أقلام حرة
جودت العاني: مقاربات.. جيوبوليتيكية
- الإستنزاف: لمفهوم الاستنزاف في علم الجيوبوليتيكا أبعاده واتساعاته وذلك عند النزاع السياسي الذي قد يجر الى الحرب، والحرب تعتمد على الجغرافيا والموارد المادية والبشرية والنفسية فضلا عن التحالفات التي تقوم على قاعدة المصالح.
وتتوقف الحرب بناء على قرار أحد طرفي الحرب أو كليهما أو نتيجة لقرار أممي. فجغرافية الحرب لها اهمية قصوى في مجال العمق في الدفاع، الذي يأخذ بنظر الأعتبار العامل البشري والموارد والقدرات التي تضمن زخم الاستمرار في الحرب.
ومن هنا يبرز مفهوم الاستنزاف البشري والمادي والنفسي بكل وضوح، الامر الذي يدعو الى الاستفسار:
من يستنزف من..؟
الاستنزاف يعتمد، كما اسلفنا، على تلك العوامل، فكلما تمتعت الدولة بجغرافيا واسعة للدفاع في العمق، كلما اكتسبت منزلة القدرة في الحرب والعكس صحيح، ولكن الدول التي ينقصها العمق الجغرافي قد تعوضه بالآت الحرب الحديثة وبالتحالفات.
فهل ان الصراع بين الكيان الصهيوني والدول العربية يمكن توصيفه بالاستنزاف تحت يافطة التهديد بالحرب؟ وكيف يمكن توصيف (الحرب) الأخيرة بين اسرائيل وايران؟ وهل هنالك حرب فعلية بين ايران واسرائيل ومن أجل أي هدف؟ هل هو هدف (فلسطين - القدس) أم هدف نطنز ومراكز تخصيب اليورانيوم وبالتالي صراع نفوذ وتوازن قوى في المنطقة؟ ولا علاقة لمركز نطنز بفلسطين.
الضربة الإستباقية الاسرائيلية لمركز الأبحاث في ايران تتعلق حصراً بمنع ايران من الحصول على السلاح النووي.. إذن، هو صراع قوى إقليمية في منطقة رخوة تفتقر إلى حشد عناصر قوتها.. ومع ذلك، يظل الاستنزاف قاعدة للصراع، فمن يستنزف من؟
ان قطبا الصراع، يدركان اهمية مفهوم العمق الجغرافي، ففلسطين المحتلة تفتقر الى العمق الجغرافي، فيما يتسع العمق الجغرافي العربي.. أما الموارد فإن الكيان الصهيوني لا يمتلك الموارد الكافية لإدارة حالة الاستنزاف المتوقعة عند نشوب الحرب، فضلا عن الكتلة البشرية الاسرائيلية التي لا تصمد أمام الكتلة البشرية العربية المتحدة سياسيا وعسكريا، ولكن مع ذلك يتم الترجيح عن طريق الدعم الغربي العسكري والمالي واللوجستي لهذا الكيان، كلما باتت علامات الاستنزاف ظاهرة في أية حرب بينه وبين العرب.
الكيان الصهيوني يدرك نقاط ضعفه في مساحة الارض والكتلة البشرية والموارد المالية فضلا عن شعوره بانه طاريء والدول العربية تدرك نقاط ضعفها في مكوناتها (العرقية والدينية) فضلا عن تحالفاتها الضعيفة المرتبطة بالمصالح وحالة الاستنزاف في الموارد، لذلك فان الاستنزاف الاسرائيلي يكون اكثر عبئاً في حالة الحرب من الاستنزاف العربي الاقل تأثيراً.. ورغم الدعم الغربي للكيان وزخمه المتلازم مع تطورات الحرب، فأن الاستنزاف في تخطيط (الدولة) العبرية تعير له أهمية بالغة، طالما ان حلفاؤها غير قادرين على المجازفة في حالة الحرب ادراكا منهم لحالة الإستنزاف.. أما الايديولوجيا(الثيوقراطية) الدينية فلا مستقبل لها في العصر الحديث.
ومن هذه الزاوية فان الاستنزاف يعد اكثر خطورة لدى النظام (الثيوقراطي) منه لدى الكيان الصهيوني العنصري.. فالثيوقراطية تعمل بمنهج (الباطنية) كلما توفرت الارضية الممكنة.
وخطوات الاستراتيجيا - ذات المنهج الثيوقراطي - يلخصها مبدأ تصدير (القوة)، الذي يعتمد على تشكيل (القوى) في الخارج من اجل استخدام القوة.. ولا علاقة لها (بالقدس).. لأن الصراع بين الكيان الصهيوني والنظام الثيوقراطي هو صراع مصالح وصراع نفوذ والحرب التي قامت بينهما كانت من أجل منع النظام الثيوقراطي من (التخصيب)، الذي تجاوز نسبة (4,67) الرسمية إلى ما يقرب من (60) بالمئة خلافاً لقواعد العمل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. إذ أن هذه النسبة من التخصيب غير مسموح بها دولياً، والهدف من رفع درجة التخصيب واضح جدا و(يتساوق) مع منهج تصنيع الصواريخ بمدياتها المختلفه. فلماذا الإصرار على النووي، كما هو حال الكيان الدموي الصهيوني الذي يمتلك الذراع النووية التي يجب نزعه.
تعداد نفوس هذا الكيان تقريبا (3.3) ملايين نسمة، فيما تعداد نفوس العرب يقترب من (450) مليون نسمة وتعداد نفوس الايرانيين يقترب من (90) مليون نسمه.. وهذه مفارقة ليست غريبه لأن ستراتيجية النظام الثيوقراطي وستراتيجية الكيان الصهيوني تاريخيا لا تؤشران صراعاً بل تنسيقا بالضد من العرب، والتعاضد هذا يستند على الكراهية المشتركة.. فلو كان النظام الثيوقراطي عادلا، فلماذا يسعى إلى التوسع؟!
- المجال الحيوي:
والملاحظ ان النظام الثيوقراطي يسرف في التسلح ويهدد جيرانه ولا يكترث بالعواقب الوخيمة التي تسفر عن إصراره على التسلح والتوسع لتحقيق ما يسمى (المجال الحيوي) المنقرض لإعادة تأسيس امبراطورية ثيوقراطية غابرة.
فبدلاً من الاصرار على التسلح غير المبرر بسلاح تقليدي وغير تقليدي، فالضرورة تقتضي الدعوة إلى نزع سلاح المنطقة.. إلا أن النظام الثيوقراطي لا يرغب في ذلك بل يصر على تخصيب اليورانيوم خلافاً للأعراف الدولية، ويصمت ازاء الاعلان عن ضرورة إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل ويمارس اسلوب التصعيد والدعوة المبطنة لتسليح المنطقة وتعريض شعوبها والعالم الى الخطر.
***
د. جودت صالح
1/ 12/2025





