قراءات نقدية

عماد خالد رحمة: قراءة نقدية تحليلية موسَّعة قصيدة "الليالي الأربع"

للشاعر المصري أحمد بخيت.. في ضوء المنهج الرمزي، الأسلوبي، النفسي، الهيرمينوطيقي

تُعدّ قصيدة «الليالي الأربع» للشاعر المصري أحمد بخيت نصّاً شعريّاً مركَّب البنية والدلالة، يزاوج بين البوح الغنائي والتأمل الوجودي في صورة عشقٍ متجاوز لحدود التجربة الفردية إلى آفاق الرمز والأسطورة. عبر نسيج لغويّ متوهج بالإيقاع الداخلي، وصورٍ تستدعي الماء والليل والطيران والعيون بوصفها مكوّنات لخطاب الحبّ والفقد، ينحت الشاعر عالماً تتجاور فيه الصوفية والشهوانية، واليقين والشكّ، في وحدة توترٍ إبداعية. ولأن القصيدة تنفتح على طبقاتٍ متعددة من المعنى، فإنّ مقاربتها تستدعي تضافر المنهج الرمزي للكشف عن بنيتها الإيحائية، والمنهج الأسلوبي لرصد خصائصها التعبيرية، والمنهج النفسي لاستجلاء أبعادها اللاواعية، إضافة إلى القراءة الهيرمينوطيقية التي تفكك العلاقة بين أفق النص وأفق القارئ، بما يسمح ببلوغ فهم أعمق لجدلية الحبّ والشعر في خطاب أحمد بخيت.

١. مقدِّمة تأطيرية ومناهج العمل:

أقترح هنا قراءة مركَّبة تجمع بين: (أ) التحليل الرمزي (دلالة الصور والأنساق الرمزية)، (ب) المنهج الأسلوبي (أدوات اللغة، بنية الخطاب، الإيقاع الحرّ)، (ج) القراءة النفسية (دلالات الرغبة، النقص، السُّلطات اللاواعية)، و(د) الهيرمينوطيقا التأويلية (آفاق القراءة، أفق المؤلِّف / القارئ، وطبقات المعنى). سأعتمد اشتقاقَ المعنى من داخل النص بالأساس، مع توطين كثير من الاقتباسات النصّية لإثبات الأحكام التفسيرية.

٢. البنية السردية والصوتية: الخطاب كغناء متقطّع

القصيدة لا تبدو نصّاً سردياً متكاملاً تقليدياً بقدر ما هي «خطابُ اشتياقٍ» مُجزَّأ إلى لحظاتِ انفجارٍ لغويّة. تكرار النداء «يا لَيلَى» كـتُحضينٍ صوتيّ يُنَظِّم الحرَكَة العاطفية ويؤطّر فصولَ النّص («بغيرِ الماءِ / يا لَيلَى» — «إذنْ / مِنْ أينَ يأتي الحزنُ / يا لَيلَى؟»). هذا النداء المتكرّر يعمل كمرساةٍ رمزية: هو اسمُ المحبوب/الأنثى، ومكانُ تلاقي النبرة الغنائية مع ثيمةِ السؤال والافتقاد.

- الأسلوبُ عامّي– شعريّ في آنٍ واحد: جُمَل قصيرة مكسّرة («يموتُ / جمالُ ألفِ طريقْ»)، تعابير طويلة موجزة («أُحِبُّكِ... / لم يغِبْ منِّي / سوى وجهِ الفتى العابرْ»)، وانقطاع/استئناف مفاهيمي بواسطة النقاط والحروف الاستئنافية («أحبُّكِ...»، «فليُسمُّوا الحبَّ / وَهْمًا، / كذْبةً، / إغراءْ»). هذه التقطيعات الأسلوبية تزيد من إحساس التلهّف والافتقاد والارتعاش الصوتي.

- إيقاع القصيدة حرٌّ لا يتقيد بقافية موحّدة؛ لكنها تحتفظ بتكراراتٍ صوتية (تجاورات حروفية: ل، ر، ش) وتكرارات معنوية (الحبّ، الحزن، الطيران، الماء، العيون) تُنتج موسيقى داخلية أقرب إلى النَشيد/الترنيم منها إلى البيت العمودي.

٣. رموز مركزية ودلالاتها المتقاطعة

- الماء:

الماء يظهر كرمز للحياة والملء والهوية: «بغيرِ الماءِ / يا لَيلَى / تشيخُ طفولةُ الإبريقْ». هنا الماء ليس فقط عنصرًا مادياُ بل شرطٌ للوجود الشعريّ والوجداني: من دونه «تشيخ طفولة الإبريق» — الإبريق كشكلٍ للحياة المنزلية للهوى يصبح عجوزاً بلا ماء. في موضع آخر: «أفي مقدورِ هذا الماءِ / إلاّ أنْ يكونَ / الماءْ؟» — سؤال فلسفي رمزي: هل الكائنُ (الماء) يملك إلا ذاته؟ أم هل العشق يطلب من الشيء أن يكون «أكثر من ذاته»؟ الماء رمز النقص والوفرة في آن.

الليل / ليلَى

الاسم «ليلى» ليس مجرد اسمٍ أنثوي؛ هو شخصية رمزية تقترن بالليل (ليلى/ليل): «نجمةُ السُّلوانِ / حين لمحتُها.. / غَارتْ». الليل هنا حاضنٌ للغموض، للغواية، للمساءات الشعرية، وهو كذلك «أيقونة الأسرار» («فيا أيقونةَ الأسرارِ / في الأشعارِ / يا لَيلَى»). النداء المتكرر يجعل ليلَى محوراً أنثروبولوجيًا — أنثىٌ، رمزُ الغيرية، بل «الأنثى-العمل الفني» التي يُنسب إليها فعلُ الخلق والشكل.

الطيران / الأجنحة / الطائر

ثيمة الطيران تتكرر («أجنِحَتِي / يجفُّ بريشِها / التحليقْ»؛ «لأنَّ السِّرَّ / في الطيرانِ / لا في الريشِ / والطائرْ») لتبيّن الفرق بين الوسيلة والغاية: ليس الريش وحده ما يجعل الطائر يطير بل فعل الطيران نفسه، رمزٌ للحرية/الروح. يفصح الشاعرُ عن وعي نقديّ للوسائل (الريش) مقابل الفعل (الطيران)، وكأن الحبّ هو فعلُ الوجود لا امتلاك الأداة.

العيون / الكحل / الوعد:

العيون عند الشاعر رمز للمرآة والعبور: «هي امرأةٌ... تضيءُ غيابُها صوتي! / سوى امرأةٍ / بِسُكَّرِها / أُحلِّي / قهوةَ الموتِ!» و«عيونُكِ / يا سمَا عينَيَّ / صحوُ الشوقِ في الناياتْ». العين هنا تضيء وتغوي وتصبح «مكانًا» للفداء والغواية.

- الموسيقى والشعر كقوة خلاقة/خلاصية:

الشاعر يحوّل المحبوبة إلى «موسيقا» ويعلن أن الشعر هو الصيغة الخلاصية: «أنا غيرُ موسيقا / تليقُ بِسِحْرِ رَقْصَتِها»؛ «سأعزِفُ فيكِ / موسيقا السماءِ». الشعر عنده فعلُ عبادةٍ وجهاد: يبارك ويصيح ويؤطر وجوده. في موضعٍ أخطر، الشاعر يواجه السؤال الديني-الجمالي: «فَمَنْ سيسبِّحُ الرحمنَ / بالأشعارِ / في الجَنَّةْ!» — أي: مَن سيحافظُ على قيمة الشعر في حال تنكر الشاعر لذاته الشعرية؟

٤. ملاحظة أسلوبية: التكرار، النفي، والتضادّ:

- التكرار المنظّم («أحبُّكِ...») يعمل كمرثيةٍ دائمة. النفي والتساؤل («لماذا...؟»، «أفي مقدور...؟»، «إذنْ / مِنْ أينَ يأتي الحزنُ يا لَيلَى؟») يخلق بنية استجواب داخليّة تشير إلى أزمة وعي؛ فالشاعر يسأل ليتجاوز، لكنه في السؤال يعيد إنتاج الافتقاد.التضادّ أو الأزواج الثنائية تلعب دورًا بنائيًا: ماء/يابس، طيران/ريش، حب/شكّ، حزن/سُلوان، إنسان/إنسان (سؤال أخلاقي وجودي: «لماذا ليسَ في الإنسانِ / ما يكفي منَ الإنسانْ!؟»). هذه الأزواج تنشئ حركةَ متناظرة داخل النصّ: توتّرٌ دائري يدور حول مركز الحبّ/الافتقاد.

٥. قراءة نفسية: الرغبة، النقص، والأنيمة

من منظورٍ نفسيّ (نقضي على التبسيط ونعتمد استعارات نفسية معقّدة):

الأنيمة والأنثى كمَثَلٍ نفسي.

ليلى في النصّ تمثّل الأنيمة — صورة الأنثى الداخليّة التي تُكملُ الذكر. العلاقة إذًا ليست علاقةُ جسد فقط بل علاقةُ تعبيرٍ وجوديّ: «حين أحبُّ / سيدةً / أحوِّلها لموسيقا!» هذا تحويلٌ نفسانيّ: تعظيمُ الأنا للذات الأنثوية داخليًا.

الرغبة واللاّك — قراءة لاكانية.

- تظهر بنيةُ النقص بوضوح: «بغيرِ الماءِ...»؛ «لم يعثرْ على امرأةٍ / يضيءُ غيابُها صوتي!»؛ «لماذا من يقينِ الحبّ نَقطِفُ وحْدَنا الشّكَّا!» في القراءة اللاكانية، الشاعر يواجه «اللاّك» — نقصانٌ لا يملأهُ أي موضوع. الحبّ يصبح سعيًا لشيءٍ لا يمكن الوصول إليه، فالنداء الدائم لـ«ليلى» ليس استدعاءً لموضوعٍ موجود بل للفراغ المرجوّ أن يُملأ.

- الاندفاع الجنسي/الروحاني والتصوّف.

القصيدة تُجمع بين لغةٍ شهوانية وصوفية: «أنا الصوفيُّ / والشَّهوانُ / عَشَّاقًا / ومعشُوقا» — ازدواجيةٌ نفسية تعبّر عن أنشودة التوحيد والغواية في آن، حيث تتحول المحبوبة إلى مُستودَع للقداسة والشهوة معًا. هذه الثنائية تُظهر استعصاءَ الحلّ: الحبّ لا يُفلح لأنّه يضمّ إلى جوهره نقيضَه.

٦. الهيرمينوطيقا: آفاق التأويل وقرائن القراءة

القصيدة تُنتج عدة آفاقٍ تأويلية:

1. أفق المؤلف: إنْ افترضنا أن الشاعر يقدّم تجاربًا ذاتية، فالقصيدة إعلانُ حبٍّ واعترافُ عجزٍ أمام العشق الذي يشيخ اللغة والوقت. لكن لا ينبغي ملازمة هذا الافتراض؛ النصّ مستقل ويستدعي قراءاتٍ متعدّدة.

2. أفق القارئ: القارئ يأتي بشيفراته (ثقافية، دينية، رمزية)؛ لذا تتفتّح معاني جديدة. النبرة الصوفية قد تُستقبل لدى قارئٍ متدين بوصفها تقربًا إيمانيًا، ولدى قارئٍ عصري بوصفها تجسيدًا للحنين الوجودي.

3. التوتر بين النصّ والمرجع: تكرارُ الأسماء (ليلى، خال، النيل) يبني شبكة إشارات تربط بين دلالات محلية (الثقافة العربية/المصرية) والأرشيف الشعري (ليلى كشخصيةٍ أسطورية في الشعر العربي). الهيرمينوطيقا تتطلّب هنا اعتبارَ الخلفية الثقافية دون تسليمها كدليلٍ قاطع: النصّ يعيد صياغة الأسطورة لا مجرد استنساخها.

٧. قراءة تفصيلية مقاطع على مقاطع (عينات تحليلية):

- افتتاحية: «بغيرِ الماءِ / يا لَيلَى / تشيخُ طفولةُ الإبريقْ»

- افتتاحيةٌ مُحكمة: تبدأ بغيابِ شرطٍ (الماء) فيصبح الإبريق ـ هنا رمزُ الاحتواء والسر الذي يُسقى به الشغف ـ مُهترئًا، وبذلك يقدم الشاعرُ الحبّ غير المشبع كعائق أمام تجديد الطفولة والبراءة.

- مفصل: «لأنَّ السِّرَّ / في الطيرانِ / لا في الريشِ / والطائرْ»

- تصريحٌ فلسفيّ بصيغةٍ شعريّة: يقترحُ الشاعرُ أن الفعل/النية أهم من الظاهر. في سياق الحبّ، قد يعني هذا أن العشق كفعل وجودي مهمّ أكثر من سمات المحبوبة أو أدوات الإغواء.

- استدعاءات دينية/أخلاقية: «فَمَنْ سيسبِّحُ الرحمنَ / بالأشعارِِ / في الجَنَّةْ!»

تتحول توصيفات الحبّ إلى سؤال أخلاقي -وروحي: الشاعر يخشى أن يفقد الشعر دوره التعبّدي، وأن تتنازل الإبداعية عن وظيفتها الروحية إن لم يعترف الشاعرُ بقيمته.

- خاتمة لحنية: «بياضٌ قاتلٌ / وَرَقِي / وقافيتي»

- خاتمة تحيل إلى انكسار اللغة/القافية نفسها: «قوافيتي» هنا ليست منقذة؛ ربما الموت الشعري يلوح بسبب كثرة الشوق أو بسبب استنفاد الوسائل.

٨. النتائج الاستنتاجية (خلاصات تحليلية)

1. القصيدة نصّ مركزيّ في منظومة الحنين والافتقاد: كل رمزٍ (الماء، الليل، العيون، الموسيقى) يدوّم معنى النقص وإمكان الخلاص من خلال الفعل الشعري ذاته.

2. الشاعر يضع الشعر في منزلة الفعل الخلاّق والعبادة؛ الشعر ليس تسجيلًا بل ممارسة وجودية: «أنا الموعودُ... / ما هُوَ كائنٌ».

3. اللغة الأسلوبية: التقطيع، التكرار، الاستفهام، والنداء تعمل معًا لتوليد موسيقى داخلية تُقارب الطقوس أكثر من كونها سردًا خطيًا.

4. ازدواجية دينية/شهوانية تشكّل بنية نفسية عميقة: المحبوبة تُقدَّس وتُشيَّطُ في آنٍ واحد، والذات تسعى إلى التوحيد والتنفيس عبر الحبّ والشعر.

5. الهيرمينوطيقا تُبيّن أن النصّ يحتمل قراءات متعدِّدة: دينية، اجتماعية، نفسية، وجمالية؛ وكل قراءة تضيف بعدًا دون أن تُجهِد النصّ إلى معنى وحيد.

٩. اقتراحات لمشروعات بحثية لاحقة

- دراسة مقارنة بين استخدام رمز «الماء» في هذه القصيدة ونصوص عربية/مصرية معاصرة لتحديد خصوصية تكوينية عند أحمد بخيت (نقاش نمطي/دلالي).

- تحليل أسلوبي مقارن بين نمط النداء (يا...) في هذه القصيدة ونماذج من الشعر العربي الحديث (الموسيقى الداخلية، التكرار، الوظيفة الدلالية).

- قراءة نفسية معمَّقة بمناهج لاكان/فرويد/يونغ، مع استخدام منهج السرد الذاتي للشاعر إن وُجدت سيرته أو مقابلاته (طبعاً مع توخي الحذر من التوظيف الحيوي المباشر).

١٠. خاتمة موجزة

«الليالي الأربع» قصيدةٌ تحتفي بالافتقاد وتبيِّن الشعر كمسعى للخلاص والاعتراف. عبر صورٍ مركّبة (الماء، الطيران، العيون، الموسيقى) وبنيةٍ أسلوبيةٍ متقطعةٍ وغنائية، يصوغ أحمد بخيت نصًا يوجّه سؤال الوجود: كيف نعبرُ عن نقصنا؟ وكيف يُمكن للشعر أن يكون طائرًا يطير رغم جفاف الريش؟ القصيدة تقترح أن الجواب يكمن في الفعل الشعري نفسه — في الطيران لا في الريش.

***

بقلم: عماد خالد رحمة - برلين

.......................

قصيدة الليالي الأربع

بغيرِ الماءِ

يا لَيلَى

تشيخُ طفولةُ الإبريقْ

بغيرِ خُطاكِ أنتِ

معي

يموتُ

جمالُ ألفِ طريقْ

بغيرِ سَمَاكِ

أجنِحَتِي

يجفُّ بريشِها

التحليقْ

أحبُّكِ...

لم يغِبْ منِّي

سوى وجهِ الفتى العابرْ

سيُكْمِلُ

كبرياءُ الشِّعْرِ

مَا لمْ يُكمِلِ الشاعرْ

لأنَّ السِّرَّ

في الطيرانِ

لا في الريشِ

والطائرْ

أحبُّكِ...

فليُسمُّوا الحبَّ

وهْمًا،

كذْبةً،

إغراءْ

أفي مقدورِ هذا الماءِ

إلاّ أنْ يكونَ

الماءْ؟

إذا امتلأ الزمانُ

بنا

تلاشَتْ

فِتنةُ الأسماءْ

أحبُّكِ...

نجمةُ السُّلوانِ

حين لمحتُها..

غَارتْ

ولستُ أعاتِبُ السِّكِّينَ

فى ضِلعِي

الذي اختارتْ

فلا أحدٌ

يردُّ الخطوَ

للقَدَمِ التي سارتْ!

إذنْ

مِنْ أينَ يأتي الحزنُ

يا لَيلَى؟

إذنْ

من أين؟

وأنتِ غزالةٌ بيضاءُ

تمرَحُ في

سَوادِ العينْ

على جَمْرٍ مشيتُ إليكِ

قلْبًا حافيَ القدمينْ!

لماذا

مِنْ يَقينِ الحُبِّ

نَقطِفُ وحْدَنا الشّكَّا!

ومِنْ بستانهِ

الممتدِّ

نحصدُ وحْدَنا الشَّوْكا!

ونبحَثُ فيهِ

عن ركنٍ

يُسمَّى

حائطَ المبكَى؟!

لماذا لم نجدْ

في الحزنِ ما يكفي

منَ السِّلوانْ!؟

لماذا لم نجدْ

في الحبِّ ما يكفي

منَ الغُفرانْ!؟

لماذا ليسَ في الإنسانِ

ما يكفي منَ الإنسانْ!؟

لماذا كلُّ أسئلتي

وأنتِ هُنا

وأنتِ هُناكْ

غنائي الفَذُّ

يا لَيلَى

هديةُ طائرِ الأشواكْ

وماذا

قد يَضِيرُ الشمسَ

إنْ هُمْ

أغلقوا الشُّبّاكْ؟!

يقولُ لَكِ الغَيَارَى

مِنْكِ:

إنّ غناءَهُ

فتنةْ

إذا أنا تبُتُ

عن شِعْري

ولم أتقبَّلِ المِنَّةْ

فَمَنْ سيسبِّحُ الرحمنَ

بالأشعارِِ

في الجَنَّةْ!

وكيفَ أتوبُ

والعصفورُ

لم يُفطَمْ

عن الشجرِ؟

ولم يحفَظْ كتابُ الليلِ

غيرَ قصائدِ القمرِ؟

سأعزِفُ فيكِ

موسيقا السماءِ

فباركي

وَتَرِي!

أعوذُ

بوَجْهِ مَنْ خَلَقَ الجمالَ

فكانَ

كيفَ يشاءْ

وزانَ الأرضَ

بالأزهارِ،

والأطفالِ،

والشهداءْ

أيُبدِعُ كلَّ هذا الشِّعْرِ

ثم يخاصمُ الشعراءْ؟!

أكادُ أضيءُ

يقتلُني ويحُيِيني

بِكِ

العِرْفانْ

يصافِحُنِي الذي سيكونُ

ما هُوَ كائنٌ

ما كانْ

سَكِرْتُ بما...

سَكِرْتُ وما...

سكِرتُ...

فقبِّليني

الآنْ!

أنا نَخْلُ الجنوبِ

الصعبُ

هُزِّي الجذعَ واكتشفي

بجذرٍ راسخٍ

في الأرضِ

يحتضنُ السَما

سَعَفي

للَيلَى

أن تعانقَني

عناقَ اللامِ للألِفِ!

أنا الصوفيُّ

والشَّهوانُ

عَشَّاقًا

ومعشُوقا

أسيرُ

بقلبِ قِدِّيسٍ

وإن حسِبُوهُ

زنديقا

وحين أحبُّ

سيدةً

أحوِّلها لموسيقا!

ولَيلَى

نجْمةٌ ما الليلُ بعدُ

وما غرورُ الشمسْ؟

إذا أغمضتُ

أُبصِرُها

وأشرَبُ ضوءَها

بِاللَّمْسْ

وإن ضحِكَتْ

رأيتُ غَدِي

يكفِّرُ عن ذنوبِ الأمسْ

ولَيلَى

سِدرَتِي في الوَجْدِ

مِيعادي مع الأشواقْ

وإصغائي

لصوتِ اللهِ

حينَ يضيءُ

في الأعماقْ!

عروسٌ هذه الدنيا

وكُحْلُ عيونِها

العُشّاقْ!

ذهبتُ

إلى براري الحُبِّ

قبْلَ ترهُّلِ الوقتِ

فلم أعثرْ

على امرأةٍ

يضيءُ غيابُها صوتي!

سوى امرأةٍ

بِسُكَّرِها

أُحلِّي

قهوةَ الموتِ!

هي امرأةٌ

تخصُّ الرُّوحَ

لا بَدْءٌ لِقِصَّتِها

وما مِنْ منتهىً

في العشقِ

عُمْري

بعضُ حِصَّتِها!

وما أنا غيرُ موسيقا

تليقُ بِسِحْرِ رَقْصَتِها

ذهبتُ إلى أنوثتِها

صبيًّا طاعنًا في الحبّ

أُدَنْدِنُ باسمِها مطرًا

فَأُزْهِرُ

في السنينِ الجَدْبْ

أنا الموعودُ،

أسمرُها،

المبشَّرُ باسْمِها

في الغَيْبْ!

أَشُمُّ جمالَها بِيَدِي

وأُبصِرُهُ بآذاني

وأسمعُهُ بأحداقي

أقبِّلُهُ بأجفاني

وأقرأُ فيهِ

توارتي،

وإنجيلي،

وقرآني!

قديمًا

قبلَ تربيةِ الأفاعي

تحتَ سقفِ القلبْ

وقبْلَ

الناسُ

منفى الناسِ

والدنيا

غنيمةُ حربْ

أتى ولدٌ

إلى الدنيا

تُظَلِّلُهُ

غمامةُ حُبّ!

أنا الولدُ الذي ابْتَكَرَ البِحَارَ

مُضَيِّعًا شَطَّهْ

تَمَنّى قهوةَ الأنثى

فكانت

شَهوةَ القِطَّة

أترجِمُ

مِلْحَ هذا الدمعِ

أمواجًا

من الغِبْطَةْ!

أنا هو

ذلكَ الولدُ القديمُ

الأسمرُ اللثْغَةْ

يُضَمَّدُ رُوحَهُ

شِعرًا

ويَنْفُثُ ساخرًا

تَبْغَهْ

وحَوْلَ القلبِ دائرةٌ

تُحَدِّدُ

مَوْضِعَ اللدغَةْ

أنا المجنونُ يا لَيلَى

شهيدُ الحُلْمِ

والأشواقْ

بِحُبِّكِ

أُسْكِرُ الدنيا

وباسْمكِ

أملأُ الآفاقْ!

على آثار أقدامي

يَسيرُ العشقُ

والعُشّاقْ!

عبَرْتُ متاهةَ الماضي

وما جَمَّلتُ أخطائي

وسرتُ

على صِراطِ الحزنِ

محفوفًا بأعدائي

وجئتُكِ

خالصًا للحُبِّ

مِنْ أَلِفِي

إلى يائي!

فيا ثأري مِنَ الأحزانِ

يا بابي

على الملكوتْ

بنقصٍ في الضلوعِ

وقفتُ

مُتّهَمًا

بوَرْقَةِ توتْ

أَضُمُّكِ

فليكُنْ سَفَرٌ

على عطشٍ

وقِلَّةِ قوتْ!

أُحِبُّكِ في الزمانِ يَجيءُ

لا في الوقتِ

وَهْوَ يفوتْ

أحبُّكِ في الجمالِ يُضيءُ

أطفالاً

وحِضْنَ بيوتْ

أحبُّكِ...

لحظةٌ تكفي الفتى ليعيشَ

لا ليموتْ!

أنا أدعوكِ

معجزتي

فَمَن سمّاكِ

أحزاني؟!

عشقتُكِ

من ضجيج خُطاي

حتى

صمتِ أجفاني

ولم أحلمْ

بعابرةٍ

أقبِّلُها

وتنساني!

معي

زُوّادةُ التَّحنانِ

في ناي الرعاةِ

السُّمْرْ

معي أسطورتي

في العشقِ

أنتِ

ونارُ هذا الشِّعْرْ

ولي

كالدّيكِ حَنْجَرَةٌ

مَهَمَّتُها

ابتكارُ الفَجْرْ

أتيتِ

فَشَفّني صَحْوٌ

حكَيتِ

فمسَّني سُكْرُ

تنهَّدَ في دمي وَرْدٌ

وغرَّدَ في فمي

شِعرُ

وحفَّتْنِي ملائكةٌ

وسالَ على يدي

نَهْرُ

هما عيناك

يا وَعْدَ السَّما

للأرضِ

مِنْ أزلِ

أسافرُ منذ ميلادي

ولم أرجعْ ولم أصلِ

لغيرِ عيون لَيلَى الكحلُ

لَيلَى كُحْلُها غَزَلي!

فيا أيقونةَ الأسرارِ

في الأشعارِ

يا لَيلَى

ويا الأندَى

ويا الأشجَى

ويا الأحلَى

ويا الأغلَى

أحلِّقُ

في أعالي الشِّعْرِ

واسمُكِ دائمًا

أعلَى!

أغارُ

على اسمِكِ الضوئيِّ

يا وقّادةَ الإغراءْ

أغارُ

على أناقتهِ النبيلةِ

من فَمِ الغرباءْ

فيخفقُ قَلْبِيَ:

اكْتُبْها

وضَعْ ما شئتَ

من أسماءْ

عيونُكِ

يا سمَا عينَيَّ

صحوُ الشوقِ في الناياتْ

حضارةُ آخرِ الدنيا

بكارةُ أوّلِ الغاباتْ

عيونٌ

تصطفي رَجُلاً

فضيحةُ قلبهِ

الكلماتْ!

هنا

في المَقعدِ الخالي

مِنَ الجمهورِ

كلَّ مساءْ

ستجلِسُ

أجملُ امرأةٍ،

لتسمعَ

أجملَ الشعراءْ

وتنثُرَ

عطرَها الأبديَّ

في قمصانِهِ البيضاءْ!

تقول لأختِها:

انتظري

نحدِّثْهُ على عَجَلِ

أأطلُبُ رَقْمَ هاتفهِ؟

أكاد أموتُ

من خَجَلي

قفي لا تملئي

عينيكِ منه

إنّهُ رَجُلِي!

وبُحَّتُهَا

انسكابُ المِسْك

حين تقولُ:

يا أحمدْ

نبيذُ أناملٍ خَمْسٍ

تُمسِّدُ شَعرِيَ الأجْعَدْ

تَنَهُّدُ مُوْجَعٍ في النايِ

رَفَّةُ طَائرٍ

مُجْهَدْ!

تقولُ لنفسِها:

نَزِقٌ وقاسٍ

ساحرٌ وبعيدْ

لماذا صوتُهُ النيلِيُّ

يسكنُ فيَّ

كلَّ وريدْ؟!

أَحقًّا

أنَّ رائحتي تذكِّرُهُ

بكعْكِ العيدْ؟!

أُحِبُّكِ...

كيفَ حالُ الخالِ

يا ليلاي

مِنْ بَعْدِي؟

أتغفو شَهْقَةُ الإغراءِ

فوقَ الشاطئ الوَرْدِي

وعندي

كُلُّ هذا الليلِ

كيفَ أُضيئُهُ وحدي؟!

مساءُ الشجو

يا خالَ الجميلة

ما تركتَ خَلِي

غنائي كلُّهُ

سَفَرٌ إليكَ

قصائدي

قُبَلي

يقولُ الخال:

يا مجنونُ!

قبِّلْني

على مَهَلِ!

متى ألقاكِ

يا ليلايَ

إنَّ دَمِي

يخاصمُني

ورُوحي

لا تسيرُ معي

وقلبي لا يكلّمُني

وصوتي

ليسَ يؤنسُني

وصمتي

ليس يُلهِمني!

متى ألقاكِ؟

إنَّ الشِّعْرَ

أوجعُ ما يكونُ

الآنْ

ولا قاموسَ للأشواقِ

لا إيقاعَ للتَّحْنانْ

بياضٌ قاتلٌ

وَرَقِي

وقافيتي

في المثقف اليوم