. النصّ في هذا المعنى ليس صورةً للحظةٍ فحسب، بل هو دعوةٌ لتمردٍ وجوديّ.
5. الملاحظات اللغوية:
هناك إشارات نحوية قد تُعدّ «انزياحات» أو تدخّلًا شعريّاً عمديّاً، مثل «وليس لي جهةٌ لأعرفَ مَنْ أنا، فجهاتِيَ الغَبْراءُ». هنا الفاصلة قبل «، فجهاتِي» قد تُعدّ كمقطع انقطاع يُشذب الإيقاع الشعوري.
كلمة «استباهُ الفاسدونْ» في «جَفَّ البحرُ والماءُ اسْتَباهُ الفاسدونْ» استعمالٌ للشّاذّ: الكلمة «استباح» عادة تُعرَف، بينما «استباه» هنا قد تكون مقصودة لكنها تفتقر إلى شيوعها اللغويّ.
في بعض الأبيات، تبدو علامات الوقف غير متوافقة لغوياً، مثل: «، ما فازَ إلاّ الفاشلونْ.» الفاصلة قبل «ما» ثم الوقف النهائي «.» يعطي انقطاعاً شعريّاً متعمداً، لكن من منظور النحو التقليدي يُعتبر أسلوباً منحرفاً.
استخدام «وكأَنِّي» – (لم يظهر كثيراً في المقتطف)، لكن استخدام تكرار «وأنا» في المقطع «وأنا المُبَدَّدُ …» يظهر تكرار ضمير الأنا كأداة شعوريّة، لكن من الناحية النحوية يشدّد عمود الجملة الذاتية.
القافية المفتوحة والمكسورة في النص تُعدّ اختياراً شعرياً، لكنها تحمل «انزياحاً» عن التزام القافية التقليدية، مما يضع النص في موقف الحداثة ورفض القوالب المسبقة.
الخاتمة:
إنّ قصيدة «قوس الحبر» تمثّل تجربة شعريّة مركّبة تقع عند مفترق العلامة والمعنى، الذات والوجود، اللغة والعدم. عبر أدوات متعددة المنهج – السيميائي، النفسي، الأسلوبي، الهرمينوطيقي، والوطني – قرأنا النصّ على أنّه نظام دلاليّ متنبّأٌ بعيشه الداخلي، لا مجرد صورة. ماءٌ يَجفّ، لغةٌ لا تكلّم، قوسٌ ينحني، شعرٌ يعلم الإثمّ: كلها رموزٌ للغربة والوَهن والتمرد. أما من الناحية الأسلوبيّة، فالتنوّع بين الإيقاع شبه التقليدي والبناء الحر، وبين القافية المكسورة والانقطاع النحويّ، يعكس توتر النصّ الداخلي والشعور بالتشظّي. من زاوية الهرمينوطيقيا، فالنصّ يدعو إلى إعادة اختراع الذات وقيامة وجوديّة في فضاءٍ بلا أساسات.
مستقيمًا في منهجه الأكاديميّ، يمكن القول إنّ قراءة هذه القصيدة تُحقق مبتغى السيميائيات النصيّة: كشف النظم الداخليّة للعلامة وبناها، وتمكين القارئ من قراءة «ما لا يُقال» مباشرة، بل ما يُشعّ من بين طيّات اللغة. وأخيراً، فإنّ ملاحظاتنا اللغوية – من الانزياحات إلى التكرار – لا تضع النصّ في خانة الخطأ، بل تكشف بصيرة الشاعر في توظيف اللغة خارج القوالب، وهي بصمة الحداثة داخل النصّ.
ملاحظات لغوية مُلخّصة:
1. تكرار عنصر «جَفَّتْ مياهُ النّهر / جَفَّ البحرُ…» كمفتتح يعكس تثبيتاً شعوريّاً لكنه يخلق نوعاً من الجمود البنائي.
2. استعمال «استباهُ» بدلاً من «استباح» أو «ابتلاه» قد يُعدّ انزياحاً لغويّاً مفصوداً أو غير مقصود، لكنّه يخدم الإيقاع.
3. تنوّع الإيقاع بين تقريب الطويل والخَطّ الحر يجعل القصيدة في موقع الحداثة لكن يفرض على القارئ تركّزاً أكبر لاكتشاف الإيقاع الداخلي.
4. القافية المفتوحة والمكسورة تُعدّ خياراً شعريّاً يعكس التمزّق الوجودي، لكن من الناحية التقليدية تُعدّ «انحدارًا» في الالتزام.
5. الانقطاعات النحوية والفاصلة قبل «، ما فازَ إلاّ الفاشلونْ.» تعطي الإحساس بتوقّف الوعي وتردّده، وهي أسلوب شعري يُبرّر النزعة النفسية للنصّ.
بهذه الدراسة الأكاديمية، تكون القصيدة قد وُضعت تحت مجهر تحليلٍ متعدد المنابع، يجمع بين العلامة والمعنى، بين النفس والأسلوب، وبين اللغة والوجود.
***
بقلم: عماد خالد رحمة - برلين
.......................
قوس الحبر
جَفَّتْ مياهُ النّهر
جَفَّ البحرُ والماءُ الّذي
في الماءِ لا يتكلَّمُ.
*
وعَدَتْ على
الصَّحراءِ ألفُ جهنَّمٍ
وَخَبَتْ على نارِ
النّشيدِ جهنَّمُ.
*
يا شِعرُ عَلِّمْني
ارتِكابَ الإثمِ أنتَ الآنَ
أدرى بالجنونِ وأَعلَمُ.
*
لي فيكَ اُغنيةٌ ولي
منكَ المدى أُنشوطتانِ
ودمعتانِ وطَلْسَمُ.
*
قوسٌ أنا في
ضفّتيكَ وفي رحى البلوى
الدّريئةُ والخُبالُ المُبْرَمُ.
*
فلتَعتَصِمْ بمياهِ
وجهِكَ يا فتى واعصمْ
سماءَكَ قبل أنْ يَصِلَ الدَّمُ.
*
جَفَّتْ مياهُ النَّهرِ
جَفَّ البحرُ والماءُ الّذي في
الماءِ تهتكُ قوسَهُ الشُّعَراءُ.
*
وأنا المُبَدَّدُ في الجهاتِ
وليس لي جهةٌ لأعرفَ مَنْ
أنا، فجهاتِيَ الغَبْراءُ.
*
وسمائِيَ الفُصحى
لسانٌ أبكمٌ ورطانةٌ عَجماءُ.
ومدارُ قافيتي
السَّوادُ الجَمُّ تَزْربُ في مدى
أنحائِهِ الرَّمضاءُ.
*
كلٌّ لَ*َدَيهِ شَمالُهُ
وجنوبُهُ وأنا لَدَيَّ
غروبِيَ الوَضّاءُ.
*
جَفَّتْ مياهُ النَّهرِ
جَفَّ البحرُ والماءُ
اسْتَباهُ الفاسدونْ.
*
ويقولُ لي منْ أنتَ !!
في أَوْجِ اشتعالي
القـاتلونْ.
*
حتى التُّرابُ
يقولُ لي منْ أنتَ
في عزِّ اتِّضاحي
*
ثُمَّ يُنْكرُني الرِّضى
والحاسدونْ.
*
وأنا هنا منْ دونِ
قافيةٍ ولا أملٍ ولا جدوى
يراها الآخرونْ.
*
منْ دونِما
صحفٍ تُريدُ الآنَ دمعي
صالحاً للبيعِ في سوقِ
النّخاسةِ والجنـونْ.
*
ويقولُ لي الشّعراءُ
دَعكَ منَ الكتابةِ
والكآبةِ والظّنونْ.
*
وأَتِح لروحِكَ مقعداً
بينَ الحداثةِ والحداثةِ
كي تكونَ ولا تكونْ.
ما فازَ إلاّ الفاشلونْ.
*
سأقولُ لي
قد يأكلُ الشّعراءُ
لحمَكَ والوظيفةْ.
*
قد يأكلُ الصّحفيُّ
صوتَكَ والخليفةْ.
*
من قالَ إنَّ الشّعرَ
ليسَ ضـرورةً مُثْلـى
لإتمامِ الصّحيفةْ !!.
*
ولكي يُتِمَّ
الشّاعرُ المقتولُ في
المعنى نزيفَهْ.
*
كونٌ صغيرٌ
ذابَ في لغتي وأَدمَتْني
القصيدةُ والمواجعْ.
*
ذهب المجازُ مودِّعاً
من قبل أن تأتي لمكمنِها
الحوادثُ والتّوابعْ.
*
هيّأتُ أسـبابي
وإنّ معي من الأدواتِ
ما يكفي لتكتملَ القصيدةُ
والشّوارعْ.
*
هذا دمي
ارتطَمتْ نيازكُهُ الصَّغيرةُ
بالزّوابِعْ.
*
قد كان
مشغـولاً بترتيبِ العواصفِ
واختلافِ اللّيلِ
*
والرّيحِ
الّتي في اللّيلِ
واللّيلِ المُخادعْ.
*
حتى العبارةُ
لم تكن تعنيهِ أصلاً.
*
كانَ مشغولاً
بِبَلبَلَةِ الأماكنِ
والأصابعْ.
*
لم تتركِ الكلماتُ
لي شغبي لأركض في
مدارِ الأرضِ أقطفُ
غيمةً في إِثرِ أُخْرى.
*
ما حيلتي !!
وأنا الأَتَيتُ كما
النّسيمِ الحرِّ
*
في الغاباتِ
يعشقُ أنْ يظلَّ
الآنَ حُرّا.
*
وأتيتُ
ملتبِساً بأشكالِ الطّيورِ
أقولُ للأشجارِ أَمرا.
*
وأتيتُ
قبل تفتُّحِ الأقداحِ
في الحاناتِ
*
قبلَ
توقُّدِ العطّارِ
في المعنى
*
أُعاقرُ
خمرتي وأُذيعُ
سرّا.
*
وأمرُّ قرب الأرضِ
أفتحُ معجَمَ القَتْلى على
اِسْمي قربَ إِسْمِ أبي
وعائلتي هنا لأراهُ ذِكرى.
*
وأرى ارتباكَ العشبِ
في الغاباتِ والقنْصَ الّذي
يشتدُّ في السّاحاتِ
*
ثمَّ أرى
أنا الأعمى ضرورةَ
أنْ أقولَ الأرضَ
شِعرا.
*
من يستطيعُ
الآنَ تشكيلَ الهواءِ
*
ليحرسَ
المعنى على بابِ
الخديعةِ
واللّغةْ.
*
من يستطيعُ
الآنَ ترتيبَ الفراغِ
*
ليخدشَ
المبنى بهذي
الأدمغةْ.
*
لو كانَ لي
ما كانَ من شأنٍ
لرامبو
*
وهـو يلتهمُ
الجحيمَ كحَبَّـةِ (البالتانِ)
لاجتحتُ الجحيمَ،
لأبلُغَهْ.
*
كن مرّةً يا صاحبي
مثلي لنخترعَ القيامةْ.
*
ونطلَّ من عدَمٍ على
عدَمٍ ونبتكرَ السّلامةْ.
*
كن مرَّةً مثلي
بلا أحدٍ ولا ولدٍ
ولا وَتَدٍ لدَيكْ.
*
كن مبهماً
لتظلّ ملعوناً ومجنوناً
ومطروداً بأقصى جنَّتَيكْ.
*
كن واضحاً
لتكون مقتولاً ومتّهماً
ومشغولاً عليكْ.
*
كن مثلما تهوى
وأَتلِفْني جميعي
في هوائِكْ.
*
كن مرّةً وحدي
لتشرقَ بي سمائي
منْ سمائِك.
***






