قراءات نقدية
حيدر عبد الرضا: قراءة في مجموعة (ومضات.. ك) لعدنان الصائغ
تقاطعات الدال الحروفي في فرادة قصيدة الرؤية المتأرجحة
توطئة: يشتغل النص الشعري في أحياز مشغل مجموعة (ومضات...ك) للشاعر الكبير (عدنان الصائغ) ضمن محققات أوضاعية خاصة من الأداة الفعلية والصفاتية والنعوتية التي تتأرجح من خلالها شكلية الوحدة الكتابية بموجب حاﻻت مخصوصة من تقانة (تقاطعات الحروف ؟) توكيدا لتلك الدﻻﻻت التحديثية المغايرة في امتلاك اللغة الدالة في خروجها ودخولها ضمن مواطن مركزة من الخطاب الشعري، لذا بدت لنا قصيدة المجموعة تحفيزا حروفيا دواليا باتجاه دﻻﻻت متأرجحة ما بين فعاليتها التنضيدية ومرمى رسوخاتها في المسميات والحوادث الظرفية والاحوالية والوضفية، امتدادا لها - القصيدة - نحو ذلك الفيض من الصياغة الحسية للصور وتفاصيلها ذات العلاقات المنصوصة ما بين (الما بعد - الما تعاقب) في تصورات البنية الأثارية في شواغل الاستجابة البياضية الما بعدية والفراغية من زمن مرجحات واعتبارات الانموذج الشعري.
الموقف الصياغي وعلامات الحروف المستترة
لأجل أن يكون اعتقادنا بمعقولية هذا التأرجح الحسي في بناء القصيدة واضحا، كان علينا ومنذ الوهلة الأولى من قراءة العنونة المركزية للمجموعة الشعرية أن نستعد لقراءة مجموعة شعرية خارج نمطية تصوراتنا التقديرية، لذا فعلينا تعقب مبررات الانموذج في صنعة الأداة الشعرية، ثم إلى محاولة فهم عوالم تقاطعات الحسي في مقتضيات النشوء الترتيبي للنص، اختيارا لذلك التحصيل الحاصل من تساؤلات ومرسلات وإشارات أحوال القصيدة:
الصوتُ مستقيمٌ. والصدى متكسّرٌ
أين أنتِ بينهما أيَّتُها اللغةُ الساكنةُ في
حنجرةِ الأبدية؟
حَيرةٌ تتقدَّمُني دائماً إلى معناكَ أيُّها
الحرفُ. / ص١٠ - كتاب اللغة - ش.
لعل معطى النظر إلى أبعاد الفكرة المثالية في أواصر ارتباطات الحرف القصدي الواصل، تمنحنا ذلك النوع من الاستنطاق الانشطاري المفضي بين ناحية الميل القولي الآني وذلك الاقتناء للمعنى التخصيصي المجمل. فجملة (الصوت المستقيم - الصدى المتكسر) تعطينا ذلك المتأتي من منظومة الحرف التقاطعية أو الفراغية انتقاﻻ مؤشرا نحو حقيقة الارتباط في جملة (الصدى متكسر = أين أنت) تشاكلا تعادليا بالبحث الدال والتصور نحو مخاطبة (أيتها اللغة الساكنة في حنجرة الأبدية ؟) فالخط الواصل ما بين (السكون - الأبدية) عبارة عن ذرائعية وسائلية في شد الاستقراء والغرض نحو حصولية أبعادا تشكيلية زمنية متحولة في الممارسة والتعاقب المستوياتي، لذا فالبنية في الجمل تعني المسافة في معطى المستنطق وليس التحقيق في أوجه المعروض القصدي. كما الحال عليه في القصيدة الومضية (.. ر):
كثيراً ما قَلَبْتَ المصائرَ
والعساكرَ
البلدانَ
أيُّها الحرفُ المتأرجحُ
بين حرفين
أو
عالمَين
ح.. ب... /ص١١
لو تفحصنا الجمل التوالدية من جهة تمحيصية ما، لوجدنا قيمة التحوﻻت حادثة في (المابين ؟) أي في ذلك المتعلق الحرفي المضمر ما بين (ح.. ب) وهذا المبعث في الجمل الأولى (المصائر -العساكر - البلدان) هي كفاءات وصفية عائدة للمكون الحروفي المتمحور في (الما بين) لذا فعملية الخطاب حلت في الأثر المتفاوت وفي سلسلة علاقات متصاعدة ومعقدة، ولكن من ناحية المركب الحرفي المضمر في الدليل المسكوت عنه، غدا ترجيحا في وحدة التماثل ووظيفة الافتراض النسقية، التي توفر لنا أوضاعاً فضائية أفقية وعامودية من زمن التقاطع الحروفي.
١- كتاب القصيدة: التجوال في ملاعبات التشكيل الحروفي:
لعل القيمة الجمالية التي تتوافر في أدلة قصيدة مجموعة الصائغ الحروفية، تلك النوعية العاطفية المستفهمة والادهاشية بأنفتاح الصور الشعرية في حدود تجاورات حوادثية - مشهدية، تحدد مواطن حدودها بذلك الجوهر الإدراكي للغرض الجمالي في الاصوات الحروفية:
وكثيراً
ما تتأخَّرُ القصيدةُ !
و تتأخَّرين !
الجمالُ
يبتكرُ اعذارَهُ -
إذن الاصل في العلاقة بين (المرسل - المرسل إليه) هي انعطافة حروفية مجازية في سياق المضاف والإضافة الانفعالية من حيز المكون العلائقي، لذا فالقيمة الجمالية تتشكل في أداة المؤثر الحروفي وتحتكم وظيفتها في الطابع التأثيري في مجمل قصديات الوقائع اللفظوية في مناخ القصيدة.
- البناء الصوتي في تجليات المنظومة النواتية
بهذا الصدد، تجدر بنا الإشارة إلى الجانب الصوتي في البناء التقاطعي للقصيدة، إذ تتجول دﻻﻻت الاصوات الحروفية إلى مواضع تركيبية واشكالا تتكشف من خلالها افعالية الصورة الصوتية، كما سنلاحظ في مواطن هذه المقطوعة الشعرية:
يتجلَّى الربُّ، بعينيكِ،
ويَنْبَلِجُ الملكوتْ
فأراني وأنا التداني، أسرحُ...
أو أشطحُ...
بين اللاهوتِ
وبين الناسوتْ.
يكشف لنا وميض الصوت الحروفي ذلك (المعراج التصوفي؟) الممتدد من ناحية صوتية متنامية في الرؤية والإيقاع بطرائق مؤدية إلى علاقات تصورية في المقترح الاتصالي (بتجلي الرب، بعينيك) لعل مستوى الانعكاس الصوري في الدﻻلة، هو ذلك الايحاء بالمعنى المرآتي وتضمينا فاعلاً في متحكم سلطة البوح، لذا فإن نقطة الإنطلاق الصوتي بدت مستوقفة في حدود نغمية الفاتحة التصديرية، لتعلن حضورها في مرمى (وينبلج الملكوت) مما راح يسمح للبوح الآنوي أن يمتد بذاته كفاعلا في الصورة النصية (فأراني وأنا اتداني، اسرح..) وتتمتع العضوية الصوتية في تلفظات النص، بإحالات تتمثل كعلامات كامنة أو افاقية من متصلات الاحوال (أو أشطح.. بين اللاهوت.. وبين الناسوت)و تتوالد اللذة القرائية للنص، نظرا لذلك المحسوس المفترض بين الصورة الصوتية المولدة أو الشيء المتجسد تواصلا بين الاصوات وصور الاحوال.
1 - شعرية الحرف العتباتي وأفق محورية الفواتح الشعرية:
لقد بدت النظرة الى (فضاء القصيدة؟) في مجمل مشغل مجموعة الشاعر موضع بحثنا، كموقفا ابداعيا تحديثيا تشكله تعينات كائنية الحروف الابجدية المحفزة نحو خلق استدﻻﻻت تحويرية منبثقة من استثنائية استبصارات الشاعر، تأكيدا على فسحة الحساسية في ذاتية الحروف وصنيعها الاشاراتي في مواقع المفروض موضوعيا في الواقعة الشعرية، أي إننا نفهم ما يود إيصاله الصائغ في موضع بنيات والقدرة في قصيدته من واصلات متميزة بالاحاطة والطابع على تسخير عناصر الحروف داخل تمثيلات متداعية في محمولات نقطة الالتقاء المتهيئة في مقاصد وحالات تحصيلات اللحظة الشعرية المحتفية بسرعة الاستجابة وتعاقب فروقات الوعي الشعري من خلالها. نقرأ ما جاءت به هذه الحالة الموقفية من ضمانات الانطباعية القصوى:
فتحتُ دولابي القديم فوجدتُ قصيدةً
تنظرُ لي بحنقٍ لانني تركتُها منذُ زمنٍ
محشورةً بين المسوَّداتِ، ولمْ أعدْ
إليها..
يحيل الشاعر في بعض رسومات وقائعه اليومية، إلى معاودة ظهور ذاته الآنوية، كما هو دأبه في حال استطاعته على الإفادة من تقانة الفراغ الكتابي بتحرك البياضات أو الاستعاضة عن الكلمات بآلية التنقيط التنضيدي. فالشاعر الصائغ ربما يختلف عن تجارب شعرية عديدة لشعراء تعاملوا مع القصيدة كحدود لغوية مفخخة أو مفخورة، لذا ترى علاقتهم بذاتية النص خالية من الحيوية والدﻻلة الحسية، فهو من الشعراء - أي الصائغ - من تتأكد لديك عنه، كونه يتعامل مع النص بطرائق ذا أبعاد عاطفية فاعلة في توطيد تراكز العلاقة بين (الذات - الموضوع) امتداد نحو مقاييس إطالة البعد الشعري في علائقية ترتيب وتضمين في مساحة خطابية تملأ حيز التلقي بانطباعات سلطة المؤثر الشعري.
- تعليق القراءة:
نعود من هنا مجددا الى حالات قصيدة النص لدى الشاعر موضع بحثنا لنجد فيها مكونات الشكل المكاني العضوي، وصولا بالنص إلى متباينات حاوية لأجلى العلاقات الدﻻلية بين اللغة ومواطن تموجات الذات الواصفة في حالات ومقامات جمالية السر الحروفي الكامن في حجب بلاغة القول الشعري.. وعلى هذا النحو قرأنا نماذج من قصائد الشاعر العذب (عدنان الصائغ) عبر آليات مجموعته (ومضات... ك) لنعاين من خلالها تلك الحبيبة المتنكرة بالزمن الحروفي، إذ أراد لها الصائغ سكونية في الاداء الإيحائي وفردوسا يملأ ذاته بالحلم والأمكنة واللحظات توغلا في فواصل وتقاطعات الأبجديات الحروفية التي هي غياب المفاتيح وحضورها عبر المسافات القصوى من حساسية وقابلية ملاذات اللعبة الحروفية الواصلة في ديمومة الزمن الشعري.
***
حيدر عبد الرضا - كاتب وناقد عراقي