قراءات نقدية
كاظم الموسوي: فاضل ثامر.. والميتا نقد
كتب الناقد الادبي البارز فاضل ثامر في كتابه "الصوت الاخر" الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد عام 1992، في تقديمه، بدلا عن المقدمة: لقد اصبح من الضروري جدا للناقد العربي ان يعيد النظر في منطلقاته النقدية التي اعتاد عليها وان يسعى لاعادة تشكيل رؤياه النقدية في ضوء جديد.
واشار في تقديم كتابه: المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي، الصادر عن دار المدى، بغداد، عام 2000 " ان رؤيتي النقدية تندرج ضمن مسعى نقدي عربي يحرص على المزاوجة بين المنظورين الجمالي والاجتماعي في خطاب السرد العربي الحديث، وهو يمثل مواصلة لتجربتي النقدية خلال اكثر من ثلاثة عقود".
خلال مراحل عمره الادبي، وتجربته النقدية، وقد نشر كتابه النقدي الاول، مشتركا، عام 1971، ومنذاك استمر الناقد في تطوير ادواته وخطابه النقدي، بفهم واضح ووعي منهجي، تصاعدا نحو المشاركة في استخدام مصطلحات له في اطار المنهج النقدي الادبي، الذي اختاره وواصله موضحا ذلك في كتابه المبنى الميتا - سردي في الرواية، الصادر عن دار المدى، بغداد عام 2013 في قراءات نقدية لعشرات الروايات والروائيين، في ضوء العنوان والتحليل النقدي والممارسة الادبية.
ويبدو ان نزعة ما وراء السرد او ما وراء الرواية (او الميتا سرد) meta-narration هي ايضا جزء من انفجار " الميتا" وتناسلها الذي شمل جميع العلوم والمعارف الاجتماعية والفكرية. كما عرّف الناقد عنوانه "فالميتا سرد، في الجوهر، هو وعي ذاتي مقصود بالكتابة القصصية او الروائية يتمثل احيانا في الاشتغال على انجاز عمل كتابي او البحث عن مخطوطة او مذكرات مفقودة وغالبا ما يكشف فيها الراوي او البطل عن انشغالات فنية بشروط الكتابة مثل انهماك الراوي بتلمس طبيعة الكتابة الروائية ")ص.(8
اكد الناقد ان هذا النزوع قاد في المعارف الانسانية الى توليد سلسلة من المفاهيم والمصطلحات الجديدة التي راحت تنضوي تحت لافتة مصطلح شامل هو "الظاهرة الذاتية" auto-phenomenon . واضاف كما هو معروف حديثا في الدراسات النقدية وان كنت شخصيا افضل ان اجترح له مصطلحا اشمل يعبر عن ذلك هو مصطلح auto-reference اي "المرجعية الذاتية" (ص8). وكتب في الموضوع ونشر عنه نظريا مستمرا منذ عقود من الزمن، الا انه كما افاد انه يفحص النماذج الروائية العربية التي استفادت من هذا الضرب السردي، "واكتب عنها دراسات نقدية تطبيقية وتحليلية مستقلة من دون ان الزم نفسي بكتابة كتاب اكاديمي او منهجي منضبط لتجليات الميتا- سرد في الرواية العربية" (ص9).
تابع الناقد من خلال ذلك ما رصده في الروايات العربية ودرس بمنهجه وتحليله لسرديتها وتبنيها او كتابها للميتا سرد فيها. مطورا نظرته النقدية وخطابه الثقافي في النقد والتقييم والاشارة الى موضوعه واجتراحه للمفهوم النقدي الشامل وتطوير ادواته في منحى الروايات التي درسها في هذا الكتاب وغيره من الكتب المتميزة له.
تفرد الناقد فاضل ثامر من خلال هذا الكتاب وباقي اصداراته النقدية ومقالاته ودراساته في جدية التطبيق النقدي لابرز ما في المشهد الثقافي، ولا سيما الروائي منه، وباهتمام في قراءة ومتابعة فنية وثقافية يشهد له فيها ويسجل له رصده وتحليلاته النقدية الادبية في اطار منهجه الثقافي الذي تقدم معه زمنيا، وفي توصيف وتحليل وتقويم المنتج الابداعي العربي.
وبخصوص موضوعه اكد من البداية، انه "من المهم ان ندرك ان هذا اللون من "الميتا" يفترض القبول بالعقد الافتراضي بين المؤلف والقاريء على عد هذا النص لعبة كتابية صرف" (ص8) وسجل انه تفحص النماذج الروائية العربية التي راحت تستفيد من هذا الضرب السردي، وكتب عنها دراسات نقدية تطبيقية وتحليلية مستقلة. واضاف "وكتابي النقدي هذا احتفاء بانجازات السرد العربي بقدر ما هو فحص لأحد مظاهر تجلياته ما بعد الحداثية واعني به المظهر الميتا سردي فيه" (ص10).
في عناوين دراساته ومقالاته توضيح واثبات للهدف من الكتاب وما سبق ذكره. وفيه تبرز متابعات الناقد الجديرة بالملاحظة وطاقته النقدية في قراءة هذه النصوص السردية وشبكات ارتباطاتها النصية او التاريخية او التقارب والتباعد عن نصوص مشابهة او سابقة لها. مؤكدا على قدرات سردية وامكانات فنية لدى كتاب الروايات التي درسها، وناقدا لها واساليبها بما يقدم منهجا وبحثا وطاقة مشتركة بين الروائي والناقد، وبين النص السردي والدراسة التحليلية.
من اول مقالة في الكتاب بعنوان: (الميتا- سرد) ونرجسية الكتابة السردية، سلط الضوء على روايات عدة أستخدم روائيها هذا الاسلوب، وحللها بمنهجه النقدي، بدء من رواية "سابع ايام الخلق" للروائي عبد الخالق الركابي، واعلان الراوي عن نيته كتابة تاريخ اسرته وعشيرته التي ينتمي اليها، مواصلا كتابة مخطوطة السيد نور التي ظهرت في رواية سابقة له بعنوان "الراووق"، ورواية القاص محمد خضير "كراسة كانون" ورواية "رغوة السحاب" للقاص محمد عبد الوهاب، والتقنيات الفنية التي اتبعها كتابها، وكذلك في القصة القصيرة الطويلة، "تيمور الحزين" للقاص احمد خلف الذي نسج فيها ثنائية سردية قائمة على سردين؛ معاصر وتاريخي من خلال قراءة وفحص مخطوطة تراثية، سبق للقاص ان قدم بواكير تجربة مقاربة في روايته "الخراب الجميل"، كما حصل مع الروائي غائب طعمة فرمان وروايته "ظلال على النافذة "، وجبرا ابراهيم جبرا وروايته "صراخ في ليل طويل" وانغماس بطلها بكتابة تاريخ اسرة فلسطينية ارستقراطية عريقة من خلال اكداس من المخطوطات والرسائل والاوراق العائلية، ومثله بطلة القاصة لطفية الدليمي في "عالم النساء الوحيدات" بفحص وقراءة مذكرات الانسة "م" التي شكلت نصا سرديا داخل النص الأصلي، وكذا عند القاص فؤاد التكرلي في "همس مبهم" ورواية "اوتار القصب" لمحسن الموسوي، ورواية "بابا سارتر" للقاص علي بدر، الذي انهمك بطلها بكتابة سيرة حياة فيلسوف عراقي وجودي افتراضي وتخيلي. وهناك طبعا نماذج عديدة في الرواية العربية تنحو مثل هذا المنحى التجريبي في الكتابة السردية.
اثار هذا اللون من التجريب في فضاء البنية السردية اعتراضات وتحفظات كونه وافدا جديدا يعتمد بشكلٍ أساسي على "إنشغال ذاتي من قبل المؤلف بهموم وآليات الكتابة السردية. اذ نجد الروائي او القاص منهمكا بشكل واع وقصدي بكتابة مخطوطة او سيرة او نص سردي آخر داخل نصه الروائي أو القصصي"(ص14). وواصل الناقد نقاشه عن المصطلح والمفهوم وانشغال النقاد والمنظرين والروائيين طيلة اكثر من (ثلاثة عقود) وتحديدا منذ منتصف ستينات القرن الماضي بفحص وتحليل وتقييم هذا اللون الجديد من الرواية، مفصلا المصطلحات التي تناولت ودرسها النقاد، خاتما بما رآه الكاتب انغريد كرستنسن في خاتمة كتابه بالاشارة الى أن كاتب (ما وراء الرواية) مع انه يحاول توفير خلاص فردي له ولقارئه، فهو لا يستطيع ان يظل بعيدا عن تحمل مسؤولياته العامة (ص33). اي ان الروائي يخطط او يضع مخططا لمشروع الرواية، فيكتب اكثر من نص سردي في الرواية، رواية داخل رواية، تتداخل فيها النصوص السردية، وتجمع الرواية، عتبات: العنوان الرئيسي او ما يسجل على الغلاف او الاشارات التقديمية مع اساليب روائية متعددة، ونصوص مكتوبة بروح الرواية او بلغة السارد، المتكلم، او الشاهد الثاني، والابطال الثانويين المكملين للرواية، الملحمة، النصوص المتداخلة او المركبة. لينتهي بالاخير بانتاج استراتيجية سردية حديثة او ما بعد الحداثة، يشغل القاريء بها ويشده اليها.
لاحظ الناقد ان كثيرا من الروائيين والقصاصين العرب قد كشفوا عن وعي كامل بشروط الكتابة الميتاسردية او الميتاروائية في وقت مبكر نسبيا وربما قبل ان يطلعوا على الاطروحات النظرية لهذا اللون السردي (ص57). واستفادوا من تجربة الادب العالمي في توظيف شخصية المهرج او البهلول او المجنون لتمرير بعض الاحكام والافكار التي لا يمكن للانسان العادي ان يعبر عنها ولقول ما يمكن قوله مثل المسكوت عنه لاعتبارات سياسية واجتماعية ودينية، وقد عبر الاديب هانس كرستيان اندرسن في واحدة من قصصه العميقة ونعني بها "ملابس الامبراطور" عن مسكوت عنه سياسي عندما قال ان الامبراطور كان عاريا. كما وجدنا ان مسرحيا كبيرا مثل شكسبير يوظف في الكثير من مسرحياته شخصية المهرج او البهلول، كما هو الحال مثلا في مسرحية "الملك لير". (ص ص 54-55). مشيرا الى روايات مؤنس الرزاز، وامين معلوف، وامتدادا في رواية "بنات الرياض" للروائية رجاء عبد الله الصانع، ورواية "امراة القارورة" للروائي سليم مطر، مؤكدا على قدرات مزاوجة موفقة بين مستويات السرد الواقعي الحديث ومستويات السرد الواقعي السحري او الايهامي وبافادة واضحة من المبنى الميتا سردي في الرواية الحديثة (ص82). نماذج او شهادات لما درسه في الروايات الاخرى التي ضمها الكتاب.
كما حلل رواية "في انتظار فرج الله القهار" للروائي سعدي المالح بانطوائها على مستويات سردية متنوعة وتحفل ببنية سردية بوليفونية (تعددية)من خلال تخلي الروائي، او راويه الضمني عن سلطته الاوتوقراطية واحالة السرد الى الشخصيات ذاتها من خلال سرد داخلي مبؤور تفصح فيه الشخصيات عن منولوجات او حوارات ثنائية (ص91). منتهيا الى ان هذه الرواية عراقية "بحق تتحدث بفنية عالية عن الوجع العراقي وعن هذا النسيج الاجتماعي الاثني واللغوي المتنوع والثقافي الفسيفسائي المتباين للمجتمع العراقي"(ص104). وراى الناقد فاضل ثامر في التحقيق الصحفي بنية ميتا سردية، في رواية الروائي علي بدر "الركض وراء الذئاب"، وكذا هو الحال في رواياته الاخرى، التي "هي بدرجة محسوسة روايات ميتا سردية حيث القصدية الواضحة في الكتابة؛ ثمة نصوص ووثائق وحقائق ولقاءات وتسجيلات تتراكم لتشكل المتن السردي الذي يخلقه بمهارة علي بدر ويشكله بسهولة خادعة" (ص106).
دراساته للعديد من الروايات توضح منهجيته في التاكيد على اساليبها السردية ومقارباتها الميتا سردية وقدرات الروائيين فيها. فاشار الى توظيف الروائي شاكر الانباري في روايته "بلاد سعيدة" عنصر المفارقة منذ العتبة الاولى للنص المتمثل في العنوان "بلاد سعيدة"، فالنص الروائي هو صورة شبه قاتمة ودموية للعراق خلال ما يقرب من أربع سنوات من عمر الزلزال الذي ضرب النسيج الاجتماعي العراقي، ولا صلة له بالواقع اليومي المنسوج بمرارة. واضاف ان المؤلف وزع بمهارة مكونات سيرته الذاتية على شخصياته الروائية (ص118)، وان الرواية مكتوبة بنفس واحد ومتواصل وكانها منولوج طويل او جملة نحوية واحدة لا تقطيع حقيقي فيها ولا تمفصلات زمانية أو مكانية فيها والأحداث تتناسل في حركة لولبية متصاعدة (ص124). وواصل في تحليله لرواية "المنعطف" للروائي مجيد حنون وثيماتها المركزية وتشظيها وجرأة مؤلفها فيها، واتخاذه نسقا سرديا دائريا يبدا من النهاية، ومشاركة رواتها في صناعة الحدث الروائي.
كما وضع الناقد في دراساته وتحليله للسرديات وملاحظاته الادبية النقدية خاتمة لقراءته النقدية يخلص فيها الى موقع الروائي والرواية من البنية الميتا سردية، من جهة، والمشهد الثقافي العراقي او العربي، من جهة اخرى. كما كتب في خاتمة تفكيكه لرواية عبد الله صخي "خلف السدة" بانه يقدم شهادة حارة وحية عن حقبة خطيرة من تاريخ الشعب العراقي والى حد ما عن حياة جيل الروائي، وبذا تتحول الرواية الى نمط خاص وغير مباشر للمبنى الميتا سردي في الرواية (ص146). وكذلك مع دراسته لرواية "تقاطع ازمنة"، للقاص محمود الظاهر، ومع الملاحظات النقدية "فهذه الرواية تؤكد لنا قدرة المؤلف على التواصل والبحث والتحديد والاجتهاد في ظروف متبدلة زمنا ومكانيا"( ص158). وكذلك مع رواية موسى كريدي الوحيدة "نهاية صيف"، المنشورة في بغداد عام 1995، "هي نبوءة بنهاية الداهية/ الطاغية، وهي شهادة شجاعة لكاتب عراقي في زمن كان فيه الكلام الشجاع مصادرا"(ص169). كما ذكر ذلك عن رواية مجيد حنون.
في دراسته لرواية القاص والروائي احمد خلف "الحلم العظيم" كشف عن جوهر ميتاروائي او ميتاسردي منذ بدايتها (ص171). وبعد تحليلها وملاحظاته النقدية حول بناء الشخصية الاشكالية لبطلها وتطور دوره فيها اكد الناقد آن الروائي دخل لعبة ما وراء السرد او الميتاسردية بدراية ومهارة "وهو يصنع لنا عوالمه السردية المدهشة"،(ص180). وكذلك عن رواية الدكتور محسن الموسوي، اوتار القصب، التي خلق مؤلفها رواية ميتاروائية اكثر من ميله لكتابة رواية تقليدية (ص184)، ورغم فتنة النص المتفرع ثبت الناقد ان الرواية "بوصفها ميتارواية تلفت بشكل خاص الى تقنيتها، وهي تميز بالادراك الذاتي لشكلها البنيوي" (ص184). ولاحظ ذلك ايضا في رواية الناقد والروائي عباس عبد جاسم، "السواد الاخضر الصافي".
استعاد الناقد مع رواية القاص والروائي فهد الاسدي "الصليب حلب بن غريبة" مساحة ثقافية وفنية تاريخية، وتتبعه انشغال الروائي بموضوع الرواية وتقديمه باكثر من نص، وصولا الى نشره بعنوان الرواية، التي وجد فيها تطويرا للوعي القائم الى الوعي الممكن، كما وضعه في عنوان دراسته، ومثيرا رايه في الرواية من الناحية الفنية والسردية، وبعض التساؤلات حول الطريقة التي اعتمدها الروائي في توظيف "اللغة"! الشعبية والريفية ومحاولة تفصيلها، او الابقاء على مفردات شعبية مثل (الهوسات) الشعبية وغيرها، (…) وكذلك بعض الاشكاليات الخاصة بطريقته في تحقيق لون من التناوب السردي في المنظورات ووجهات النظر الخاصة بالشخصيات الروائية الرئيسة (ص198). خاتما ان الرواية كتابة من نوع جديد، كتابة سردية بالتاكيد لجوانب من تاريخنا الاجتماعي والسياسي ومن نضالات جماهير الفلاحين العراقيين في النصف الاول من القرن العشرين (ص199).
توقف الناقد فاضل ثامر، اضافة الى الاساليب التي تفنن بها الروائيون، الى المواضيع الرئيسية في اعمالهم السردية، والدلالات الفنية وحتى الرمزية فيها. فمثلا درس الهوية السردية للمدينة في روايتي محمد خضير " بصرياثا: صورة مدينة"، ورواية مهدي عيسى الصقر "المقامة البصرية العصرية: حكاية مدينة"، مسهبا في تفاصيل النظرية وروادها، مركزا على انشغال الروائيين في الزمن والتحرك عبر امتداد زمني وتاريخي افقيا وعموديا، وعلى مساحة طبوغرافية ومكانية عريضة،(ص209). وكذلك درس مخطوطة العائلة والميراث الميتاسردي في رواية عبد الخالق الركابي "الراووق"، وعدد من. رواياته الاخرى، خاتما "الروائي عبد الخالق الركابي في ثلاثيته الروائية او رباعيته الميتاسردية وفّق الى حد كبير في تحقيق فهم عميق واستثنائي اللعبة السردية عموما ولاسرار وشروط اللعبة الميتاسردية " (ص260). وشهادة شخصية مهمة عن تجربة دامية في اللعبة الميتاسردية في رواية "قشور الباذنجان" لعبد الستار ناصر، مسجلا "بنية الرواية تعتمد على لعبة ميتاسردية ماكرة،لا تخلو من بعض عناصر القص البوليسي القائم على التوتر ، وعلى الرغبة في الكشف عن المجهول والغامض، ويتم فيها السرد من خلال سلسلة من المنولوغات الداخلية"(ص293). ومثله رحلة افتراضية ميتاسردية في تخوم المجهول في رواية حميد المختار "صحراء نيسابور"، التي اعتبرها الناقد " مغامرة روائية فريدة غير مسبوقة في الرواية العراقية، يمكن ان تقارن فقط ببعض نصوص القاص جمعة اللامي الاخيرة وبشكل خاص "مجنون زينب" و"عيون زينب" (ص303).وتوقف عند لغة الموروث الشفاهي ولغة السرد الحديث في رواية جهاد مجيد "حكايات دومة الجندل"، وروايات اخرى لروائيين عراقيين ضمن منظور تجريبي حداثي، ومنحى ميتاسردي، واعتماد الرواية هذه على مجموعة من المخطوطات المدونة والمرويات الشفاهية لتكوين متن نصي متكامل متمحور حول دومة الجندل (ص307). وما اثاره فاضل العزاوي في روايته "الأسلاف" في اتكاله على المخطوطة كنص سردي مستقل وتوظيفها في النصوص الميتاسردية، واقامته "حوارا وتعالقا نادرا بين ما هو واقعي وغرائبي وبين ما هو خيالي وما هو حسي بطريقة مليئة بالسخرية والكوميديا السوداء التي تسخر من كل ما هو قبيح ومعاد للحياة والحرية ، لكنها في الوقت ذاته لا تفقد الأمل ابدا"(ص326). وما قراه في رواية لطفية الدليمي "سيدات زحل " ومعاناة المرأة الكبيرة في اصعب سنوات المحنة في العراق، وشهادتها الحارة والصادقة والصارخة فيها كاضافة مهمة في سفر الروائية السردي. وصناعة الطاغية في الميتا سرد، في رواية زهير الجزائري "الخائف والمخيف" وغيرها، ليشرح صناعة الطاغية والمجتمع الذي يسحقه الطغيان. ودرس بتان رواية جمعة اللامي "مجنون زينب" مرورا بإبداعاته القصصية ورمزية زينب فيها، مؤكدا "رواية "مجنون زينب" جزء من لعبة ميتا سردية ماكرة يتقن شروطها المؤلف وياخذنا فيها الى تخوم ميتافيزيقية وعرفانية نورانية لكنه لا ينسى ان يعود بنا ثانية الى قاع الواقع اجتماعيا وفكريا وسياسيا"(ص347). كما حلل او فكك نقديا عددا من روايات روائيين عرب، وجد فيهم نماذج للميتا سرد، كصنع الله ابراهيم، ويوسف زيدان وعلوية صبح، وحسن حميد، ومحمد الأشعري وربيع جابر وواسيني الاعرج وغيرهم ايضا.
في فصل الختام للكتاب، من 450 صفحة من القطع المتوسط، وعلى الغلاف الاخير منه، يذيل الناقد فاضل ثامر في استذكار لعدد من كتاب القصة في العراق الذين تمكنوا من التجريب واستخدام لعبة الميتا سرد في قصص لهم منشورة في مجموعات قصصية، كعبد الملك نوري وفؤاد التكرلي وعبد الرحمن الربيعي ويوسف الحيدري وخضير عبد الامير مع اسماء درس رواياتها واشار اليها، وهو يستعرض معها منهجه النقدي ومصطلح الميتا سرد الذي اعتبره تطورا فنيا في السرد العربي، وتواصل تطبيقيا مع استخدامه واساليبه والتفنن في لعبته وصناعة رواية، ميتا سردية، بتحليل ونقد ودراسة ناقد متابع ومتقدم معها، كما سجل منحنيات منهجه وتطوره نقديا وثقافيا في كتبه التي نشرها وتشهد له، قامة نقدية حداثية.
***
كاظم الموسوي